أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أماني فؤاد - التوازي والتداخل في سردية -ترابها زعفران- للروائي إدوار الخراط















المزيد.....

التوازي والتداخل في سردية -ترابها زعفران- للروائي إدوار الخراط


أماني فؤاد

الحوار المتمدن-العدد: 4286 - 2013 / 11 / 26 - 01:14
المحور: الادب والفن
    




[email protected]

يتبدى المعمار السردي في رواية " ترابها زعفران" وكأننا بإزاء متوازيات تقطع على نحو فني خاص photo Montage ، صورة كلية مقسمة عدة صور متوازية لها قدرة التداخل في أداء الروائي ، والذي يتغيا من خلالها خلق عالم يتقاسمه الواقع والخيال الفني التركيبي، تعمل هذه الصور المتوازية على مستويين:-
أولاً: مستوى رحلة عمر ممتدة في الزمان والمكان ومحتوية فجوات، تقفز من الطفولة إلى مرحلة النضج في نهايات العمر.
ثانيا:- مستوى تقنية بناء تشكيلي لهذا العمل الروائي ، مشاهد من الماضي في قص استرجاعي ، يتثنى ويتداخل معها أحلام غرائبية وأوهام، عوالم أسطورية وغيبية، معارف وثقافات ، علاقات حميمة مع المكان بكل زخمة الطبيعي والحضاري ، حنو على الزمان المنصرم وبث الحياة به.
يبتعد العرض الروائي في " ترابها زعفران " عن السرد التقليدي ، ويقدم القص من خلال مضمون وتكنيك مماثلين للتجربة السردية التي لها خصيصة مزدوجة ، الأولى: مندهشة ، متكوَّنة ، تسعى إلى اكتشاف العالم من حولها ، ينتابها كثير من الحيرة والاضطراب ، يظهر ذلك في مرحلة الصبا وأول الشباب.
نفس التجربة التي وصلت في لحظة السرد الآنية المتأخرة بالرواية ، إلى ما يشبه فيض إشراقي ، اتسقت فيه رؤية السارد، وصار فهمه للعالم أكثر استيعاباً وإحاطة برغم كل تناقضاته وتنويعاته ، يقول ميخائيل فيما يحدد لنا لحظة هذا السرد :" وفي عتمة آخر العمر التي استضاءت فجأة با لحب الزاخر القابض الفسيح ، كنت أعرف أنني .." (ص27).
تخير " إدوار خراط" لروايته سرداً ذاتياً ميخائيل الطفل، الذي يحكي ويتعرف الحياة من حوله ، هذا الولد الذي صار بينه وبين السارد الأعلى - ميخائيل العليم ، المكتشف -مسافة حتى أنه يبدو في بعض لحظات السرد وكأنه يراه من أعلى يقول:" أرى الولد، صغير الجسم، ساقاه رفيعتان ..أمامه صفحة ساكنة وشاسعة...أحس ، عبر السنين الطويلة، بالنداوة اللينة تحت قدميه الحافيتين.." (ص49). ، ثم يستمر السرد بضمير الغائب هذا ، حتى ينتقل بنعومة إلى ضمير المتكلم مباشرة يقول :" يصل الموج الطفيف إلى قدمي...في تلك السنة استأجرنا.." (ص50).
ينتاب "ميخائيل " الأعلى ما يشبه صحوة الماضي بطفولته ، إطلالة عميقة محملة بنضج السنين وثقافتها تتوجه نحو مرحلة الطفولة والصبا ، فتبرق ومضات تستدعي لوحات نابضة من حياة هذا الصبي ، حياة تتداخل فيها الوقائع بالأوهام ، والأحلام والمشاعر البرعمية المندهشة التي تتكون بداخله وتشكَّله ، وتتوالى اللوح السردية لتقف عند ميخائيل الشاب الذي تخرج في كلية الهندسة ، وعمل وانخرط في العمل الثوري واعتقل ، لتظهر بالرواية فجوة زمنية ، أو قطع يترك وراءه فراغاً متسعاً ، ومسكوتا عنه بهذا العمل وهي فترة النضج والرجولة واعتراك المفاهيم والحياة ، ثم انتقال إلى لحظة السرد الآنية قص ينبع من نضجها وإشراقاتها مع ذاتها ، ومع الحاضر والماضي .
وأتصور أن تلك الفجوة الزمنية تشغلها فنياً روايتا"رامة والتنين" 1980م و " الزمن الآخر " 1985م وتغطي رواية " ترابها زعفران" 1999م هذه المرحلة العمرية في حياة "ميخائيل" بطل هذه الثلاثية الروائية.
تتكون رواية " ترابها زعفران" من تسعة فصول أو أبواب ، تحت عنواين غالباً ما تأخذ أبعاداً إليجورية واستعارية ولكنها تعبر عن انطباع مميز في الفصل محور القص ، مثل "السحاب الأبيض الجامح" ، " بار صغير في باب الكراسته"، " فلك طاف على طوفان الجسد"، بناء هذه الفصول لا يخضع للسرد المتنامي ومواضعاته الراسخة، من: مقدمة ، فذروة ، فانفراجه، يدمر "إدوار خراط" هذا السرد الكلاسي في تشكيل دائري للفصول، كل فصل يمثل ومضة ، مركز ثقل رسخ بشخصية هذا الصبي ، ومن تكرار هذه الوحدات الفنية ، التي لا تتقيد بترتيب زماني أو حكي الحدث وتنميته ، يتكون هذا النص الإشكالي، المجهد ، والممتع في ذات الوقت ، نثر قطع الفسيفساء المختزنة بذاكرة هذا السارد ، تصبح أبواباً ومناسبات لتكوينات سردية رؤيوية ، ذات أبعاد إنسانية عميقة.
ولا ترتبط الفصول أيضاً إحدها مع الذي يليه ارتباطاً خطياً تطورياً فيما يختص بالحدث أو الحبكة ، لكنها تعرض أفقياً لخلق هذا العالم الفني الخاص ، كما تلعب رأسياً لتعميق الشخصية الرئيسية ونحتها.
يرتبط عدد فصول رواية " ترابها زعفران " بموروث قدسي يختص بتعاليم المسيحية، ويتعلق بالترانيم الكنسية ، يقول ميخائيل:" ترنيمي إليك ، الفردانية ، المثمنة المتملكة ملكوت اليوم التاسع غير المنقوص ، وعندها الأيام الثمانية معاً ." (ص190).
وسأعرض الآن نموذجاً لطبيعة السرد في أحد الفصول:-
يبدأ الفصل الأول " السحاب الأبيض الجامح" بمشهد يقصه ميخائيل وفيه نراه واقفاً على عربة كارو خلف حصانيين قويين ، أمام وابور الدقيق ، ثم وصف تفصيلي لعيون مندهشة بهذا الكيان الصلب التي تنطحن به الأشياء ، وتصبح ذرات تتطاير مع الهواء ، ومنه يعرج السارد إلى يوميات وسط أسرته وجيرانه ويرصد لهذا المجتمع السكندري المتسامح ، الذي تتعايش فيه الناس بدياناتهم المختلفة ، من خلال العلاقة بين أمه وست وهيبة ، كما يرصد لطوائف من المهشمين والعمال وبائعي الفجل وملابسهم وحياتهم البسيطة ، ثم يأتي السكان الجدد في الشقة التحتانية ، وتلفت انتباهه حسنية ، ويتعلق بها ، برغم هواجسه التي يلمحها من حديث أمه ووهيبة ، ونلمح شغفه – وهو طفل – بكل ما هو أنثوي ، حسنية أو وهيبة " المسلمة" التي وشت مع زوجها بحسنية ، فتأتي الشرطة وتلوذ حسنية بعائلة ميخائيل وتفلت من العقاب ، إلى أن تغادر البيت ، ينتهي الفصل بحلم وحشي فيه نفس الحصانين والعربة التي بدأ بها هذا الفصل و " حسنية مرمية تحت سنابك الخيل الحديدية التي تطأ عظام صدرها ، وعيناها مسددتان إلى الأرض ، صلبتين ، وينسكب منهما حنان صامت ، لاأريده" (ص26)، هذا البناء الدائري يتكرر في عدد من فصول الرواية ، دائماً ما تكون هناك عودة ، تتعلق بالحدث الرئيسي في الفصل ، من خلال حلم ، يتمتع بتقنيات السريالية المنفتحة في علاقتها ، والتي تُبقى الفصل ، ومن ثم الرواية في حالة نص مفتوح ، متعدد التأويلات والتفسيرات.
الوقوع في دائرة الحدث التي تنتهي بالحلم ، لكنها تظل في حالة من الانفتاح النصي ، حالة تختص بالبناء الهيكلي للفصل ، جانب آخر يلعب فيه " إدوار الخراط" بحذق ، ويتناسب مع هذا البناء الفكري والوجداني ، والتي يمكن أن نذكر منها إشاراته إلى هذا البنيان الكوزموبولتاني للمجتمع في الإسكندرية ، قبل ثورة يوليو 1952م ، وهو مجتمع مفتوح ، له القدرة على صهر الأديان والجنسيات المختلفة في نسيج متجانس ،كما يدلل هذا البناء الدائري المفتوح للفصول على علاقة الإنسان بالكون من حوله ، بدءاً من علاقة الإنسان بالمكان، أو تطوره عبر الثقافات التي تداخله عبر رحلة حياة تمخضت عن رؤى شديدة الاتساع والعمق ، مع قبولها لكل الآخر بكل توجهاته يقول " ميخائيل": " كان الاختلاف حينئذ ، عنده ، من طبيعة الأشياء " (ص199).
يلعب البناء الدائري الذي يمج الانغلاق ، على الطبيعة الإنسانية في تكويناتها المتداخلة شديدة التعقيد والتركيب ، طبيعة ذات معانٍ متكررة ، ومتناقضة في الوقت ذاته ، الإنسان الذي يكتشف ذاته من خلال غرائزه وشغفه بالجنس الآخر ، فضوله للمعرفة والتعلم ، حاجته إلى الحب والتواصل والتقدير من الآخرين ، رغبته في تحقق العدل وكأنه إله ، هو ذات الإنسان الذي يهيئ للخديعة والغدر والطمع والنـزق وغيرها من صفات تضعه في مصاف الحيوانات البدائية.
هذه المستويات والطبقات المتباينة والمتناقضة بالإنسان يُهَيِّئُ لها الروائي نصاً يتناسب مع تعقدها وتداخلها وثرائها ويعبر عنها.
كما أتصور أن الروائي لا يريد أن يقص علينا ما حدث ، في حياة هذا السارد في فترة الطفولة والصبا، والشباب الأول ، لكنه يقدم لنا مرحلة عمرية من حياته أسهمت أو خلقت هذا الذي صار واتضح وأصبح ، هذه الذات التي ترى ما كان بعيون ما أصبحته واستقر بداخلها وبقى في لحظة السرد الآنية ، ترى الماضي بعيون اتسعت وتعمقت ، وأضيئت بمكوناته المتنوعة والثرية والفاعلة في هذه الذات ، هذه الفترة العمرية التكونية التي تشِّكل الكيان الإنساني ، وتستمر فاعليتها وتأثيرها فيه إلى نهاية العمر.
يبدو " ميخائيل" شخصية ورقية ، لكنه لا يبتعد كثيراً عن " إدوار الخراط" – متجاوزة عما ذكره الروائي في المقدمة – الإنسان صاحب المراحل العمرية والفكرية ، المتطورة على الدوام.
وفيما يختص بشخصية السرد يعد " ميخائيل" شاباً من الطبقة الوسطى القبطية ، ولد وتلقى دراسته بالإسكندرية، تخرج في كلية الهندسة ، وعمل في متحف للآثار ، ومات أبوه وهو بالجامعة ، لذا عمل ليعول أمه وأخواته البنات ، اعتقل بعد انضمامه للعمل السري بالجماعات الثورية يقول عن نفسه :" وكنت في الثامنة عشرة ، ومزعزع الإيمان وشديد الورع ، غارقاً في جسمي وطُهرانياً لم إذهب إلى امرأة قط ، وأعتبر نفسي " حر الفكر" وسوداويّ المزاج ، على الطريقة الرومانتيكية." (ص127).
نحن بإزاء شخصية مكتنزة بالحياة الحقيقية استطاع الروائي أن يرسمها بدأب ، من خلال نثره واستدعائه للذكريات دون ترتيب ، لكن من خلال تقاطعات مقصودة للأحداث مع الأحلام دون نسق محدد ، يغطي القص كثيراً من جوانب الشخصية الإنسانية ، في تكثيف دال ومعبر ، مصادر ثقافته وقراءاته والتنوع الذي اتسمت به من الكتب الدينية والتاريخية والأعمال الأدبية والفكرية ، العربية والأجنبية والتراثية ونجد هذا في صفحات (18، 30، 75، 88 ، 156 ، 157 ، 41، 134).
كما نسج الروائي للشخصية مناخاً اجتماعياً شديد الدفء والالتحام ، أسرة قبطية متماسكة ، أب حانٍ وعطوف ، وأم محبة وجميلة ، وثلاثة بنات صغيرات جميعهن مع البطل يعيشون مع عائلتة الكبيرة لأمه ، وأخواله وخالاته وجده وجدته ، في أسرة قبطية برجوازية متماسكة ، وعائلة أبيه ، التي تنحدر من أصول صعيدية ، تتمثل في أعمامه "بقطر" "ورفلة أفندي" . تنضوي هذه العائلة في مجتمع أكبر ، أكثر انسجاماً برغم تعدد الجنسيات والديانات المتعايشة فيه.
وتبدو " لميخائيل" بعض الصفات الخاصة التي يمكن أن نلخصها في فضوله الشديد تجاه العالم من حوله ، وسعيه للمعرفة ، وخاصة لعالم الأنثى وكل ما يحيط بها من أسرار بل التلذذ بالاقتراب الوئيد الغامض من وراء غلالة في السرد ، ورصد المفردات الخاصة بجسدها ، ورائحتها وطبيعة صوتها ، وطبيعة ملابسها تمثل ذلك في وصفه " لحسنية" و "وهيبة" و" رانة" و" أمه" و وزوجات أخواله " أستر " و" مارية" ، والفتيات لندة وأسكندرة وأوليجا ، وغيرهن يقول عن امرأة خاله إستر :" وضعت رأسي بين فخذيها الطريتين الممتلئتين ، وكانت ناعمة تحت وجهي ، ودافئة ، ونفح جسمها الأنثوي حميماً ، ونزلت بيدها الرخصة فضغطت على وجهي ، بحنو ورفق ، على حجرها ، ونمت" (ص214).
كما يمكن تلمس الغواية التي تتملكه لسبر أغوار العلاقات بين الرجل و المرأة وشغفه بمعرفة أبعادها ، نلمس ذلك في وقوفه بالتأمل في علاقة رانه وبقطر (ص57،56)، وعلاة خاله بأم توتو(ص202).
وتبدو المرأة في سيرة هذا السارد – إن سلمَّنا أنه ليس الروائي كما يصرح في المقدمة- مهما اختلفت أسماءها ، أو نوع علاقته بها ، هي مطلق المرأة ، مطلق الأنثى ، أو الحياة إذا أردنا أن نصبح أكثر تجريداً ، يقول " ميخائيل" : " في آخر أيامه الستة ، في غسق القاهرة الفاطمية ، وفي غسق العشق الأخير قال لها : عندئذ ، كان هذا الطفل ، في السابعة من عمره ، قد عرفك ، ونام في حنو جسدك . قالت له : كانت طفولتك مدللة . قال : كان الموت فيها كثيراً . واحدة حمامتي ، كاملة مشتعلة بين العناقيد والحسك .." ( ص214).
وتستمر هذه القصيدة الشعرية النثرية التي يناجي فيها مطلق الأنثى بالكون ، أو الحياة ذاتها ، أو النوع الآخر الأنثوي بداخله ، والذي يحن فيه لاكتماله الإنساني وطبيعته الأولى في معناه الأكثر تجريداً ونزقاً يقول : " كنت أعرف أنني أعتنق أيضاً وهيبة و أتنسم عجينة أنوثتها . وكان هناك في داخل لدونة جسدها الخصب ، حسنية المقهورة الحنون ، وكان شعرها القصير الخشن حياً تحت أصابعي ، وكنت أحوط عليها بذراعين دقت فيهما المسامير ، مطعون الجنب بالحربة يتقطر مني دم نزر." (ص27).
أتصور أن " ميخائيل" في آخر العمر، ذهبت به رحلة الحياة لمعرفة من نوع خاص ، معرفة إشراقية ، ترى وحدة الوجود في الكائن الإنساني الإلهي الواحد ، مهما تعددت اسماؤه ، أو كان من جنسين رجل وامرأة يمكن أن يحتوي كلٌ منهما الآخر.
- يطيب لي أن أشير إلى ظاهرة السرد الذي يلمّح ولا يبوح التي تبدو في سردية إدوار الخراط ، تتمثل في إشارات غامضة ينثرها في تكوينه المعماري الملتبس ، والذي يزيد الأمر غموضاً وحيرة ، أنه ينثرها في لمحات خاطفة ، تبعث نوعاً من التوتر الذي لا نجد له إجابة أو توضيحاً لاحقاً في فصول الرواية ، في الفصل الثالث وهو بعنوان " الموت على البحر" يشير إلى نوع من العلاقات الملتبسة يعبر عنها من خلال أربع نساء " رانة" و" أمه" و الفتاة التي التف جسدها تحت العجلات على الكورنيش ، والفتاة الأخرى التي كانت تسبح في البحر تحت نافذته ، يجمع بينهن هذا " المايوه الأزرق" الذي تكرر في موازاة بينهن، في الحقيقة ، أو في الحلم ، وأتصور أن السارد يشير إلى نوع من الموت المعنوي ، الذي شعر به نحو هؤلاء النسوة ، وإلى نوع من العلاقات الغامضة التي اكتنفت حياتهن ، يعضد هذا أو يرجحه التباس الحلم والحقيقة في حكايته عن وجوده وأمه في كابينة " رفلة أفندي" وفي حلمه عن " رانة" في محطة السكة الحديد ، ومشاعره تجاه ترحيب أمه برفلة في بيتها ، ثم حديثه عن زواج رفلة متأخراً ، ثم موته بعد حرب 1948م يقول :" وكأنما كتمت مشاعر غامضة كثيرة ، فلم أفكر فيه" (ص65) كل هذه إشارات لشك قبع بداخله وأرقه.
يعود في لمحة خاطفة في فصل " غربان سود في النور" بعد أن يبدأ الفصل بأحد أحلامه الكابوسية يقول عن ذراعي أمه :" ليس فيهما أمان .." (ص96)، وفي نفس الفقرات يساءل أمه بلهفة " فين بابا ؟ فين بابا ؟" (ص96) ، كأنه يريد أن يومئ إلى شك ينتابه باحتمال وجود خيانة ما ، ويعلق " ميخائيل"على خيانة إسكندر عوض ونجاته على يد زيزي العاهرة وهو لا يعرفها في فصل " بار صغير في باب الكراستة" يقول: " وعرفت أن الخيانة ، والنقاوة لهما طرق خفية " (ص46).
- تظل المرأة وطقوسها المتعددة عوالم تغري ميخائيل ، وتشكَّل له جواً أسطورياً ساحراً، وغامضاً ، مثل تصويره للمشهد الخاص بسبوع أخته " لويزة" (ص 83:80) وإلقائه للخلاص الملفوف بالعقد البيضاء ، عالم من الخرافات والموروثات التي تثير بداخله تساؤلات غيبية ، لا يعرف لها أجوبة ، كما نلمح الغواية المدهشة التي مثلتها عوالم ألف ليلة وليلة "لميخائيل" يقول: " انزلقت قدماي إلى أرض ألف ليلة وليلة ، ودخلتها ، ولم أخرج منها حتى الآن " (ص89). ثم يستمر ليسرد لنا حلماً خليطاً بين عالم شهرزاد القديم والعصري ، في حكي عجائبي يعج بالتناص مع أساطير ألف ليلة وليلة (ص93:89)
كما يمثل عالم الجان بغموضه جانباً من اعتقاداته وأوهامه ، حتى أنه يستحضرهم في منطقة بين خياله وواقعه يقول :" أحس في دفء الغرفة ، وصمتها الليلي ، أنفاساً غريبة ، هواؤها ثقيل ورأى على الحائط ظلَّ شيءٍ ما، يتحرك ويتموج فوق الدولاب، ويهتز على خشب النافذة المغلقة .. أحس به يقترب ، مازال لا يراه ليس له جسم ، ولكنه هناك ، لفْحُ أنفاسه بارد، وظله يتكاثف ، ويتجسم من غير أن يُرى.. صرخ صرخة تمزق لها الليل، والصمت " (ص151).
إن هذه الفضاءات الملتبسة والغامضة التي تخلط الواقع بالميثولوجي والأسطوري، أثرَّ في عوالم هذه الشخصية ، وجعلتها تتهيأ لما ستكونه على يد السارد " الأعلى" ، الذي هيمن على الصغير وفق منهج فكري ورؤيوي



#أماني_فؤاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا ..أنت ..وهو ..مناورة الضمائر في سردية -الأنثي في مناورة ...
- التقنيات السردية المتجاورة في رواية -حرمتان ومحرم- للروائي - ...
- تكسر الدلالات اليقينية في ديوان - هو تقريبا متأكد - للشاعر أ ...
- الرؤية والتشكيل في رواية -سلام - للروائي هاني النقشبندي
- هل النقد الأدبي علم ؟
- - بلاد أضيق من الحب - عرض مسرحي مأخوذ عن نص - سعد الله ونوس ...
- دعوة من اللا تاريخ ..- قصة قصيرة -
- تقاطعات قصيدة النثر في ديوان -الكتابة فوق الجدران- للشاعر -ع ...
- الشعرية والألعاب السردية في ديوان -تفكيك السعادة- للشاعر -مؤ ...
- جدلية الانفصال والاتصال في المجموعة القصصية -سوق الجمعة - لل ...
- ومضات ثقافية ..2013 م
- كفى ..شهر زاد!؟
- أن تخط اسمه كاملا..- قصة قصيرة-
- - أدهم يحي - قصة قصيرة
- بعد وقت ..
- مصر وقانون التظاهر
- مكرونة فيوتشيني
- قطعة ..من الشيفون الكناري
- سرد المنفلت في مجموعة -عفاريت الراديو- لمحمد خير
- يوسف الشاروني ..الخصوصية المصرية


المزيد.....




- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...
- رواية -خاتم سليمى- لريما بالي.. فصول متقلبة عن الحب وحلب
- تردد قناة سبونج بوب على النايل سات …. أجدد الأفلام وأغاني ال ...
- الكشف عن القائمة القصيرة لجائزة -PublisHer-


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أماني فؤاد - التوازي والتداخل في سردية -ترابها زعفران- للروائي إدوار الخراط