أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل شاكر الرفاعي - ماذا يعني ان نسمي كاتباً بعينه مفكراً ؟















المزيد.....


ماذا يعني ان نسمي كاتباً بعينه مفكراً ؟


اسماعيل شاكر الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 4275 - 2013 / 11 / 14 - 12:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



انهى التفكير البشري تماس الانسان المباشر مع المصادر الاولى لحفظ النوع الانساني ، وادى الى انفصاله عن الحالة الاولى : حالة التماس مع الطبيعة والارتفاع فوقها ( حالة الطعام الذي لم يعد التهاماً مباشراً من الطبيعة بل تحول الى فن تشترك في اعداده اكثر من حاسة واكثر من جهة ولم يعد المكان الصغير الذي يتم قطعه وقياسه بالاقدام متحكماً بكميته ونوعيته ) ومنذ الثورة الزراعية اضاف الانسان الى غرائزه غريزة جديدة هي غريزة الانتظار التي مكنته من توظيف خبراته وتجاربه واستثمارها وانتظار نتائجها التي تطول لاشهر ، اذ ان من طبيعة الاستثمار : الانتظار ، انتظار الفلاح حتى يحين موسم الحصاد ، وانتظار الحائك او الاسكافي او الحداد حتى يفرغ من انتاجه . فالانتظار سمة اكتسبها الانسان نتيجة التفكير، ولكنها تحولت الى غريزة لا بد من تلبيتها ( تشبه الى حد بعيد غريزة التسوق والاستهلاك التي فرضها نمط الانتاج الرأسمالي ) ، وهي التي جعلت من الانتاج الذي يتأخر لزمن اطول من زمان التناول المباشر من الطبيعة ذا خاصية جمالية . فالتفكير البشري يقترن بخاصيتي الانتظار والجمال .

ــ 2 ــ

على المستوى الامني يمكن القول بأنّ التاريخ البشري هو تاريخ من التفكير المتواصل بكيفية حماية الذات من الآخر ، والتفكير بوضع الخطط لحرمان الآخرمن اسبقية الحصول على الغذاء الضروري للحياة ، فتفكير الانسان بالآخر ترافق مع التفكير بالذات . وبهذا يمكن اضافة عامل الخوف من الآخر ، المنافس على ما تدره الطبيعة من كميات محدودة من الغذاء ، الى العوامل الاخرى التي حفزت الدماغ البشري على التفكير . وهذه الندرة التي ولدت التنافس هي التي مكنت الانسان من مغادرة حالة التركيز في تفكيره على المحسوس والعياني والمباشر ، والصعود به الى منطقة التفكير في المجرد والبعيد والمتخيل فكان الابتكار والاختراع ، أي من تركيز التفكير على ما تنتجه الاطراف والحواس ، الى التفكير في زيادة قدراتها على الانتاج : زيادة قدرتها على اصابة البعيد بالنسبة الى عضلات الساعدين ، وزيادة قدرتها على طي المسافات بالنسبة الى الساقين ، وزيادة حدة الرؤية بالنسبة للعينين . حصل ذلك بالترافق مع التفكير بالكيفية المثلى لدفع الآخر عن الهيمنة على المكان واحتكار الحصول على كل خيراته . هكذا عبر الانسان منطقة التفكير في المحسوس والملموس والعياني الى ناصية التفكير في المتخيل ، وفي هذه المرحلة غامر باستيلاد مفاهيم برر بها ازاحة الآخر وهزيمته والأستيلاء على ارضه . وهذا العبور الذي حصل لتفكير الانسان ترافق بالحاجة الى اضفاء صفة الشرعية الاخلاقية على ما قام به من استعباد .

ــ 3 ــ

اذن يرتبط التفكير بأضافة نوعية : تعدّل أو تغير أو تطيح بالاسس الفكرية لنمط التفكير السائد الذي يحدد لوعي الناس الطريقة التي بها يمارسون حياتهم الاجتماعية والدينية ، وكذلك الاقتصادية من حيث انتاج وتلبية حاجاتهم الاساسية . قادت الاضافات النوعية التي حققها التفكير الانساني الى زيادة انفصاله عن الطبيعة أخذ فيه ، هذا الانفصال ، عبر تاريخ البشرية شكل الاختراع والابتكار ، فابتكار القوس مكن الانسان من الرماية لمسافة ابعد من قدرة سواعده ، وبابتكار العجلة زاد من سرعة تنقله ، وبتطويع الحصان تمكن من هزيمة المجموعات التي لم تتدرب على تدجين هذا الحيوان ، وبابتكار الثورة الزراعية صار بامكان الانسان عبور الخط الفاصل بين ما قبل تاريخه الى التأريخ لافعاله في الحياة . من هذه الزاوية انظر الى كلمة مفكر ، من زاوية قدرته على الاضافة الفكرية وما فيها من ابداع : فالاضافة في باب المعرفة شرط ارتقاء الكاتب من مستوى الجمع والتأليف الى مستوى التفكير . وبما ان المٌفكر به من قبل الكاتب لا بد وان يدور وينطلق من معارف زمانه ومن معطياتها العلمية ، كان لا بد له من ان يدخل في حوار معها ، فيقوده هذا الحوار اما الى تأكيد صحتها ، واما ان يراوده الشك حول مسلماتها فيتناولها بالنقد الذي عادة ما ينتهي به الى اضافة الجديد اليها . هكذا حطم كوبرنيكوس وغاليلو ونيوتن النظرة المتوارثة عن مركزية الارض بالنسبة الى الكون ، وهكذا فتح ديكارت بوابة الحرية امام الفرد : " انا افكر اذن انا موجود " الذي ستفتحه على مصراعيه قائمة طويلة من المفكرين الذين تميز كل منهم بالتأسيس لعلوم جديدة في مجالات الاقتصاد والنفس واللغات والتاريخ وحتى قوانين الثورات . أما انفصال ابن خلدون بمنهج في الرؤية والتحليل عن المنهج السائد في عصره فقد قاده الى نظرة جديدة الى الدولة والى العمران ، وكانت مفاهيمه الى تأكيد رؤيته هذه : العصبيات القبلية والطائفية التي منحها الدور الحاسم في تقرير نتائج الصراع ، ضداً على نظرة عصره التي كانت تسند الى العامل الخارجي الدور الحاسم في تقرير سقوط الدول وقيامها . فالمفكر هو الكاتب الذي ارتفع في تفكيره الى مستوى القدرة على زحزحة المفاهيم والرؤى والنظريات السائدة في ايامه ، هكذا رأينا الكثير من المفردات اللغوية التي كانت ذات دلالة محددة في التداول اللغوي اليومي كالعصبية والطائفة والعمران والدولة ، قد اصبحت من المصطلحات التي تشير الى مفاهيم تحمل زاوية نظر الى الكون والحياة وموقفاً من وظيفة الانسان في الحياة وعى ذلك ابن خلدون ام لم يعيه .

ــ 4 ــ

اطروحة الدكتور عبد الجبار الرفاعي الاساسية تتمثل : بانقاذ النزعة الانسانية في الدين ، وهو من زاوية نظرنا اعلاه قد جاء بالاضافة االضرورية . ضرورة هذه الاضافة تتأتى من كونها حاجة ملحة ومطلوبة من قبل المجتمعات الاسلامية في عصر لم يعد فيه الانغلاق على الذات هو الطريقة المثلى في العيش ..المجتمعات الاسلامية في عمومها مجتمعات متخلفة بحاجة الى غيرها من المجتمعات المتقدمة لكي تستطيع العيش ، بمعنى انها لا تستطيع الاستمرار بالطرق القديمة الموروثة للعيش اذا لم تتدرب على استعمال الطرق الحديثة التي جاءت بها المجتمعات الحديثة : مجتمعات الحضارة الصناعية . لقد فرضت هذه الحضارة على المستوى العالمي معاييرها الخاصة في تقييم المجتمعات ومن هذه المعايير : مفهوما التقدم والتخلف . وفق هذه المعايير الجديدة التي عممتها الطريقة الجديدة في انتاج حاجات الانسان وفي طريقة تلبيتها ، ما زالت مجتمعاتنا الاسلامية تحبوا كما لو كانت تمر بمرحلة الطفولة الاجتماعية ولم تبلغ سن الرشد بعد ، ولهذا فهي بحاجة الى ما تنتجه المجتمعات المتقدمة من الادوات والسلع ، وبحاجة الى طرق انتاجها وتوزيعها وفق مفاهيم تفتقدها المجتمعات الاسلامية ، والى الوقت الذي ستبلغ فيه المجتمعات الاسلامية هذا الاسلوب الجديد من العيش ستسمى : مجتمعات راقية ، والرقي بحد ذاته مصطلح حديث ايضاً تطمح المجتمعات المتخلفة الى بلوغه بالمعايير التي وضعتها المجتمعات المتقدمة لا بسواها من المعايير . وكل ذلك بتطلب اسلوباً في التعايش بين المجتمعات العالمية يقوم على التسامح والاحترام المتبادل . وهذا ما يجعلنا ننظر الى اطروحة الدكتور عبد الجبار بنوع من الاكبار كونها عبرت بدقة عن حاجة المجتمعات الاسلامية اليها .

ــ 5 ــ

المفهوم السائد عن الاسلام في الحقبة التي نعيش تلون بلون علاقة مجتمعاته المختلة بالمجتمعات المتقدمة التي فرضت في هذه العلاقة معايير جديدة ( معيار التقدم والتخلف ) في النظر الى هيبة المجتمعات . انعكست هذه العلاقة المختلة في وعي بنيه فكانت الاطروحة الاكثر رواجاً هي اطروحة الدفاع عن الاسلام ضد التآمر المخطط له من قبل المجتمعات المتقدمة . وما بين الدفاع كاستراتيجية وبين تخليص النزعة الانسانية في الدين كاستراتيجية مقابلة بون شاسع . الدفاع بحد ذاته يشير من حيث آلياته الى التمترس خلف الاصول واعادة بعثها كما هي والتلويح بها كبديل عن الوافد الفكري ، فهو من هذه الناحية ينطوي على بعد الانغلاق على الذات واعتبار ما نحن عليه من طرق في العيش ، ومن زاوية نظر في فلسفتنا لوظيفة الانسان في الحياة : حقيقة مطلقة لا يجوز التفاوض عليها بل يجب القتال دونها . وخط الدفاع هذا هو الخط الثابت للاحزاب الاسلامية ، ولمن يقف ورائها من الكتاب الذين حازوا على صفة ( مفكريين اسلاميين ) ، فهم في عمومهم كتبوا من منطلق الدفاع عما بلوره السلف الصالح من اصول ، ورفض المنجز الحديث لمجتمعات الحضارة الصناعية على مستوى المنهج ومستوى المفاهيم السياسية والفكرية ذات المضمون التحرري . هذا هو السائد في الوسط الفكري الاسلامي : تسابق على وعي المسلمين من اجل احتلاله بمقولات وبمفاهيم سياثقافية تشدد من ضرورة انطوائهم عليها ورفض حضور الآخر . اما منطلق مفهوم ( التخليص ) فقاعدته الفكرية تقوم على زاوية نظر أخرى : الخطر الذي يتهدد الاسلام لم يأت من المجتمعات المتقدمة ( المتآمرة كما هي في وعي غالبية المسلمين ) بل من التصور البائس القار في وعي بنيه له والذي صاغته نظرتهم الى المجتمعات المتقدمة في علاقتها بالمجتمعات الاسلامية . في هذه النظرة الراشحة عن عملية الانسحاق والانبهار بالمجتمعات المتقدمة ( وهي نوع من انواع الوعي الزائف ) يتم تجريد الدين من كل انواع التلاقح الثقافي ( والتلاقح ارقى انواع الدفاع والمقاومة ) واختزاله في حوار أوحد وحيد هو حوار التمترس للدفاع عنه .

ــ 6 ــ

كادت ثورة المشروطة التي انجبت كتاب " تنبيه الامة وتنزيه الملة " ان تشكل قاعدة الانطلاق لتأصيل مفاهيم جديدة بمنح مفهوم الامة دلالة ذات فحوى يتجاوب مع المفاهيم السياسية السائدة في عصرنا . لقد تحول مفهوم الولاية في هذا الكتاب من دلالته المذهبية الى دلالة وطنية مشحونة بثقافة العصر السياسية . فلأول مرة يتم الاعتراف في الفكر الاسلامي بالامة مقترنة بوطن . لم يعد مفهوم الامة في هذا الكتاب يحمل مضمونه الموروث منذ قرون في دلالته الدينية على : الامة الاسلامية ، وهي الدلالة نفسها التي حملتها كتابات الافغاني ومحمد عبدة والكواكبي ورشيد رضا وما تسلل منها من كتاب ( لمفكرين ) وحركات سياسية كحركة الاخوان في مصر وفروعها المعروفة في بلدان العرب والمسلمين ، بل انسلخ معنى الامة في هذا الكتاب عن ذلك المعنى القديم ( وهذا المعنى الديني القديم سيتكرر لا حقاً لدى كتاب الشيعة وما شكلوه من تنظيمات سياسية ) واصبحت دلالته تشير الى الامة المقترنة بدولة من دول المسلمين ، وهذا الانسلاخ في معنى الامة من دلالته الدينية القديمة ( الامة الاسلامية ، الامة المسيحية ، الامة البوذية ..الخ ) الى دلالة تشير الى محتوى سياسي دنيوي يشكل تميزاً في تفكير مؤلفه : آية اللّه النائيني ، اذ أصبحت الدلالة الحديثة تشير الى اقتران الامة بوطن واحد من الاوطان الكثيرة للامة بمعناها الديني القديم التي كان يضمها اهاب دولتي خاص : هو الاهاب الامبراطوري . تتكون امة هذا الوطن الواحد من اديان ومذاهب وقوميات متعددة ، لا يصلح قاعدة لمساواتهم امام القانون مفهوم الولاء الديني أو الطائفي بل مفهوم المواطنة الحديث . ولقد بلغ آية اللّه النائيني الذروة في استيعابه للفكر السياسي الحديث بتقريره ان معنى الولاية الحديث يعني : " ولاية الامة على نفسها " ففي هذا التعبير الموفق والدقيق جداً ، منح النائيني تعريف الامة الحديث جانبه الآخر الذي لا يتكامل معنى الامة الحديث من دونه والمتمثل بالمصدر الذي يمنح الامة هويتها . لقد تحول المصدر في تعبير النائيني من خارجي ( أمة مكلفة من السماء بتطبيق شرع اللّه ) الى مصدر داخلي ، تستقي فيه الامة مهامها ووظيفتها في الحياة من التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها عبر الزمان ، فتكون هي نفسها مصدر التشريعات لما يناسب الحال والمقام . هكذا كاد الكتاب ان يكون " مفكراً جماعياً " لزعماء ثورة المشروطة وجلهم من رجال الدين الشيعة الذين انقسموا على انفسهم بين مؤيد لوضع القيود على الحكومة عبر ما انتجته الحضارة القائمة من قيود على الاستبداد مثل الدستور ودورية الانتخابات وفصل السلطات ، وبين رافض لهذا التوجه كافر به . صحيح ان هناك الكثير من العرب الذين كتبوا بوضوح عن الحل العلماني لمسألة الاقليات الطائفية والدينية ، وعن الحل الديمقراطي لمسألة الاقليات القومية قبل ثورة المشروطة ، وخاصة من المسيحيين العرب الذين اطلعوا على الاحداث التي ضمها التاريخ الاوربي منذ عصور النهضة والانوار والحداثة ، ولكنهم لم يكونوا مفكرين : اذ لم تكن العلمانية ولا الديمقراطية اكتشافاً محلياً يقدم كحل لتحد خطير كانت تواجهه المجتمعات العربية ( كما هو الحال الآن ) . كان النائيني يمثل هذه الحاجة ، ويتجاوب في ذلك مع الحد المطلوب من الاصلاح الداخلي للمنظومة الفكرية الموروثة ( الاصول ) التي يجب بالضرورة البدء بها ، ليصبح التغيير مشروع جماهيرياً .

ــ 7 ــ

لنذكّر بكلمات قليلة بان الرجل المٌحتفى به في هذا الكتاب قد تربى فكراً وسلوكاً ، كما تقول بعض ما اطلعت عليه من سيرة حياته ، داخل الوسط الديني ( في قراءاته الاولى وفي انتمائه المبكر لحزب الدعوة ، وفي ايمانه القاطع بان وظيفته في الحياة التعمق في معرفة الدين الاسلامي ، فاختار التخصص فيه وذهب الى دراسته في الحوزات العلمية في النجف وايران لاكثر من ربع قرن ) . فهو كاتب مشغول بالكتابة والتأليف في فروع العلوم الدينية التي نشأت حول القرآن كنص مؤسس تيسيراً لفهم احكامه من قبل عامة المسلمين التي تباعدت الشقة بينهم وبين اللغة العربية المتداولة في زمان الوحي . أي انه ارتقى الى ناصية الكتابة عن الدين من داخل المناخ الديني وليس من خارجه . فهو في هذه الحالة لا يشبه الكتاب الذين ينتمون الى مختلف مدارس العلوم الانسانية الحديثة والذين يشتركون جميعاً على اختلاف مناهجهم بمسلمة : النظر الى الدين كظاهرة اجتماعية قابلة للدرس والتمحيص واستخراج قوانينها كما لو كانت ظاهرة طبيعية كالخسوف او الكسوف او ظاهرة سقوط المطر . وهم اضافة الى ذلك يتكئون على التأويل . أي اعادة قراءة النص الديني وفق الخطوات المنهجية لدى كل مدرسة ، ووفقاً للمعطيات العلمية التي بين يدي الكاتب ، وهم في ذلك لا يختلفون اختلافاً جذرياً عن مؤسسي الطوائف والمذاهب الاسلامية من الفقهاء . باعتماد التأويل منهجية رئيسة في اعادة قراءة النص ، واعادة قراءة الاحداث التي رافقت نزول النص ، وانتقاء ما يؤيد وجهة النظر من آيات وردت في سور قرآنية أخرى .

8 ــ

الرؤية المركزية لدى عبد الجبار الرفاعي تتمحور حول تخليص النزعة الانسانية في الدين ، وفي هذا يتفرد عن الكتاب الآخرين بكونه يطرح اشكالية الاسلام المعاصرة من حيث علاقته بالآخر . انه يطرح الدين عموماً كأشكالية ولكنه في الوقت نفسه يقدمه كحل لما يعانيه انسان عصرنا من ازمات . وهو في هذا الطرح يركز على ضرورة الاستعادة لما تم سلبه من الدين : وهو نزعته الانسانية . نحن هنا امام محاولة للارتقاء من الكتابة كتأليف وجمع الى محاولة في التفكير .أو بتعبير أكثر افصاحاً : الارتقاء من مستوى الكتابة كتأويل جديد يقود الى طائفة او ملة جديدة ، أو الارتقاء من الكتابة كهامش تفسيري على متون المصنفات الاولى التي تبلورت فيها اصول الدين ، الى محاولة في اعادة ترتيب اصول الدين تأخذ فيها النزعة الانسانية ( المعدودة في رؤية الدكتور أصل من اصول الديانة الاسلامية ) أولوية أولى ، من هنا قلنا بان بان الدكتور يعيد مناقشة الاسلام كمعطى فكري من حيث علاقته بالآخر المختلف دينياً وطائفياً واثنياً وثقافياً . لم يرد في كل المصنفات التي تناولت الاصول باباً : عن النزعة الانسانية لا في المصنفات الدينية الاولى ، ولا في الشروح والهوامش اللاحقة على متونها ، ولا لدى من طوبتهم مسيرة انبعاث التشدد والانغلاق بمفكرين اسلاميين منذ سيد قطب الى ( منظري ) الارهاب . النزعة الانسانية في هذه المصنفات تأخذ تعريفها من الولاء للديانة او للطائفة ، وهو ولاء ذو مضمون سياسي اولاً واخيراً ، تبلور تاريخياً على شكل ولاء لنظام سياسي بعينه ، او بالاحرى الولاء لشخص بعينه كان يقف على رأس السلطة او كان من الواجب والحق الجلوس على عرشها . النزعة الانسانية لدى عبد الجبار شئ آخر يتجاوز الولاء بمعناه الطائفي ( وانا افضل استخدام الطائفة كتعبير عن واقع حال انساقت اليه الديانات جميعاً وليس الدين الاسلامي لوحده ) الى افق ارحب من الولاء ، وفي هذه الرحابة يقف الانسان الابيض الى جانب الاسود والاصفر ، والرجل الى جانب المرأة في اصطفاف مساواتي في الحقوق ( كأسنان المشط ) حسب التعبير المنسوب الى الامام علي . قد نجد جذوراً لهذا النزوع الانساني في العرفان والتصوف الاسلامي ، او لدى المدارس الوجودية من كيركغورد الى سارتر ، الا ان المسألة متعلقة بحريتنا المحاصرة من ارهاب القاعدة ، ومن الارهاب الآخر لدى متشددي الطوائف المختلفة ، وهي مسألة يتوقف حلها لا على ما في جعبة البعض من افكار جاهزة ــ بل على قتال حقيقي يخوضه متنورون من داخل الفكر الاسلامي لا من خارجه ، لانقاذ ما تبقى ، قبل ان يتم تحويل الدين ، في اذهان الاجيال الناشئة الى مجرد اوامر ونواه وطقوس لا اكثر ، وذلك بفعل العنف الغالب على حوار كل الجماعات الاسلامية التي يدعي كل منها امتلاكه للديانة الاسلامية والقيمومة عليها . من هذا المنحى تأتي أهمية الاضافة الفكرية للدكتور عبد الجبار الرفاعي في اعادة ترتيب المنظومة الفكرية الاسلامية ، بما يؤمن حلاً عاجلاً لمسألة العنف ، حين جعل من النزعة الانسانية اصلاً من اصول الديانة تم تغييبه والواجب يحتم علينا انقاذه .

ــ 9 ــ

يعرّف عبد الجبار الرفاعي الانسان بأنه ( كائن ديني ) وهذا التعريف الذي يمنح من خلاله دوراً ووظيفة للانسان في الحياة يعد ثابتاً من ثوابته الفكرية . في هذا الثابت الفكري لا يجد الانسان لنفسه وحياته من معنى خارج الدين ، لكن الدين هنا شئ آخر غير مؤسسات الدين التي تبلورت في التاريخ . وغير الشروح والهوامش التي حولت الدين الى ملكية خاصة لشارح او مفسر او مؤوّل ، يوجز الدين كله بفتوى تنزع انسانية من لا يتقيد بها . من هذا المنطلق يرفض مفكرنا الشيخ مأسسة الدين . ذلك لان الفتوى الدينية تمر في التطبيق من خلال هيكلة مؤسساتية عرفتها دولة الدين في التاريخ : اجهزة الشرطة والقضاء والحسبة . يتحول الدين عبر هذه الاجهزة الى اوامر ووصايا تفقد الكثير من روحانيتها فيتحول الدين في العنف اليومي لرجال الحسبة ، وفي غلظة وقسوة الشرطي ، وفي اجتهاد القاضي ( الذي يعد له اجتهاده حسنة أكان مصيباً أم مخطئاً ) الى ممارسة سلطوية تتحكم بها أهواء ومصالح هذه المؤسسات التي اخذت في التجربة التاريخية للدولة في الاسلام شكل ملك لرئيسها وصلت الى درجة بيعها بمبلغ محدد من المال وان تزيت بزي السلطات الدينية وادعت تطبيق ( شرع اللّه ) وتقليم اهواء وغرائز البشر الخطائين . فقد الانسان في هذه الدوامة من العنف المستمر في تطبيق الشريعة آدميته واستقلاله ككائن ديني باحث عن المعنى . لا يمكن للانسان ان يجد المعنى في هذا التطبيق الارضي للدين الذي ينزع انسانية الانسان المختلف . يفقد الدين قابليته على توليد المعنى اذا ما تحول الى اوامر ونواهي يومية عبر اجهزة نصبها البشر في التاريخ لحمل الآخرين بالقوة على الالتزام والتقيد بما تصدح به من معنى . من هنا ينشب التضارب بين معنى ومعنى وبين توجه وتوجه . فالكائن الديني يفتقد المعنى في مؤسسات البشر التي تحمله بالقوة على ان يجد معنى لحياته فيها . والمعنى الذي تصر هذه الاجهزة على توليده لا يخرج عن الطاعة وما تحمله من اذلال لكرامة وآدمية الانسان الذي يرى المعنى في سواها : في مؤسسته الذاتية الحرة التي تكفل له حرية البحث عن المعنى في سواها . فالكائن الديني الباحث عن المعنى اشمل في رؤيته الذاتية من المؤسسات واعلى رتبة من هياكلها . الدين لدى الكائن الديني : عصي على التشكل في هيكل او اطار ذي بعد زمكاني . يرى مفكرنا الدكتور عبد الجبار : انه ما ان تتم هيكلة الدين حتى تتم في الآن ذاته عملية تجريده من توهجه الروحي : هاجس الانسان الباحث عن المعنى الاوفى والاشمل من المعنى المرتبط بالمؤسسات الارضية للدين ، ففي هذا البحث يشعر الكائن الديني باتحاده بالقوة الكبرى التي تمسك بوحدة الكون ، ويدفعه الى استنزالها الى جرمه الطيني الصغير : شرط التخلي عنه ونسيانه ، فمع هذا النسيان يتم له ما حلم به وهو في سفره اليها من التحام بها ، وستأذن له ــ ان سهى السهو كله عن جرمه الطيني ــ ان يكون : عينها التي يرى بها ، ولسانها الذي ينطق به ، ويدها التي يبطش بها ...



#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اضاءات / 4 انتخابات كردستان
- اضاءات / 3 الاعلام والسياسي
- اضاءات / 2 العرب والضربة
- تجسيد الحداثة : العفيف الاخضر نموذجاً الى سيمون خوري
- اضاءات / 1
- تجسيد الحداثة : العفيف الاخضر نموذجاً 2 من 4
- تجسيد الحداثة : العفيف الاخضر نموذجاً 1 من 4
- مشاهدات بغدادية المجلس الاعلى وتقاعد البرلمانيين
- مرسي والمصير المحتوم
- الاخوان وشرعية الانجاز
- لماذا انتفض الشعب ضد الاخوان
- درس الثورة المصرية الجديد
- نداء من العامة الى الخاصة
- مشاهدات بغدادية / 12
- مشاهدات بغدادية / 11 خطة القبض على الاوهام
- مشاهدات بغدادية / 10 / 1 الزعيم قاسم 2 جمعة الخيارات المفت ...
- مشاهدات بغدادية 9 عن الحدث في الحويجة
- مشاهدات بغدادية / 8 شهادة عن الانتخابات
- مشاهدات بغدادية / 7 قانون المرور
- في ذكرى ميلاد الحزب الشيوعي العراقي


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل شاكر الرفاعي - ماذا يعني ان نسمي كاتباً بعينه مفكراً ؟