أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد قنوت - حصاد الرؤوس الكبيرة














المزيد.....

حصاد الرؤوس الكبيرة


خالد قنوت

الحوار المتمدن-العدد: 4249 - 2013 / 10 / 18 - 08:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في السنوات الأولى من دراستي الجامعية, جمعتني صداقة جيدة بزميلة منذ السنة الأولى و بسبب بعد كليتنا عن دمشق و حالة المواصلات السيئة آنذاك, حيث كانت باصات المنطقة الصناعية محدودة للغاية و ميكروباصات الست زينب عصفورية متنقلة و باص الكلية المتجه لباب توما محدود الرحلات و العدد الممكن لاحتماله.
كل ذلك كان يتحتم على الطالبات أن يشاركن زملائهم الطلاب طريق العودة ليلاً بعد انتهاء الدوام. كان هذا العمل محبب لدينا بحكم أنه عمل رجولي في حماية زميلاتنا و بنفس الوقت حالة اكتشاف مشتركة لأفكارنا و أحلامنا كطلاب يعيشون أحلى فترات حياتهم التي لن تتعوض.
كانت لطيفة و خلوقة للغاية و صار بيننا وحدة حال و ثقة. من خلال الأحاديث الكثيرة المتبادلة كان من الطبيعي أن أحدثها عن عائلتي و تحدثني عن عائلتها, في إحدى المرات أخبرتني بأن والدها مساعد في المخابرات فكان لهذه المعلومة أثراً سلبياً كبيراًعلى علاقتنا.
كنا كسوريين, قد خرجنا لتونا من أحداث الثمانينات بكم كبير من المجازر, مجزرة جسر الشعور, مجزرة تدمر, مجازر حلب, مجازر حماة....
كان زملائنا القادمون حديثاً من أحداث حماة, لا يزالون أموات أحياء. صديقي طارق, لم يستطع أن يتذكر أحداث الشهرين المنصرمين, عندما سألته: ماذا حدث معك؟. كان حليق الشارب و قد كان مصدر فخره قبل الأحداث.
كنا كسوريين قبل أحداث الثمانينيات, نرتعد من كلمة مخابرات و نغير وجهة طريقنا عندما نشاهد عنصر مخابرات يتبختر و على خصره مسدس يتقصد إظهاره للجميع.
في طريق مشوارنا المسائي على طريق أبورمانة, كنا نبتعد عن فرع المخابرات الواقع بإحدى ساحات النجمة أمام مبنى إدارة أسر الشهداء, حيث كان من الطبيعي أن نسمع صرخات المعتقلين الواقعين تحت التعذيب من نوافذ الطابق الأرضي. نفس الأمر يحدث عندما نعبر فرع المخابرات الواقع في منطقة الشعلان في القبو تحت محل فلافل الشعلان. أذكر يوم أخبرتنا صديقة شقيقتي المقيمة في نفس البناء, أنها سمعت صراخ أحد المعتقلين طوال الليل و عند الفجر توقف الصراخ مع صوت رصاصة دوت في الأرجاء.
كل سوري, لديه قصص مباشرة و شخصية مع أحد أجهزة الأمن أو الاستخبارات السورية و كل من يتجاوز هذه المحنة يعتبر نفسه إنساناً جديداً فالداخل مفقود و الخارج مولود, أصدقاء كثر مروا بهذه التجربة و بعدها هاجروا بعيداً في بلاد الله الواسعة.
مع كل هذا الإرث الوطني الكبير من الخوف و الرعب, لم استطع أن أهضم موقع و عمل والد صديقتي. رغم كل اللطافة و الأنوثة و حتى الجمال التي تتمتع به. لم يكن يخطر في ذهني سوى سؤال واحد كلما التقيت بها: (كم عدد السوريين القتلى في رقبة والدها؟) لم يكن سوى صدى صراخ المعتقلين المعذبين بيننا عندما نتحدث لبعضنا. قد أكون ظالماً بأني لم أغفر لها كونها إبنة مساعد في المخابرات و لكن لم أتمكن من أن أفصل بين الحالتين, رغم محاولاتها الحثيثة لزيارة بيتهم و للتعرف على أهلها.
تذكرت هذه القصة اليوم, بعد سماعي لخبر مقتل أحد أكبر ضباط الاستخبارات السورية في مدينة دير الزور بكل ما يحمله من تاريخ أسود في لبنان قبلاً و ما حدث و يحدث في سورية إثر قيام الثورة و تابعت حالة التشفي التي يتداولها السوريين بل حالة الفرحة و الغبطة.
مالذي يمكن أن يتوقعه المرء من ردة فعل لشعب عاش الرعب على أيدي أجهزة الأمن و الاستخبارات السورية, منذ قدوم آل الأسد لقمة هرم السلطة و التصاقهم بها و كأنها ورثة أو مزرعة لنسلهم؟
و كيف هي الحال اليوم, بعد مجازر يومية منذ سنتين ونصف يقوم بها عناصر و ضباط الاستخبارات الذين لا يعرفون من الوطن سوى حماية عائلة الأسد و لعق أحذية أفرادها على حساب دم سوريين يطالبون باسترجاع انسانيتهم المسلوبة؟ لقد حولهم النظام إلى قتلة و مجرمين و لصوص و قطاع طرق و وضعهم فوق المحاسبة و المساءلة القانونية, و قد ارتضوا هذه الأعمال فصاروا جزءاً منها.
يبدأ أي عنصر أو ضابط مخابرات مهنته بتعلم فنون القتل و التعذيب و سلب الناس ارزاقهم, لينتهي مقتولاً غير مأسوف عليه أو شريكاً لأحد محدثي النعمة أو يتحول إلى شيخ أو رجل دين كما حدث مع والد صديقتي, يوزع الحكمة و الوطنية ممزوجة بالطائفية و الحقد و الجهل.
صديقتي تزوجت طبيباً و لديها أولاد و هي اليوم تمارس فنون التشبيح مع زوجها و أولادها بفضل حكمة والدها المساعد المتقاعد و رجل الدين حالياً.
لن يبدأ السوريين مشوار استرجاعهم لانسانيتهم و وطنهم سوى بتحطيم نظام قام على رعب تصنعه أجهزة فوق القانون و فوق الوطن و تحطيم هذه الأجهزة من جذورها و بناء أجهزة وطنية محترفة عقيدتها حماية و صيانة الوطن و الشعب و المواطن السوري الفرد و تخضع لسلطة قانونية مستقلة عادلة و نزيهة, و المشوار مازال في بدايته.



#خالد_قنوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هي هجرة أخرى ..فلسطينيون سوريون
- سوريون..و لا نخجل
- التصويتات على تأديب الأسد
- الضربة التأديبية, فأين المفر؟
- الخمسين, بين ماضي الهزائم و حقيقة الانتصار
- في حضرة الموت السوري, ستولد الحرية
- التاج يسقط في الشام
- حصار الشعب الذي يريد
- من أين جاؤوا هؤلاء؟؟
- تقاطعات بين استراتيجيتين على حساب ثورة السوريين
- عيد ميلاد كندا و الولادة العسيرة لسورية الجميلة
- الرحمة للمناضل و الإمام المغيب الشهيد موسى الصدر.
- القصير.. الثورة لا تسقط
- إعادة هيكلة و ليس مهزلة
- شعار الثورة (الموت و لا المذلة) كهدف استراتيجي
- كلاب مسعورة في ريف بانياس
- مصر و العراق..دروس هامة للثورة السورية.
- تصحيح المسار لا يعني الفشل.
- جبهة النصرة..لنا أم علينا؟
- مآلات الثورة السورية 4


المزيد.....




- -شعلته لن تنطفئ-.. مهرجان -جرش- سيقام في موعده
- الموت من أجل حفنة من -الدقيق- في قطاع غزة
- صواريخ إيرانية تصيب مستشفى في جنوب إسرائيل ونتنياهو يتوعد إي ...
- باكستان: أزمة المناخ تغلق مدارس وتهدد مستقبل التعليم في البل ...
- اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين طهران وموسكو.. هل يلزم روسيا ...
- هذا ما قاله نتنياهو من موقع مستشفى سوروكا الذي أُصيب بضربة إ ...
- في ظل سعيها لتدمير قدرات إيران.. ماذا نعرف عن برنامج إسرائيل ...
- مصر.. الحكومة تطمئن المواطنين: لدينا مخزون كاف من السلع الأس ...
- الأردن: إصابة طفلين وأضرار مادية جديدة جراء سقوط مسيّرات
- بوتين وسوبيانتو يوقعان إعلان شراكة استراتيجية وإنشاء منصة اس ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد قنوت - حصاد الرؤوس الكبيرة