أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - رحمن خضير عباس - حكايات مرّة














المزيد.....

حكايات مرّة


رحمن خضير عباس

الحوار المتمدن-العدد: 4311 - 2013 / 12 / 20 - 07:47
المحور: سيرة ذاتية
    


حكايات مُرّة
رحمن خضير عباس
كنّا صغارا ،لا تتسع طاولات الصف لعبثنا ومشاكساتنا نستغل الوقت بعراك طفولي لاحدود له ، مستغلين خلو القسم من معلم الرياضة . فجأة يبرز مدير مدرستنا بمعية شاب اسمر ، ذي ملامح سومرية .فاحم العينين فارع الطول . قال لنا المدير : معلم الرياضة الجديد ، لم نشعر بإنسحاب مديرنا ، فقد كنا مسمّرين على حافة من الصمت. ، تشرئب أعناقنا الى معلمنا الجديد ، تأملنا أناقته ، بدلتة الزرقاء وقميصه الابيض الذي تتدلى من ياقته ربطة عنق زاهية. كانت الدهشة تخيم على عيوننا المتعطشة لمعرفة معلمنا الجديد . وما ان أمرنا بالجلوس حتى ارتسمت على فمه ابتسامة حنونة وهويقدم نفسه الينا (: ماجد مكطوف .. ولادة الناصرية معلمكم الجديد لدرس الرياضة ..) بهذه الكلمات أذاب عنا جدران الخوف والتوجس ، وهو يستل من اعماقنا الرغبات المكبوتة في المشاكسة ،لنتحول من طلبة مشاغبين الى اطفال وديعين وهو يحاورنا عن هواياتنا ورياضتنا المفضلة ، واستعداداتنا لأن نكون اعضاء في فريق المدرسة الكشفي .. تلك الليلة لم يستطع التعب ان يسرق النوم من عيوننا . كنا نحلم بمخيمات كشفية لاتخلو من مغامرات كنا نقرأها في مجلة (سمير) . كان ذالك في بداية الستينات من القرن الماضي حينما كنا في المدرسة الإبتدائية الوحيدة في ناحية الغراف . كانت مدرستنا مملة لاروح فيها , ولكن ماجد مكطوف وبعض زملاءه من المعلمين الشباب اعادوا لها روحا جديدة . كنا نتسابق ونلعب كرة الطائرة والمنضدة والعاب الساحة والميدان ,. وكان ماجد يبثُّ فينا روح البحث والمغامرة ، ويؤجج فينا طاقات الإبداع .. اتذكر حينما اخذ فريقنا الكشفي الى الناصرية بمناسبة عيد الجيش ، ابى الا ان نزور داره في الناصرية . ومنذ تلك اللحظة اكتشفنا اننا إزاء اب وأخ ومعلم . كما توثقت علاقاته باهالي الغراف حيث كان يزور بيوت تلامذته ، يبدي لهم مشورته . حينما نجحتُ من المرحلة الإبتدائية ، زرته الى الناصرية لأزف له بشرى نجاحي . اخذني الى السوق ليشتري لي ساعة يدوية . كانت تلك الهدية أثمن ما حصلت عليه في حياتي .
تقطعت الدروب بنا ، وكانت الأعوام تصهل كالخيول ، في معتركات حياتية شرسة وحادة ، اخذت السياسة والدراسة تلتف حول أعناقنا وتتركنا منهمكين في تلمس دروب معتمة . علمت ان استاذ ماجد تزوج من إنسانة فاضلة تشتغل في التعليم وانتقلا معا الى بغداد . ولكنني لم ألتق به ابدا . بعد تخرجي من جامعة بغداد ، اصبحت ضائعا ما بين التدريس والعسكرية ، وما إن حانت فرصة تسريحي من الإحتياط حتى غادرت هذا الوطن ، وأنا اردد مقطعا شعريا ، لااتذكر اسم قائله" هذه الصحراء ، فاقطعها ، ولاتبخل عليها ياطويل العمر .."علمت في مهجري ان ماجد قد فقد زوجته التي توفيت من مرض ألمَّ بها ، وبقي ماجد بعدها أعزلا في مواجهة ظروف قاهرة ،فقد عانى الأمرّين ايام محنتها ، وانفق كلما ادخراه معا من أجل شفائها ، ولكنها رحلت لتتركه وحيدا لايؤنسه في وحدته سوى ابنه ( محمد ) وحفنة من الذكريات .
حينما زرت العراق في الربيع الماضي . اتصلت به وحددت موعدا للقاء .. من بعيد بدا لي ماجد يتوكأ على عصاه . أغمضت عيني قليلا لأسترجع صورة ماجد المعلم الشاب الذي ينقضّ على الكرة بحركات متقنة ، فتنطلق تصفيقاتنا مفتخرين بقوة معلمنا وقدرته على الفوز على فريق الخصم في تلك المدرسة، فنقلد حركاته الرياضية الرشيقة . هل ذا الشيخ المتعب هو استاذ ماجد ؟ لم يترك لي وقتا للتفكير وهو يعانقني بدموع تنزلق على وجنتيه الشاحبتين . قال مازحا: لم تتغير وكأنك مازلت في نفس الرحلة في الصف الرابع الإبتدائي ، ضحكنا ونحن نلوذ بأفياء الزقاق المؤدي الى بيته في منطقة الكريعات.
كان لقائي به ، هو الأول بعد نصف قرن ، ولم يخطر ببالي أنه الأخير . كنت اداري دموعي الهاربة بضحكة زائفة . سرنا الى بيته المختبيء في أزقة ضيقة . قدم لي ابنه الرائع محمد ، تحدثنا باختصار عن السنوات وكأنها سحب عابرة ، تحدثنا عن الهموم الحادة ‘ الأوضاع في العراق ، الغربة في المهجر ، والغربة في الوطن ، هموم السياسة وهموم الوطن ..كنا نتحدث بسرعة وكأننا نريد إختصار السنين .
" ادركني الوقت ، ابو محمد .." قلت له وكأني اريد الهروب من واقع مر . حينما ودعني وهو يدس ثمن إجرة التاكسي في جيب السائق ، قلت له : حينما ازور العراق العام القادم سيكون لنا الوقت الكافي لأن نلتقي أكثر . لكنني لمحت شبه ابتسامة على وجهه هي اشبه بالسخرية من الحياة ومنعطفاتها.
امس وانا اطالع صفحة الفيس بك . فإذا بخبر وفاة ماجد ، تسمرت عيناي في الخبر . كانت دموعي تتسلل بصمت وانا استعرض قصة حياة هذا المربي الفاضل ، الذي استطاع ان يترك بصماته الطيبة على أجيال من تلامذته .
لترقد روحه الطاهرة بسلام ولتبقى ذكراه الطيبة بين محبيه .



#رحمن_خضير_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول ضرب البريطانيين في البصرة
- هاشيدا...رائحة الدم ولون الدمع
- جان جينيه ..القبر والمدينة
- فنانون ..بلاحدود
- مسرى الناي .. سِفر الوجع المزمن
- على صهوة المجد.. واشكالية الهوية الشعرية
- عيّنة من نوابك ..ايها الشعب العراقي
- مظاهرات اليوم
- تجليات الواقع والخيال ..في رواية طوفان صدفي
- هروب سجناء القاعدة
- السطوع
- مدن اخرى ..وقلق المكان
- الجونوسايد في مصر
- رواية (كوميديا الحب الألهي) والذاكرة المعطوبة
- الرحيل ..وحزن اوتار العود
- علي دواي .. بصيص أمل في عراق جريح
- قف بالمعرة ..
- وأد الأطفال ..في بلاد النفط
- أحمد القبانجي .. سجينا
- بغداد عاصمة ..لأية ثقافة


المزيد.....




- ماذا قال ترامب عن مقتل أمريكي على يد مستوطنين في الضفة الغرب ...
- أحمد الشرع: وساطة أمريكية وعربية وتركية أنقذت المنطقة من مصي ...
- مصدر لـCNN: إدارة ترامب تستعد لإتلاف 500 طن من المساعدات الغ ...
- اتفاق بين حكومة دمشق وقيادات درزية محلية لوقف إطلاق النار في ...
- ترامب يقر بأن إقالة رئيس -الاحتياطي الفيدرالي- قد تسبب اضطرا ...
- مصدر يكشف لـCNN عن تطور في -مفاوضات غزة- بشأن الخلاف حول تمر ...
- ستارمر يطالب بمحاسبة وزراء حزب المحافظين بعد تسريب بيانات بر ...
- كيف يتوزع النسيج الديني والعرقي في سوريا؟
- الشرع: الدروز جزء من سوريا وإسرائيل تريد تفكيك شعبنا
- الجزائر: دخول القانون الجديد لمكافحة المخدرات والمؤثرات العق ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - رحمن خضير عباس - حكايات مرّة