أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - لمحة عن إيران المعاصرة - برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي– اللينيني – الماوي)-3--















المزيد.....



لمحة عن إيران المعاصرة - برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي– اللينيني – الماوي)-3--


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 4227 - 2013 / 9 / 26 - 22:48
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الثورة فى إيران و البرنامج الأدنى ( الجزء الأوّل )


الماوية : نظرية و ممارسة – 14 -

برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي - اللينيني – الماوي ) (2000)

محتويات الكتاب :

مقدّمة مترجم برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي– اللينيني – الماوي)
============================
/ I الثورة العالمية و البرنامج الأقصي


مقدّمة :

الماركسية – اللينينية – الماوية :
الماركسية :

اللينينية :

ثورة أكتوبر
الماوية :

الثورة الصينية

مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا :


السياسة و الثقافة و الإقتصاد فى المجتمع الإشتراكي



الشيوعية العالمية والمرحلة الإنتقالية :
الدولة البروليتارية : الديمقراطية و الدكتاتورية :

الدولة و الحزب :
الدولة و الإيديولوجيا :

الدولة و الدين :
الدولة و الثقافة :
الدولة و الدعاية :

الحرّية و القمع و المقاربة المتصلة بالمعارضة :
الإقتصاد الإشتراكي :

العلاقة بين البلدان الإشتراكية و الثورة العالمية :

تناقضات النظام العالمي و صورة العالم الراهن :


II / الثورة فى إيران و البرنامج الأدنى


لمحة عن إيران المعاصرة


الهيمنة الإمبريالية :
الرأسمالية البيروقراطية :
شبه الإقطاعية :
ثلاثة جبال و علاقات إنتاج مهيمنة على المجتمع :

الدولة شبه المستعمرة فى إيران :

الجمهورية الإسلامية و ثورة 1979 :

الطبقات و موقعها فى سيرورة الثورة فى إيران



طبقات البرجوازية – الملاكين العقاريين :

البرجوازية الوسطى ( أو البرجوازية الوطنية ) :

البرجوازية الصغيرة المدينية :

المثقّفون :

الفلاحون :

الفلاحون الأغنياء :

الفلاّحون المتوسّطون :

الفلاحون الفقراء و الذين لا يملكون أرضا ( أشباه البروليتاريا فى الريف ) :

شبه البروليتاريا المدينية :

الطبقة العاملة :


بعض التناقضات الإجتماعية المفاتيح


النساء :

القوميات المضطهَدَة :

الشباب :


طبيعة الثورة و آفاقها


فى المجال السياسي :
فى المجال الإقتصادي :

فى المجال الثقافي :


الخطوات الفورية و إرساء إتجاه التغيير


بشأن العمّال :

بشأن الفلاحين :
بشأن النساء :
بشأن القوميات المضطهَدة :

بشأن التعليم :
بشأن الدين و النشاطات الدينية :


عن بعض أمراض المجتمع

البطالة :
الإدمان على المخدّرات :
البغاء :

المدن المنتفخة و اللامساواة بين الجهات :

السكن :
الوقاية الصحّية و الرعاية الطبيّة :

الجريمة و العقاب :

العلاقات العالمية :



طريق إفتكاك السلطة فى إيران


أدوات الثورة الجوهرية الثلاث : الحزب الشيوعي و الجبهة المتحدة و الجيش الشعبي :

قواعد الإرتكاز و السلطة السياسية الجديدة :

الإعداد للإنطلاق فى حرب الشعب :

نزوح سكّان الريف و نموّ المدن :

مكانة المدن فى حرب الشعب :

الأزمة الثورية عبر البلاد بأسرها :

حول إستراتيجيا الإنتفاضة المدينية :

حرب شاملة و ليست حربا محدودة :


لنتقدّم و نتجرّأ على القتال من أجل عالم جديد!


مقدّمة مترجم برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي– اللينيني– الماوي):
مواصلة للخّط الذى قادنا فى أعمالنا السابقة و ربطا للأفكار التى صغنا بصدد إيران و تجنّبا للتكرار ، إرتأينا أن تكون هذه المقدّمة مركّبة من أجزاء ثلاثة هي أوّلا مقتطف من مقدّمة كرّاس " جمهورية إيران الإسلامية : مذابح للشيوعيين و قمع و إستغلال و تجويع للشعب " و ثانيا مقتطف من مقدّمة كرّاس " إنتفاضة شعبية فى إيران ، وجهة نظر شيوعية ماوية " ( المقتطفان صدرا ضمن كتاب يحمل ذات عنوان الكرّاس الأوّل ؛ العدد السادس من " الماوية : نظرية و ممارسة " ) ؛ إليهما أضفنا فقرة عن أهمّية هذا البرنامج. و على هذا النحو نمرّ من قراءة مقتضبة للصراع الطبقي فى إيران الحديثة و نقد لقراءات خاطئة مناهضة للماركسية – اللينينية – الماوية إلى النضالات الشعبية و إمكانية الثورة و من ثمّة إلى البرنامج الشيوعي الثوري الأقصى و الأدنى الذى يمكّن إن طبّق و نجح تطبيقه من جعل الثورة المرجوّة جزءا لا يتجزّأ من الثورة البروليتارية العالمية و أفقها الأسمى الشيوعية العالمية.
و من الأكيد أن الرفيقات و الرفاق الإيرانيين منذ سنة 2000 ، سنة نشر هذا البرنامج ، قد طوّروا جوانبا من برنامجهم أو نظرتهم لمسائل عملية و نظرية و بالفعل قد نشروا عدّة كتب و مقالات للأسف الشديد هي فى غالبيتها غير متوفّرة إلاّ باللغة الفارسية لذا ندعو الرفاق و الرفيقات العرب الذين يمسكون بناصية اللغة الفارسية و نلحّ فى دعوتهم إلى النهوض بواجب ترجمة أهمّ الأدبيّات الحديثة التى أصدرها الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي ) كما نتوجّه بالدعوة إلى الرفيقات و الرفاق الإيرانيين أن يسعوا جهدهم على الأقلّ لتقديم أدبيّاتهم الأهمّ باللغة الأنجليزية فنتولّى تعريبها أو يتولّى المهمّة غيرنا كي يتمّ التفاعل اللازم من منطلق أمميّ .
1- من مقدّمة كرّاس " جمهورية إيران الإسلامية : مذابح للشيوعيين و قمع و إستغلال و تجويع للشعب " :
" منذ السبعينات ، شدّت إيران إنتباه المتابعين للشؤون السياسية و الدينية عالميا .فقد عرفت البلاد مخاضا كبيرا و نموّ مقاومة لنظام الشاه بجناحين من حيث الأساس ، جناح يساري و جناح يميني ديني شيعي و قد إستطاع الشعب الإطاحة بالشاه بيد أن القوى الدينية بتنسيق مع الإمبريالية العالمية سارعت إلى الإستيلاء على السلطة و إجتهدت فى وأد ثورة 1979 و الثوريين و خاصة منهم الشيوعيين فى المهد لتركّز دولة دينية أوتوقراطية تواصل بوجه جديد مضلّل للجماهير الشعبية رعاية و خدمة مصالح الإمبريالية و الكمبرادور و الإقطاع.
و كان لهذا تبعات جدّ خطيرة بصورة خاصة على الصراع السياسي فى الوطن العربي . فمن جهة ، أعطى هذا ، ضمن أسباب أخرى متنوعة و معقدة ، دفعا كبيرا للحركات الأصولية الإسلامية فى الأقطار العربية و من جهة ثانية و إضافة إلى البلبلة التى دبّت فى صفوف القوى اليسارية تقييما و تحالفات ، مثّل هذا الحدث ، إلى حدّ كبير ، منعطفا فى تراجع تأثير الشيوعيين و إنتشارهم و قوّتهم عربيا سيما و أن الحركة الشيوعية العالمية كانت تشهد ساعتئذ صراعات حادة بين القوى الماركسية –اللينينية الحقيقية و القوى التحريفية المعاصرة الموالية للإمبريالية السوفياتية أساسا.
و ممّا قصم ظهر الحركة الماركسية –اللينينية عالميا عاملان إثنان أولاهما خسارة الصين الماوية فى 1976 كقلعة حيّة للثورة البروليتارية العالمية بإستيلاء التحريفيين و على رأسهم دنك سياو بينغ على مقاليد الحكم و تحويل الصين من صين إشتراكية إلى صين رأسمالية و ما نجم عن ذلك و عن الخطّ التحريفي الصيني من تشويش و تشويه للماركسية- اللينينية- الماوية [ حينها الماركسية – اللينينية – فكر ماو تسى تونغ ] .و ثانيهما هو الطعنة فى الظهر التى وجّهها أنور خوجا ، قائد حزب العمل الألباني للماركسية – اللينينية – فكر ماو تسى تونغ التى كانت تقود الحركة الماركسية –اللينينية منذ أواسط الخمسينات و بشكل جلي منذ الستينات حيث أعلن أنور خوجا ، الدغمائي التحريفي ، أن فكر ماوتسى تونغ معاد للماركسية ،عوض أن يلتقط المشعل الشيوعي الماركسي –اللينيني الذى طوّره ماو تسى تونغ و يرفع رايته فزاد بذلك الطين بلّة .
و تكالبت القوى الإنتهازية لتتخلى عن الشيوعية الحقيقية ، الثورية و تشنّ حربا شعواء على ماو تسى تونغ الذى كان لعقود رمزا للحركة الماركسية –اللينينية العالمية و أهمّ قادتها فساد نوع من الفوضى الفكرية داخل الحركة الشيوعية العالمية قبل أن يخاض النضال المرير و الطويل لوضع خطوط تمايز مع جميع أرهاط التحريفية السوفياتية و الصينية و الأوروشيوعية و الخوجية ...و ليتم الردّ عليها و دحضها و لتشرع الماركسية –اللينينية –الماوية فى الإنصهار مجدّدا فى صفوف شعوب العالم عاملة على تغييره ثوريا بغاية بلوغ الشيوعية عالميا .
و عربيا ، تحوّل بعض المثقفين الذين كانوا يدّعون الماركسية إلى بوق دعاية للرجعية يدافعون عن الأصولية الإسلامية و مشروعها المجتمعي و الإقتصادي و السياسي و الثقافي . و طرح البعض إقامة تحالفات مع القوى الإخوانجية التى سرعان ما تضاعفت قوّتها و تضاعف تأثيرها جماهيريا غاضين النظر عن برامجها ووسائل عملها و مواقفها اللاوطنية و اللاديمقراطية و اللاشعبية الموالية للأنظمة السائدة و الإمبريالية و إن تظاهرت أحيانا بمعارضتهما أو عارضتهما لتتقاسم السلطة معهما .
و فى حين أسبغت مجموعات" ماركسية " صفة الوطنية على بعض الإخوانجية ( طامسة مثلا علاقة النظام الإسلامي الإيراني بالإمبريالية كما كشفته " إيران غايت " ) ، أسبغت عليها مجموعات أخرى صفة الديمقراطية ( متحالفة معها على أساس نقاط سميت الأدنى الديمقراطي أو جاعلة من الإنتخابات الإيرانية نموذجا للديمقراطية فى حين أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية يحكمها نظام وحشي فاشي ) و جعلت مجموعات ثالثة من الفكر الخرافي الرجعي الفكر الذى يجب أن يسود حركة التحرّر الوطني العربية عوضا عن الفكر العلمي و الشيوعي الثوري ، فإلتفتت إلى الوراء لتعلن أن الحلّ عند السلف لاوية معها عنق الجماهير الشعبية ذات الوعي الطبقي المتدنى إلى الخلف و مانعة عنها بالتالى التطلع إلى المستقبل الشيوعي الذى تصنعه الشعوب بقيادة الشيوعيين الثوريين إنطلاقا من الواقع لا من الخيال .
و فى السنوات الأخيرة ، إلى جانب ظاهرة التشيع التى أخذت فى الإنتشار فى الأوساط الإسلامية ، ذهبت مجموعة من الذين يقولون عن أنفسهم مستنيرين و حتى ماركسيين إلى حدّ الدعاية السافرة لا فقط للأفكار السياسية و إنما أيضا لإيديولوجيا "حزب الله" و مراجعه الفكرية باثة مزيدا من الأوهام حول طبيعته و برامجه و تاريخه و ممارساته . ووصل الأمر بالبعض إلى إبتلاع المقولة السامة المعادية للفهم الشيوعي حول الدولة و الصراع السياسي و علاقته بالحرب بان هذا الحزب لا يعمل إلا على مقاومة الكيان الصهيوني و بهذا لحملهم السلاح فى وجه الكيان الصهيوني جعلوا منهم وطنيين ناسين برنامجهم الرجعي الذى لا يقطع مع الإمبريالية و إرتباطاتهم التبعية لإيران و نظامها العميل للإمبريالية و ما إلى ذلك و فصلوا نظريا البعد الوطني عن البعد الديمقراطي فى الثورة الوطنية الديمقراطية / الديمقراطية الجديدة فصلا خاطئا و ضارا كلّ الضرر ، و روّجوا لكون "حزب الله" لا يستعمل السلاح فى الصراع السياسي الداخلي اللبناني ماحين هكذا بجرّة قلم تاريخ هذا الحزب و الفهم المادي التاريخي و حقيقة أن الحرب مواصلة للسياسة بطرق عنيفة ومن جديد و ببساطة أتت الأحداث فى لبنان لتكشف مدى خور هذه الترهات فبالسلاح إستولى حزب الله على بيروت أحياء و شوارعا ليفرض سياسات معينة و نقلت ذلك مباشرة شاشات التلفزة عبر العالم .
إن مثل هذه القراءات الفجة لطبيعة الأنظمة و الأحزاب و التنظيمات الأصولية الإسلامية و لتاريخها و التعامى عن تنظيراتها وبرامجها و ممارساتها الرجعية تجاه الشيوعيين و الثوريين و التقدميين و المرأة إلخ يصبّ فلسفيا فى خانة الحكم المثالي بظواهر الأشياء و من بعيد و عدم تحليلها ماديا جدليا و ماديا تاريخيا من منظور بروليتاري شيوعي ثوري و الغوص إلى لبّها و حقيقتها العميقة ، و سياسيا فى خانة فصل الوطني عن الديمقراطي و مغالطة جماهير الشعب و خدمة الأنظمة السائدة و دول الإمبريالية-الإقطاع – الكمبرادور و طبقيا فى خانة الإستسلام لأعداء الثورة و التذيّل لكتلة من كتل الأنظمة الرجعية على حساب إستقلالية البروليتاريا و غايتها الأسمى الشيوعية .
و هذا يطرح علينا كشيوعيين ماويين ، إذا ما رمنا تحرير الشعب و تنويره بالحقيقة التى هي وحدها ثورية كما قال لينين و خوض الصراع اللازم ضد تلك الإنحرافات الخطيرة للغاية ، إيلاء هذه المسألة جزءا من جهدها النضالي على الجبهة الفكرية النظرية و السياسية و يطرح على جميع الشيوعيين التعمّق فى دراسة و فضح ما يقدّم على أنه بديل إسلامي للشيوعية عبر نقد أهمّ إن لم يكن كلّ تجارب الإخوانجية الذين وصلوا إلى السلطة و مارسوها أو لم يصلوا إليها بعد أو يتقاسمونها ضمن إطار الأنظمة الرجعية السائدة و تبسيط ذلك لنشره فى صفوف الشعب . فمن أوكد الواجبات فى هذا الحقل تناول تجربة إيران و تجربة السودان و غيرهما بالبحث لتعرية وجهها الحقيقي و فضح طبيعتها و برامجها و ممارساتها شعبيا . و إن خوض هذه المعركة من الضرورة بمكان إذا كنّا نتطلّع إلى التقدّم فى إتجاه الإشعاع شعبيا و رفع وعي الشعب و إلحاق هزائم بالفكر الخرافي المكبل لطاقات ثورية هائلة فى صفوف الطبقات الشعبية و المدعى أنه بديل شعبي بينما هو بديل إمبريالي . "
2- من مقدمة كرّاس " إنتفاضة شعبية فى إيران ، وجهة نظر شيوعية ماوية " :
" حقيقة كانت إيران و لا تزال نموذجا للغالبية العظمى من التيارات الأصولية الإسلامية منها إستلهموا بعض الأفكار و الكثير من القوة بإعتبار إيران مثالا حيّا نابضا لإمكانية وصول الأصوليين الإسلاميين إلى السلطة و المحافظة عليها و بناء مجتمع إسلامي يعزّز الحركة الظلامية عبر العالم و يعضدها بما أوتي من قوّة مادية و معنوية.
تصوّروا الآن تحوّل إمكانية الإطاحة بنظام جمهورية إيران الإسلامية إلى واقع ملموس، تصوّروا تفكّك هذه الدولة القروسطية و مدى المدّ النضالي و طموح الإنعتاق الوطني و الطبقي و الطاقة التحررية التى سيطلقها الحدث بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط فشمال إفريقيا و آسيا و العالم بأسره.
تصوّروا دحر أحد محركات – أو قلب رحي- وركائز الحركات الإسلامية وقد تعرضت بعدُ حركات أصولية أخرى فى عديد البلدان إلى ضربات موجعة و مدى فسح ذلك للمجال لإنكسارات داخلية فى صفوفها و لخوض النضالات ضدّها و فضحها على أوسع نطاق شعبي ممكن.
تصوّروا بالإضافة إلى ذلك أن تكون الإطاحة بنظام جمهورية إيران الإسلامية الرجعي القروسطي على أيدى قوى شعبية تقودها البروليتاريا و توجهها الشيوعية.
تصوّروا هذا و أكثر ، ألا يستحق منّا حينئذ السعي حثيثا لمعرفة حقيقة ما حدث فى إيران و دراسته و تحليله وإستخلاص الدروس منه لدفع عجلة الصراع الطبقي و التاريخ من موقع أممي ووحدة الطبقة العاملة مصيرا و مهمّة تاريخية ؟ إذا كنا فعلا شيوعيين هذا الأمر يستحق العناء كلّه بل هو من صميم واجباتنا الثورية الأممية.
[ ...]
و ننهى هذه المقدّمة بالتنبيه إلى الحاجة إلى وعي الشيوعيين لضرورة ملحّة من مهام النضال على الجبهتين الإيديولوجية و السياسية ألا وهي مهمّة دراسة و كتابة مقالات تحليلية و نقدية طويلة و لما لا كتب لتعرية و فضح مشاريع و تجارب الأصوليين الإسلاميين فى البلدان العربية و غير العربية و نشرها شعبيا و التصدّى لهذه المهمّة العظيمة من منظور شيوعي ثوري و النجاح فى إنجازها من شأنه أن يكنس الكثير من العوائق الحائلة دون رفع وعي الجماهير وإنتشارالفكر العلمي و المشروع الشيوعي شعبيا فالظلامية لن تضمحلّ بمحض إرادتها ، يجب علينا كنسها كنسا شأنها فى ذلك شأن الغبار الذى لا يتلاشى لوحده ليدع المكان نظيفا بل ينبغى علينا كنسه إذا ما رمنا تنظيف المكان . "
3- أهمّية برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي ) بالنسبة للشيوعيين عامة و الشيوعيين الماويين خاصة :
تتأتى أهمّية هذه الوثيقة من أمرين محوريين بالنسبة للشيوعيين الماويين الذين يهدفون لتطوير مستلزمات الثورة البروليتارية العالمية بتيّاريها ، الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة و الثورة الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية الإمبريالية و بصورة خاصة عربيّا تطوير التيّار الأوّل :
- أوّلا و قبل كلّ شيء هذه الوثيقة الصادرة سنة 2000 عن أوّل مؤتمر لحزب يرفع بوضوح راية الماركسية – اللينينية – الماوية منذ سنوات تجاوزت العقد الآن رغم القمع و العسف الوحشيين لنظام قراوسطي فاشستي ، عن حزب كان من الأعضاء الفاعلين فى الحركة الأممية الثورية و مساهماته فى صراع الخطين صلبها بصدد البيرو و النيبال و تقييم الخلاصة الجديدة و الخلافات مع الحزب الشيوعي ( الماوي ) الأفغاني ... معروفة لدي المتتبّعين عن كثب لتطوّر الحركة الماوية العالمية .
- وثانيا إنّ الرفيقات و الرفاق الإيرانيين الذين قدّموا التضحيات الجسام و تمكّنوا من مواجهة المخاطر و العراقيل الموضوعية و الذاتية بلغوا منذ سنوات مرحلة تأسيس الحزب الشيوعي الماركسي – اللينيني - الماوي ، مرحلة لم تبلغها أيّة مجموعة أخرى على الصعيد العربي . و فى سيرورة تطوّرهم هذه و قطعهم أشواطا أخرى بإتجاه الإعداد لخوض حرب الشعب الماوية لإنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة الممهّدة للثورة الإشتراكية فالشيوعية كتيّار من تياري الثورة البروليتارية العالمية ، لا شكّ فى انّهم قد عالجوا عدّة قضايا و إنحرافات لا يزال الماويون فى الأقطار العربية يتخبّطون فيها فوجب التعلّم منهم بروح أممّية بروليتارية - مع مراعاة الإختلافات فى الواقع الموضوعي والذاتي، الكمّية منها و النوعية أحيانا - بعيدا عن الشوفينية القومية. حقيقة موضوعية هي أنّهم متقدّمون علينا فى مجالات عدّة لا سيما نظريّا و مثلما قال لينين فى " ما العمل ؟ " :
" الحركة الإشتراكية - الديمقراطية [ أي الحركة الشيوعية – صاحب المقدّمة ] هي حركة أممية فى جوهرها. و ذلك لا يعنى فقط أنّه يتعيّن علينا أن نناضل ضد الشوفينية القومية بل ذلك يعنى أيضا أن الحركة المبتدئة فى بلاد فتيّة لا يمكن أن تكون ناجحة إلاّ إذا طبقت تجربة البلدان الأخرى . و لبلوغ ذلك لا يكفي مجرد الإطلاع على هذه التجربة أو مجرّد نسخ القرارات الأخيرة . إنّما يتطلّب هذا من المرء أن يمحص هذه التجربة و أن يتحقّق منها بنفسه . و كلّ من يستطيع أن يتصوّر مبلغ إتساع و تشعب حركة العمال المعاصرة ، يفهم مبلغ ما يتطلّبه القيام بهذه المهمّة من إحتياطي من القوى النظرية و التجربة السياسية ( الثورية أيضا ) . "
لمحة عن إيران المعاصرة :

إيران جنّة بالنسبة للرأسماليين و الملاكين العقّاريين الكبار و جهنّم بالنسبة للعمّال و الفلاحين و الجماهير الكادحة الأخرى . البون بين الطبقات شاسع بسبب الإستغلال الفاحش للعمّال و فقر الفلاحين . قلّة من السكّان تعيش فى رفاهية بينما الغالبية ، رغم الكدح المضني صباحا مساء لا يمكنها أنتوفّر حاجياتها الأساسية .

و يفتقد الشعب إلى أبسط الحقوق الديمقراطية و تتبّع و تلاحق الدكتاتورية القمعية أية معارضة أو مقاومة . إيران سجن للنساء و الأمم . و قاعدة المجتمع الإيراني هي الإعتقاد فى الغيبيّات و الدين و التمييز الديني .

و هيكل الإقتصاد الإيراني يتمحور حول إنتاج وحيد هو النفط . إنّه إقتصاد متخلّف مشوّه و تطوّره غير متكافئ ،تمتصّ دمه دولة بيروقراطية منتفخة . و البون بين الصناعة و الفلاحة ، بين المدينة و الريف مذهل ؛ و التبعية الشاملة للبلاد للإمبريالية العالمية تتعمّق يوما فيوما .

و تـاتي هذه الظروف نتيجة الهيمنة الإمبريالية و الرأمالية البيروقراطية وشبه الإقطاعية فى إيران .

الهيمنة الإمبريالية :

مع دخول القرن العشرين ، وضعت الإمبريالية إيران تحت سيطرتها السياسية و الإقتصادية والعسكرية . كان الإقتصاد الإيراني مثل إقتصاديات الأمم المضطهَدة الأخرى مندمجا فى و مرتبطا بالنظام العالمي للإنتاج و التبادل و كان منظّما لخدمة حاجيات ربح الرأسمال الإمبريالي.
و إنطلقت هذه السيرورة مع نهاية حكم عائلة غدجار . بتقديم قروض هائلة للدولة ، تحصّل الإمبرياليون على إمتيازات معتبرة إقتصادية و سياسية . لقد نظموا تصدير المواد الفلاحية الخام و الصناعة المنجمية وتوريد السلع الإستهلاكية و ، إلى درجة معينة ، توريد السلع الرأسمالية ( مثل الآلات والتكنولوجيا ) و كسبوا أرباحا طائلة بإستغلال اليد العاملة الرخيصة . و شهدت هذه السيرورة طفرة خلال حكم رضا شاه عندما نمّى الإمبرياليون ووسّعوا هيمنتهم بواسطة تصدير رأس المال و السلع و بالتعويل على الدولة القمعية . و أعطى إكتشاف موارد نفطية كبيرة لإيران دورا خاصا فى التقسيم العالمي للعمل . و تدريجيّا ، و خاصة منذ الحرب العالمية الثانية ، إتخذ تدفّق رأس المال النفطي دورا محوريّا فى الإقتصاد برمّته .

و عقب الحرب العالمية الثانية و إعادة الهيكلة الكبرى للرأسمال على النطاق العالمي ، أملت الإمبريالية سياسة " التوريد يعوّض التصنيع " . و أخذ توريد الرأسمال الإمبريالي أبعادا لم يسبق لها مثيلا و علاوة على توسّع الصناعات البترولية و الغازية ، فإنّ قطاعات صناعية مختلفة و البنوك و التجارة توسعت هي الأخرى . و قد تمّ كلّ هذا عبر الإستغلال الأكثر فعالية للعمل الرخيص الثمن .

و مع ثورة 1979 و تغيّر النظام من نظام ملكي إلى جمهورية إسلامية ، لم يتغيّر موقع إيران فى التقسيم العالمي للعمل وعلاقتها بالنظام الإمبريالي تغيّرا جوهريّا . و ظلّت إيران بلدا مضطهَدا و متأزّما و ظلّت مرتبطة و متأثّرة بحاجيات النظام الإمبريالي و تطوّره . و جرى تطبيق الإستراتيجيا و السياسات العامة للإمبرياليين فى البلدان المضطهَدة فى إيران أيضا . فسياسة البلاد الإقتصادية تحدّد و تتهيكل تحت المراقبة المباشرة و وفق أوامر السياسة المالية الإمبريالية لا سيما سياسة صندوق النقد الدولي و البنك العالمي . و طفقت سياسة " التصنيع " فى ستينات و سبعينات القرن العشرين تضمحلّ بينما كانت تتصاعد إلى السماء القروض و الديون الأجنبية . و بهدف الحصول على المزيد و المزيد من العملة الأجنبية ، عُرض كل منتوج صناعي و فلاحي و كلّ مورد طبيعي قابل للنهب ، عُرض للبيع فى السوق العالمية . و المجالات و القطاعات التى لا تنسجم مع هذا المعيار غدت بسرعة مجالات و قطاعات راكدة و تداعت تماما . و قاد هذا التوجه إلى تنمية إندماج البلاد فى الشبكة السياسية و الإقتصادية للإمبريالية و إلى تبعية أعمق للإمبريالية .

فى المائة سنة الماضية ، نهب الإمبرياليون الموارد الطبيعية للبلاد و ثروتها و كسبوا أرباحا طائلة من تبادل غير متساوى و من إستغلال قوّة العمل : لقد إستخدموا السياسات التآمرية و العمليّات العسكرية للتقدّم بهذه الأهداف ، لكن المظهر الأهمّ و الأكثر جوهرية لهيمنة الإمبريالية فى إيران ( مثلما فى بلدان مضطهَدة أخرى ) هو أنّها جعلت البلاد هيكليّا مرتهنة للإمبريالية . و بلغ إدماج مختلف قطاعات إقتصاد البلاد فى الإقتصاد العالمي و مستوى التوغّل الإمبريالي فى كلّ نسيج المجتمع درجة أنّ إقتصاد البلاد لا يمكن الحفاظ عليه دون هيمنة إمبريالية . الإمبريالية ليست ظاهرة غريبة عن المجتمع الإيراني ، إنّها فى صلبه بعمق .

علاقة الإمبريالية بإيران علاقة إنتاج . فالإمبرياليون يتحكمون فى القطاعات المفاتيح و الإستراتيجية بأشكال متنوّعة و دون أن يكونوا بالضرورة المالكين المباشرين و الرسميين لأهمّ وسائل الإنتاج ، يمسكون بقيود الإنتاج و التبادل و التوزيع . يقع القطاع الإقتصادي المفتاح و الإستراتيجي أي القطاع النفطي تحت سيطرة الرأسمال الإمبريالي . و بالتحكّم فى هذا القطاع تقع قطاعات أخرى من الإقتصاد تحت سيطرتهم كما تنظّم قطاعات أخرى أيضا فى خدمة حاجيات ربح الرأسمال الإمبريالي . و يكتمل هذا التحكّم عبر وسائل أخرى مثل إحتكار التقنية المستوردة و التجارة اللامتساوية و إتفاقيات الإنتاج و القروض و الديون .

لا تتحكّم الإمبريالية فى إنتاج الثروة فى إيران فحسب ، بل هي أبضا تحدّد إذا و كيف توزّع و يعاد إستعمالها فى إيران أوفى أنحاء أخرى من العالم . حاجة الرأسمال العالمي و عملائه المحلّيين إلى تحقيق أقصى الأرباح يعيّن فى أيّة مجالات تتركّز وسائل الإنتاج ،و نحو أية مناطق ستتجه مداخيل العملة الأجنبية للبلاد ، و أية قطاعات من الإنتاج يجب دفعها و كيف يتمّ توزيع هذا الدخل فى شكل أجور غير متساوية ضمن مختلف فئات السكّان . و كذلك يحدّد أي نوع من الغذاء و كمية إستهلاك الشعب و عدد ملايين الناس الذين يدفعون إلى أسفل خطّ الفقر ،و ما حصّة كلّ شخص من الإنتاج الإجتماعي و أية عصابة من الملاكين العقاريين أو الرأسماليين تسمن ، و أين يستعملون رأسمالهم و مدى الثروة التى يراكمونها .

و تتحقّق مراكمة أرباح طائلة للرأسمال الإمبريالي عبر إستعمال أشكال قسرية للإستغلال و إستعمال وسائل قمعية فى سيرورة الإنتاج . إنّ الإضطهاد السياسي و فقدان العمّال و الفلاحين للحقوق جلي من جهة ، و مراكمة الأرباح الطائلة من أخرى وجهان لعملة واحدة .

و فى موقع القلب من علاقات الإنتاج هذه يوجد تصدير الرأسمال الأجنبي نحو إيران . و المظهر الأساسي لهذه العلاقات هو موقع و دور قطاع النفط فى حياة البلاد . إلى ألان كان الرأسمال الإمبريالي يُصدّر إلى إيران فى الأساس فى شكل دخل نفطي . و الجزء الأكبر من العملة الأجنبية و الجزء الأكبر من ميزانية الحكومة يتأتّيان من رأس المال النفطي ( أو المداخيل من النفط ) . و توفّر المداخيل النفطية جزءا هاما من المصاريف على إعادة تعزيز و توسيع الجهاز الحاكم العسكري – البيروقراطي نو توفّر البنية التحتية لحركة رأس المال الكبير المحلّي و الأجنبي و فى شكل قروض حكومية ، يسند و يدفع نحو إستثمارات هائلة . و يتمّ تبادل المداخيل من النفط مع التقنية و المنتوجات الصناعية و لوازم أخرى مستوردة مثل الغذاء الخ . و كمّية النفط المنتجة فى إيران و ثمن بيعها مرتبطان بقوانين السوق العالمية و الإحتكار و التحكّم الإمبرياليين . و للتصدّعات فى السوق العالمي و إرتفاع أو إنخفاض ثمن النفط إنعكاسات مباشرة على الإقتصاد . و صارت الحياة الإقتصادية للمجتمع و معيشة الشعب مرتهنة بهذه التقلبات. و الرأسمال المالي العالمي هو القوّة الدافعة للإقتصاد الإيراني و ناحته الأساسي . و إنتاج البلاد و سياساتها و توجهها الإقتصادي لا يقومان على الحاجبات الداخلية للمجتمع ولا يوفّران الحاجيات الأساسية و الرفاه للشعب . عوض ذلك كلّ شيء منظّم لخدمةحاجيات ربح الإمبرياليين و الطبقات الحاكمة الرجعية . لقد شوّهت الإمبريالية إقتصاد البلاد ووسّعت بعض القطاعات المختارة و فى نفس الوقت رمت بمناطق شاسعة إلى الركود و الإلاس . تستخدم التكنولوجيا المتقدّمة فى الصناعة النفطية بينما تستعمل أكثر طرق الإنتاج تخلّفا على نطاق واسع فى أماكن أخرى من البلاد . و العلاقة بين الفلاحة و الصناعة و بين مختلف قطاعات الصناعة مفكّكة ،و بات إقتصاد البلاد مثل " إقتصاد مخدّر " يحتاج إلى حقن مالي متصاعد و مستمرّ لأجل القدرة على العمل و الوقوف على رجليه .

و علاقات الإنتاج هذه ليست منفصلة عن العلاقات الطبقية فى البلاد . ذلك أنّ علاقات الإنتاج هذه تقوم على المصالح المشتركة بين الإمبرياليين و الطبقات الحاكمة الرجعية و هيمنتها على الطبقات المحرومة . لقد أدّى التوغّل الإمبريالي فى إيران و التطوّر الإمبريالي إلى عديد التغيرات فى التشكيلة الإجتماعية و الهيكلة الطبقية للمجتمع . وُلدت طبقات جديدة تشكّلت البرجوازية البيروقراطية – الكمبرادورية و تضاءل تأثير قوّة الملاكين العقاريين . و تشكلت فئات جديدة من البرجوازية الوطنية و البرجوازية الصغيرة بينما تحطّمت فئات أخرى تقليدية من هتين الطبقتين . و نمت صفوف الطبقة العاملة و أضحى عديد الفلاحين دون أملاك و نزح العديد الآخرون نحو المدن نتيجة تحطيم الإقتصاد الفلاحي . و حصل إنعطاف هام فى الأهمية النسبية للفلاحة و الصناعة . و تكوّنت مدن كبرى و نشأ فرق شاسع فى الدخل و فى مستوى المعيشة بين الذين يعيشون فى المدن و الذين يعيشون فى الريف .

و اليوم دخل أفقر الأسر المدينية يعادل مرّة ونصف المرّة دخل أفقر الأسر الريفية و أمل الحياة فى الريف أقلّ بعشر سنوات منه فى المدن . و شهدت هذه النزعة الشاملة طفرات إثر الحرب العالمية الأولى و خاصة إثر الحرب العالمية الثانية .

إنّ العلاقات التى أملتها الإمبريالية على المجتمع هي فى تناقض مع تطوير إقتصاد وطني مطوّر بصفة متكافئة و معوّل على ذاته ، إنّها فى تناقض مع حاجيات غالبية الشعب . و تولّد هذه العلاقات أزمات حادة و بؤس لا حدّ له فى صفوف الشعب . بيد أنّ تبعية إيران للإمبريالية ليست مجرّد ظاهرة إقتصادية . فهذه التبعية يجرى الحفاظ عليها بالتعزيز المستمرّ للسلطة و المراقبة السياسية . و تعزّز دولة إيران الرجعية العميلة هذه الهيمنة و تعيد إنتاجها بواسطة القمع . و فقط بالإطاحة بهذه الدولة من الممكن كسر الهيمنة الإمبريالية على إيران .

تاريخ التطوّر الإمبريالي فى إيران تاريخ تبعية و تشويه و توسّع لشتّى أصناف الإستغلال و الإضطهاد و فى نفس الوقت هو تاريخ مقاومة و صراع من قبل الجماهير ضد الهيمنة الإمبريالية . و هذه المقاومة و هذا الصراع من جهة و الأزمات و الهزّات فى النظام العالمي و فى المجتمع نفسه من جهة أخرى ، تخلق نقاط ضعف هامّة فى سيكطرة الإمبريالية ما ينجرّ عنه عدم قدرة الإمبرياليين على فرض هيمنتهم بلطف و دون تناقض .

الرأسمالية البيروقراطية :

مع تصدير الرساميل الإمبريالية إلى إيران ،تسارع تطوّر الرأسمالية و تشكّل نوع خاص من الرأسمالية أي الرأسمالية البيروقراطية . و هذه الرأسمالية لا تشبه الرأسمالية فى البلدان الإمبريالية إذ هي تسير بشكل مغاير جدّا . فهذا النوع من الرأسمالية يسمّى كذلك رأسمالية كمبرادورية ( معطوبة سماسرة الإمبريالية ) . و الميزة الهامة لهذه الرأسمالية هي إرتباطها بالإمبريالية . تخدم الرأسمالية البيروقراطية الرأسمال الإمبريالي وترتبط به . توسعها و مختلف مراحل تطوّرها مسنودان بدولة شبه إستعمارية ،فالدولة لعبت دورا حيويّا فىتشكّلها ووفّرت لها التسهيلات الأساسية . لقد فكّكت الرأسمالية البيروقراطية عديد مظاهر العلاقات شبه الإقطاعية إلآّ أنّها كذلك حافظت على هذه العلاقات على نطاق واسع فى الفلاحة و قطاعات أخرى من الإقتصاد و عوّلت عليها لصيانة ربحيّتها .

و قد نظّم الرأسمال الإمبريالي إقتصاد البلاد من خلال الرأسمالية البيروقراطية . فعبر الرأسمالية البيروقراطية يتحكّم فى أهمّ وسائل الإنتاج و أهمّ موارد البلاد و يستخرج فائض القيمة من عمل الجماهير الكادحة .

و الشكل الجوهري لتنظيم الرأسمال البيروقراطي ( أو الكمبرادوري ) فى إيران هو رأسمال الدولة الإحتكاري . فقد نهضت الدولة على الدوام بدور محوري فى الإقتصاد ككلّ و فى صياغة السياسات و التخطيط الإقتصاديين . و إضافة إلى تشكّل الدولة ، الرأسمالية البيروقراطية فى شكلها الخاص منظّمة فى مجموعات مالية – صناعية لها علاقات وطيدة بالدولة و تعوّل على سلطة الدولة و مواردها .

الرأسمالية البيورقراطية ( أوالكمبرادورية ) رأسمالية إحتكارية .و الهيمنة الإحتكارية لهذا الرأسمال على الفروع الحيوية للإقتصاد وموارد البلاد لا تكتسب عبر التنافس بين مختلف الرساميل و إستعمال تقنية أعلى و بالتالي تقليص كلفة الإنتاج ، بل عبر إستعمال سلطة الدولة و إمتيازات إمتلاك علاقات مع الرأسمال الأجنبي ( المؤسسات الإقتصادية و السياسية الأجنبية ، و كذلك إمكانية دخول السوق العالمية ) ،و يكتمل هذا بممارسات إقطاعية مثل المصادرة والغشّ و تجاوز القوانين و محاباة الأقارب .

تاريخ تطوّر الرأسمالية البيروقراطية فى إيران و منعرجاتها تتناسب مع مسار التطوّر التاريخي لتصدير الرأسمال الإمبريالي وحاجياته. أرسيت أسس الرأسمال البيروقراطي فى إيران عبر قروض أجنبية ضخمة و مزج و مركزة رساميل تطوّرت من خلال المتاجرة مع البلدان الرأسمالية . فى بدايات القرن العشرين ، كانت النشاطات الأوةلى للرأسمالية البيروقراطية فى حقل الإنتاج والتجارة فى المواد الأولية الفلاحية و البنوك و بعض الصناعات . و إضطلعت دولة رضا خان الممركزة دورا مفتاحا فى مراكمة و مركزة رأس المال و ثروات كبرى ، و كذلك فى رفع بعض الحواجز فى البنية التحتية و البنية الفوقية التى كانت تعرقل طريق تطوّر الرأسمالية البيروقراطية . ونشأ الرأسماليون البيروقراطيون ( أو الكمبرادوريون ) عن تحوّل الملاكين العقّاريين الإقطاعيين ،و الرأسماليين التجاريين و بيروقراطيي الدولة و عناصر كانت لها علاقات سياسية بالقوى الإمبريالية . لقد ورّدوا سلعا إستهلاكية و رأس مال ،و بالتعاون مع الرأسمال الإمبريالي ، طوّروا النسيج و الإسمنت و تحويل القطن و حياكة الحرير و مصانع السكّر و نظّموا إستغلال العمل فى فروع الإقتصاد الحديثة الإنشاء هذه .

إطار و أفق نشاطات الرأسمالية البيروقراطية يحدّدهما دور إيران وموقعها فى التقسيم العالمي للعمل . فإثر إكتشاف الموارد النفطية فى إيران ، شهدت الرأسمالية البيروقراطية تغيرات هامة وفق حاجيات الرأسمال الإمبريالي . و وطّدت حاجيات الإقتصاد العالمي للمواد الأوّليةموقع إيران فى التقسيم العالمي للعمل كمصدّر للنفط . و هكذا بات إستخراج النفط و تصديره بصورة تصاعدية محور نشاطات دولة إيران . و بعد الحرب العالمية الثانية ، تولّت إيران فى ظلّ هيمنة الشركات النفطية الأمريكية ، مسؤولية مواصلة إنتاج النفط وتوريد سلع إستهلاكية من أوروبا و اليابان و الولايات المتحدة الأمريكية بالبترودولار ، وتوفير يد عاملة رخيصة و تسهيلات مالية و فى البنية التحتية لإستيعاب الرأسمال الأجنبي . كلّ هذا و سير الإقتصاد ككلّ جمعتهما معا مداخيل نفط إيران .

و فى ستينات القرن العشرين ، وفق المخطّط الإمبريالي ل " الثورة البيضاء " تنامي عمق و مدى نشاطات الرأسمالية البيروقراطية حيث أنجزت إصلاحات زراعية إمبريالية فى الريف و أرسيت منشآت صناعية – فلاحية لتوسيع التجارة الفلاحية و إنصبت إستثمارات كبرى فى الصناعات النفطية والغازية و البتروكميائية ، وكذلك فى الهيكلة العسكرية والبيروقراطية للبلاد، و فى بناء الطرقات و المواني و فى الأنظمة المالية و التربوية و فى شبكة ربط المدن . و على أساس " تطوير الصناعات المعوّضة للتوريد " ، أطلقت صناعات و منشآت سلع إستهلاكية خفيفة بقروض دولة صغيرة للمستثمرين فنمت المؤسسات البنكية و التجارية و الصناعية بصفة لها دلالتها . و ظهرت فئة جديدة من الصناعيين و الملاكين العقاريين الكبار و المتصرّفين الفاسدين الموالين للإمبريالية . و حدثت هذه التطوّرات على قاعدة الإستغلال الفاحش للعمّال و فقر غالبية الفلاحين و تداينهم و ضرائب الفئات الوسطى من المجتمع .

و على إثر تركيز نظام الجمهورية الإسلامية ،وقعت صيانة دور إيران كمنتج للنفط فى التقسيم العالمي للعمل ،وواصلت الرأسمالية البيروقراطية التطوّر فى مختلف فروع الإقتصاد ، لا سيما فى التجارة و الخدمات . و حصل تطوّر الرأسمالية البيروقراطية أكثر من ذى قبل عبر رأسمال الدولة . و غدت الدولة أكبر مالك عقّاري و صناعي و تاجر و عرف و مصرفي فى البلاد ،و إلى جانب عدد هائل من المؤسسات البنكية و الدينية تتحكّم الدولة فى الشرايين الحيوية للإقتصاد. و منذ نهاية 1989 ، فى إنسجام مع المخطّطات الإمبريالية ، شُرع فى الخوصصة و تقليص دور الدولة فى الإقتصاد ، و مع ذلك ، لا تزال الدولة تقوم بالدور المفتاح فى تنظيم الإقتصاد . و مذّاك تبنّت الرأسمالية البيروقراطية إستراتيجيا التطوّر المتجه نحو التصدير " التى أملتها المؤسسات المالية الإمبريالية على الأمم المضطهَدة ،و على هذا الأساس طوّرت قطاع التجارة –الفلاحة و صارت على نحوتصاعدي تعمل فى النشاطات الأكثر ربحا مثل حياكة الزرابي و خدمة للإمبرياليين ركّزوا " مناطق تجارة حرّة ".

لكن عقودا كثيرة من تطوّر الرأسمالية البيروقراطية لم تؤسس إلى تطوّر فى أسس الصناعات المركزية . و فى الواقع ، كان لتطوّر هذه الرأسمالية نتيجة مغايرة تماما لتطوّر الرأسمالية فى البلدان الإمبريالية . لقد تطوّر الإقتصاد بشكل مفكّك للغاية بمعنى أنّ مختلف نواحي الإقتصاد و فروعه ليست لها علاقات داخلية مع بعضها البعض أو لها علاقات ضعيفة فقط . و يجري تقسيم العمل بين فروع الإقتصاد مع فروع الإقتصاد الأجنبية أكثر منه مع فروع الإقتصاد فى البلاد . ولا تعوّل الصناعات الكبرى التى تركّزت فى العقود القليلة الأخيرة على ذاتها مطلقا و لا تملك وجودا مستقلاّ عن الإمبريالية . و الصناعات الكبرى بمعنى التكنولوجيا و أدواتها الرئيسية و المعرفة التقنية و تدريب الخبراء مرتبطون إرتباطا جوهريّا بالأجانب . ما يناهز الستّين بالمائة من الإستثمارات المادية و تسعين بالمائة من الآلات و قطع الغيار للصناعات الكبرى يتمّ توريدها . لا يمكن للتكنولوجيا المورّدة التى تستعملها هذه الصناعات إلاّ أن تستعمل لإنتاج معيّن و لا يمكن توسيعها و إستعمالها فى قطاعات أخرى . هذه روابط متبادلة بين الصناعات الإستراتيجية – مثل الصناعة النفطية – و قطاعات أخرى من الصناعة و أجزاء أخرى من الإقتصاد . و نوع التطوّر الذى تقدّمه هذه الرأسمالية مشوّه للغاية و غير متكافئ و بإستثناء بعض الفروع و أنحاء من البلاد ، بقية الفروع و الأنحاء الأخرى من البلاد فى وضع تخلّف كبير .

كان تأثير تطوّر الرأسمالية البيروقراطية على الإقتصاد الفلاحي مدمّرا وهو يفرز أزمات . لأجل توفير الحاجيات الغذائية للبلاد ، لجأت الرأسمالية البيروقراطية إلى إستيراد الغذاء أو أدخلت الآلات أو عصرنت قسما من الإنتاج و بذلك فلرضت تنافسا غير متكافئ أدّى إلى تحطيم إقتصاد الفلاحين . و خصّصت مناطق شاعة من الأرض الخصبة و بصفة متصاعدة إلى إنتاج بضائع للتصدير . و بالنتيجة تقلّص إنتاج الحاجيات الغذائية الأساسية للجماهير وتعزّزت النزعة إلى التوريد و ربط البلاد به . و حافظت الرأسمالية البيروقراطية على نظام ملكية الأرض شبه الإقطاعية و عوّلت على العلاقات ما قبل الرأسمالية ؛ و هكذا سدّت الطريق أمام تطوّر إقتصاد الفلاحين و غذّت الركود و الأزمات المزمنة فى القطاع الفلاحي .

تسير الرأسمالية البيروقراطية على نحو أنّها بإستمرار تحتاج إلى حقن ب " العملة الأجنبية " أو فى الواقع برأسٍمال أجنبي . و يتوغّل هذا الرأسمال الأجنبي فى سير الإقتصاد رئيسيّا فى شكل مداخيل النفط و عبر الدولة . لهذا نقول إنّ الإقتصاد فى إيران يعتمد على منتوج واحد وهو إقتصاد تابع . و تصبّ الدولة هذا الرأسمال الإمبريالي فى عروق قطاعات مختلفة من الإقتصاد عبر القروض البنكية و منح ميزانية الوزارات ،و حين تنخفض مداخيل العملة الأجنبية لإيران ، بفعل السياسات الواعية للإمبرياليين أو نتيجة أزمات الإقتصاد العالمي و هزّاته ، يغرق افقتصاد فى الركود و يقترب من حافة الإفلاس .

الرأسمالية البيروقراطية مرتبطة بالرأسمال الإمبريالي وهي تحت إمرته ،و مع ذلك ، فى هذه العلاقة هناك تناقض و نزاع أيضا .آفاق الرأسمالية البيروقراطية و مجالات عملها و قدراتها تتحدّد فى الأساس ببلد واحد . و تتطلّب مصالح هذه الرأسمالية أن يصبح إقتصاد البلاد مندمجا أكثر فأكثر فى الشبكة الإمبريالية و يضحى أكثر فأكثر إرتباطا بالرساميل المالية و يكسب وسائلا أكثر و أفضل لخدمة الإمبريالية . إنّ الرساميل الإمبريالية تتحرّك جوهريّا على قاعدة أهدافها و مصالحها و حاجياتها العالمية . وفى سعيها لتحقيق أقصى الأرباح ليست مرتهنة ب" مسؤوليات" تجاه البلاد. و مصدر ظهور بعض التوتّر بين البرجوازية الإمبريالية و الرأسماليين البيروقراطيين هو هذا التناقض بالذات .

و بالرغم من ميزاتها المشتركة ، فإنّ قطاعات من الرأسماليين البيروقراطيين تتنافس و تتنازع . و قطاع الدولة يتنافس مع القطاع الخاص و المرتبطون بالإنتاج المحلّى فى نزاع مع المعوّلين على التوريد ، و التنافس ما بين الإمبرياليين ينعكس أيضا فى صفوف عملائهم من الرأسماليين البيروقراطيين . و الأزمات الإقتصادية و السياسية تفاقم هذه التناقضات .

لقد كان تطوّر الرأسمالية البيروقراطية كارثيّا بالنسبة للمجتمع . و ينعكس هذا فى إرتهان الحاجيات الأساسية لجماهير بالإقتصاد العالمي ، و فى تحويل الإقتصاد إلى إقتصاد منتوج واحد و تطوّره اللامتكافئ و المشوّه ، و فى تحطيم الإقتصاد الفلاحي و فى بطالة ضخمة . و ينعكس هذا فى تركيز الخدمات فى عدّة أماكن من البلاد ، و تفاقم الخلاقات بين مختلف المناطق و فى الفقر و التخلّف لغلبية أجزاء البلاد ، لا سيما الريف . فى المدينة الكبرى ، طهران ، ناطحات السحاب و إشارات وافرة الرفاه و ثراء محاطة بمدن الصفيح التى يضربها الفقر و يسكنها عدد كبير من الناس الذين أجبروا على النزوح من المناطق و القرى النائية و ألقي بهم فى الفقر على الهامش .

إنّ الرأسمالية البيروقراطية تتناقض مع مصالح غالبية الجماهير ، إنّها تعمّق الفقر و البؤس لدي الأكثرية . و تطوّر هذه الرأسمالية و التحطيم و التهديد المستمرّين لقوى الإنتاج فى كلّ من الريف و المدينة وجهان لعملة واحدة .

شبه الإقطاعية :

قبل توغّل الرأسمال الإمبريالي ، كان إقتصاد البلاد قائما على الفلاحة و كانت تهيمن عليه جوهريّا العلاقات الإقطاعية و كانالتطوّر الرأسمالي فى المدن و الريف على حدّ سواء فى أدنى مستوياته . توغّلت الإمبريالية فى إيران و تدخّلت فى العلاقات الإقطاعية و فكّكتها جزئيّا و نظّمت مظاهرا هامة من العلاقات الإقطاعية خدمة لربح الرأسمال . و نتيجة لتوغّل الرأسمال الإمبريالي ، عرفت الإقطاعية تغيّرات و تحوّلت إلى شبه إقطاعية . و ربطت الإمبريالية هذه العلاقات بصفة مباشرة أو غير مباشرة بالشبكة العالمية للإنتاج و التبادل ؛ و فى هذه السيرورة إستبعدت بعض العراقيل مثل الإقتصاد و السوق الريفيين المنفلتين و بعض السلط و المؤسسات و العلاقات القبلية و العشائرية . و فى غضون بضعة عقود ، صار الإقتصاد الفلاحي فى إيران مرتبطا بصفة متصاعدة بالنظام العالمي و تدريجيّا تراجعت الموارد المحلّية المحدودة و التى كانت حجر الزاوية فى الإكتفاء الذاتي فى القطاع الفلاحي و عوّضت بالتعويل على قروض الدولة ، و بعض الآلات و المواد المورّدة . و تفكّك الإنتاج للإكتفاء الذاتي على نطاق واسع نتيجة توسّع التبادل السلعي .

و بدأت هذه التحوّلات و التغيرات بالأساس مع مجيء نظام رضا خان إلى السلطة . و إقتلع جزء من الفلاحين بالقوّة من الأرض و الإقتصاد الفلاحي لأجل أن يصبح قوّ’ عمل لإرساء أسس الصناعة البترولية . لكن أهمّ التغييرات على الصعيد الفلاحي جدّت مع " الثورة البيضاء " . كان هدف هذا المخطّط مزيد تسهيل حركة أرباح – فوائد الرساميل الإمبريالية و البيروقراطية فى البلاد ، موفرين قوّة عمل رخيصة للإستثمارات الكبرى عبر البلاد و مخفّضين من خطر إنتفاضات الفلاحين . و عوّضت " الثورة البيضاء " سلطة الملاكين العقاريين سابقا بالقمع المباشر العسكري – البيروقراطي للدولة ، و لو أنّه لم يقدر على أن يعوّضها تماما و بصفة مستقرّة . و قد حدّد الإصلاح الزراعي الملكيات الكبرى للأرض . و بهذا تطوّر قطاع رأسمالي فى الفلاحة إلى جانب القطاع التقليدي ، و إزداد العمل المأجور و كذلك العمل شبه الإجباري و تسارع تيّار الإستقطاب فى صفوف الفلاحين ؛ و لكن ذلك تمّ بطريقة تدريجية جدّا و مؤلمة و غير تامة . و وجدت الفلاحة التقليدية نفسها فى ركود و لو أنّه لم يقض عليها . وحسب الإحصائيات الرسمية ، ثلث قوّة عمل البلاد المستخدمة منخرطة فى هذا النشاط . هذا حتى دون إدماج قوّة عمل غالبية نساء الريف فى الإحصائيات . وفى ظلّ الجمهورية الإسلامية ،حصلت تغييرات هامة فى الإقتصاد الفلاحي و فى الوضع فى الريف . و نزعت الفلاحة التقليدية إلى الإفلاس و أقفرت قرى عديدة . و تسارع نزوح سكّان الريف الذى شهد طفرة فى بداية سبعينات القرن العشرين ، حتى أكثر بشكل غير مسبوق . و أعداد غفيرة من الفلاحين الذين قد نزحوا إلى المدن وقع إمتصاصهم فى قطاعات من مثل حياكة الزرابي المعتمد فى جوهره على العمل الأسري و المعوّل على العلاقات شبه الإقطاعية و العائلية . وهو أحد أكثر مجالات نشاط الرأسمال الإحتكاري ربحا إذ هو سيخرج منه قدرا ضخما من القيمة . و خلال هذه الفترة ، تطوّرت التجارة – الفلاحة بهدف الإنتاج للأسواق المحلّية والأجنبية ؛ وبالنتيجة تنامي عدد العمّال المأجورين فى الفلاحة . و تطوّرت صناعات تحويل المنتوجات الفلاحية و صناعة تربية الماشية و الإنتاج الكبير للدواجن .

و رغم جميع هذه التغيرات ، تواصلت سيطرة العلاقات شبه الإقطاعية فى الريف و لم تتغيّر قاعدة النظام شبه الإقطاعي لملكية الأرض . من جهة ،فى ظلّ ملكية الأرض شبه الإقطاعية ، غالبية الأرض الخصبة ( أي المزارع و البساتين الكبرى ) تركّزت بين أيدى أقلّية من الملاكين العقاريين أو بين أيدى الدولة و المؤسسات و الجمعيات الخاصة و الدينية . و من جهة أخرى ، هناك عدد كبير من أصحاب الملكيات الصغرى و كذلك عدد هام من الذين يشاركون فى القطاع الفلاحي لا يملكون أرضا . هذان هما القطبان المترابطان لنظام ملكية الأرض شبه الإقطاعي . حسب آخر الإحصائيات الرسمية للدولة فى 1991 ، هناك حوالي 1.200.000 عائلة ملاكين صغار . و العد الضخم من الفلاحين الذين لا يملكون أرضا يعطى أبعادا هائلة لعدم المساواة هذه. و أصحاب ملكيات الأرض الصغيرة مرتبطون بنظام الملكية الكبرى و يقعون تحت مراقبته بواسطة صلات متنوّعة .

وظلّت قطاعات كبرى من الفلاحين محرومة من ملكية الأرض فى حين أنّ فقط ثلث ارض البلاد القابلة للزراعة يقع حاليّا إستغلالها . يبقى الفلاحون بالقوّة دون أرض أو فلاحون فقراء كيما تضمن تبعيتهم الدائمة لمؤسسات الدولة و الملاكين العقاريين الكبار الذين يستغلّون قوّة عملهم و ثمار شغلهم . و هذه العلاقة غير المتساوية و الإضطهادية فى مجال الملكية هي القاعدة الأساسية لإستغلال غالبية الفلاحين فى شكل مزارعة و إيجار و نظام الأجور. و تعيد هذه العلاقة إنتاج إضطهاد الفلاحين القسري .

و جوهر شبه الإقطاعية هو العمل القسري . فقطاعات واسعة من المنتجين المباشرين مرتبطة بالأرض ووسائل الإنتاج و الإقتصاد الفلاحي و الخزن المحدود . لا يتحوّلون لا إلى مزارعين رأسماليين و لا إلى عمّال أحرار من ملكية وسائل الإنتاج . و رغم توسّع التبادل السلعي ، يستعمل العمل القسري على نطاق واسع و رغم التغييرات فى دور الإنتاج لدي أسر الفلاحين ، فإنّ العائلة لا زالت وحدة إنتاج . الأسرة الفلاحية ، فى صراعها من أجل الحياة ، مضطرّة لإستكمال دخلها الفلاحي القليل بدخل تكسبه من العمل فى أرض الملاكين العقاريين الكبار و الدولة و من خلال رعاية الحيوانات و عمل غير قار فيه ينخرط بعض أو جميع أعضاء الأسرة الفلاحية ما يساعد على إعادة إنتاج إقتصاد الفلاحين و يمنعهم من الإبتعاد عن القرية و الأرض .

و فضلا عن ذلك ، تلعب البنية الفوقية شبه الإقطاعية دورا هاما فى الإبقاء على عمل الفلاحين فى وضع قسر و إخضاع . و وضع النساء فى الريف إنعكاس واضح وتام للعلاقات شبه الإقطاعية . فالنساء محرومات من إستهلاك الأرض ، و هن سجينات التخلّف والإقتصاد الفلاحي وتربية الحيوانات على نطاق ضيّق ، و هنّ مجبورات على التبرّج و العمل غير مدفوع الأجر فى ظلّ السلطة الأبوية و الشوفينية الذكورية و الدين و القبيلة و العشيرة .

لقد حاصرت شبكة من الملاّكين العقّاريين و التجار و المرابين و السماسرة سواء فى شكل خاص أو عبر الدولة ، حاصروا الفلاحين . و يتمّ إستخراج القيمة من إنتاج الفلاحين بطرق متنوّعة . لا يواجه الفلاحون قوّة السوق الإقتصادية و حسب بل يواجهون كذلك الضغوط غير الإقتصادية من أعلى ، لا سيما من قبل الدولة . و تضطلع الدولة بدور فعّال فى إستخراج فائض العمل من الفلاحين الفقراء والمتوسّطين . و يجرى ذلك سواء فى شكل إعداد الأرضية للرأسمالية البيروقراطية و إعطائها مصداقية لتنظيم الفلاحة الموجهة للتصدير والصناعات الحرفية أو مباشرة فى شكل شراء و بيع سلع بالقوّة ، وإحتكار تحديد الأسعار ،و توفير القروض وإستثمارات فلاحية أخرى [ مثل السماد و الآلات إلخ – المترجم إلى الأنجليزية ] و ممارسة إحتكار المياه والعلف و الغابات و عديد الضرائب . ويؤدّى التبادل غير المتكافئ ( ما يسمى بقصّ الأسعار ) بين المنتوجات فى الوحدات الإقتصادية الريفية المتخلّفة وتلك التى تنتج فى الوحدات الأكثر تقدّما فى البلاد أو فى الخارج ، إلى مزيد تفقير الفلاحين . و فى ظلّ هذه الضغوط ، يزداد تفكّك الإنتاج الفلاحي وتأزّمه و تضطرّ جماهير العمل الريفي إلى النزوح إلى المدن ، سواء على أساس موسمي أو بصفة دائمة . بينما سيرورة التصنيع بطيئة و محدودة و متقطّعة و غير قادرة على إستيعاب قوّة العمل هذه . هذا الجيش من العمل الفائض عبء ثقيل يحطّم أجور الطبقة العاملة ككلّ .

والدور المحوري لشبه الإقطاعية فى الإقتصاد هو المساعدة على إيجاد ظروف إستغلال فاحش . و تمكّن شبه الإقطاعية الرأسمالية البيروقراطية من أن تدفع للعمّال أجورا أدنى من ثمن إعادة إنتاج قوّة عملهم . و هذا عامة ، يحدث عبر إنتاج أغذية رخيصة نسبيّا من قبل الفلاحين و إعادة إنتاج العمل الرخيص فى الريف . دخل الغالبية الغالبة من الفلاحين النازحين كعمّال أو كعمّال موسميين يكمّل إنتاجهم أو إنتاج عائلتهم . فمن جهة ، فى المدن مستوى عيش الطبقة العاملة يدفع إلى أسفل بطرق متنوّعة ،مثل العيش فى مدن الصفيح التى تفتقر إلى أدنى الخدمات المدينية . و أجور أعضاء الأسرة كذلك تكمّل بوسائل مختلفة و أعمال متعدّدة – تجارة صغيرة ، إنتاج وخدمات منزلية – و عموما بواسطة المساهمة فى الإقتصاد المديني " غير الرسمي " . وهو إقتصاد متميّز بتنظيم بدائي وعمل منتج كثيف ،و أجور متدنّية و غير منتظمة و نقص مطلق فى حقوق قوّة العمل .

و تستعمل العلاقات ما قبل الرأسمالية فى قطاعات أخرى من الإقتصاد المديني كذلك . توجد علاقات غير رأسمالية واسعة فى الإنتاج الصغير ووحدات التبادل فى المدن . و الذين ينخرطون فى هذا القطاع يملكون وسائل الإنتاج المحدودة و يتحكمون فيها و أيضا فى ظروف عملهم الخاص و هم عامة منخرطون فى إنتاج سلعي بسيط . و القيمة التى ينتجونها لا تستثمر فلى سيرورة توسّع قيمة رأسمالية لأنّها تستعمل لإستهلاكهم الخاص و بقائهم على قيد الحياة . و يمكن ملاحظة هذه السيرورة فى الكثير من فروع قطاع الخدمات – تلك التى تقدّم خدمات خاصّة . وفق الإحصائيات الرسمية ، ما يقارب ثلث الموظّفين المدينيين مستقلّين و موظّفي عائلة غير خالصي الأجر .

فى المصانع الصغيرة والتقليدية التى تشتغل على قاعدة إستغلال العمل المأجور ( مثل حال مصانع الآجر وحتى بعض الصناعات الصغرى التى توفّر خدمات لصناعات كبري ) ، تستعمل العلاقات ما قبل الرأسمالية على نطاق واسع . ولأجل تشديد الإستغلال فى هذه المصانع ، ثمّة إستخدام واسع الإنتشار للعمل الأسري ، و عمل النساء و الأطفال غير الخالص الأجر ،و إمتيازات و إلتزامات العرف – الصانع ، و إستعمال القوّة و العنف والتعسّف . إستغلال العمل الإجباري للفلاحين المرتبطين بالأرض و الإستغلال الفاحش للعمّال الذين لم يقطعوا تماما روابطهم الفلاحية و لجماهير النساء و الأطفال الذين يشاركون فى الأسرة والإنتاج اعائلي يلعبون دورا مفتاحا فى تمكين الرأسمالية البيروقراطية من إستخراج القيمة من المجتمع ككلّ و للحفاظ على نسبة ربح عالية .

عموما ن فى كلّ من المناطق الريفية و الدينية، للقسر غير الإقتصادي دور ذو دلالة ينهض به فى العلاقات بين الناس فى سيرورة الإنتاج و يساعد على تشديد الإستغلال . و العلاقات القبلية و العشائرية و الدينية هي أيضا تستخدم فى تنظيم العمل . و يُأثّر قسر الحكومة و الدين و التقاليد و العادات فى تنظيم سيرورة العمل و فى تشديد الإستغلال . و يمكن ملاحظة القسر غير الإقتصادي فى الغياب المطلق لحقوق الطبقة العاملة عامة و فى التعويل على اللامساواة القومية و النظام الأبوي و الشوفينية الذكورية لخفض أجور جماهير العمّال من الأمم المضطهَدة و النساء العاملات ، و فى الإمتيازات الإقتصادية للسلط و المؤسسات الدينية .

و تمثّل كافة القطاعات التى لها علاقات شبه إقطاعية أو تستعمل بصفة واسعة هذه العلاقات ،تمثّل القطاع التقليدي من الإقتصاد . و للقطاع التقليدي علاقات متبادلة مع القطاعات المعاصرة و الرأسمالية ( الصناعات الكبرى و المزارع الرأسمالية الكبرى و البنوك و المؤسسات الصناعية و التجارية الكبيرة و الصغيرة ) و معا يشكّلان هيكلة إقتصادية واحدة . و يتطوّران بلا تكافئ و ترابطهما مشوّه و يزخر بالتناقضات . و فى نفس الوقت ، العلاقات بين هذه القطاعات أساسية لتوفير أرباح هائلة للإمبريالية و لعملائها . و العلاقة بين هذين القطاعين تتحدّد بالأساس بتعايشهما . و فى سيرورة الإنتاج يحصل القطاع التقليدي على جزء من الحاجيات الضرورية من القطاع المعاصر . و الرابط الأكثر حيوية بينهما هو أنّ القطاع التقليدي يمكّن القطاع المعاصر من الإستغلال الفاحش للعمّال . و يسرى هذا الدم فى عروق القطاع المعاصر و يضمن نسبة ربحه العالية . و العلاقة بين القطاعين على نحو يجعل القطاع المعاصر غير قادر على الإستمرار دون خدمات القطاع التقليدي .

ثلاثة جبال و علاقات إنتاج مهيمنة على المجتمع :

خلال عقود من الهيمنة الإمبريالية ، شهدت التشكيلة الإقتصادية – الإجتماعية لإيران تغييرات هامة . نسبة سكّان المدن و نسبة سكّان الريف و المدن بصدد التغيّر . نمى عدد المدن الكبرى و الصغري بينما إزداد عدد الاقرى الخالية من السكّان . و ظهرت مدن صفيح حول المدن الكبرى وهي تتوسّع بلا توقّف . و نتيجة تطوّر الرأسمالية ، نمّو الطبقة العاملة و شبه البروليتاريا فى عدد من كلّ من المدن و الريف ، و بصفة متصاعدة تنخرط النساء فى النشاطات الإجتماعية و العمل خارج المنزل . تغيّر وجه الإقتصاد الإيراني بإطراد وهو يتميّز بتطوّر مختلف نماذج الوكالات الإمبريالية . بُعثت بعض الفروع و أغلقت أخرى ؛ و " التصنيع المعوّض للتوريد " يفسح المجال ل " الإنتاج الموجّه للتصدير " ، و تفسح المجال للخوصصة / الخصخصة . و على الدوام تتغيّر مختلف أشكال حركة رأس المال الأجنبي و مجالات نشاطات الرأسمالية البيروقراطية و تتأرجح مع ظروف الرأسمال العالمي و حاجيات الأسواق العالمية . شيء واحد لم يتغيّر : مضمون العلاقات و الهيكلة و الموقف وراء كافة هذه التغييرات و التموّجات .

هيمنة الإمبريالية و الرأسمالية البيروقراطية وشبه الإقطاعية هي الجبال الثلاثة التى تمثّل جبلا ثقيلا على كاهل الشعب ، ثلاث سلاسل تأسر البروليتاريا و الشعب وهي مصدر مشاكل و بؤس المجتمع . و تمنع هذه الجبال الثلاثة تحرّر قوى الإنتاج و أهمّها الناس و تطوّرها . و تعدّ الجبال الثلاثة قطبا واحدا . تخلق الإمبريالية ظروف و إمكانية وجود الإثنين الآخرين و تحدّد تطوّرهما الداخلي . و الرأسمالية البيروقراطية عميلة للإمبريالية و منظمة للإقتصاد المهيمن عليه . و توفّر شبه الإقطاعية الظروف الضرورية لنسبة ربح الرأسمالية البيروقراطية . وهذه الجبال الثلاثة مترابطة فى علاقة إنتاج كمبرادورية – إقطاعية .

و المظهر الأساسي لعلاقات الإنتاج هذه هو علاقة الملكية المهيمنة . و على حساب الجماهير التى تفتقد إلى الملكية ، وضع الإمبرياليون و حفنة من الرأسماليين الكبار و الملاكين العقاريين أيديهم على وسائل الإنتاج الرئيسية وثروة البلاد و يستغلّون العمّال و الفلاحين و الجماهير الكادحة بالطرق الرأٍمالية و ما قبل الرأسمالية . و رغم تطوّر الرأسمالية فى المدن و الريف و توسيع العمل المأجور ، ينهض النظام شبه الإقطاعي بدور هام فى التحكّم فى قوّة العمل .

و تميّز علاقات الإنتاج المهيمنة إيران بإعتباره شبه مستعمر شبه إقطاعي . شبه مستعمر بمعنى أنّ سياسة المجتمع و إقتصاده تقودهما و تحدّدهما الإمبريالية ،و شبه إقطاعي بمعنى أنّ العلاقات ما قبل الرأسمالية لا تزال تضطلع بدور فى الحياة الإقتصادية – الإجتماعية للبلاد و إعادة إنتاجها وتأثّر فيها إلى جذورها العميقة ، إلى الإكار السائدة المتطوّرة فى المجتمع .

و تنعكس علاقات الإنتاج الكمبرادورية – الإقطاعية فى العلاقات الطبقية الخاصة . فمن جهة هناك الإمبريالية و البرجوازية الكبيرة – الملاكون العقاريون و الدولة الخادمة لهم ،و من جهة أخرى ، البروليتاريا و الفلاحون و الجماهير الأخرى . و الصراع بين القطبين هو القوّة المحرّكة الدافعة للمجتمع نحو حلّ تناقضاته الجوهرية .

الدولة شبه المستعمرة فى إيران :

الدولة فى إيران ( مثل كافة الدول ) وسيلة لهيمنة الطبقات الحاكمة على المحكومين . الدولة فى إيران دكتاتورية الرأسماليين و الملاكين العقاريين الكبار المرتبطين بالإمبريالية ، دكتاتورية قلّة قليلة ضد الغالبية العظمى – جماهير العمّال و الفلاحين الفقراء والذين لا يملكون أرضا ،و كذلك الفئة الوسطى فى المدينة كما فى الريف . و مهمّة هذه الدولة ( مثل كافة الدول الأخرى ) هي الحفاظ على علاقات الإنتاج المهيمنة و على إعادة إنتاجها . و تحافظ هذه الدولة على الموقع المهيمن عليه لإيران فى النظام العالمي و تحرس علاقات الإنتاج الكمبرادورية – الإقطاعية . إنّها تحرس النظام القائم عبر نظام قسري . و خلفيّة الدولة هي قواتها المسلّحة القمعية . و ألجزاء الأخرى المكوّنة للدولة هي الجهاز الإداري البيروقراطي ، و أجهزة التجسّس ضد الشعب و المحاكم والسجون و القضاء و وسائل القمع غير المباشر .

و تعزّز الأفكار السائدة التى هي أفكار الطبقات الحاكمة أسس حكم الدولة و الدولة بدورها تنشر و توطّد هذه الأفكار . و تنهض الإيديولوجيا و الثقافة المهيمنة ، إلى جانب القوانين الإقطاعية و أحكام الشريعة الإسلامية الإقطاعية و الحدود التقليدية الإضطهادية ، و المؤسسات الدينية ووسائل الإعلام الرجعية و العائلة الأبوية التى هي الخلية الأساسية لهذا المجتمع ، تنهض بدور نشيط فى الحفاظ على العلاقات الإقتصادية – الإجتماعية الحاكمة و إعادة إنتاجها .

لقد وجدت دولة الطبقات البرجوازية – الملاكون العقّاريون فى إيران لثمانين سنة . ونتيجة لإكتشاف الموارد النفطية و ثورة أكتوبر 1917 فى روسيا ، تحرّكت الدولة البريطانية التى كانت حينها على رأس العالم الإمبريالي لبناء جهاز دولة مركزي فى إيران . كان الموقع الجغرافى السياسي للبلاد و الموارد النفطية الضخمة عنصرين هامين شكّلا الدولة شبه المستعمرة ( المستعمرة الجديدة ) المنشأة فى إيران . عقب إنقلاب رضا خان وصلت إلى السلطة طبقة حاكمة مستقلّة متكوّنة من البيروقراطيين العسكريين و الملاّكين العقّاريين الكبار . و تشكّل جهاز بيروقراطي جديد و عاموده الفقري جيش معاصر ، قائم على و مدمج لعناصر الدولة الإقطاعية المركزية السابقة و بقاياها . و صبغ الفصل بين السلط الثلاث لأ[ أي السلطة التنفيذية و القضائية و التشريعية ] مظهرا برجوازيّا لهذه الدولة . و فى هيكلة السلطة المؤسسة حديثا ، تمتّعت الطبقات الحاكمة من الفرس [ القومية المهيمنة فى إيران – المترجم إلى الأنجليزية ] بدور متميّز ؛ فقد قامت هذه الدولة من البداية على قاعدة شوفينية الفرس و الإضطهاد القومي للأكراد و الآزاريين و البالوشي و التركمان و اللورس و العرب . و أجبرت الحكومة جماهير الفلاحين على إنجاز عمل غير مدفوع الأجر لبناء شبكة من الطرقات و السكك الحديدية اللازمة لهداف عسكرية للإمبرياليين و لتوسيع الصناعة والتجارة . و تغذّت الرأسمالية البيروقراطية بهذه الإجراءات ونسمت فى ظلّ الدولة . و إفتكّت حكومة رضا خان عديد القرى و مناطق شاسعة من الأرض بالقوّة لتوطّد سلطتها . و فرضت هذه الحكومة ، من جهة الملكيات الكبيرة للأرض و نشرتها و ضمنت مصالح الملاكين العقاريين الكبار فى إرتباط بالمصالح الإمبريالية و خدمة لها. و من الجهة الأخرى ، قامت بتغيير الهيكلة الإقتصادية و ألغت يعض السلط الإقطاعية و القبلية لصالح دولة مركزية قويّة ، معبّدة الطريق لمزيد توغّل الرأسمال الإمبريالي فى الإقتصاد وتطوّر الرأسمالية البيروقراطية . و لقد لعب القسر دورا هاما فى هذه التغيرات . و تعزّزت القوات المسلّحة عبر قمع الأمم و الشعوب المضطهَدة و بمساندة الإمبرياليين . و ألصقت معا مختلف مؤسسات و مكوّنات هذه الدولة بإسمنت الإيديولوجيا الإقطاعية التى تكوّنت بالمعاصرة و الشوفينية الإيرانية . شعار " الله ، الشاه ، الوطن " كان صيغة مركّزة لهذه الإيديولوجيا .

كانت " الثورة البيضاء " فى بداية ستينات القرن العشرين منعطفا ذو دلالة فى حياة دولة الطبقات البرجوازية – الملاكين العقّاريين . و جعل هذا من الضروري إدخال بعض التغييرات فى الهيكلة الإقتصادية للمجتمع . و مهّد قمع الحركات الجماهيرية عبر إنقلاب 1953 و توحيد الطبقات الحاكمة حول الزمرة الملكية ، مهّد الطريق لهذه التغييرات . و دفعت الرأسمالية البيروقراطية ( أو الكمبرادورية ) المتجمّعة حول الأسرة الملكية ، الملاكين العقّاريين الإقطاعيين إلى موقع ثانوي داخل النظام ؛ و برزت فئة من الرأسماليين الكمبرادور فى القطاع الخاص و شاركت فى السلطة السياسية . و قامت الدولة بدور أكبر فى قيادة و تعديل الإقتصاد الذى تهيمن عليه الإمبريالية . و كانت نتيجة التغيرات الناجمة عن " الثورة البيضاء " ظهور و تشكّل دولة متبرجزة أكثر . و على أساس متطلّبات تطوّر الرأسمالية البيروقراطية و المخطّطات الجهوية للإمبريالية الأمريكية ، نمى الجهاز البيروقراطي بنسق سرطاني لأجل التحكّم فى المجتمع و تعديل وفروع إجتماعية و إقتصادية غير متكافئة و ربطها . و فى نفس الوقت ، بهدف فرض القانون و النظام عبر البلاد و ضمان نسبة الربح للرساميل الإمبريالية ، جرى تعصير القوات المسلّحة و تقويتها. و فى ستينات و سبعينات القرن العشرين ، إلى جانب هذه التطوّرات ، وقع تعزيز المظاهرالبرجوازية للإيديولوجيا الحاكمة ، رغم أنّ مظهرها الإيديولوجي الإسلامي – الإقطاعي واصل التمتّع بموقع و تأثير هامين فى المجتمع .

و كان المنعطف الأخير فى تطوّر الدولة الإطاحة بالنظام الملكي و تركيز الجمهورية الإسلامية . و من أجل كبح ألزمة الثورية ل 1979 ، غسل الإمبرياليون أيديهم من النظام الملكي و فسحوا الطريق حتى يبلغ السلطة تحالف تشكّل حول الخميني . و بالنتيجة ، تغيّرت تماما قمّة هرم السلطة . فمسكت فئة جديدة بالسلطة السياسية ومبقية على العلاقات القائمة تحوّلت هي نفسها إلى برجوازية – ملاكين عقّاريين جدد. و تغيّر مظهر و أشكال بعض مؤسسات الدولة إذ وقع المزج بين القانون و الشريعة أكثر من أي زمن مضي ، و جرى تركيز نظام إسلامي لكن طبيعة الدولة و تسييرها الجوهري لم يتغيّرا .

دولة الطبقات البرجوازية – الملاكين العقّاريين نظام شبه مستعمر و مرتبط بالإمبريالية إلى النخاع . إنّها تفتقد إلى قاعدة إجتماعية قوية و عريضة . و تتركّز سلطة الدولة فى المدن الكبرى و أسلحتها العسكرية و الإدارية تصبح أدقّ و أضعف بقدر ما تصل إلى المناطق الريفية و النائية. و بإستمرار تعمل النزعة نحو الإطلاقية التى هي إنعكاس لإحتكار الرأسمالية البيروقراطية و الطغيان الإقطاعي ضد المبدأ البرجوازية لفصل السلط . و القوانين الصادرة لتكريس هيمنة الطبقات الحاكمة و لتنظيم تطبيق سلطة الدولة تكمّلها اللاقانونية . القانون و اللاقانون يستعملان لتقوية حكمهم ضد الطبقات المضطهَدة و لتعديل العلاقات الداخلية بين طبقات البرجوازية – الملاكين العقّاريين . و أفرز التناقض الحاد و العدائي بين طبقات البرجوازية – الملاكين العقاريين من جهة ، و الجماهير المستغَلّة و المضطهَدة من جهة أخرى ، بونا شاسعا بين الدولة و المجتمع ، مستعملين القسر الضروري القاسي و الخبيث . و الألعاب الإنتخابية والوعود الديمقراطية المقترحة أحيانا من قبل الطبقات الحاكمة ليس سوى غطاء مؤقّتا و غليضا لهذا الطغيان .

و شهدت دولة البرجوازية – الملاكون العقّاريون ، طوال حياتها ، خلال الأحداث و الأزمات الوطنية و العالمية ، تغيّرات وحكمتها عدّة أنظمة حكم غير أنّ التغيرات فى هذه الأنظمة لم تعن أبدا تغيّرا فى النظام [ الإقتصادي – الإجتماعي – المترجم ]. تغيّرت أنظمة الحكم دون أية تغيّ{ جوهري فى الطبيعة الطبقية للدولة دون تعويض حكم المضطهِد بحكم الطبقات المضطهَدة . و الحاجز الحائل دون الثورة هو الدولة الرجعية التى تهيمن عليها الإمبريالية . ولا تقدر التعديلات و الإصلاحات فى جهاز الدولة ، التعديلات التى تطبّق أحيانا لإنعاشها و تقويتها ، على فتح أيّة أبواب للتغيرات الجوهرية فى مجتمعنا . بتحطيم مجمل هذه الدولة و الإطاحة بكامل البنية الفوقية فقط بوسع البروليتاريا و الشعوب بلوغ التحرّر .

الجمهورية الإسلامية و ثورة 1979 :

الجمهورية الإسلامية هي الشكل الحاكم للدولة الرجعية إثر سقوط النظام الملكي . و أتت العباءة الجديدة التى تقبّب جهاز الدولة ردّا على الأزمة الثورية ل 1978-1979. و لعبت التطوّرات على الصعيد العالمي و إحتداد التناقضات الداخلية أدوارا حيوية فى نشأة هذه الأزمة . لقد كان للأزمة الإقتصادية العالمية كبير التأثير على الإقتصاد الإيراني . فظهور الإرتفاع الفجئي فى ثمن النفط عزّز تشويه الهيكلة الإقتصادية . و دور الشاه كشرطي فى المنطقة و توسّع الجهاز البيروقراطي و العسكري لضمان الأهداف الإستراتيجية للإمبريالية الأمريكية فى المنطقة أفرزت مصاريفا ثقيلة . وجدّت هذه الضغوطات و الصدمات عندما بلغت الإصلاحات الإمبريالية لستينات القرن العشرين نهايتها المنطقية : الركود و الأزمة فى الفلاحة باتا بديهيين ، و إتخذ النزوح من الريف إلى المدن أبعادا مدهشة و التهميش فى المدن تحوّل إلى براميل متفجّرات و ضرب التضخّم المالي العمّال و الجماهير الكادحة و عصرها أكثر من أي زمن مضى . و غدت هذه المعاصرة المشوّهة و الهشّة المفروضة من فوق من قبل الإمبريالية و دولتها العميلة فى بعض القطاعات فى تناقض حاد مع أسس المجتمع المتخلّفة و التقليدية . و إحتدّ التناقض بين البرجوازية الصغيرة و البرجوازية الوسطى من جهة الرأسمال الإمبريالي و الرأسمال البيروقراطي الكمبرادوري من جهة أخرى . و أضافت الإنقسامات و الإنشقاقات فى صفوف الطبقات الحاكمة التى ظهرت فى جهاز النظام للقمع والطغيان حطبا لنار الأزمة الثورية . و نهض العمّال و الحركات الجماهيرية و عانت مؤسسات الدولة من ضربات و تداعي جهاز مخابرات الشرطة . و وقف الجيش بصورة سافرة و مباشرة ضد الطبقات المضطهَدة لإنقاذ النظام .وضع الجيش فى موقع حيث أي تقدّم للثورة لا يكون ممكنا إلاّ بمهاجمة الجيش. و لم تستطع ثورة 1979 ، رغم تضحيات الجماهير و بطولاتها أن تستهدف و تحطّم قلب الدولة أي القوات المسلّحة . كان ذلك يستدعي قيادة الثورة من قبل الطبقة العاملة و حزبها الطليعي و خوض حرب ثورية . و وفّر غياب هذا العنصر الحيوي للإمبريالية و الطبقات الرجعية مساحة للتآمر بغاية الحفاظ على جهاز الدولة من ضربات الجماهير المضطهَدة . فعمل تركيز الجمهورية الإسلامية كمستوعب صدمات او مظلّة أمان لجهاز الدولة .

كانت الجمهورية الإسلامية نتاج مساومة تاريخية لقمع الثورة . و أطراف هذه المساومة هم القوى الإمبريالية و التحالف الرجعي حول الخميني . و قد تشكّل هذا التحالف أوّلا و قبل كلّ شيء من فئة من البرجوازيين – الإقطاعيين التقليديين الذين أضرّت بهم الإصلاحات الإمبريالية لستينات القرن العشرين و الذين وقع تقويض سلطتهم الإقتصادية و السياسية . و قطاع هام من هذه القوى كان تحت مظلّة رجال الدين و المؤسسات الدينية . و معارضتهم " للثورة البيضاء " مردّها أنّهم رأوا أنّ مصالحهم الطبقية فى خطر . و قطاع و يتمثّل القطاع المتحالف مع الخميني فى البرجوازية الوسطى التقليدية بالأساس تلك الناشطة فى المجال التجاري ،و الذى شاهد مائدة نهب الإمبريالية و عملائها و طمح إلى التحويل إلى بيروقراطيين كمبرادوريين. و علاوة على ذلك ،فى سبعينات القرن العشرين ، نمّت الزمرة الملكية إحتكارها الإقتصادي و طغيانها السياسي مهمّشة قطاعا من الرأسماليين البيروقراطيين الكمبرادوريين . و أثناء الأزمة الثورية ل 1978 -1979 و الأيام الأولى من تشكّل الجمهورية الإسلامية ، وقفت هذه الفئات المهمّشة مع الخميني .

و كان هدف المساومة قمع الثورة و الحفاظ على النظام و جهاز الدولة القائم . لقد جعل الخوف من تعمّق الثورة و تصاعد تأثير القوى الثورية ،الإمبرياليين يتوصّلون إلى إتفاق سريع مع تيّار الخميني . أراد الإمبرياليون الغربيون و على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية أن ينقذوا مصالحهم الأساسية و الإستراتيجية فى المنطقة و الجهاز الهائل الذى طوّروه لحراسة مصالحهم و الذى كان فى خطر . و عنصر هام آخر أملى عليهم سلوك هذه السياسة هو منع دخول الإتحاد السوفياتي لإيران . آخدذين بعين الإعتبار إشتداد نزاعهم مع الكتلة الإمبريالية السوفياتية ، لم يستطع الإمبرياليون الغربيون أن يتحمّلوا أزمة ثورية و عدم إستقرارا متنامي فى إيران . فتمادي هذا الوضع كان بإمكانه أن يعزّز يد السوفيات و يغيّر ميزان القوى العالمي. أراد تحالف الخميني من جهة أنيعوّض الطبقة الحاكمة للنظام الملكي ، و أن يعلي المصالح الكمبرادورية – الإقطاعية الفاحشة و أن يسير النظام وفق بعض التغيرات السياسية – الإيديولوجية التى شجّعوا عليها . و فى سبيل أن تحكم ، كان هذا التحالف فى حاجة إلى جهاز الدولة القائم و أدوات قمعه . و كان شرط هذه المساومة أن يضع هذا التحالف حدّا للأزمة الثورية ، و يقمع الجماهير الثورية و يرمّم آلة الدولة المتضرّرة و يقوّيها . لقد رأى الإمبرياليون أنّ الخميني الذى ركب رأس الثورة قادر على ذلك . لذا عبدو له طريق تركيز الجمهورية الإسلامية . و هذه الجمهورية نتاج لهيمنة قيادة رجعية على ثورة جماهيرية حقيقية . و كانت هذه القيادة تعتمد على بعض الأرضية المادية . فالعلاقات الإقطاعية و شبه الإقطاعية التى من الصعب القضاء عليها وفّرت سندا موضوعيّا قويّا للإيديولوجيا الإسلامية فى المجتمع. و رغم القيود المفروضة على جهاز رجال الدين خلال العقدين الأخيرين من نظام الشاه ، تواصل الإسلام كأداة إيديولوجية للتحكّم فى الجماهير فى كلّ من المدن و الريف و لقتال تأثير الإيديولوجيا الشيوعية . و بينما وقع قمع الشيوعيين قمعا عنيفا ، كانت شبكات الجوامع و الحسينياّت [ أماكن تجمع دينية – المترجم إلى الأنجليزية ] تمتدّ و عندما إنخرط قطاع واسع من الناس الغاضبين فى النضال بنشاط و بحثوا عن فلسفة ،وجدوا الإسلام الأكثر توفّرا . كان هذا وضعا حيث عالميّا تبيّن أن القومية التقدّمية غير قادرة على قتال الإمبريالية و الرجعية ونضالات التحرّر فى ظلّ قيادة القوميين و إمّا منيت بالهزيمة أو تعاونت مع الإمبرياليين سواء من الكتلة الغربية أو الشرقية . و نتيجة الإطاحة بالدولة الإشتراكية فى الصين من قبل التحريفيين فى 1976 ، كانت الحركة الشيوعية العالمية تواجه أزمة كبرى . و كانت الحركة الشيوعية فى إيران تمرّ بمرحلة طفولة و عدم تمرّس و لم تكن مستعدّة كما يجب لمثل هذا التحدّي .

و علاوة على ذلك ، قد جرّت التغييرات التى أدخلتها الإمبريالية على الهيكلة الإقتصادية – الإجتماعية لإيران و النزعة الإحتكارية للرأسمالية البيروقراطية طيفا واسعا من الفئات المدينية و الريفية كانت لها عقائد و ميولات دينية ، إلى مسرح الصراع و المعارضة . و كسبت قوّة النزعات القومية الإسلامية فى صفوف جهاز رجال الدين و فى صفوف القوى التى عارضت الإمبريالية وتطوّر العلاقات الرأسمالية من موقع إقطاعي . و بات نشر القيم العلمانية و الغربية فى المدن ، التى كانت تهدّد القيم الدينية و العلاقات الإجتماعية شبه الإقطاعية ، أرضية أخرى لمعارضة الرجعية . و كردّ على توغّل الثقافة الإمبريالية و الإنحطاط الثقافي و القيمي للنظام الملكي ، إتخذ عديد الناس ، بمن فيهم فئات من المثقفين ، موقف الدفاع عن التقاليد و الدين .

و حدّدت مجموعة هذه العناصر الموضوعية و الذاتية كيف تقدّمت الثورة و كيف جاء الخميني إلى قيادتها .

خلال سنوات عدّة من القمع الدموي للجماهير و تحطيم فئة واسعة من الجيل الثوري ، تركّزت الجمهورية الإسلامية و عزّزت ذاتها . وتشكّل الجهاز القمعي العسكري و الإيديولوجي و السياسي للنظام أثناء المواجهة مع الحركات العمّالية و الشيوعية و الحركات القومية والفلاحية و الحركات النسائية و الطلابية والحركات الديمقراطية للجماهير العريضة . و تمّ تحطيم المكاسب الثورية للجماهير مثل إرساء مجالس عمالية فى المصانع و مجالس فلاحين وجمعيّات فى الريف و منظّمات نسائية وجمعيات الكتاب و تنظيمات طلابية و مجالس فى المستشفيات و المعاهد إلخ و المكاسب الثورية للأمم المضطهَدة. و تمّ ترميم المؤسسات المخابراتية و العسكرية و تطويرها.

و قلّص إندلاع الحرب الرجعية الإيرانية – العراقية التى أشعلها الإمبرياليون أكثر الطاقة الثورية للجماهير .و عبر القمع الدموي و الحرب الإيرانية – العراقية ظهرت ثورة مضادة مركّزة. و كان الجهاز الإداري وثيق الإرتباط بالقوات المسلّحة و أعيد تنظيمه فى ظلّ إيديولوجيا النظام .

الجمهورية الإسلامية مرتبطة بالإمبريالية سواء إقتصاديّا أم سياسيّا . و بعض الصدامات مع الإمبرياليين إنعكاسات للتناقضات و التنافس بين الإمبرياليات التى تجد تعبيراتها فى المسرح الإيراني . و قبل سقوط النظام الملكي ، كان نظام الشاه كلب حراسة لدي الولايات المتحدة الأمريكية و المستشارون الأمريكان و الأسلحة و الرأسمال كانوا ينعمون بالوجود السافر فى إيران. و خلال الثورة إستهدف النضال الثوري للجماهير الولايات المتحد الأمريكية و تلّقت المصالح الأمريكية ضربات . و بعد الثورة ، شرعت الكتلة الغربية فى إعادة نسج روابطها مع إيران ، أساسا عبر أوروبا، و إستغلّ الإتحاد السوفياتي تخفيف قبضة الولايات المتحدة على إيران غير القابلة للتحدّى سابقا و بنى بنشاط علاقات مع النظام الجديد. و ليس " الإستقلال " الشكلي للجمهورية الإسلامية سوى قفزات بهلوانية للنظام بين السادة العالميين ،و الهدف من ذلك هو أفضل إمتصاص لصدمات الأزمات السياسية و الإقتصادية و إيجاد موقف أفضل ضمن عملاء الإمبريالية . و فى الواقع ،كانت السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية طوال وجودها أكثر موالاة للغرب و بإعتبار الإرتباط الجوهري للهيكلة الإقتصادية – الإجتماعية لإيران بالإمبريالية الغربية و حكم الدولة شبة المستعمرة ، لا يقدر أن يكون مغايرا .

طبيعة الدولة لا تحدّدها الأصول الطبقية لقادتها و موظّفيها . لم يكن الذين يشكلون النظام الإسلامي ، على عكس رؤوس النظام الملكي ، لا من الرأسماليين الإحتكاريين و لا من الإقطاعيين الكبار . غالبيتهم لهم جذور ضمن الملاكين العقاريين الإقطاعيين و الملاكين المتوسّطين الذين وقع إضعافهم أثناء إصلاحات ستينات القرن العشرين، و كذلك ضمن الفئات الوسطى المدينية . لكن هذه الجذور لمتغيّر الطبيعة الطبقية للجمهورية الإسلامية . سرعان ما صعد الحكّام من رجال الدين وحلفاؤهم من غير رجال الدين ن الذين تحملوا مسؤولية الحفاظ على العلاقات الطبقية الخاصة ، إلى موقع الطبقات البرجوازية – الملاكين العقاريين الكبار .

و يبيّن تعويض النظام الملكي بالجمهورية الإسلامية أنّ الأنظمة الرجعية يمكن أنتكون لها أشكال مختلفة فالشعارات و المناهج يمكن أن تتغيّر والسياسات و الإيديولوجيات يمكن أن تتغيّر ويتمّ إصلاحها ، بيد أنّ الطبيعة الطبقية للدولة تظلّ دون مساس. و لهذه الأنواع من التغيرات من شكل نظام إلى آخر مظهر مشترك : جميعها تحدث فى إطار علاقات الإنتاج الكمبرادورية – الإقطاعية و تهدف إلى صيانة هذه العلاقات الرجعية .



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة و الثقافة و الإقتصاد فى المجتمع الإشتراكي - برنامج ا ...
- برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي– اللينيني – الماوي) ...
- مقدّمة مترجم برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي– اللين ...
- مراجع كتاب - عن الخطوات البدائية و القفزات المستقبلية -
- عن الخطوات البدائية و القفزات المستقبلية - بحث فى ظهور الإنس ...
- إبراهيم كايباكايا قائد بروليتاري شيوعي ماوي.
- العلم أم البراغماتية ؟ مقتطف من : الخلاصة الجديدة للشيوعية و ...
- القومية أم الأممية ؟ مقتطف من : الخلاصة الجديدة للشيوعية و ب ...
- وحدة من أجل تحرير الإنسانية أم وحدة بلا مبادئ للحصول على- قو ...
- لن يتحرّر أي إمرء دون تحطيم الدولة البرجوازية : دروس النيبال ...
- كوريا الشمالية ليست بلدا إشتراكيّا
- كوريا الشمالية – الولايات المتحدة : من يمثّل تهديدا نوويّا ح ...
- هل يمكن أن توجد حركة شيوعية لا تصارع من أجل الشيوعية ؟
- مجتمع جديد [إشتراكي ٍ] بعمق ثوري و تحرّري : اللبّ الصلب مع ا ...
- هل هناك حاجة الآن إلى تلخيص علمي لتجربة الإشتراكية و تصوّر ك ...
- هل نحن فى حاجة إلى تقدّم نوعي فى علم الشيوعية لقيادة المرحلة ...
- طبيعة مشروع هوغو تشافيز و حدوده (1) - مقالات ماوية حول - الث ...
- الخلاصة الجديدة للشيوعية و بقايا الماضي - تعمّق النقاش حول ا ...
- الدعاية للشيوعية و الحاجة إلى تشكيل قطب ثوري حقّا .
- إيران : الحرب الإقتصادية ضدّ الشعب - إندلاع الأزمةِ و المقاو ...


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - لمحة عن إيران المعاصرة - برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي– اللينيني – الماوي)-3--