محسن لفته الجنابي
كاتب عراقي مستقل
(Mohsen Aljanaby)
الحوار المتمدن-العدد: 4271 - 2013 / 11 / 10 - 17:03
المحور:
كتابات ساخرة
الله أكبر .. والتكبير هنا أتى على سبيل الأحتجاج وليس للأذن بهجوم على الأبرياء أو الدجاج , حتى الدربونه التي أقطن بها لم تسلم من الزحام , فبعد نهار أنتهى بالترحال بين ثلاثة أماكن متباعدة في المدينة المتقطّعة الأوصال يبذل المرء مجهودا يهد الجبال لا هوادة الا بالوصول للبيت للتزود بالـ تمّن والمرق ثم الأنطمار :
- بويّه سوولنا درب خلي نطب , طالع من طكَه البريج ولحد الآن لاغدا ولا صلاة .. شنو اليوم جايكم مسؤول چبير لو دا يوزعون بيوت و بايسكلات ؟
تطوع أبو مثنى المتقاعد للأجابه وهو يترنح حاملا طبقة بيض كادت أن تتحطم بعد أنحشاره بين الحائط وأحدى السيارات :
- سجّاد أبن سليمه الخبازه أخذوله مره , من غير حمره محمره ( روحه خضرة أبو مثنى حولها الى أغنية و بقي يرددها مع الأطفال )..
- خير أن شاء الله , كلنا على هالطريق , سجاد قصدك نفسه سجاد ؟
- أي عمّي سجاد الزعطوط أبن الخبّازه ,ذولي الوصخين العدهم صخول وعايشين بروس الدربونه صار سنين ( والحديث لأبو حيدر كان يحاول التوضيح بلهجته القاسية المعهودة ) ..
- على كيفك أبو حيدر , لاتنابزوا بالألقاب , الظاهر أنتَ غيران , منو لازمك ماتروح تتزوج بدل الوحده أثنين , بس هذا سجاد مواليد ألفين !
الدربونه صارت خان جغان , رِجل غريبة تدوسها تباعا منذ يومين, من مظهرهم يبدو أنهم من الريف , سيارات كثيرة , واحدة منها برقم أسود تقف أمام بيتنا (بابا شوفوا منو راعيها , مابينا حيل مصايب جديده , خاف تطلع مفخخه أتأكدوا يمعودين )...
شلون شابّه شايله حسن مو شلون ماكان تشبه الممثله التركيه سيبل كان , أكبر من العرّيس بعشر سنوات , عمي صدكَ چذب هذا بعده زغيروني ماكمل ثلثطعش سنه , يجوز عليها , ويجوز مايدبرها , بس لايفشّلنا بين العربان ويحطنا بموقف مثل سفرة فلانان للأمريكان ... هذه طبعا عناوين الأخبار على لسان النسوان , فقد ألتفت الحنّان المنّان أخيرا الى سليمه , وأستلمت قبل فتره ثلاثه و ثمانين مليون دينار , مكرمة من حكومة الساده لأن رجلها الأول راح بالواحد وتسعين بالشمال وبقدرة قادر صار من ضحايا النظام , تزوجت أبو عماد بالسر وبعدها بثلاث سنوات لما صار السقوط و بدت الديمقراطية كشفتهم أم عماد والأخيرة صارت أمام الأمر الواقع رغم قدراتها المرعبة بالتفريخ والقتال , أما أبو عماد فكان رفيق حزبي و حالته زينه , أخذها قربةً لله , متقي الله يسلمه ويخرب ويتكهرب عَ النسوان ومن يوم ماحطّت بالمنطقه ماله علاقه بيها بس ليلة ليلتين بالسنة ينسل متخفّيا خشية أن تعلم زوجته الأولى , حياتهم الزوجية مجرد سلام و ماطلعت غير بسجّاد , من مصغاره ترك المدرسة , تسكن في هيكل مجهول العائدية , يبعد عن بيت زوجها بيتين , هو الأقذر في المنطقة , مليء بالـ (عرباين والسكراب) , ولديهم حيوانات , كم أزعجنا وجودهم في الدربونه , لكننا نتحملهم على مضض فهي تخبز للناس وأبنها سجّاد خدوم يوصل المسواكَ ويربط وايرات المولدة و يخرج (الأبّي) عند أنقطاع الماء , وربك مايكَطع أنطاها عطية ماتخطر على البال , فوق الفلوس أستلمت بيت تطارد بيه الخيل بذاك الصوب وجماعه يحلفون منطيها شقة مأثثيها من اليابان بيها هوى بارد وحار و راتب مايحلم بيه الموظّف أبو الماجستير, بس تبقى ثولة و ماتفتهم ركضت وكسرت ظهر أبنها, صحيح العروسه حلوة بس المشكلة چبيره عليه , بعده طفل مبرعص مو مال زواج , عفيه عربان ماعدكم غير التفكَه والنسوان , أنفض الحشد الاكبر من أهل الدربونه بعد أن أشفوا غليل غيرتهم وفضولهم , كل يردد كلاما مسموعا من خلف قلبه :
الله لايجعلنا من الحاسدين .. فكّوا ياخه يمعودين (صرخ بهم أبو خالد بعد أن توسّلهم الرحيل ) ..
وبقي حشد صغير , الأغرب في المشهد أن بيت الخبازة وعلى مر السنين العشرة الطوال التي شرّفوا بها المنطقة لم يطرق بابهم سوى الجيران فمن أين أتوهم هؤلاء الأقارب بهذا العدد الفتّاك , أجابت أم سعد عن هذا التساؤل الذي أرهق كل السكّان :
- أجوّي على الدبكَ , ليش ماتعرف أهل العراق ,دينكم ديناركم وقبلتكم نسائكم .. دينهم ومذهبهم الدينار
- على كيفچ حجّية , أصابعك مو سوى , أكو ناس تتعنى وتلتزم بصلة الرحم بدون مصلحة و هوايه منهم عدهم شرف وأخلاق
- ظل بسوالفك على أساس أنتَ خوش ولد وأحنا الموخوش , وروح أمك العزيزة ذولي سمعوا بالفلوس و الرواتب وأجوي ركظ بلكي يهبشون كم مليون
- خاله همه هوايه أذا قسمت فلوسها عليهم مراح يحصل كل واحد عشرتالاف , د شوفي السيارات بالعشرات
- هاي حلها بسيط , لحية الطمّاع بـ (طوووط) المستفلس , وكلمن مقشمر روحه على أساس هوّه الفايز ومقتنع ومراح يطلع أبّلاش
أنقذنا أبو هشام ليوقف الهجوم غير المسبوق من أم سعد على سليمة وأبنها وكل الناس , كان يرتدي جلّابيّه أماراتية شفافه وهو يفرك بعيونه المنتفخه مع أجزاء أخرى لايمكننا ذكرها , بمجرد ظهوره هربت النساء , حتى أم سعد توارت وهي تردد كلمات لم نفهمها , وبادر متثائبا :
- شكو ياجماعة , اليوم شبيكم داخلين أنذار
- ماكو شي .. اليوم عرس سجّاد ..
- ضحك أبو هشام طويلا , حتى تجمع حوله الباقي من الرجال وأسترسل بعد أن وضع يديه خلف رقبته وهو يبرز صدره الكبير:
- منو يتزوّج منو , سجاد يتزوج العروسه لو العروسه تتزوج سجّاد , خاطر تعرفون شنو من بشر أحنا , صار عشر سنين مثبورين من أم سجاد وأبنها , لطميات و بواچي نسمعها طول السنة مو بس بعاشور , رايات و بيارغ ومسويّه بيتها مقر للملايّات تاليها تزوج أبنها بشهر محرّم الحرام , أيباه شلون عالم واويّه ماعدهم ذرّه أخلاق
وبعد تلك العبارة تفرق الحشد الأخير وهم يرددون (أحنا شعلينا ) لمرات عديدة و فشلت كل خططي للصد والدفاع عن أمبراطورية أم سجّاد الوليدة , وختم المشهد بدخولي للبيت بعد يوم مزدحم شاحب لم يلونه سوى وصول صينية مليئة بالمشاوي جعلتني أثمل لأنسى ما أصابنا من جدلية واقعنا المضحك المختصر بنظرية : المال يفتح طريقا للتمرد على الموروث والغيبيات ليحرق الناس تقاليدهم مثل ما فعل مع سفنه طارق أبن زياد , لكن المال لوحده لايكفي , فبـ (العيش الرغيد) مع (الثقافة ) بحدها الأدنى كلاهما سويةً متلازمَين ..( يرتقي بالأنسان) .
أودعناكم أخوان
[email protected]
#محسن_لفته_الجنابي (هاشتاغ)
Mohsen_Aljanaby#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟