ابراهيم زهوري
الحوار المتمدن-العدد: 4272 - 2013 / 11 / 11 - 16:56
المحور:
الادب والفن
تغّير منزلي ثلاثا-;- في غضون ست سنوات , أقصى شرق المخيّم وأقصى غرب المخيّم وبين الوجهتين كنت مرة هناك .. وحدي أسقي الورد عصرا-;- وأشرب الشاي بنكهة النعناع وأطالع كتابا-;- , وأمي في صحن الدار تناجي بصمت غنائها طيش العصافير أعلى شجرة الأكدينيا وترفع المواويل عن الحبايب خلف الجبل , وفي المساء عند العتبة أجمع حبة حبة زهر الياسمين , أكدسه ككنز وفير في جوف طبق منتشيا-;- عناق نجوم سقف الليل وأريج البياض عندما يرتاح منسابا-;- على تطريزة الوسادة الزرقاء .
غادرت أمي دون رجعة ريحانة بيت اللجوء الرحب من الباب الخلفي ومنحتنا روحها وعدا-;- لا تهزه نيران النسيان و زوجتي في الشهر الخامس من حملها الأول و الآن إبني الثاني له من العمر أربع سنوات سميته " إيثار " تيمنا-;- باشتعال ضلوع ناياتها وجمرة براعم ثوبها المسحور, أمسك بيدي يشدّها عنوة ويناشد فيّ من تلقاء نفسه وصفة الحنين ,
- دعني يا أبتي أدخل إلى بيتنا القديم !!
كنا نحن اﻹ-;-ثنين وقتئذ تلفنا مرارة العيش المؤقت على غصن ريح ..نمّر من أمام الباب المغلق كطيف شبح مسكونا-;- بالضوضاء وضجر ظهيرة لا تخصنا , نتنقل بين حصى حفر اﻹ-;-سفلت المفتت وبقايا ماء وطين ,
- لم يعد لنا بعد الآن ....
هكذا أجبته وأنا أنهره بهز يده الرقيقة بعنف هزتين , أدفعه أمامي رغما-;- عنه وأرفعه فجأة بيميني كريشة معلقا-;- للحظات يتأرجح في الفراغ تسنده نسمة هواء عليل لعلّ ارتفاع قدميه عن سطح الأرض -;-ينسيه قوله الغريب الذي لا يتناسب مع صغر سنه , ألملم ضحكاته المبعثرة هنا وهناك وأضمها إلى صدري محاطا-;- بخمر الفقدان , أكتم صوتي كخجل طفل يتيم وأقول :
- لقد ظلّت أمي .. جدّتك هكذا مثلك طوال حياتها تحاول أن تقول لنا ذلك ونحن - جميع أبنائها- لم نفهم بعد .
*الجرمق : جبل تقع عليه مدينة صفد الفلسطينية
مخيم النيرب – حلب
#ابراهيم_زهوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟