أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - مدخل الى النص القرآني















المزيد.....



مدخل الى النص القرآني


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 4302 - 2013 / 12 / 11 - 19:45
المحور: الادب والفن
    


والفكرة والعبرة إلى كافة الناس، وترك الأثر فيهم بصورة متساوية، فلا يتأثر بها الصيني أقل من العربي.
ونستطيع القول من خلال ما سبق أن القرآن نجح في تكوين فكرته العالمية، واستطاع الخروج من التقوقع الجغرافي كما هو الحال في العهد القديم، حيث أن عملية التحرر من الجغرافيا ليست بالعملية العادية، وإنما بحاجة إلى الكثير من الجهد والدقة لكي تتم، خاصة في كتاب يحتوي على الشريعة والعقيدة المنزلة من الله، فعملية الأختلاف في تحديد المكان الذي حدثت فيه الأحداث القرآنية، جاءت متزامنة مع عالمية القرآن بحيث جعلت كل من يقرأ القرآن يشعر أن أحداثه قد حدثت في منطقته، وكذلك تخدم ـ المشاعية الجغرافية ـ الإنسجام ما بين القارئ والفكرة القرآنية التي تدعو كافة الناس على اختلاف قومياتهم وأصولهم إلى التوحيد.
ثانياً : _ القرآن الكريم لا يركز على تسمية شخصيات القصة ، "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ-;- قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ 27 "المائدة
" أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا" 9 الكهف
"وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32)" الكهف
"وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ-;- لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ-;- أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60 ) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (61)" الكهف
فكل هذه القصص وغيرها لم يتم تسمية شخصياتها، وذلك يعود أيضا إلى عالمية النص القرآني، فكما أن الجغرافيا توحي إلى مكان معين، فان أسماء الأشخاص توحي إلى مكان معين أيضا، فاسم احمد يشير إلى إنسان عربي أو مسلم، واسم ايفان إلى إنسان أوروبي، وهكذا ولكي يكون القرآن قريباً من كل الأمم ،كان لا بد من تجنب تسمية شخصيات قصصه، حتى لا يشعر القارئ بالأغتراب عن هذه الشخصية، فهنا نجد القرآن نجح في التحرر من الأنغلاق على أبطال قصصه، وقدمهم على إنهم شخصيات مشاعية لكل الأمم والشعوب، بدون أن يكون هناك خلل أو نقص في مضمون الفكر، أو تباين في تأثير تلك القصص بين قوم وقوم، فكل من يقرأها سيتأثر بها وبنسبة متساوية، ونستطيع القول بأن تجنب القوقعة الجغرافية والشخصية في القرآن، يستدل منه على أنه كتاب لكل البشر وأنه لا يختص بمكان محدد أو بقوم معينين .
من خلال ذلك نستنتج بأن الشخصيات القرآنية ليست إقليمية أو عنصرية وإنما هي إنسانية، يستطيع أياً كان التفاعل معها ولا يشعر بأنها غريبة عنه، أو أنها (ملك خاص ) لقوم أو فئة محددة، ونجزم بأن عملية التحرر من الأماكن الجغرافية ومن القومية في القرآن لم تكن لتوضع بدون هدف، وإنما كانت تعمل على خروج القارئ أيضا من جغرافيته ومن إقليميته إلى العالمية، أي أن القرآن يدعو إلى نبذ النعرة الإقليمية، وإزالة كل أشكال التقوقع على الذات أو الأنغلاق عن الآخرين، فهنا نجد الدعوة غير المباشرة للعالمية، وهذا يمثل أعظم ما فيه، حيث أن التماثل بين الفكرة الصريحة التي دعا إليها القرآن، والفكرة ا لمستترة وراء قصصه تجعل منه كتاباً يقرأه الكثير لما فيه من المتعة الفكرية والأدبية التي تغدقها القصص والأحداث فيه .
ثالثاً : ـ القرآن الكريم لا يركز على ذكر السنوات في القصص ، وان ذكر عددها فإنه لا يفيد التاريخ العام
"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ-;- قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ" 14 العنكبوت
"أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" البقرة 259

"ولبثُوا في كهفهم ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)"الكهف
إن الهدف من القصة هو المهم وليست تلك التفاصيل وعدد السنين، فجاءت السنوات في القصة الأولى تحث على الصبر، واستمرار الدعوة إلى الله الواحد، وعلى جحود ونكران هؤلاء القوم لدعوة نوح عليه السلام، ومن ثم إنزال العذاب والهلاك بهم، أما القصة الثانية فيستدل منها على قدرة الله تعالى من خلال إحياء الموتى، فبمجرد موت الإنسان أو الحيوان، إن كان هذا الموت لساعة أو ليوم أو لشهر أولسنة أو لمائة أو لألف سنة، فانه يخرج من عالم الأحياء إلى عالم آخر، وان إعادته إلى الحياة هو معجزة، ويعد من الأعمال الخارقة، التي تدل على عظمة الخالق، وجاء ذكر عدد السنوات هنا لتوضيح الكيفية التي تتم فيها عملية إعادة الحياة .
والقصة الثالثة جاءت تدعو لتجنب الخوض فيما ليس به علم، وكذلك للتأكيد على أن الهدف من القصة هو معرفة واستيعاب العبرة منها وليس تفاصيلها، من هنا يدعو القرآن الكريم إلى الأخذ بجوهر الحدث والقصة، والابتعاد عما لا يستفاد منه، إن هذه إحدى أهم ميزات النص الإنساني، حيث أن عدم تأرخة الحدث القصصي بتاريخ محدد، يجعل القارئ قريباً من النص، ويشعر به وكأنه معاصراً لزمانه، فلا يحس باغتراب عن المكان أو الزمان أو الشخوص التي يقرأها، فمثلاً قصة آدم عليه السلام لو تم وضع تاريخ لها، بعشرة آلاف عام قبل بعثة محمد (ص)، وجاء القارئ الآن ليقرأها، سيجد البعد الهائل للزمان الذي حدثت فيه القصة، ومن ثم لن يتفاعل بالقدر المطلوب مع ما يقرأ، ويمكن أن تأخذه أهواؤه إلى أبعد من ذلك، بحيث يغالي _ زيادة أو نقصان _ فيها، أما أن بقيت تلك القصة أو الحدث بدون تاريخ، إتبعها إلى غايتها وتفاعل معها، ولا يشعر بالأغتراب الزمني فيما يقرأه، أن القصة القرآنية تجاوزت المفهوم التقليدي لعناصر القصة ومكوناتها، من خلال إزاحة عناصر المكان والزمان لأحداثها ، ومن خلال تحرير شخوصها من أسمائهم وإقليميتهم، فهذه العناصر الثلاثة عملت القصة القرآنية على التخلص منها، وإجراء الأحداث والأفعال خارجها، وهنا تكمن عظمة القصة القرآنية، فليس من السهل إجراء أحداث خارج الزمان والمكان، وإبقاء أبطالها مجهولي الهوية، ونعتقد هنا أن عملية النقد الأدبي ضمن المفهوم المعاصر للنقد، لو عملت به على النصوص القرآنية القصصية، سنجدها قد تجاوزت عصرها بكثير، وإنها أعمق من كل المعايير النقدية التي تميز القصة الحديثة المعاصرة، ومن هنا تكمن أهمية قراءة القصص القرآنية، إن الحديث عن تكسير الزمان والمكان في القصة، كما فعل وليم فوغنر في الصخب والعنف وغيرها من الأعمال، أعتبرت من أهم سمات الحداثة، وأصبحت أحد أهم مقومات القصة الحديثة، لكن الأعظم من كل ذلك تجاوز العناصر الثلاثة كاملة، وبدون أن ينقص ذلك من فكرتها أو جماليتها، بل العكس يعمل على تحسينها وتألقها أكثر، ولا يمكن لأحد القيام بذلك، إلا إذا كانت هذه القصص قد تمت روايتها من خارج الإبداع الإنساني .
رابعاً : _ القرآن لا يركز على التفاصيل لأحداث القصة، وإنما يهتم بإيضاح العبرة والفكرة منها "إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَىٰ-;- آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا(11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ-;- لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) الكهف، إذا تتبعنا هذه القصة حتى نهايتها سنجد النهي عن الحديث في عدد السنين التي قضوها وهم نيام، وعن عددهم، وكل التفاصيل الأخرى التي لا تفيد القارئ، وكأن القرآن يريد من كل واحد منا أن يذهب بخياله الخاص حيث شاء _ضمن الفكرة الأساسية للقصة _ بحيث يكون أمام عالم مفتوح من الأحداث والشخصيات والمكان والزمان، لكن دون أن يصبح ذلك الشغل الشاغل لهم، وإذا عدنا إلى تفسير الرازي سنجد رأياً يتفق مع رؤيتنا حول هذا الموضوع "المسألة الثانية، ذكروا في صفة السفينة أقوالاً كثيرة، فإحداها : ـ أن نوحا عليه السلام اتخذ السفينة في سنتين، وقيل في أربع، وكان طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسون ذراع، وطولها في السماء ثلاثون ذراعاً، وكانت من خشب العاج لها ثلاثة بطون البطن الأسفل للوحوش والسباع والهوام، وفي البطن الأوسط الدواب والأنعام، وفي البطن الأعلى جلس هو ومن كان معه مع ما احتاجوا إليه من الزاد، وحمل معه جثة آدم عليه السلام، وثانياً : _ قال الحسن كان طولها ألفا ومائتي ذراع .
و اعلم أن مثل هذه الأحاديث لا تعجبني، ولا حاجة إلى معرفتها ألبته ولا يتعلق بمعرفتها فائدة أصلاً، وكان الخوض فيها من باب الفضول لا سيما مع القطع بأنه ليس هناك ما يدل على الجانب الصحيح والذي نعلمه، انه كان من السعة بحيث يتسع المؤمنين من قومه، ولما يحتاجون إليه، والحصول على زوجين من كل حيوان، لان هذا القدر مذكوراً في القرآن، وأما غير ذلك القدر غير مذكور."
وإذا تابعنا بقية القصص القرآنية وما تم إضافتة عليها من كتب التفاسير، سنجد الشيء الكثير، ولا أدل على ذلك من الكتب العديدة التي كتبت عن قصص القرآن والتي تعد بعشرات الكتب، ونعتقد بان تفسير الرازي هو من الذين تناولوا الزيادة والإضافات في القصص القرآنية بمعالجة علمية، حيث قام بتفنيد الكثير من المغالاة التي أضيفت إلى تلك القصص .
إن عملية الأنسجام ما بين الفكرة في القصة القرآنية وشكل إخراج تلك القصة، بحيث نجدها تهنم بالمضمون من دون أن يفقد ذلك من جماليتها الفنية، يجعل منها قصصا متميزة عن سواها ، وكذلك إن التوازن ما بين الإخراج العام لها، والمتمثل في الشكل الأدبي للكلمة، ومن ثم القصة مع مضمونها يمثل سمة بارزة في القرآن الكريم .
خامساً :- القصص القرآنية مكثفة جداً وتبتعد عن السرد الطويل الممل، والذي لا يخدم الهدف العام للقصة ـ الإيمان بالله والعمل بما يأمر والأبتعاد عما ينهى ـ
"وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰ-;-كِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ-;- فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ۚ-;- ذَٰ-;-لِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ-;- فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(176)" الأعراف
نجد هنا تكثيف القصة بحيث إنها تجعلنا نبحر في تلك الآية التي لم تتجاوز الخمسة أسطر، وكأنها رواية من مئات الصفحات، وإذا تمعنا في اللغة التي تستخدم في القصص القرآنية سنجدها لغة رفيعة جداً، بحيث أنها تجذبنا اليها بكل خفة، وتجعلنا ندخل إلى أعماق القصة وننسجم معها، وإذا عدنا إلى قصة أهل الكهف، سنجد أن ذهن القارئ يبحر بعيداً في ظروف الاضطهاد التي عاشها الفتية، وفي تفصيل المكان الذي اهتدوا اليه، ليحتجبوا عن الظالمين، وكذلك الفترة الزمنية التي لبثوا فيها نياماً، ثم استيقاظهم من غفوتهم، والهواجس التي تبعت ذلك، ثم التردد وحسم الموقف، واتخاذ القرار بالخروج ومواجهة العدو الذي احتجبوا عنه، كل ذلك يجعلنا نعيش معهم، لحظات الخوف و التردد ثم حسم الموقف والقبول بالقدر، أما مماتهم في الكهف واختلاف القوم على ما يفعلون بهم، فيضعنا في بحرٍ واسعٍ من الحوار والنقاش، ويجعلنا نعيش في حوار مسرحي شيق، ولا أصدق على ذلك من الآية الكريمة، التي توضح الخلاف الذي وقع فيه المسلمون، عندما أخذوا يزيدون وينقصون في عدد السنوات التي ناموا فيها، والخلاف حول عددهم
سادساً : ـ إذا ذكرت القصة القرآنية بأكثر من موضع، تكون هناك لغة جديدة لم تستخدم في القصة الأولى، بحيث يجد القارئ الفكرة نفسها ولكن بكلمات جديدة، وكذلك بإضافات وتفصيلات لم تذكرها الرواية الأولى، أو باختصارات واختزالات جديدة "وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ(74)" الأنبياء
"كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ(160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162)فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ-;- إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ-;- رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ165 وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ۚ-;- بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ(166) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ(167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171)ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ(173)" الشعراء
هذه الآيات جاء بها القرآن الكريم، حتى يتم التأكيد على أحداث تلك القصة من جهة، وعلى اتعاظ منها من جهة أخرى، فألقرآن لم يهمل هذا الجانب ـ التماثل و التشابه ـ وهذه الآية جاءت توضح العبرة من التماثل "مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ-;- أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ-;- كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(106)" البقرة
نجد هنا التوضيح لكل من تسول له نفسه، حول الهدف من وراء الآيات المتماثلة، وتوضح كذلك فضل عملية التماثل والنسخ في القرآن، إن عملية النسخ أو إعادة سرد القصة كان يهدف من ورائها إما إعادة التذكير بها بعين الأسلوب، أو إضافة تحسينات لغوية أو فكرية عليها، بحيث يستفيد منها القارئ البسيط الذي يركز على المضمون فقط، ويستطيع إعادة تركيب تلك القصة بذكر أي جزء منها، أما القارئ المتمعن للقرآن، والذي ينجذب وراء أي تغيير في الحروف أو كلمات القصة، بحيث يستطيع معرفة الهدف والسبب من وراء ذلك، والظروف الزمانية والمكانية التي واكبت كل نص على حده، ولزيادة المعرفة اللغوية والنحوية لديه، حيث يمكن الرجوع لمثل هذه الآيات لإسناد رأي علماء اللغة العربية، وما يقوم به العلامة اللغوي صالح السامرائي يقع ضمن هذا الإطار
سابعاً : ـ القصص القرآنية بلغة روايتها ومضمونها وكثافتها وأسلوبها وعالميتها تكون قصصاً متميزة عن أي قصص أخرى، وجاء وصفها في القرآن الكريم "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰ-;-ذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ(3)" يوسف، وهذا الحسن القصصي يتضمن مجموعة عوامل منها أنها ذات مضمون يرفع من قدرة القارئ اللغوية و الأدبية، ويجنبه الأنزلاق إلى مستنقع النصوص الرديئة، سواء كانت شكلاً أو مضموناً، فقارئ القرآن الكريم يمتلك ثقافة أدبية ولغوية وفكرية تمكنه من كشف أي نص شاذ او رديء، و أيضا تجعل القارئ يبحر مع أحداث القصة القرآنية التي يتوغل في كل تفاصيلها، وأيضا اللغة الرفيعة التي كتبت بها القصة القرآنية حيث أن اللغة أحد أهم عوامل القصة، حتى أن بعض النقاد يتحدثون عن بطولة القصة أو الرواية إلى اللغة التي تشكل العمود الفقري للقصة، ومن العوامل الأخرى لهذا الحسن، الأبتعاد عن السرد الممل والطويل، والأختزال والتكثيف الذي لا ينقص من جمالية القصة، وهذا الأمر المتوازن بين الإطالة والتقصير يعتبر أحد أهم مميزات الحدث القصصي القرآني، الذي لم ينحرف إلى النقيضين وبقى متوازنا، وكذلك عالمية القصص القرآنية التي تجاوزت الزمان والمكان و الشخوص، بحيث أنها تحيا مع كل من يقرأها في كل زمان ومكان، ومن المميزات الأخرى أنها أساس لغوي لكل من يريد الإرتقاء بلغته الأدبية .
والفكرة والعبرة إلى كافة الناس، وترك الأثر فيهم بصورة متساوية، فلا يتأثر بها الصيني أقل من العربي.
ونستطيع القول من خلال ما سبق أن القرآن نجح في تكوين فكرته العالمية، واستطاع الخروج من التقوقع الجغرافي كما هو الحال في العهد القديم، حيث أن عملية التحرر من الجغرافيا ليست بالعملية العادية، وإنما بحاجة إلى الكثير من الجهد والدقة لكي تتم، خاصة في كتاب يحتوي على الشريعة والعقيدة المنزلة من الله، فعملية الأختلاف في تحديد المكان الذي حدثت فيه الأحداث القرآنية، جاءت متزامنة مع عالمية القرآن بحيث جعلت كل من يقرأ القرآن يشعر أن أحداثه قد حدثت في منطقته، وكذلك تخدم ـ المشاعية الجغرافية ـ الإنسجام ما بين القارئ والفكرة القرآنية التي تدعو كافة الناس على اختلاف قومياتهم وأصولهم إلى التوحيد.
ثانياً : _ القرآن الكريم لا يركز على تسمية شخصيات القصة ، "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ-;- قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ 27 "المائدة
" أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا" 9 الكهف
"وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32)" الكهف
"وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ-;- لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ-;- أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60 ) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (61)" الكهف
فكل هذه القصص وغيرها لم يتم تسمية شخصياتها، وذلك يعود أيضا إلى عالمية النص القرآني، فكما أن الجغرافيا توحي إلى مكان معين، فان أسماء الأشخاص توحي إلى مكان معين أيضا، فاسم احمد يشير إلى إنسان عربي أو مسلم، واسم ايفان إلى إنسان أوروبي، وهكذا ولكي يكون القرآن قريباً من كل الأمم ،كان لا بد من تجنب تسمية شخصيات قصصه، حتى لا يشعر القارئ بالأغتراب عن هذه الشخصية، فهنا نجد القرآن نجح في التحرر من الأنغلاق على أبطال قصصه، وقدمهم على إنهم شخصيات مشاعية لكل الأمم والشعوب، بدون أن يكون هناك خلل أو نقص في مضمون الفكر، أو تباين في تأثير تلك القصص بين قوم وقوم، فكل من يقرأها سيتأثر بها وبنسبة متساوية، ونستطيع القول بأن تجنب القوقعة الجغرافية والشخصية في القرآن، يستدل منه على أنه كتاب لكل البشر وأنه لا يختص بمكان محدد أو بقوم معينين .
من خلال ذلك نستنتج بأن الشخصيات القرآنية ليست إقليمية أو عنصرية وإنما هي إنسانية، يستطيع أياً كان التفاعل معها ولا يشعر بأنها غريبة عنه، أو أنها (ملك خاص ) لقوم أو فئة محددة، ونجزم بأن عملية التحرر من الأماكن الجغرافية ومن القومية في القرآن لم تكن لتوضع بدون هدف، وإنما كانت تعمل على خروج القارئ أيضا من جغرافيته ومن إقليميته إلى العالمية، أي أن القرآن يدعو إلى نبذ النعرة الإقليمية، وإزالة كل أشكال التقوقع على الذات أو الأنغلاق عن الآخرين، فهنا نجد الدعوة غير المباشرة للعالمية، وهذا يمثل أعظم ما فيه، حيث أن التماثل بين الفكرة الصريحة التي دعا إليها القرآن، والفكرة ا لمستترة وراء قصصه تجعل منه كتاباً يقرأه الكثير لما فيه من المتعة الفكرية والأدبية التي تغدقها القصص والأحداث فيه .
ثالثاً : ـ القرآن الكريم لا يركز على ذكر السنوات في القصص ، وان ذكر عددها فإنه لا يفيد التاريخ العام
"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ-;- قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ" 14 العنكبوت
"أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" البقرة 259

"ولبثُوا في كهفهم ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)"الكهف
إن الهدف من القصة هو المهم وليست تلك التفاصيل وعدد السنين، فجاءت السنوات في القصة الأولى تحث على الصبر، واستمرار الدعوة إلى الله الواحد، وعلى جحود ونكران هؤلاء القوم لدعوة نوح عليه السلام، ومن ثم إنزال العذاب والهلاك بهم، أما القصة الثانية فيستدل منها على قدرة الله تعالى من خلال إحياء الموتى، فبمجرد موت الإنسان أو الحيوان، إن كان هذا الموت لساعة أو ليوم أو لشهر أولسنة أو لمائة أو لألف سنة، فانه يخرج من عالم الأحياء إلى عالم آخر، وان إعادته إلى الحياة هو معجزة، ويعد من الأعمال الخارقة، التي تدل على عظمة الخالق، وجاء ذكر عدد السنوات هنا لتوضيح الكيفية التي تتم فيها عملية إعادة الحياة .
والقصة الثالثة جاءت تدعو لتجنب الخوض فيما ليس به علم، وكذلك للتأكيد على أن الهدف من القصة هو معرفة واستيعاب العبرة منها وليس تفاصيلها، من هنا يدعو القرآن الكريم إلى الأخذ بجوهر الحدث والقصة، والابتعاد عما لا يستفاد منه، إن هذه إحدى أهم ميزات النص الإنساني، حيث أن عدم تأرخة الحدث القصصي بتاريخ محدد، يجعل القارئ قريباً من النص، ويشعر به وكأنه معاصراً لزمانه، فلا يحس باغتراب عن المكان أو الزمان أو الشخوص التي يقرأها، فمثلاً قصة آدم عليه السلام لو تم وضع تاريخ لها، بعشرة آلاف عام قبل بعثة محمد (ص)، وجاء القارئ الآن ليقرأها، سيجد البعد الهائل للزمان الذي حدثت فيه القصة، ومن ثم لن يتفاعل بالقدر المطلوب مع ما يقرأ، ويمكن أن تأخذه أهواؤه إلى أبعد من ذلك، بحيث يغالي _ زيادة أو نقصان _ فيها، أما أن بقيت تلك القصة أو الحدث بدون تاريخ، إتبعها إلى غايتها وتفاعل معها، ولا يشعر بالأغتراب الزمني فيما يقرأه، أن القصة القرآنية تجاوزت المفهوم التقليدي لعناصر القصة ومكوناتها، من خلال إزاحة عناصر المكان والزمان لأحداثها ، ومن خلال تحرير شخوصها من أسمائهم وإقليميتهم، فهذه العناصر الثلاثة عملت القصة القرآنية على التخلص منها، وإجراء الأحداث والأفعال خارجها، وهنا تكمن عظمة القصة القرآنية، فليس من السهل إجراء أحداث خارج الزمان والمكان، وإبقاء أبطالها مجهولي الهوية، ونعتقد هنا أن عملية النقد الأدبي ضمن المفهوم المعاصر للنقد، لو عملت به على النصوص القرآنية القصصية، سنجدها قد تجاوزت عصرها بكثير، وإنها أعمق من كل المعايير النقدية التي تميز القصة الحديثة المعاصرة، ومن هنا تكمن أهمية قراءة القصص القرآنية، إن الحديث عن تكسير الزمان والمكان في القصة، كما فعل وليم فوغنر في الصخب والعنف وغيرها من الأعمال، أعتبرت من أهم سمات الحداثة، وأصبحت أحد أهم مقومات القصة الحديثة، لكن الأعظم من كل ذلك تجاوز العناصر الثلاثة كاملة، وبدون أن ينقص ذلك من فكرتها أو جماليتها، بل العكس يعمل على تحسينها وتألقها أكثر، ولا يمكن لأحد القيام بذلك، إلا إذا كانت هذه القصص قد تمت روايتها من خارج الإبداع الإنساني .
رابعاً : _ القرآن لا يركز على التفاصيل لأحداث القصة، وإنما يهتم بإيضاح العبرة والفكرة منها "إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَىٰ-;- آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا(11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ-;- لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) الكهف، إذا تتبعنا هذه القصة حتى نهايتها سنجد النهي عن الحديث في عدد السنين التي قضوها وهم نيام، وعن عددهم، وكل التفاصيل الأخرى التي لا تفيد القارئ، وكأن القرآن يريد من كل واحد منا أن يذهب بخياله الخاص حيث شاء _ضمن الفكرة الأساسية للقصة _ بحيث يكون أمام عالم مفتوح من الأحداث والشخصيات والمكان والزمان، لكن دون أن يصبح ذلك الشغل الشاغل لهم، وإذا عدنا إلى تفسير الرازي سنجد رأياً يتفق مع رؤيتنا حول هذا الموضوع "المسألة الثانية، ذكروا في صفة السفينة أقوالاً كثيرة، فإحداها : ـ أن نوحا عليه السلام اتخذ السفينة في سنتين، وقيل في أربع، وكان طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسون ذراع، وطولها في السماء ثلاثون ذراعاً، وكانت من خشب العاج لها ثلاثة بطون البطن الأسفل للوحوش والسباع والهوام، وفي البطن الأوسط الدواب والأنعام، وفي البطن الأعلى جلس هو ومن كان معه مع ما احتاجوا إليه من الزاد، وحمل معه جثة آدم عليه السلام، وثانياً : _ قال الحسن كان طولها ألفا ومائتي ذراع .
و اعلم أن مثل هذه الأحاديث لا تعجبني، ولا حاجة إلى معرفتها ألبته ولا يتعلق بمعرفتها فائدة أصلاً، وكان الخوض فيها من باب الفضول لا سيما مع القطع بأنه ليس هناك ما يدل على الجانب الصحيح والذي نعلمه، انه كان من السعة بحيث يتسع المؤمنين من قومه، ولما يحتاجون إليه، والحصول على زوجين من كل حيوان، لان هذا القدر مذكوراً في القرآن، وأما غير ذلك القدر غير مذكور."
وإذا تابعنا بقية القصص القرآنية وما تم إضافتة عليها من كتب التفاسير، سنجد الشيء الكثير، ولا أدل على ذلك من الكتب العديدة التي كتبت عن قصص القرآن والتي تعد بعشرات الكتب، ونعتقد بان تفسير الرازي هو من الذين تناولوا الزيادة والإضافات في القصص القرآنية بمعالجة علمية، حيث قام بتفنيد الكثير من المغالاة التي أضيفت إلى تلك القصص .
إن عملية الأنسجام ما بين الفكرة في القصة القرآنية وشكل إخراج تلك القصة، بحيث نجدها تهنم بالمضمون من دون أن يفقد ذلك من جماليتها الفنية، يجعل منها قصصا متميزة عن سواها ، وكذلك إن التوازن ما بين الإخراج العام لها، والمتمثل في الشكل الأدبي للكلمة، ومن ثم القصة مع مضمونها يمثل سمة بارزة في القرآن الكريم .
خامساً :- القصص القرآنية مكثفة جداً وتبتعد عن السرد الطويل الممل، والذي لا يخدم الهدف العام للقصة ـ الإيمان بالله والعمل بما يأمر والأبتعاد عما ينهى ـ
"وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰ-;-كِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ-;- فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ۚ-;- ذَٰ-;-لِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ-;- فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(176)" الأعراف
نجد هنا تكثيف القصة بحيث إنها تجعلنا نبحر في تلك الآية التي لم تتجاوز الخمسة أسطر، وكأنها رواية من مئات الصفحات، وإذا تمعنا في اللغة التي تستخدم في القصص القرآنية سنجدها لغة رفيعة جداً، بحيث أنها تجذبنا اليها بكل خفة، وتجعلنا ندخل إلى أعماق القصة وننسجم معها، وإذا عدنا إلى قصة أهل الكهف، سنجد أن ذهن القارئ يبحر بعيداً في ظروف الاضطهاد التي عاشها الفتية، وفي تفصيل المكان الذي اهتدوا اليه، ليحتجبوا عن الظالمين، وكذلك الفترة الزمنية التي لبثوا فيها نياماً، ثم استيقاظهم من غفوتهم، والهواجس التي تبعت ذلك، ثم التردد وحسم الموقف، واتخاذ القرار بالخروج ومواجهة العدو الذي احتجبوا عنه، كل ذلك يجعلنا نعيش معهم، لحظات الخوف و التردد ثم حسم الموقف والقبول بالقدر، أما مماتهم في الكهف واختلاف القوم على ما يفعلون بهم، فيضعنا في بحرٍ واسعٍ من الحوار والنقاش، ويجعلنا نعيش في حوار مسرحي شيق، ولا أصدق على ذلك من الآية الكريمة، التي توضح الخلاف الذي وقع فيه المسلمون، عندما أخذوا يزيدون وينقصون في عدد السنوات التي ناموا فيها، والخلاف حول عددهم
سادساً : ـ إذا ذكرت القصة القرآنية بأكثر من موضع، تكون هناك لغة جديدة لم تستخدم في القصة الأولى، بحيث يجد القارئ الفكرة نفسها ولكن بكلمات جديدة، وكذلك بإضافات وتفصيلات لم تذكرها الرواية الأولى، أو باختصارات واختزالات جديدة "وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ(74)" الأنبياء
"كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ(160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162)فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ-;- إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ-;- رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ165 وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ۚ-;- بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ(166) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ(167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171)ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ(173)" الشعراء
هذه الآيات جاء بها القرآن الكريم، حتى يتم التأكيد على أحداث تلك القصة من جهة، وعلى اتعاظ منها من جهة أخرى، فألقرآن لم يهمل هذا الجانب ـ التماثل و التشابه ـ وهذه الآية جاءت توضح العبرة من التماثل "مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ-;- أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ-;- كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(106)" البقرة
نجد هنا التوضيح لكل من تسول له نفسه، حول الهدف من وراء الآيات المتماثلة، وتوضح كذلك فضل عملية التماثل والنسخ في القرآن، إن عملية النسخ أو إعادة سرد القصة كان يهدف من ورائها إما إعادة التذكير بها بعين الأسلوب، أو إضافة تحسينات لغوية أو فكرية عليها، بحيث يستفيد منها القارئ البسيط الذي يركز على المضمون فقط، ويستطيع إعادة تركيب تلك القصة بذكر أي جزء منها، أما القارئ المتمعن للقرآن، والذي ينجذب وراء أي تغيير في الحروف أو كلمات القصة، بحيث يستطيع معرفة الهدف والسبب من وراء ذلك، والظروف الزمانية والمكانية التي واكبت كل نص على حده، ولزيادة المعرفة اللغوية والنحوية لديه، حيث يمكن الرجوع لمثل هذه الآيات لإسناد رأي علماء اللغة العربية، وما يقوم به العلامة اللغوي صالح السامرائي يقع ضمن هذا الإطار
سابعاً : ـ القصص القرآنية بلغة روايتها ومضمونها وكثافتها وأسلوبها وعالميتها تكون قصصاً متميزة عن أي قصص أخرى، وجاء وصفها في القرآن الكريم "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰ-;-ذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ(3)" يوسف، وهذا الحسن القصصي يتضمن مجموعة عوامل منها أنها ذات مضمون يرفع من قدرة القارئ اللغوية و الأدبية، ويجنبه الأنزلاق إلى مستنقع النصوص الرديئة، سواء كانت شكلاً أو مضموناً، فقارئ القرآن الكريم يمتلك ثقافة أدبية ولغوية وفكرية تمكنه من كشف أي نص شاذ او رديء، و أيضا تجعل القارئ يبحر مع أحداث القصة القرآنية التي يتوغل في كل تفاصيلها، وأيضا اللغة الرفيعة التي كتبت بها القصة القرآنية حيث أن اللغة أحد أهم عوامل القصة، حتى أن بعض النقاد يتحدثون عن بطولة القصة أو الرواية إلى اللغة التي تشكل العمود الفقري للقصة، ومن العوامل الأخرى لهذا الحسن، الأبتعاد عن السرد الممل والطويل، والأختزال والتكثيف الذي لا ينقص من جمالية القصة، وهذا الأمر المتوازن بين الإطالة والتقصير يعتبر أحد أهم مميزات الحدث القصصي القرآني، الذي لم ينحرف إلى النقيضين وبقى متوازنا، وكذلك عالمية القصص القرآنية التي تجاوزت الزمان والمكان و الشخوص، بحيث أنها تحيا مع كل من يقرأها في كل زمان ومكان، ومن المميزات الأخرى أنها أساس لغوي لكل من يريد الإرتقاء بلغته الأدبية .

والفكرة والعبرة إلى كافة الناس، وترك الأثر فيهم بصورة متساوية، فلا يتأثر بها الصيني أقل من العربي.
ونستطيع القول من خلال ما سبق أن القرآن نجح في تكوين فكرته العالمية، واستطاع الخروج من التقوقع الجغرافي كما هو الحال في العهد القديم، حيث أن عملية التحرر من الجغرافيا ليست بالعملية العادية، وإنما بحاجة إلى الكثير من الجهد والدقة لكي تتم، خاصة في كتاب يحتوي على الشريعة والعقيدة المنزلة من الله، فعملية الأختلاف في تحديد المكان الذي حدثت فيه الأحداث القرآنية، جاءت متزامنة مع عالمية القرآن بحيث جعلت كل من يقرأ القرآن يشعر أن أحداثه قد حدثت في منطقته، وكذلك تخدم ـ المشاعية الجغرافية ـ الإنسجام ما بين القارئ والفكرة القرآنية التي تدعو كافة الناس على اختلاف قومياتهم وأصولهم إلى التوحيد.
ثانياً : _ القرآن الكريم لا يركز على تسمية شخصيات القصة ، "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ-;- قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ 27 "المائدة
" أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا" 9 الكهف
"وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32)" الكهف
"وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ-;- لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ-;- أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60 ) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (61)" الكهف
فكل هذه القصص وغيرها لم يتم تسمية شخصياتها، وذلك يعود أيضا إلى عالمية النص القرآني، فكما أن الجغرافيا توحي إلى مكان معين، فان أسماء الأشخاص توحي إلى مكان معين أيضا، فاسم احمد يشير إلى إنسان عربي أو مسلم، واسم ايفان إلى إنسان أوروبي، وهكذا ولكي يكون القرآن قريباً من كل الأمم ،كان لا بد من تجنب تسمية شخصيات قصصه، حتى لا يشعر القارئ بالأغتراب عن هذه الشخصية، فهنا نجد القرآن نجح في التحرر من الأنغلاق على أبطال قصصه، وقدمهم على إنهم شخصيات مشاعية لكل الأمم والشعوب، بدون أن يكون هناك خلل أو نقص في مضمون الفكر، أو تباين في تأثير تلك القصص بين قوم وقوم، فكل من يقرأها سيتأثر بها وبنسبة متساوية، ونستطيع القول بأن تجنب القوقعة الجغرافية والشخصية في القرآن، يستدل منه على أنه كتاب لكل البشر وأنه لا يختص بمكان محدد أو بقوم معينين .
من خلال ذلك نستنتج بأن الشخصيات القرآنية ليست إقليمية أو عنصرية وإنما هي إنسانية، يستطيع أياً كان التفاعل معها ولا يشعر بأنها غريبة عنه، أو أنها (ملك خاص ) لقوم أو فئة محددة، ونجزم بأن عملية التحرر من الأماكن الجغرافية ومن القومية في القرآن لم تكن لتوضع بدون هدف، وإنما كانت تعمل على خروج القارئ أيضا من جغرافيته ومن إقليميته إلى العالمية، أي أن القرآن يدعو إلى نبذ النعرة الإقليمية، وإزالة كل أشكال التقوقع على الذات أو الأنغلاق عن الآخرين، فهنا نجد الدعوة غير المباشرة للعالمية، وهذا يمثل أعظم ما فيه، حيث أن التماثل بين الفكرة الصريحة التي دعا إليها القرآن، والفكرة ا لمستترة وراء قصصه تجعل منه كتاباً يقرأه الكثير لما فيه من المتعة الفكرية والأدبية التي تغدقها القصص والأحداث فيه .
ثالثاً : ـ القرآن الكريم لا يركز على ذكر السنوات في القصص ، وان ذكر عددها فإنه لا يفيد التاريخ العام
"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ-;- قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ" 14 العنكبوت
"أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" البقرة 259

"ولبثُوا في كهفهم ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)"الكهف
إن الهدف من القصة هو المهم وليست تلك التفاصيل وعدد السنين، فجاءت السنوات في القصة الأولى تحث على الصبر، واستمرار الدعوة إلى الله الواحد، وعلى جحود ونكران هؤلاء القوم لدعوة نوح عليه السلام، ومن ثم إنزال العذاب والهلاك بهم، أما القصة الثانية فيستدل منها على قدرة الله تعالى من خلال إحياء الموتى، فبمجرد موت الإنسان أو الحيوان، إن كان هذا الموت لساعة أو ليوم أو لشهر أولسنة أو لمائة أو لألف سنة، فانه يخرج من عالم الأحياء إلى عالم آخر، وان إعادته إلى الحياة هو معجزة، ويعد من الأعمال الخارقة، التي تدل على عظمة الخالق، وجاء ذكر عدد السنوات هنا لتوضيح الكيفية التي تتم فيها عملية إعادة الحياة .
والقصة الثالثة جاءت تدعو لتجنب الخوض فيما ليس به علم، وكذلك للتأكيد على أن الهدف من القصة هو معرفة واستيعاب العبرة منها وليس تفاصيلها، من هنا يدعو القرآن الكريم إلى الأخذ بجوهر الحدث والقصة، والابتعاد عما لا يستفاد منه، إن هذه إحدى أهم ميزات النص الإنساني، حيث أن عدم تأرخة الحدث القصصي بتاريخ محدد، يجعل القارئ قريباً من النص، ويشعر به وكأنه معاصراً لزمانه، فلا يحس باغتراب عن المكان أو الزمان أو الشخوص التي يقرأها، فمثلاً قصة آدم عليه السلام لو تم وضع تاريخ لها، بعشرة آلاف عام قبل بعثة محمد (ص)، وجاء القارئ الآن ليقرأها، سيجد البعد الهائل للزمان الذي حدثت فيه القصة، ومن ثم لن يتفاعل بالقدر المطلوب مع ما يقرأ، ويمكن أن تأخذه أهواؤه إلى أبعد من ذلك، بحيث يغالي _ زيادة أو نقصان _ فيها، أما أن بقيت تلك القصة أو الحدث بدون تاريخ، إتبعها إلى غايتها وتفاعل معها، ولا يشعر بالأغتراب الزمني فيما يقرأه، أن القصة القرآنية تجاوزت المفهوم التقليدي لعناصر القصة ومكوناتها، من خلال إزاحة عناصر المكان والزمان لأحداثها ، ومن خلال تحرير شخوصها من أسمائهم وإقليميتهم، فهذه العناصر الثلاثة عملت القصة القرآنية على التخلص منها، وإجراء الأحداث والأفعال خارجها، وهنا تكمن عظمة القصة القرآنية، فليس من السهل إجراء أحداث خارج الزمان والمكان، وإبقاء أبطالها مجهولي الهوية، ونعتقد هنا أن عملية النقد الأدبي ضمن المفهوم المعاصر للنقد، لو عملت به على النصوص القرآنية القصصية، سنجدها قد تجاوزت عصرها بكثير، وإنها أعمق من كل المعايير النقدية التي تميز القصة الحديثة المعاصرة، ومن هنا تكمن أهمية قراءة القصص القرآنية، إن الحديث عن تكسير الزمان والمكان في القصة، كما فعل وليم فوغنر في الصخب والعنف وغيرها من الأعمال، أعتبرت من أهم سمات الحداثة، وأصبحت أحد أهم مقومات القصة الحديثة، لكن الأعظم من كل ذلك تجاوز العناصر الثلاثة كاملة، وبدون أن ينقص ذلك من فكرتها أو جماليتها، بل العكس يعمل على تحسينها وتألقها أكثر، ولا يمكن لأحد القيام بذلك، إلا إذا كانت هذه القصص قد تمت روايتها من خارج الإبداع الإنساني .
رابعاً : _ القرآن لا يركز على التفاصيل لأحداث القصة، وإنما يهتم بإيضاح العبرة والفكرة منها "إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَىٰ-;- آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا(11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ-;- لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) الكهف، إذا تتبعنا هذه القصة حتى نهايتها سنجد النهي عن الحديث في عدد السنين التي قضوها وهم نيام، وعن عددهم، وكل التفاصيل الأخرى التي لا تفيد القارئ، وكأن القرآن يريد من كل واحد منا أن يذهب بخياله الخاص حيث شاء _ضمن الفكرة الأساسية للقصة _ بحيث يكون أمام عالم مفتوح من الأحداث والشخصيات والمكان والزمان، لكن دون أن يصبح ذلك الشغل الشاغل لهم، وإذا عدنا إلى تفسير الرازي سنجد رأياً يتفق مع رؤيتنا حول هذا الموضوع "المسألة الثانية، ذكروا في صفة السفينة أقوالاً كثيرة، فإحداها : ـ أن نوحا عليه السلام اتخذ السفينة في سنتين، وقيل في أربع، وكان طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسون ذراع، وطولها في السماء ثلاثون ذراعاً، وكانت من خشب العاج لها ثلاثة بطون البطن الأسفل للوحوش والسباع والهوام، وفي البطن الأوسط الدواب والأنعام، وفي البطن الأعلى جلس هو ومن كان معه مع ما احتاجوا إليه من الزاد، وحمل معه جثة آدم عليه السلام، وثانياً : _ قال الحسن كان طولها ألفا ومائتي ذراع .
و اعلم أن مثل هذه الأحاديث لا تعجبني، ولا حاجة إلى معرفتها ألبته ولا يتعلق بمعرفتها فائدة أصلاً، وكان الخوض فيها من باب الفضول لا سيما مع القطع بأنه ليس هناك ما يدل على الجانب الصحيح والذي نعلمه، انه كان من السعة بحيث يتسع المؤمنين من قومه، ولما يحتاجون إليه، والحصول على زوجين من كل حيوان، لان هذا القدر مذكوراً في القرآن، وأما غير ذلك القدر غير مذكور."
وإذا تابعنا بقية القصص القرآنية وما تم إضافتة عليها من كتب التفاسير، سنجد الشيء الكثير، ولا أدل على ذلك من الكتب العديدة التي كتبت عن قصص القرآن والتي تعد بعشرات الكتب، ونعتقد بان تفسير الرازي هو من الذين تناولوا الزيادة والإضافات في القصص القرآنية بمعالجة علمية، حيث قام بتفنيد الكثير من المغالاة التي أضيفت إلى تلك القصص .
إن عملية الأنسجام ما بين الفكرة في القصة القرآنية وشكل إخراج تلك القصة، بحيث نجدها تهنم بالمضمون من دون أن يفقد ذلك من جماليتها الفنية، يجعل منها قصصا متميزة عن سواها ، وكذلك إن التوازن ما بين الإخراج العام لها، والمتمثل في الشكل الأدبي للكلمة، ومن ثم القصة مع مضمونها يمثل سمة بارزة في القرآن الكريم .
خامساً :- القصص القرآنية مكثفة جداً وتبتعد عن السرد الطويل الممل، والذي لا يخدم الهدف العام للقصة ـ الإيمان بالله والعمل بما يأمر والأبتعاد عما ينهى ـ
"وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰ-;-كِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ-;- فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ۚ-;- ذَٰ-;-لِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ-;- فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(176)" الأعراف
نجد هنا تكثيف القصة بحيث إنها تجعلنا نبحر في تلك الآية التي لم تتجاوز الخمسة أسطر، وكأنها رواية من مئات الصفحات، وإذا تمعنا في اللغة التي تستخدم في القصص القرآنية سنجدها لغة رفيعة جداً، بحيث أنها تجذبنا اليها بكل خفة، وتجعلنا ندخل إلى أعماق القصة وننسجم معها، وإذا عدنا إلى قصة أهل الكهف، سنجد أن ذهن القارئ يبحر بعيداً في ظروف الاضطهاد التي عاشها الفتية، وفي تفصيل المكان الذي اهتدوا اليه، ليحتجبوا عن الظالمين، وكذلك الفترة الزمنية التي لبثوا فيها نياماً، ثم استيقاظهم من غفوتهم، والهواجس التي تبعت ذلك، ثم التردد وحسم الموقف، واتخاذ القرار بالخروج ومواجهة العدو الذي احتجبوا عنه، كل ذلك يجعلنا نعيش معهم، لحظات الخوف و التردد ثم حسم الموقف والقبول بالقدر، أما مماتهم في الكهف واختلاف القوم على ما يفعلون بهم، فيضعنا في بحرٍ واسعٍ من الحوار والنقاش، ويجعلنا نعيش في حوار مسرحي شيق، ولا أصدق على ذلك من الآية الكريمة، التي توضح الخلاف الذي وقع فيه المسلمون، عندما أخذوا يزيدون وينقصون في عدد السنوات التي ناموا فيها، والخلاف حول عددهم
سادساً : ـ إذا ذكرت القصة القرآنية بأكثر من موضع، تكون هناك لغة جديدة لم تستخدم في القصة الأولى، بحيث يجد القارئ الفكرة نفسها ولكن بكلمات جديدة، وكذلك بإضافات وتفصيلات لم تذكرها الرواية الأولى، أو باختصارات واختزالات جديدة "وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ(74)" الأنبياء
"كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ(160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162)فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ-;- إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ-;- رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ165 وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ۚ-;- بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ(166) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ(167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (171)ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ(173)" الشعراء
هذه الآيات جاء بها القرآن الكريم، حتى يتم التأكيد على أحداث تلك القصة من جهة، وعلى اتعاظ منها من جهة أخرى، فألقرآن لم يهمل هذا الجانب ـ التماثل و التشابه ـ وهذه الآية جاءت توضح العبرة من التماثل "مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ-;- أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ-;- كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(106)" البقرة
نجد هنا التوضيح لكل من تسول له نفسه، حول الهدف من وراء الآيات المتماثلة، وتوضح كذلك فضل عملية التماثل والنسخ في القرآن، إن عملية النسخ أو إعادة سرد القصة كان يهدف من ورائها إما إعادة التذكير بها بعين الأسلوب، أو إضافة تحسينات لغوية أو فكرية عليها، بحيث يستفيد منها القارئ البسيط الذي يركز على المضمون فقط، ويستطيع إعادة تركيب تلك القصة بذكر أي جزء منها، أما القارئ المتمعن للقرآن، والذي ينجذب وراء أي تغيير في الحروف أو كلمات القصة، بحيث يستطيع معرفة الهدف والسبب من وراء ذلك، والظروف الزمانية والمكانية التي واكبت كل نص على حده، ولزيادة المعرفة اللغوية والنحوية لديه، حيث يمكن الرجوع لمثل هذه الآيات لإسناد رأي علماء اللغة العربية، وما يقوم به العلامة اللغوي صالح السامرائي يقع ضمن هذا الإطار
سابعاً : ـ القصص القرآنية بلغة روايتها ومضمونها وكثافتها وأسلوبها وعالميتها تكون قصصاً متميزة عن أي قصص أخرى، وجاء وصفها في القرآن الكريم "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰ-;-ذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ(3)" يوسف، وهذا الحسن القصصي يتضمن مجموعة عوامل منها أنها ذات مضمون يرفع من قدرة القارئ اللغوية و الأدبية، ويجنبه الأنزلاق إلى مستنقع النصوص الرديئة، سواء كانت شكلاً أو مضموناً، فقارئ القرآن الكريم يمتلك ثقافة أدبية ولغوية وفكرية تمكنه من كشف أي نص شاذ او رديء، و أيضا تجعل القارئ يبحر مع أحداث القصة القرآنية التي يتوغل في كل تفاصيلها، وأيضا اللغة الرفيعة التي كتبت بها القصة القرآنية حيث أن اللغة أحد أهم عوامل القصة، حتى أن بعض النقاد يتحدثون عن بطولة القصة أو الرواية إلى اللغة التي تشكل العمود الفقري للقصة، ومن العوامل الأخرى لهذا الحسن، الأبتعاد عن السرد الممل والطويل، والأختزال والتكثيف الذي لا ينقص من جمالية القصة، وهذا الأمر المتوازن بين الإطالة والتقصير يعتبر أحد أهم مميزات الحدث القصصي القرآني، الذي لم ينحرف إلى النقيضين وبقى متوازنا، وكذلك عالمية القصص القرآنية التي تجاوزت الزمان والمكان و الشخوص، بحيث أنها تحيا مع كل من يقرأها في كل زمان ومكان، ومن المميزات الأخرى أنها أساس لغوي لكل من يريد الإرتقاء بلغته الأدبية .



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيهما خطر الكيماوي العربي أم النووي الإيرني؟
- الدين بين التطور والنزول من السماء
- الماركسية والدين
- الثورة العرابية لرفعت السعيد
- السادات والبحث عن الذات
- غطاء العقل العربي
- الثابت والمتحرك والعقل العربي
- أوراق بعيدة عن دجلة
- المسألة الطائفية في مصر
- الفدائي الصغير بين الشكل الأدبي والمضمون
- ماركو فالدو والتقديم الهادئ
- عمارة يعقوبيان والفساد الطاغي في مصر
- التشدد والتكفير
- استنساخ قرطاج في بغداد ودمشق
- الديانات الثلاث ودخول الجنة
- التخندق القبلي في المجتمع العربي
- أوهام الشيوعيين الفلسطينيين
- رجوع الشيخ والانسجام بين الشكل والمضمون
- الاسود يليق بك
- إنتقائية التاريخ


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - مدخل الى النص القرآني