أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أماني فؤاد - شعرية الأشياء في ديوان -الفجوة في شكلها الأخير- للشاعر عاطف عبد العزيز















المزيد.....


شعرية الأشياء في ديوان -الفجوة في شكلها الأخير- للشاعر عاطف عبد العزيز


أماني فؤاد

الحوار المتمدن-العدد: 4286 - 2013 / 11 / 26 - 07:25
المحور: الادب والفن
    


شعرية الأشياء فى ديوان "الفجوة فى شكلها الأخير"
"الحذاء المتسخ"، " الدفتر ذو الغلاف الأخضر" ، "الكيس البلاستيكى الذى يحمل علامة تجارية" ، المكواةالمنزلية" ، " الإشارب الأسود" ، " الطائرة الإباتشى"، " الفراشــة" ، "النافذة " ، " السخان المعطوب الذى يحتاج إلى الإصلاح" .... أشياء متعددة أتصور أنها هى من قامت بدور البطولة فى ديوان " الفجوة فى شكلها الأخير " للشاعر عاطف عبد العزيز..
لقد استنطق المبدع الطاقة الفنية الشعرية الكامنة بهذه الأشياء المستقرة والمعتادة حولنا من خلال :
(1) أنه من غير المعهود أو المألوف أن تأتى هذه الأشياء بالقصيدة الشعرية، ولكن الشاعر أراد هذا الاستعمال الغرائبى وتخيره ، فقد وجه الأنظار إلى ما هو مهمل ، وشكله ليصنع شعرية خاصة.
(2) العلاقات التى هيئها لها ، ووضعها فى بؤر ضوء مغايرة لما ألفناها فيه، يقول " عليك التخلص من هذا الجورنال المطوى/ فى يدك / والذى تهرأت حوافه / استبدل به أى شئ / مثل كيس بلاستيكى يحمل علامة تجارية / شائعة ، مثل "مكواة منزلية ذاهبة إلى الصيانة" ص 10 ، يقدم "عاطف عبد العزيز" نوعاً من الشعرية المنغمسة بالحياة ، الذائبة فى أشيائها ومفرداتها، ومواقفها العادية واليومية ، شعرية تتوسل بهذه الأشياء الصغيرة، تلتقط دلائل وجودها، والسياق الذى تتفاعل فيه، وتحوَّلها إلى رؤية أكثر اتساعاً وتجريداً.
(3) شكَّل الشاعر هذه الأشياء بحسبانها جسراً يذهب بنا إلى أفكار أكثر عمقاً، فهو منذ الأهداء الذى يقدمه لصديقه ويقول فيه " ردماً لجانب من الفجوة التى تركناها عميقة بين الحياة والكتابة"يعلن الشاعر هدفه ألا وهو إلغاء المسافة الكائنة بين القصيدة والحياة، يعلن أنه يزيح الأتربة من فوق الأشياء ، يزلزل ركودها ويجلوها فيظهر ما خفى واستتر بحكم العادة والملل، ورتابة النظر والرؤية، يضعها فى علاقات متجددة غير مطروقة ، فتنبعث بها إشعاعات فنية مستحدثة ، وتقدم عوالماً بكراً تخلَّق الدهشة وتثير العقل والوجدان، يقول فى قصيدته "لوحة" (وخذ الحياة كما هى: / نظرة عميقة فى ذاتها ، / وكن / مثل هذا الطائر الذى يعبر الأفق / خالى الذهن / من لوحة سوف نرسمها عما قليل / لطائر / يعبر الأفق " ص 14 ، 15 يشير الشاعر إلى عبور الإنسان السريع فى هذه الحياة برغم نظرات عميقة، يحاول الإنسان تحقيق وجوده من خلالها .
(4) يتجاوز عاطف عبد العزيز الشكل الخارجى للأشياء الذى اتسم باللزوجة والقدم ويزيل قشورها، بأن يوظفها من أجل الإشارة إلى أبعاد نفسية ، وخيالية متعددة ، كما أنها علامات ودلائل على أحداث ووقائع اجتماعية وسياسية وثقافية ومن هنا يبرز ثقل ما تقدمه هذه الأشياء فى تخلَّـق شاعرية هذا الديوان ، أن يكون حذائك متسخاً دليلاً على أنك معنى بأمر ما، وأنك غير منشغل بأمورك الخاصة كأنك لست حيادياً، فى هذا الظرف الحياتى وجب أن تكون مسخاً ، لا توجه، ولا عاطفة ، ولا موقف، يتحكم بك الآخرون ويوجهون حياتك، إشارة مريرة وساخرة إلى التهميش الذى فُرض على الفرد فى هذا المجتمع المعاصر.
"الدفتر ذو الغلاف الأخضر" هو هذا الشئ الموازى أو المعادل لجزء من الذات الشاعرة التى اشتعلت بها هذه الرغبات المتخيلة، الذات التى توالت عليها تحولات البشروالصداقة بمرور الزمن. "الكيس البلاستيكى الذى يحمل علامة تجارية" ، "والمكواة المنزلية" دلالة على انغماس الإنسان فى التشيوء والسلع والإعلان ، فى الرغبات المحمومة من أجل الحصول على كل شئ . "الإشارب الأسود" دلالة اختلاط الأوراق واندياحها فى لبنان، عقيدة من نوع خاص مسيحية فى لباس من معتقد شيعى، "الطائرة الإباشى" القوة المفترسة التى تجمل ذاتها فى زيف وادعاء ، "الفراشة" هى الكذب الذى نمارسه لكى نجمل واقعاً مجحفاً وفقيراً ، " النافذة " تقدَّم لنا باعتبار ما طرأ من تحولات على الأنثى التى كانت تطل منها، وهكذا تقدم الأشياء أبعاداً وعولماً أكثر عمقاً من أبعادها المجسمة المادية فى كونها المتعين .
(5) يتعامل عاطف عبد العزيز مع الأشياء بحسبانها أشياء لا يلجأ إلى أنسنتها إلا نادراً كما فى حالة الطائرة الأباتشى، وهو إذ يتخير ذلك يبعد عما شاع فى تيار الحداثة وما بعدها، يبتكر شعريته الخاصة التى تعتمد على وضع الأشياء فى نسيج من العلاقات والسياقات المتنوعة التى تهب أفكاراً أو مشاعراً جديدة.
(6) يستخدم الشاعر أشياؤه لتكون كناية عن أحوال إنسانية مركبة التفاصيل، ويتخذها لتلخص وتعبر عن معانيه فى صورة ذات نكهة غير مطروقة ، كأن يقول " وهل يمكنه بظهره المعطوب هذا / إصلاح سخان مرفوع إلى حائط الحمام!" ص 25، يكنى الشاعر عن عدم قدرة العاشق الحياة مع امرأة كهذه، وأنها ستكون عبئاً ينوء به، أو تكون المرأة هى هذا السخان المرفوع وعلى الرجل ذى المظهر المعطوب إصلاحها، تعد الأشياء هنا مدخلاً لعالم بلاغة الكنايات ، فهى ليست رغبة من الشاعر لحشد قصائده بعالم من الأشياء جرياً وراء سمات وتقاليع بعض التيارات الأدبية، مثل ما شاع فى القصيدة النثرية فى تيار ما بعد الحداثة . ينتقى عاطف عبد العزيز تقنيته الفنية التى يحملها شاعريته، ويعرف كيف يتعامل معها بفنية الشاعر الكبير ، والأعمال الشعرية العظيمة فقط هى ما تخلـَّق شعريتها ، فضاءات وكهوف طائرة بينها سراديب نورانية، عوالم غير مطروقة يحيلها الشاعر لحيوات نابضة ومتجددة.
يبدو التشكيل البنائى للغة فى ديوان " الفجوة فى شكلها الأخير " متماسكاً منجزاً فى فقرات محددة، خطابات موجهة وصريحة لا تحتمل المراوغة أو الشك ، تقوم فى معظمها على فعل الأمر أو النهى، والنص موجه إلى مخاطب عادة ما يكون تقديره أنت أيها الإنسان، أو نحن أو أنا أو حكياً عن جوزيف ورندا، أو الولد والبنت ، أو الرجل فى الخمسين والمرأة فى الثلاثين.
فعل الأمر يعقبه مباشرة بعض التفاصيل، التى يبدو فيها الآمر متحكماً فى أدق التفاصيل، كأنه يزين لك ما يوجهك له ويبرره ، وتتوالى تلك التوجيهات حتى ينزع منك الفعل ذاته، ويتركك دون إرادة ، مثال قصيدة " خطورة أن يكون حذاءك متسخاً ".
وتبدو الجملة الشعرية مكتملة وتامة وحيادية دون انحياز لفكرة أو توجه ، دون عاطفة أو توترات عالية ، لا ترتفع فيها حدة الصوت ولا تعلو، الأمور كلها تبدومتشابهة وتتساوى، لا تفضيل مصرح به لشئ ، لكن العرض دائماً ما تتلاعب به السخرية ، هذه السخرية الكامنة التى لا انحياز بها ، والتى تنطوى ضمناً على انحياز من الذات الشاعرة ، انحياز يحمل فى طياته إعادة النظر فى هذه السلبية والعدمية ؛ دفعاً للرفض والتغير .
يقول فى قصيدته فى " انتظار البرابرة " : والآن / ماذا انتم فاعلون بالجثة / ماذا تملكون سوى معاونتى / على قتل الوقت ، وازاحة المعنى عن كاهل الكلام "صـ 44 . يقدم "عاطف عبد العزيز" انحيازاً سلبياً لكل ما يصرح به فى جمل إنشائية تأخذ لباس التقارير فى قصائد الديوان . ولنا ان نلاحظ عنوان الديوان "الفجوة فى شكلها الأخير" لقد اعطاها الشاعر شكلاً أخيراً ، وهذا يعنى أنها ما برحت تأخذ اشكالاً متغايرة لكنها حتى النهاية لاتظل فجوة ، هناك شىء لا يستكين ولا يمتلىء ، لماذا إذن تبدو الجمل الشعرية فى حالة من الاستقرار و السلاسة والسيولة؟ أتصور أنها تعبر عن هذا السطح الهادىء ، السائر فى طريقه ، والمستسلم للأخرين، الذات الحيادية ولكنها بما تحمله من احساس بالعدمية يتكشف فى هذه السخرية الشائعة بالقصائد، والتى تشير إلى مواضع الاستلاب والقهر الذى يعانى منها الإنسان ، تخلق نوعاً من التفكير العميق الذى يعرى هذه المتواليات القاهرة، السائرة والمستمرة فى ممارستها.
تبدو الجمل الشعرية تقريرية خبرية فى قصيدتى " أشياء الصباح الجميل " " ودعونا نصدق أنها المصادفة" وكأن الشاعر امتلك القول الفصل فى رؤية هذه العوالم ، على الرغم من أنها فى قصيدة " أشياء الصباح الجميل " أحلام أو أمنيات يتخيلها الولد والبنت ستحدث فى المستقبل يقول: ( قال الولد (الذى يعذبه زوج الام) / العام القادم/ سوف نرحل ياحبيبتى الى الشمال/ فى مونتريال/ لن يكون لدى فائض من الوقت/ سأدرس/ وأعمل/وأحبك) لكنها لعبة بنائية مراوغة ، يلجأ لها الشاعر ليقول برغم هذه الأحلام التى تبدو كاليقين إلا إنها واقعة فى حكم وتقدير " الكذب " لافتقاد الحلم والامل، فالمقدمات لا تؤول الى هذا المستقبل، يقدم الشاعر وهماً بواقع او مستقبل، واقع توحى طريقة صياغته بالتأكد والثقة فيه، ثم يعود ليصفه بالكذب، الكذب القطعى الذى لا يحتمل الشك يقول " الولد يكذب" كان يعرف أن خدمته العسكرية / قد تذهب به إلى الحدود / ليقطع الطريق على شظيه ضالة / وينتهى الامر" ص 65 ، 66، وكأن ما تبقى للانسان فى هذا المجتمع فقط الأحلام، الأحلام التى يمارسها ويتشدق بها ، وهو يعلم كذبها، الأحلام هنا مجرد أداة يتوسل بها للعيش فى هذا المجتمع، وتجعله يستمر على أى نحو من الأنحاء .
جميل أن يحتمل النص كل هذا القدر من اليأس والعدمية، جميل أن يقدَّم بناء اللغة فى القصيدة وكأنه هزه عنيفة يقوم بها الشاعر ماسكاً باذرع الافراد فى أرتجاجة مواجهة صريحة، فى قصيدته " دعونا نصدق أنها المصادفة " تبدو الجملة الشعرية تقريرية، محدده سلفاً بزمن محدد، وكأنها نتائج خبرات الشاعر التى لا تقبل الشك او الممارئِـة ،هذه البنية التقريرية تعتمد على كونها رؤية خاصة بالشاعر للرجل فى الخمسين، والمرأة فى الثلاثين ، وكأنها خبرات يستخلصها الشاعر من رصد تحولات الحياة الإنسانية ، وقراءات وتجارب محيطة به، زاوية الالتقاط والمقارنة بين الخمسين والثلاثين ، وطريقة بناء القصيدة هى ما تدعو للإعجاب، وهى ماتصنع هذه المفارقات فى حياة الرجل والمرأة فى هذا التحديد الزمنى المختلف، كما تدعو للتفكير فى ثقافة المجتمع، وكيف يشكـَّـل هذه التباينات بين الرجل والمرأة التى لا يلتفت إليها الناس، فياتى الشاعر ليضعها فى صياغات وعلاقات لغوية ونفسية تهبها هذه المساحة الفنية.
يتعامل " عاطف عبد العزيز " مع المجاز التصويرى بمقدار وكأنه لا يريد ان يغمس يديه فيه كلية، أو كأنه يريد أن يقول : أنى متورط فى استخدامه لكن دون سبق إصرار أو ترصد ، فقط عندما يأتى عرضاً وتتطلبه ضرورة نقل معانيه وأفكاره للقارىء.
يقول فى قصيدته " فى إنتظار برابرة : (( إننى متروك من الأقدار لكم لكى تحذفوا منى ما يزحم الفراغ )) ص 42 ، ويقول فى نفس القصيدة : " وإزاحة المعنى عن كاهل الكلام "ص 49، أو قوله " أدس المشهد فى عينى قبل فوات الأوان / أدسه حتى يغطس عن أخره / فى البياض العميق " ص 45، ويبدو المجاز فى النص الشعرى كأنه لغة الحقيقة و لاتعمد من قبل الشاعر فى استخدامه ، لكنه قد يُِفرض عليه لتعامله مع معانى مجردة شديدة العمق، تتطلب نوعاً من التجسيد لتقريبها الى أذهان متلقية ومحاولة ضخ دماء الحس بها.
يتكأ "عاطف عبد العزيز" فى قصائده على شعرية السرد وفيها يعتمد على اللغة التقريرية فى تشكيل مشاهده، لكنه فى لحظة فارقة حين يضيىء بعداً هاماً من رؤيته الشعرية قد يلجأ الى الاستخدام المجازى. ففى قصيدته "أوقات بيروت" يحدد الزمان والمكان والشخوص فى سردية تحدد معالم القصة سنة 1982م معتمدا على التكثيف الشعرى، وسبك الأسطر الشعرية بعناية فائقة، ثم نراه يضيىء بؤرة ضوء نحو قضية يريد أن يشير اليها ليقول: " لم تفلح الجرافات فى رفع الخرافة / المستجدة عن كاهل بيروت" ص 33 ؛ ليشير فى الأسطر اللاحقة الى راندا ابنة جوزيف، المسيحية على المذهب الشيعى، المجاز فى إبداع "عاطف عبد العزيز" لا ُيطلب لذاته لكنه يإتى عرضاً، إن استدعته ضرورة.
من منطلق إنسانى تبدأ الشعرية عند "عاطف عبد العزيز"، ومن زاوية إلتقاط مبتكرة غير مألوفة يتخير إبداعه، وفى أغلب الأحوال نراه يلوح بمعنى عميق فلسفى إنسانى، أو اجتماعى أو سياسى لا ينفصل فيه الإنسان عن قضايا العالم من حوله .
تم يقفز الشاعر قفزة زمانية ، وفى سرد يعتمد على تفاصيل حياة يومية لشخصية راندا سنة 1998م يحكى عن انتظارها لحبيبها المقاتل الذى يحارب بالجنوب ، تنتظر راندا الحياة ، قفزة اخرى سنةَ 2006 م حين سارت راندا خرافة مضافة، حين اختلط جهازها الدورى بمروحية الإباتشى .
فى مشهد مجازى تجسيدى يقول واصفاً المروحية " ظلت تحوم فوق الخليط الساخن / بعينين عمياوين واكسسوار مكتمل: ريشات بيض ، هالة ، سلة لجمع الإيشاربات من كل لون" صـ39 ، فى صورة تجسدية يصف الشاعر مراوغة وتجميل هذه الألة العسكرية الوحشية لذاتها وهى تمارس أبشع أنواع العنف والتصفية الجسدية .
كما يمتلك الشاعر طريقته السردية الخاصة التى تشعر معها بطبيعية وتلقائية السرد وكأن هناك حواراً طبيعياً يجرى فى الحياة اليومية بنفس مفرداتها المتداولة فى الأحاديث فيما بيننا، يقول:" لاتنسى :/ أحرص على بقاء الحذاء لامعاً " صـ 11 ، أو قوله (( ياإلهى كيف إذن لايفحص واحدهم ضميره )) صـ 15 ، حين نقرأ هذه الفقرة - أثناء الاسترسال مع القصيدة - يطل مباشرةً "عاطف عبد العزيز" بقامته ضارباً بيده فوق جبينه قائلاً ياإلهى فى حركة حوارية تجسدية شديدة الطبيعية، تضفى شعريتها الخاصة ، شعرية أداؤنا الحياة ، فى قصيدته " ما نسيته العادية" يقول " على الأغلب / جاءت العبارة فى فيلم إيطالى " ص58 أو قوله فى نفس القصيدة " قلت / وأنا أنقل شيئاً من يد إلى أخرى : / لعلها أخت لفتاه الإعلانات " ص59 نحن بمواجهة ما أسميه شعرية الحياة وتفاصيلها اليومية ، شعرية الحركات التجسيديه والجمل الاعتراضية التى ترسم الحركات وكأنها كتابة سيناريو فى حالة حيوية متحركة .
ويأتى التشبية لنفس الضرورة الشعرية والفكرية ، ولا يلجأ إلية الشاعر إلا لتقريب إحدى المعانى، يقول : " ها أنا أمر فى الشوارع / ولا أُرى / كأن جسدى شففته المحبات من / طرف واحد" ، صـ43أو قوله : " تكشف لنا المصادفات عن نفسها / كمخلوقات ذكية ، لا تنقصها الإرادة "ص 22، ذهاب الشاعرلمناطق نفسية مجردة غير مرئية جعلته يلجأ الى التشبيه والمجاز، وهو ماكان شبه مهجور فى أعمال له سابقة .
المرأة فى ديوان الفجوة فى شكلها الأخير :
" أحترس من هذه المرأة " صـ14 " شخص يحتقر المحبة " صـ18 " ودع هواك ، عينان حبيبتان ومسافات ونسيان صـ22 ، الصدفة التى تنجى المحب من تحرير سرة والوقوع فى أسر المرأة الخطرة فى قصيدة "يخاف من خياله" يقول: "المرأة من جانبها، كانت تفتش منذ الصباح عن رجل تعذبه " ، تعبر القصيدة كلها عن رغبة هذا الرجل فى إلحاق الأذى بهذه المرأة وعدم قدرته على القسوة والعجزعن فعل العنف او الضرر ، كما تقدم تصور للمرأة يكرس للموروث الثقافى والاجتماعى بأنها هذا الكائن الماكر الثعبانى .
فى قصيدته "أحوال بيروت" تموت راندا وهى تنتظر حبيبها المقاتل فى الجنوب، لكنه قبل موتها يقول عن تصرفها إزاء رفض رئيسها العاشق للإشارب الأسود " تصرفت كبيروتية محنكة : رتبت ركنا للإيشارب فوق نهديها / واحتفظت بالسنتين / كى تغرسهما فى لسانه" ص36، 37، هناك نوع من العنف والدهاء مقترن دائماً بالمرأة .
" فى براءة الماضى " تبدو النساء يائسات من المحيض ، الذكريات التى تتداعى أيضاً تقترن بأولاد " أنجبناهم فى الغيبوبة " وغسيل المخ فى ص 50، يقدم فى قصيدة "بنت بالداخل " حلماً تبخر ببنت جميلة تتضافر الجهود لتخرجها من جثة امرأة بدينة ص 53 .
البنت " فى ما نسيته العادية " استدعاها خيال الشاعر فى صورة " على أن لديها فستاناً برتقاليا محبوكا على الردفين ، بما يجعل من مشيتها رقصة مكتومة " ص 59 ، نلاحظ هنا توجهاً شهوانياً فى لباس راق ٍ متفائل
فى قصيدته " دعونا نصدق أنها المصادفه" وقصيدة " أشياء الصباح الجميل " تبدو الصورة معتدلة ليس هناك توجه خاص مضاد للمرأة .
قصدت من رصد هذا المسح لوضع المرأة بالقصائد ، و طبيعة ورؤية الشاعر لدورها بحياه الرجل، أن أشير إلى تعجب ينتابنى وأنا أطالع موقفاً متوجساً من المرأة لشاعر وفنان مثقف ، ودعونى أتساءل معكم لماذا هذه الردة إلى ما هو شائع فى الثقافات الشعبية والموروثات الدينية غير الموضوعية ؟ لماذا يبدوا أن هناك عودة إلى مراحل زمنية بعيدة ، خاصة وأنه فى الفترة السابقة القريبة وقت التوجهات اليسارية والليبرالية فى القصيدة العربية كان الخطاب الموجه للمرأة فى القصيدة " حبيبتى، رفيقتى ، صديقتى" وكلها مفردات تشى بمكانة المرأة السامية فى حياه الرجل ، وتبدو العلاقة فى معظمها فى قصائد هذه الفترة علاقة نضج وإشباع وتقدير، حتى وإن تباعدت الطرق بينهم . يقول صلاح عبد الصبور . فى قصيدته أقول لكم :
وقلت لها بأن الحب مايصنع بالإنسان إنساناً / وأن الحب عندما يصبح إنسان حقيقية / عندما يبحث فى ظل العيون السود عن عين صديقة / عندما يشرع إنسان لإنسان جناحه / ويناغيه دلالاً وسماحة/ عندما يصبح مامر من الأيام محوا / عندما يصبح كل اللفظ لغواً / غيرلفظ الحب .."
أقول ثانية: أنه بدا أن هناك رده فى نظرة الشاعر للمرأة فى القصيدة المعاصرة، والتى أحسب أنها لاتختلف كثيراً على ما يشعره رجل الشارع باتهام ضمنى للمرأة ، وكونها سبباً للمصائب ، اتصور أنه فى غياب الثقافة المضادة الواعية ، الحريصة على مواجهة الأفكار الشائعة وغربلتها ، الحريصة أيضاً على الرقى بكافة طوائف المجتمع ، لايبقى للفنان الشاعر، الرجل المعاصر ، سوى الوعى الذى يمتلكه البسطاء ، لايميزه سوى أنه يكتب ذات الرؤية المتدنية للمرأة لكن على مستوى شعرى رفيع ، ويبقى أيضاً موقفه متوجساً عاجزاً عن الإيذاء الذى يتمناه ، يأمل أن تتولاه الأقدار فهو قد دُرب جيداً أن لا يفعل أى شىء ، وان تتقلص مواقفة حتى تنعدم .
لقد أمتلكت المجموعات اليسارية والليبرالية موقفاً معلناً من السلطة، ومن قضايا المجتمع، وصرحت بهذا ، ولذا كان الرفض والمراجعات لكل القضايا المصيرية التى تتعلق بالأوطان والمجتمعات، فى الشعر المعاصر تبقى المرأة المتنفس الوحيد الذى يتجمع فيه سخط الرجل وقهره ، فهو مكمم على أصعدة متعددة، على المستوى السياسى أو الدينى أو المجتمعى ، كما أنه فى حاجة إلى المكانة والتقدير ولايجدها ، تسيطر عليه رغبته فى الامتلاك فى مجتمع لا يتيح إشباع هذه الرغبات ، فتنصب تلك التوجهات المكبوتة غير المتحققة الى الكائن الأكثر ضعفاً و تدنياً بهذا المجتمع ، هذه الأنثى التى تتحايل هى الأخرى لترفض قهرها وامتلاكها بطرق متعددة ، وتبقى الأطراف جميعها دون إشباع أو قناعة بهذه الأدوار التى فُرضت عليها ، أنا لست فى موقف الدفاع عن المرأة فى هذا المقام ، كلنا يعلم كم التحايلات والمراوغات التى تلجأ إليها الأنثى الضعيفة لتأخذ نوعاً من الاعتراف ، أتصور أن الرجل والأنثى كيانان مهتزان نتاج مجتمع مقهور ، أوجد علاقات شائهة تسيطر على كلا الجنسين .
توقعت فقط أن تختلف النظرة إلى المرأة عند شاعر مثقف وحساس ، عميق الفكر مثل " عاطف عبد العزيز " لأجد نظرة فنية وفكرية شاملة ومنصفة ، من منظور واع وعميق ، كما أعتاد أن يقدم لنا فى زوايا إنسانية أخرى ، لكن يبدو أن تجارب الشاعر الخاصة، ورؤيته للمرأة بهذا المجتمع لم ترها فى سياقها الثقافى مكتمل الصورة للمجتمع الذى أوجدها على هذا النحو ، ولذا وجد هذا التوجس العدوانى، يقول : " كان يحلم طوال الوقت / أن تلعنه امرأة من هذا الصنف / تلعنه ولو لمرة واحدة / يحلم أن تكشف تنورتها – ذات مساء – عن أثر باق لسيجارته / فوق الجلد الأملس " ص 26 .
د. أمانى فؤاد
17/1/2009 م



#أماني_فؤاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة مصر .. رؤية يسارية لثورة 25 يناير يقدمها - سمير أمين -
- -المنطقة العمياء- سرد نسوي متحرر -مجموعة قصصية- للقصاصة أسما ...
- التوازي والتداخل في سردية -ترابها زعفران- للروائي إدوار الخر ...
- أنا ..أنت ..وهو ..مناورة الضمائر في سردية -الأنثي في مناورة ...
- التقنيات السردية المتجاورة في رواية -حرمتان ومحرم- للروائي - ...
- تكسر الدلالات اليقينية في ديوان - هو تقريبا متأكد - للشاعر أ ...
- الرؤية والتشكيل في رواية -سلام - للروائي هاني النقشبندي
- هل النقد الأدبي علم ؟
- - بلاد أضيق من الحب - عرض مسرحي مأخوذ عن نص - سعد الله ونوس ...
- دعوة من اللا تاريخ ..- قصة قصيرة -
- تقاطعات قصيدة النثر في ديوان -الكتابة فوق الجدران- للشاعر -ع ...
- الشعرية والألعاب السردية في ديوان -تفكيك السعادة- للشاعر -مؤ ...
- جدلية الانفصال والاتصال في المجموعة القصصية -سوق الجمعة - لل ...
- ومضات ثقافية ..2013 م
- كفى ..شهر زاد!؟
- أن تخط اسمه كاملا..- قصة قصيرة-
- - أدهم يحي - قصة قصيرة
- بعد وقت ..
- مصر وقانون التظاهر
- مكرونة فيوتشيني


المزيد.....




- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...
- رواية -خاتم سليمى- لريما بالي.. فصول متقلبة عن الحب وحلب


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أماني فؤاد - شعرية الأشياء في ديوان -الفجوة في شكلها الأخير- للشاعر عاطف عبد العزيز