أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي– اللينيني – الماوي)-1-الماركسية – اللينينة – الماوية و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا















المزيد.....



برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي– اللينيني – الماوي)-1-الماركسية – اللينينة – الماوية و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 4198 - 2013 / 8 / 28 - 18:38
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الثورة العالمية و البرنامج الأقصى ( الجزء الأوّل )
الماركسية – اللينينة – الماوية و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا

الماوية : نظرية و ممارسة – 14 -
شادي الشماوي
برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي - اللينيني – الماوي ) (2000)

محتويات الكتاب :

مقدّمة مترجم برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي– اللينيني – الماوي)
============================
/ I الثورة العالمية و البرنامج الأقصي


مقدّمة :

الماركسية – اللينينية – الماوية :
الماركسية :

اللينينية :

ثورة أكتوبر
الماوية :

الثورة الصينية

مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا :


السياسة و الثقافة و الإقتصاد فى المجتمع الإشتراكي



الشيوعية العالمية والمرحلة الإنتقالية :
الدولة البروليتارية : الديمقراطية و الدكتاتورية :

الدولة و الحزب :
الدولة و الإيديولوجيا :

الدولة و الدين :
الدولة و الثقافة :
الدولة و الدعاية :

الحرّية و القمع و المقاربة المتصلة بالمعارضة :
الإقتصاد الإشتراكي :

العلاقة بين البلدان الإشتراكية و الثورة العالمية :

تناقضات النظام العالمي و صورة العالم الراهن :


II / الثورة فى إيران و البرنامج الأدنى


لمحة عن إيران المعاصرة


الهيمنة الإمبريالية :
الرأسمالية البيروقراطية :
شبه الإقطاعية :
ثلاثة جبال و علاقات إنتاج مهيمنة على المجتمع :

الدولة شبه المستعمرة فى إيران :

الجمهورية الإسلامية و ثورة 1979 :

الطبقات و موقعها فى سيرورة الثورة فى إيران



طبقات البرجوازية – الملاكين العقاريين :

البرجوازية الوسطى ( أو البرجوازية الوطنية ) :

البرجوازية الصغيرة المدينية :

المثقّفون :

الفلاحون :

الفلاحون الأغنياء :

الفلاّحون المتوسّطون :

الفلاحون الفقراء و الذين لا يملكون أرضا ( أشباه البروليتاريا فى الريف ) :

شبه البروليتاريا المدينية :

الطبقة العاملة :


بعض التناقضات الإجتماعية المفاتيح


النساء :

القوميات المضطهَدَة :

الشباب :


طبيعة الثورة و آفاقها


فى المجال السياسي :
فى المجال الإقتصادي :

فى المجال الثقافي :


الخطوات الفورية و إرساء إتجاه التغيير


بشأن العمّال :

بشأن الفلاحين :
بشأن النساء :
بشأن القوميات المضطهَدة :

بشأن التعليم :
بشأن الدين و النشاطات الدينية :


عن بعض أمراض المجتمع

البطالة :
الإدمان على المخدّرات :
البغاء :

المدن المنتفخة و اللامساواة بين الجهات :

السكن :
الوقاية الصحّية و الرعاية الطبيّة :

الجريمة و العقاب :

العلاقات العالمية :



طريق إفتكاك السلطة فى إيران


أدوات الثورة الجوهرية الثلاث : الحزب الشيوعي و الجبهة المتحدة و الجيش الشعبي :

قواعد الإرتكاز و السلطة السياسية الجديدة :

الإعداد للإنطلاق فى حرب الشعب :

نزوح سكّان الريف و نموّ المدن :

مكانة المدن فى حرب الشعب :

الأزمة الثورية عبر البلاد بأسرها :

حول إستراتيجيا الإنتفاضة المدينية :

حرب شاملة و ليست حربا محدودة :


لنتقدّم و نتجرّأ على القتال من أجل عالم جديد!


مقدّمة مترجم برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي– اللينيني– الماوي):
مواصلة للخّط الذى قادنا فى أعمالنا السابقة و ربطا للأفكار التى صغنا بصدد إيران و تجنّبا للتكرار ، إرتأينا أن تكون هذه المقدّمة مركّبة من أجزاء ثلاثة هي أوّلا مقتطف من مقدّمة كرّاس " جمهورية إيران الإسلامية : مذابح للشيوعيين و قمع و إستغلال و تجويع للشعب " و ثانيا مقتطف من مقدّمة كرّاس " إنتفاضة شعبية فى إيران ، وجهة نظر شيوعية ماوية " ( المقتطفان صدرا ضمن كتاب يحمل ذات عنوان الكرّاس الأوّل ؛ العدد السادس من " الماوية : نظرية و ممارسة " ) ؛ إليهما أضفنا فقرة عن أهمّية هذا البرنامج. و على هذا النحو نمرّ من قراءة مقتضبة للصراع الطبقي فى إيران الحديثة و نقد لقراءات خاطئة مناهضة للماركسية – اللينينية – الماوية إلى النضالات الشعبية و إمكانية الثورة و من ثمّة إلى البرنامج الشيوعي الثوري الأقصى و الأدنى الذى يمكّن إن طبّق و نجح تطبيقه من جعل الثورة المرجوّة جزءا لا يتجزّأ من الثورة البروليتارية العالمية و أفقها الأسمى الشيوعية العالمية.
و من الأكيد أن الرفيقات و الرفاق الإيرانيين منذ سنة 2000 ، سنة نشر هذا البرنامج ، قد طوّروا جوانبا من برنامجهم أو نظرتهم لمسائل عملية و نظرية و بالفعل قد نشروا عدّة كتب و مقالات للأسف الشديد هي فى غالبيتها غير متوفّرة إلاّ باللغة الفارسية لذا ندعو الرفاق و الرفيقات العرب الذين يمسكون بناصية اللغة الفارسية و نلحّ فى دعوتهم إلى النهوض بواجب ترجمة أهمّ الأدبيّات الحديثة التى أصدرها الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي ) كما نتوجّه بالدعوة إلى الرفيقات و الرفاق الإيرانيين أن يسعوا جهدهم على الأقلّ لتقديم أدبيّاتهم الأهمّ باللغة الأنجليزية فنتولّى تعريبها أو يتولّى المهمّة غيرنا كي يتمّ التفاعل اللازم من منطلق أمميّ .
1- من مقدّمة كرّاس " جمهورية إيران الإسلامية : مذابح للشيوعيين و قمع و إستغلال و تجويع للشعب " :
" منذ السبعينات ، شدّت إيران إنتباه المتابعين للشؤون السياسية و الدينية عالميا .فقد عرفت البلاد مخاضا كبيرا و نموّ مقاومة لنظام الشاه بجناحين من حيث الأساس ، جناح يساري و جناح يميني ديني شيعي و قد إستطاع الشعب الإطاحة بالشاه بيد أن القوى الدينية بتنسيق مع الإمبريالية العالمية سارعت إلى الإستيلاء على السلطة و إجتهدت فى وأد ثورة 1979 و الثوريين و خاصة منهم الشيوعيين فى المهد لتركّز دولة دينية أوتوقراطية تواصل بوجه جديد مضلّل للجماهير الشعبية رعاية و خدمة مصالح الإمبريالية و الكمبرادور و الإقطاع.
و كان لهذا تبعات جدّ خطيرة بصورة خاصة على الصراع السياسي فى الوطن العربي . فمن جهة ، أعطى هذا ، ضمن أسباب أخرى متنوعة و معقدة ، دفعا كبيرا للحركات الأصولية الإسلامية فى الأقطار العربية و من جهة ثانية و إضافة إلى البلبلة التى دبّت فى صفوف القوى اليسارية تقييما و تحالفات ، مثّل هذا الحدث ، إلى حدّ كبير ، منعطفا فى تراجع تأثير الشيوعيين و إنتشارهم و قوّتهم عربيا سيما و أن الحركة الشيوعية العالمية كانت تشهد ساعتئذ صراعات حادة بين القوى الماركسية –اللينينية الحقيقية و القوى التحريفية المعاصرة الموالية للإمبريالية السوفياتية أساسا.
و ممّا قصم ظهر الحركة الماركسية –اللينينية عالميا عاملان إثنان أولاهما خسارة الصين الماوية فى 1976 كقلعة حيّة للثورة البروليتارية العالمية بإستيلاء التحريفيين و على رأسهم دنك سياو بينغ على مقاليد الحكم و تحويل الصين من صين إشتراكية إلى صين رأسمالية و ما نجم عن ذلك و عن الخطّ التحريفي الصيني من تشويش و تشويه للماركسية- اللينينية- الماوية [ حينها الماركسية – اللينينية – فكر ماو تسى تونغ ] .و ثانيهما هو الطعنة فى الظهر التى وجّهها أنور خوجا ، قائد حزب العمل الألباني للماركسية – اللينينية – فكر ماو تسى تونغ التى كانت تقود الحركة الماركسية –اللينينية منذ أواسط الخمسينات و بشكل جلي منذ الستينات حيث أعلن أنور خوجا ، الدغمائي التحريفي ، أن فكر ماوتسى تونغ معاد للماركسية ،عوض أن يلتقط المشعل الشيوعي الماركسي –اللينيني الذى طوّره ماو تسى تونغ و يرفع رايته فزاد بذلك الطين بلّة .
و تكالبت القوى الإنتهازية لتتخلى عن الشيوعية الحقيقية ، الثورية و تشنّ حربا شعواء على ماو تسى تونغ الذى كان لعقود رمزا للحركة الماركسية –اللينينية العالمية و أهمّ قادتها فساد نوع من الفوضى الفكرية داخل الحركة الشيوعية العالمية قبل أن يخاض النضال المرير و الطويل لوضع خطوط تمايز مع جميع أرهاط التحريفية السوفياتية و الصينية و الأوروشيوعية و الخوجية ...و ليتم الردّ عليها و دحضها و لتشرع الماركسية –اللينينية –الماوية فى الإنصهار مجدّدا فى صفوف شعوب العالم عاملة على تغييره ثوريا بغاية بلوغ الشيوعية عالميا .
و عربيا ، تحوّل بعض المثقفين الذين كانوا يدّعون الماركسية إلى بوق دعاية للرجعية يدافعون عن الأصولية الإسلامية و مشروعها المجتمعي و الإقتصادي و السياسي و الثقافي . و طرح البعض إقامة تحالفات مع القوى الإخوانجية التى سرعان ما تضاعفت قوّتها و تضاعف تأثيرها جماهيريا غاضين النظر عن برامجها ووسائل عملها و مواقفها اللاوطنية و اللاديمقراطية و اللاشعبية الموالية للأنظمة السائدة و الإمبريالية و إن تظاهرت أحيانا بمعارضتهما أو عارضتهما لتتقاسم السلطة معهما .
و فى حين أسبغت مجموعات" ماركسية " صفة الوطنية على بعض الإخوانجية ( طامسة مثلا علاقة النظام الإسلامي الإيراني بالإمبريالية كما كشفته " إيران غايت " ) ، أسبغت عليها مجموعات أخرى صفة الديمقراطية ( متحالفة معها على أساس نقاط سميت الأدنى الديمقراطي أو جاعلة من الإنتخابات الإيرانية نموذجا للديمقراطية فى حين أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية يحكمها نظام وحشي فاشي ) و جعلت مجموعات ثالثة من الفكر الخرافي الرجعي الفكر الذى يجب أن يسود حركة التحرّر الوطني العربية عوضا عن الفكر العلمي و الشيوعي الثوري ، فإلتفتت إلى الوراء لتعلن أن الحلّ عند السلف لاوية معها عنق الجماهير الشعبية ذات الوعي الطبقي المتدنى إلى الخلف و مانعة عنها بالتالى التطلع إلى المستقبل الشيوعي الذى تصنعه الشعوب بقيادة الشيوعيين الثوريين إنطلاقا من الواقع لا من الخيال .
و فى السنوات الأخيرة ، إلى جانب ظاهرة التشيع التى أخذت فى الإنتشار فى الأوساط الإسلامية ، ذهبت مجموعة من الذين يقولون عن أنفسهم مستنيرين و حتى ماركسيين إلى حدّ الدعاية السافرة لا فقط للأفكار السياسية و إنما أيضا لإيديولوجيا "حزب الله" و مراجعه الفكرية باثة مزيدا من الأوهام حول طبيعته و برامجه و تاريخه و ممارساته . ووصل الأمر بالبعض إلى إبتلاع المقولة السامة المعادية للفهم الشيوعي حول الدولة و الصراع السياسي و علاقته بالحرب بان هذا الحزب لا يعمل إلا على مقاومة الكيان الصهيوني و بهذا لحملهم السلاح فى وجه الكيان الصهيوني جعلوا منهم وطنيين ناسين برنامجهم الرجعي الذى لا يقطع مع الإمبريالية و إرتباطاتهم التبعية لإيران و نظامها العميل للإمبريالية و ما إلى ذلك و فصلوا نظريا البعد الوطني عن البعد الديمقراطي فى الثورة الوطنية الديمقراطية / الديمقراطية الجديدة فصلا خاطئا و ضارا كلّ الضرر ، و روّجوا لكون "حزب الله" لا يستعمل السلاح فى الصراع السياسي الداخلي اللبناني ماحين هكذا بجرّة قلم تاريخ هذا الحزب و الفهم المادي التاريخي و حقيقة أن الحرب مواصلة للسياسة بطرق عنيفة ومن جديد و ببساطة أتت الأحداث فى لبنان لتكشف مدى خور هذه الترهات فبالسلاح إستولى حزب الله على بيروت أحياء و شوارعا ليفرض سياسات معينة و نقلت ذلك مباشرة شاشات التلفزة عبر العالم .
إن مثل هذه القراءات الفجة لطبيعة الأنظمة و الأحزاب و التنظيمات الأصولية الإسلامية و لتاريخها و التعامى عن تنظيراتها وبرامجها و ممارساتها الرجعية تجاه الشيوعيين و الثوريين و التقدميين و المرأة إلخ يصبّ فلسفيا فى خانة الحكم المثالي بظواهر الأشياء و من بعيد و عدم تحليلها ماديا جدليا و ماديا تاريخيا من منظور بروليتاري شيوعي ثوري و الغوص إلى لبّها و حقيقتها العميقة ، و سياسيا فى خانة فصل الوطني عن الديمقراطي و مغالطة جماهير الشعب و خدمة الأنظمة السائدة و دول الإمبريالية-الإقطاع – الكمبرادور و طبقيا فى خانة الإستسلام لأعداء الثورة و التذيّل لكتلة من كتل الأنظمة الرجعية على حساب إستقلالية البروليتاريا و غايتها الأسمى الشيوعية .
و هذا يطرح علينا كشيوعيين ماويين ، إذا ما رمنا تحرير الشعب و تنويره بالحقيقة التى هي وحدها ثورية كما قال لينين و خوض الصراع اللازم ضد تلك الإنحرافات الخطيرة للغاية ، إيلاء هذه المسألة جزءا من جهدها النضالي على الجبهة الفكرية النظرية و السياسية و يطرح على جميع الشيوعيين التعمّق فى دراسة و فضح ما يقدّم على أنه بديل إسلامي للشيوعية عبر نقد أهمّ إن لم يكن كلّ تجارب الإخوانجية الذين وصلوا إلى السلطة و مارسوها أو لم يصلوا إليها بعد أو يتقاسمونها ضمن إطار الأنظمة الرجعية السائدة و تبسيط ذلك لنشره فى صفوف الشعب . فمن أوكد الواجبات فى هذا الحقل تناول تجربة إيران و تجربة السودان و غيرهما بالبحث لتعرية وجهها الحقيقي و فضح طبيعتها و برامجها و ممارساتها شعبيا . و إن خوض هذه المعركة من الضرورة بمكان إذا كنّا نتطلّع إلى التقدّم فى إتجاه الإشعاع شعبيا و رفع وعي الشعب و إلحاق هزائم بالفكر الخرافي المكبل لطاقات ثورية هائلة فى صفوف الطبقات الشعبية و المدعى أنه بديل شعبي بينما هو بديل إمبريالي . "
2- من مقدمة كرّاس " إنتفاضة شعبية فى إيران ، وجهة نظر شيوعية ماوية " :
" حقيقة كانت إيران و لا تزال نموذجا للغالبية العظمى من التيارات الأصولية الإسلامية منها إستلهموا بعض الأفكار و الكثير من القوة بإعتبار إيران مثالا حيّا نابضا لإمكانية وصول الأصوليين الإسلاميين إلى السلطة و المحافظة عليها و بناء مجتمع إسلامي يعزّز الحركة الظلامية عبر العالم و يعضدها بما أوتي من قوّة مادية و معنوية.
تصوّروا الآن تحوّل إمكانية الإطاحة بنظام جمهورية إيران الإسلامية إلى واقع ملموس، تصوّروا تفكّك هذه الدولة القروسطية و مدى المدّ النضالي و طموح الإنعتاق الوطني و الطبقي و الطاقة التحررية التى سيطلقها الحدث بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط فشمال إفريقيا و آسيا و العالم بأسره.
تصوّروا دحر أحد محركات – أو قلب رحي- وركائز الحركات الإسلامية وقد تعرضت بعدُ حركات أصولية أخرى فى عديد البلدان إلى ضربات موجعة و مدى فسح ذلك للمجال لإنكسارات داخلية فى صفوفها و لخوض النضالات ضدّها و فضحها على أوسع نطاق شعبي ممكن.
تصوّروا بالإضافة إلى ذلك أن تكون الإطاحة بنظام جمهورية إيران الإسلامية الرجعي القروسطي على أيدى قوى شعبية تقودها البروليتاريا و توجهها الشيوعية.
تصوّروا هذا و أكثر ، ألا يستحق منّا حينئذ السعي حثيثا لمعرفة حقيقة ما حدث فى إيران و دراسته و تحليله وإستخلاص الدروس منه لدفع عجلة الصراع الطبقي و التاريخ من موقع أممي ووحدة الطبقة العاملة مصيرا و مهمّة تاريخية ؟ إذا كنا فعلا شيوعيين هذا الأمر يستحق العناء كلّه بل هو من صميم واجباتنا الثورية الأممية.
[ ...]
و ننهى هذه المقدّمة بالتنبيه إلى الحاجة إلى وعي الشيوعيين لضرورة ملحّة من مهام النضال على الجبهتين الإيديولوجية و السياسية ألا وهي مهمّة دراسة و كتابة مقالات تحليلية و نقدية طويلة و لما لا كتب لتعرية و فضح مشاريع و تجارب الأصوليين الإسلاميين فى البلدان العربية و غير العربية و نشرها شعبيا و التصدّى لهذه المهمّة العظيمة من منظور شيوعي ثوري و النجاح فى إنجازها من شأنه أن يكنس الكثير من العوائق الحائلة دون رفع وعي الجماهير وإنتشارالفكر العلمي و المشروع الشيوعي شعبيا فالظلامية لن تضمحلّ بمحض إرادتها ، يجب علينا كنسها كنسا شأنها فى ذلك شأن الغبار الذى لا يتلاشى لوحده ليدع المكان نظيفا بل ينبغى علينا كنسه إذا ما رمنا تنظيف المكان . "
3- أهمّية برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي ) بالنسبة للشيوعيين عامة و الشيوعيين الماويين خاصة :
تتأتى أهمّية هذه الوثيقة من أمرين محوريين بالنسبة للشيوعيين الماويين الذين يهدفون لتطوير مستلزمات الثورة البروليتارية العالمية بتيّاريها ، الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية فى المستعمرات و أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة و الثورة الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية الإمبريالية و بصورة خاصة عربيّا تطوير التيّار الأوّل :
- أوّلا و قبل كلّ شيء هذه الوثيقة الصادرة سنة 2000 عن أوّل مؤتمر لحزب يرفع بوضوح راية الماركسية – اللينينية – الماوية منذ سنوات تجاوزت العقد الآن رغم القمع و العسف الوحشيين لنظام قراوسطي فاشستي ، عن حزب كان من الأعضاء الفاعلين فى الحركة الأممية الثورية و مساهماته فى صراع الخطين صلبها بصدد البيرو و النيبال و تقييم الخلاصة الجديدة و الخلافات مع الحزب الشيوعي ( الماوي ) الأفغاني ... معروفة لدي المتتبّعين عن كثب لتطوّر الحركة الماوية العالمية .
- وثانيا إنّ الرفيقات و الرفاق الإيرانيين الذين قدّموا التضحيات الجسام و تمكّنوا من مواجهة المخاطر و العراقيل الموضوعية و الذاتية بلغوا منذ سنوات مرحلة تأسيس الحزب الشيوعي الماركسي – اللينيني - الماوي ، مرحلة لم تبلغها أيّة مجموعة أخرى على الصعيد العربي . و فى سيرورة تطوّرهم هذه و قطعهم أشواطا أخرى بإتجاه الإعداد لخوض حرب الشعب الماوية لإنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة الممهّدة للثورة الإشتراكية فالشيوعية كتيّار من تياري الثورة البروليتارية العالمية ، لا شكّ فى انّهم قد عالجوا عدّة قضايا و إنحرافات لا يزال الماويون فى الأقطار العربية يتخبّطون فيها فوجب التعلّم منهم بروح أممّية بروليتارية - مع مراعاة الإختلافات فى الواقع الموضوعي والذاتي، الكمّية منها و النوعية أحيانا - بعيدا عن الشوفينية القومية. حقيقة موضوعية هي أنّهم متقدّمون علينا فى مجالات عدّة لا سيما نظريّا و مثلما قال لينين فى " ما العمل ؟ " :
" الحركة الإشتراكية - الديمقراطية [ أي الحركة الشيوعية – صاحب المقدّمة ] هي حركة أممية فى جوهرها. و ذلك لا يعنى فقط أنّه يتعيّن علينا أن نناضل ضد الشوفينية القومية بل ذلك يعنى أيضا أن الحركة المبتدئة فى بلاد فتيّة لا يمكن أن تكون ناجحة إلاّ إذا طبقت تجربة البلدان الأخرى . و لبلوغ ذلك لا يكفي مجرد الإطلاع على هذه التجربة أو مجرّد نسخ القرارات الأخيرة . إنّما يتطلّب هذا من المرء أن يمحص هذه التجربة و أن يتحقّق منها بنفسه . و كلّ من يستطيع أن يتصوّر مبلغ إتساع و تشعب حركة العمال المعاصرة ، يفهم مبلغ ما يتطلّبه القيام بهذه المهمّة من إحتياطي من القوى النظرية و التجربة السياسية ( الثورية أيضا ) . "


/ I الثورة العالمية و البرنامج الأقصي

مقدّمة :

إنّنا نحيا فى عصر الإمبريالية و الثورة الإمبريالية . و غالبية سكّان العالم الذين يتحمّلون عبء الإستغلال و الإضطهاد يرغبون فى تغييرات حقيقية و صريحة فى حياتهم. يعاني هذا العالم من آفة الإنقسامات و اللامساواة الطبقية ، وهو يقف على رأسه بفعل قوّة أسلحة الطبقات المستغٍلّة و لقلبه رأسا على عقب على أجندا التاريخ. لمرّتين فى القرن العشرين قامت البروليتاريا بالثورة و قطعت أشواطا لها دلالتها بإتجاه بناء مجتمع إشتراكي و لعقود سلكت طريقا غير مطروق و مليء منعرجات و إلتواءات . و قد مثّلت الثورتان الإشتراكيتان فى الإتحاد السوفياتي و الصين قطيعة فى مسار التاريخ و غيّرت إلى الأبد توجه المجتمع الإنساني.

إلى حينها تمثّل المسار التاريخي فى إستغلال الأقلّية التى تتحكّم فى الثورة و قوى الإنتاج المجتمع، و كذلك عمل الجماهير قامعة الشعب بواسطة السلطة السياسية و القوات المسلّحة و محافظة على النظام القائم . كان مسار التاريخ يسير بحيث كلّما وجدت ثورة إفتكّت أقلية السلطة و تحكّمت فى الإقتصاد خدمة لمصالحها الخاصّة . لكن مع الثورة الإشتراكية ، لأوّل مرّة ، لم يكن الرأسماليون و الملاّكون الإقطاعيون هم الذين إفتكّوا السلطة ، بل طبقة مثلت المنتجين للثورة الإجتماعية . و لأوّل مرّة صارت غالبية الجماهير تتحكّم فى مصيرها الخاص . بأعين المستغلّين ، كانت هذه الثورة بمثابة كابوس مديد و كالح عنه ما إنفكّوا يتحدّثون بحقد و رعب .

من الداخل و الخارج و بكلّ ما أوتيت من الجهد ، قاتلت البرجوازية للإطاحة بالدول الإشتراكية و نجحت أوّلا أواسط الخمسينات بالإتحاد السوفياتي و ثمّ فى 1976 بالصين . وبيّنت هتان الهزيمتان اللتان عرفتهما البروليتاريا أنّه تبقى للرأسمالية العالمية قاعدة مادية هامة و قوّة إيديولوجية .

و الآن يشير المستغٍلّون إلى إنهيار الإتحاد السوفياتي فى بداية تسعينات القرن العشرين و ما تلاه من فضح لطبيعته الرجعية و الإضطهادية لأجل وأد كلّ أمل فى مستقبل مغاير و تحرّري . لكن ما هو الواقع ؟ الواقع هو أنّه أطيح بحكم البروليتاريا فى الإتحاد السوفياتي قبل عقود من ذلك ووقعت السلطة بين أيدي الطبقة البرجوازية الجديدة . وحينها أعلن الشيوعيون عبر العالم بقيادة ماو تسى تونغ هذا أمرا هاما . و كان إنهيار الإتحاد السوفياتي بالفعل إنهيار لبلاد رأسمالي و نتيجة لأزمة عميقة للنظام الرأسمالي . لقد كان إنهيار الإتحاد السوفياتي دليلا على إفلاس الهياكل الإقتصادية و السياسية لرأسمالية الدولة الإحتكارية فى هذه البلاد. و لم يكن إنهيار الإتحاد السوفياتي سوى مؤشّر على أنّ الإتحاد السوفياتي الرأسمالي هُزم فى تنافسه مع الغرب الرأسمالي و لا شيء أكثر .

و اليوم ، لا وجود لبلد إشتراكي فى العالم . هذه حقيقة مُرّة إلاّ أن ّ هذا يجب أن ينظر إليه فى إطاره التاريخي . فى المسار التاريخي لم تستطع أيّة طبقة صاعدة أن تقضي على الطبقات الرجعية بضربة واحدة . مثلا ، لقد إستغرقت البرجوازية بضعة مئات من السنين قبل أن تقدر فعلا على أن تعوّض الإقطاعية بالرأسمالية . و سيكون هذا أصحّ حتى خلال الإنتقال من العصر البرجوازي إلى عصر العالم الشيوعي بما أنّ هدف البروليتاريا ، خلافا للبرجوازية ، ليس تعويض طبقة إجتماعية بطبقة أخرى و إنّما القضاء على كافة الإنقسامات الطبقية. و الثورة البروليتارية مختلفة نوعيّا عن الثورات من النوع القديم وهي سيرورة معقّدة و طويلة الأمد. هدف الثورة هو الإطاحة بالعبء الثقيل لعشرات آلاف السنين من المجتمع الطبقي من على كاهل الإنسانية . و بسبب طبيعتها ، ليس بوسع هذه الثورة التقدّم بإستمرار و دون تراجعات . لكن اليوم رغم الهزائم ، لم نعد إلى نقطة الإنطلاق . و تمثّل المكاسب الكبرى و التجارب الثمينة المراكمة خلال المائة و خمسين سنة من الصراع الطبقي لا سيما تركيز الإشتراكية ، مختزلة فى علم الماركسية – اللينينية – الماوية بما هو سلاح الطبقة العاملة الذى لا يقهر للتقدّم بالثورات البروليتارية المستقبلية .

متسلّحة بهذه المعرفة الثورية و معوّلة على هذه التجارب و المكاسب ، شرعت البروليتاريا العالمية فى موجة واعية جديدة و جهود منظّمة لإفتكاك السلطة السياسية . و هذه الجهود يمكن مشاهدتها خاصّة فى تطوّر الأحزاب و المنظّمات الماركسية – اللينينية – الماوية فى شتى البلدان. و قد نجحت بعض هذه القوى فى الإنطلاق فى حرب ثورية لإفتكاك السلطة السياسية و ركّزت سلطة حمراء فى أجزاء من بلدانها ، و البعض فى سيرورة الإعداد لمثل هذه الحروب. و فى المجال العالمي قد شكّلت هذه القوى الحركة الأممية الثورية . و مهمّة هذا التنظيم الشيوعي العالمي هي المساعدة على تكوين أحزاب و منظّمات ماركسية – لينينية – ماوية و تعزيز تلك الموجودة . هدف هذه المنظّمة هو بناء أممية شيوعية جديدة متكوّنة من الشيوعيين الثوريين عبر العالم .

و اليوم ، أكثر تصميما من أي زمن مضى ، الطبقة العاملة فى إيران و حزبها الطليعي الثوري ، يجب أن ينهضا بمسؤوليهما التاريخية ألا وهي إفتكاك السلطة السياسية بقوّة السلاح . و يعدّ تشكيل الحزب الشيوعي و صياغة برنامجه مسائل مفاتيح حيوية فى هذه السيرورة . و ينهض هذا البرنامج على تجربة الثورات الإشتراكية فى القرن العشرين و على تجربة معارك البروليتاريا الطبقية ، و كذلك على النضال الثوري للشعوب عبر العالم بما فى ذلك فى إيران . و غاية هذا البرنامج هي عالم شيوعي رسم ماركس و إنجلز فى البيان الشيوعي ميزاته الأولى . وهذا البرنامج بمثابة نداء معركة لطبقتنا ضد النظام الرجعي الحاكم فى إيران و النظام الرأسمالي الإمبريالي ككلّ . و هذا البرنامج سلاح بأيدي كافة الذين يبحثون عن خطّ إيديولوجي – سياسي للتقدّم بالنضال التاريخي العالمي للطبقة العاملة و لتحقيق الظفر. و هذا البرنامج خطّة حرب و نداء للعمل يدعو الجيل الجديد من المقاتلين البروليتاريين لتحمّل مسؤولية إنجاز الثورة البروليتارية فى إيران و للمساعدة على تقدّم الثورة العالمية .

الماركسية – اللينينية – الماوية :

مرّت الثورة البروليتارية ومرّ تطوّر الماركسية عبر درب غير معروف قبلا، يزخر بالمنعرجات و الإلتواءات. وتطوّرت الماركسية فى ظلّ قيادة معلّمين مثل ماركس و لينين و ماوتسى تونغ فى خضمّ المواجهات مع الطبقات الحاكمة و الإستغلالية ، عبر النضال ضد التحريفية ( التيارات البرجوازية صلب حركة الطبقة العاملة ) ، فى خضمّ التمرّدات الجماهيرية الكبرى .

الماركسية :

قبل 150 سنة ،على خلفية مقاومة العمّال و النضال فى أوروبا نشأت الماركسية . و طبّق ماركس و رفيقه فى السلاح إنجلز نظرة و منهج ماديين جدليين لدراسة التاريخ البشري و أنجزا ثورة فى التفكير التاريخي الإنساني . و إلى ذلك كانت كلّ النظرات بشأن ركائز المجتمع رأسا على عقب فعرضا ماركس و إنجلز فهما حقيقيّا لهذه الركائز للمرّة الأولى تاريخيّا.

لقد شرح ماركس أنّ الناس فى سيرورة إنتاج و إعادة إنتاج حاجياتهم المادية يدخلون فى علاقات إجتماعية و أهمّ من ذلك فى علاقات إنتاج و عبر التاريخ ، إتخذت هذه العلاقات أشكالا متنوّعة وفق مستوى تطوّر قوى الإنتاج ، أي وسائل الإنتاج و المعرفة البشرية المنتجة فى كلّ فترة تاريخية . فقد إنتظم المجتمع الإنساني فى مرحلته الأولى فى شكل بدائي من الإنتاج الجماعي و فى تقسيم إجتماعي للعمل لم يكن إضطهاديّا فى طبيعته . لم تكن الملكية الفردية لوسائل الإنتاج موجودة . و فى منعطف تاريخي معيّن و نتيجة للإنتاج النامي و لمراكمة الفائض ، أضحت فئة من المجتمع تملك وسائل الإنتاج و تملك ذلك الفائض متمتّعة بموقع ذى إمتيازات فى علاقة بالفئات الأخرى من المجتمع . و هكذا صار المجتمعالإنساني مجتمعا طبقيّا . و الطبقات مجموعات بشرية مختلفة تتميّز أكثر ما تتميّز بعلاقاتها بوسائل الإنتاج و ما إذا كانت أم لا تملك أرضا ، مصانعا ، مواد أولية إلخ. و من العوامل المميّزة للطبقات عن بعضها البعض : الدور الذى تلعبه كلّ مجموعة فى سيرورة الإنتاج الإجتماعي أو بكلمات أخرى ،موقعها فى تقسيم العمل ، وفى النهاية ، القسم الذى تحصل عليه من الثروة المنتجة . و علاقات الإنتاج فى المجتمع الطبقي علاقات بين الطبقات . وبيّن ماركس أنّ البناء الفوقي للمجتمع ، أي ، المؤسسات السياسية و الإيديولوجية و الثقافية ، يقوم على هذه القاعدة عاكسا و حاميا لهذه العلاقات الطبقية . و البنية الفوقية السياسية و الثقافية تتحكّم فيها الطبقة المهيمنة إقتصاديّا على كلّ المجتمع . و شرخ ماركس و إنجلز أنّ ظهور كافة أشكال الإضطهاد و الإستغلال بما فيها إضطهاد النساء مرتبط بظهور الإنقسام الطبقي للمجتمع الإنساني .

لقد قال ماركس إنّه فى كلّ حقبة ،مع تطوّر القدرة الإنتاجية للبشرية و تطوّر وسائل الإنتاج ، تصبح علاقات الإنتاج قديمة و رجعية و تتحوّل إلى حاجز أمام تطوّر قوى الإنتاج . لذا يجب تغيير هذه العلاقات و تعويضها بعلاقات جديد . و قد بيّن أنّ هذا التغيير لا يمكن أن يتجسّد إلاّ بعد الإطاحة العنيفة بالبنية الفوقية السياسية القديمة وتعويضها بالسلطة السياسية للطبقة الجديدة و ثقافتها. وتصبح الطبقة التى تمثّل قوى الإنتاج المتقدّمة ،من خلال الثورة ، الطبقة الحاكمة و بالإستناد إلى هذه السلطة تركّز علاقات إنتاج جديدة . هذه هي الدكتاتورية الطبقية . و قد كشف ماركس و إنجلز حقيقة أنّ المجتمع الطبقي وُلد فى مرحلة معيّنة من تاريخ تطوّر المجتمع الإنساني و سيضمحلّ فى مرحلة أخرى . و بالتحليل العلمي للرأسمالية ، دلّلا على أنّ هذا النظام هو آخر شكل من المجتمع الإنساني أين توجد الإنقسامات الطبقية و العداء الإجتماعي . و بتجاوز الرأسمالية و التغيير الإجتماعي الجوهري ستقضى البروليتاريا على كافة أشكال الإستغلال و الإضطهاد و كافة الإختلافات الطبقية .

و فى مؤلفه التاريخي ، رأس المال ، كشف ماركس أسرار الإستغلال و مراكمة رأس المال . فالرأسمالية لا تعتمد فقط على الإنتاج السلعي الواسع بل ميزها هي أنها حوّلت قوّة العمل ( قدرة الإنسان على العمل ) إلى سلعة . يبدو أنّ العامل و الرأسمالي يدخلان فى تبادل متساوي الواحد مع الآخر، لكن بتحليل نافذ دلّل ماركس على أنّه حتى ولوأنّ الرأسمالي يشترى قوّة عمل العامل، فإنّ هذا الأخير ، فى سيرورة الإنتاج ، ينتج قيمة أكبر من قوّة عمله. و هذه القيمة المضافة يتملكها الرأسمالي و تمثّل مصدر فائدته. هذا هو جوهر إستغلال العامل من قبل الرأسمالي. و يستعمل الرأسمالي فائض القيمة هذا لينطلق فى جولة جديدة من الإستغلال و المراكمة . بإختصار ، إنتاج القيمة و فائض القيمة خاصّة هو القوّة المحرّكة للمراكمة الرأسمالية .

و لاحظ ماركس و إنجلز أنّ الرأسمالية لأوّل مرّة جعلت قوى الإنتاج قوى إجتماعية و أنّه مع التطوّر غير المسبوق لقوى الإنتاج ، لأوّل مرّة فى تاريخ الإنسانية ، صار من الممكن أن يوفّروا ( بصفة كافية و متصاعدة ) ليس الحاجيات المادية لكافة أعضاء المجتمع فحسب ، بل كذلك للتطوّر المستمرّ لقدراتهم الجسدية و الذهنية . و يظلّ هذا فى نطاق الإمكانية طالما أنّ ملكية وسائل الإنتاج و تملك الثروة المنتجة يظلاّن خاصين . و التناقض بين الإنتاج ذى الطبيعة الإجتماعية و التملك الفردي هو التناقض العدائي الذى يمثّل القوّة المحرّكة للثورات الإجتماعية لتحطيم الرأسمالية و تعويضها بالرأسمالية .

و مسؤولية هذه الثورة الإجتماعية تقع على عاتث الطبقة العاملة. بإيجادها للطبقة العاملة ( أو البروليتاريا ) فى الواقع أوجدت الرأسمالية حفاري قبرها . و الطبقة العاملة هي الطبقة الأولى فى التاريخ التى ستنظّم الإنتاج على أساس إلغاء كلّ أنواع إستغلال ثسم من المجتمع من قبل قسم آخر . و لهذا ، ستضمحلّ الطبقة العاملة بدورها . هذا هو الإختلاف التاريخي بين البروليتاريا و الطبقات الأخرى . إنّ الطبقة العاملة رائدة تحرير الإنسانية .

و شدّد ماركس على أنّه حتى و لو أنّ العمّال يجب أن يناضلوا بلا هوادة للحيلولة بينهم و بين سحقهم تحت عجلات الرأسمالية ، فإنّ نضالهم لا يجب أن ينحصر فى مطالب تحسين ظروف العمل و أجور أعلى فى إطار النظام القائم . قال إنّه ينبغى أن يعترف العمّال بالمصالح العليا لطبقتهم و النضال من أجل الإطاحة بالرأسمالية و تركيز مجتمع شيوعي . و على وجه الخصوص ، فضح ماركس و إنجلز التيارات البرجوازية فى صفوف حركة الطبقة العاملة التى تحدّد هدف نضال هذه الطبقة فى أجور أعلى و مطالب رعاية صحية و التى تدعو الطبقة العاملة إلى تبنّى الوسائل السلمية . فى بيان الحزب الشيوعي ، يحدّدان مثل هذه الإستراتيجيا الثورية للطبقة العاملة : إفتكاك السلطة السياسية عبر العنف لتركيز دولتها الخاصّة التى هي ليست غير دكتاتورية البروليتاريا . هذا هو طريق الثورة الشيوعية ، ثورة وفق ماركس فى الصراع الطبقي فى فرنسا ، هي " القطيعة الأكثر جذرية مع علاقات الملكية التقليدية فلا عجب أنّ تطوّرها يعنى أنّها القطيعة الأكثر جذرية مع الأفكار التقليدية ...الشيوعية هي الإعلان عن تواصل الثورة ، إعلان عن أنّ دكتاتورية البروليتاريا هي المرحلة الإنتقالية الضرورية إلى إلغاء كلّ الإختلافات الطبقية عامة و إلغاء كلّ العلاقات الطبقية التى تستند إليها ، و إلغاء كلّ العلاقات الإجتماعية التى تتناسب معها ، و تغيير كلّ الأفكار القائمة على هذه العلاقات الإجتماعية [ مقتطف مترجم من النصّ الفارسي إلى الأنجليزية – المترجم إلى الأنجليزية ].

و شدّد ماركس و إنجلز على أنّه حتى رغم تقسيم البرجوازية للعالم إلى أمم ، فإنّ البروليتاريا ، خلافا لطبقات أخرى فى المجتمع المعاصر ، يجب أن تمتلك وجهة نظر عالمية لأنّ الرأسمالية نظام عالمي و البروليتاريا هي كذلك طبقة عالمية واحدة تكمن مصالحها فى إرساء عالم شيوعي. و على أساس هذه النظرة ، قاد ماركس و إنجلز تشكيل المنظّمة العالمية للبروليتاريا من مختلف البلدان : الأممية الأولى .

و أعار ماركس وإنجلز إنتباها كبيرا لمسألة النضال المسلّح و قوانين الثورة العنيفة فى سيرورة تغيير المجتمع من مرحلة تاريخية إلى أخرى . و شرح إنجلز بصورة خاصة ،الأسلحة المعاصرة و إستراتيجيا الحروب المعاصرة و إستخلص دروسا من الإنتفاضة المسلّحة للطبقة العاملة ضد حكم رأس المال .

وأثرت التجربة الثورية للبروليتاريا فى كمونة باريس فهم ماركس و إنجلز و عمّقته . ففى 18 مارس 1871 ، نهضت البروليتاريا و الجماهير الثورية فى باريس رافعين السلاح ضد الحكم الرجعي للبرجوازية . و أعلنت كمونة باريس ولادتها . و أوّل محاولة بروليتارية للإطاحة بالبرجوازية و تركيز دكتاتوريتها ذات أهمّية تاريخية عالمية . و سحق العمّال المسلّحون القوات المسلّحة التابعة للبرجوازية . و حلّت النظام البرلماني البرجوازي و عوّضته بأجهزة سلطة شعبية لها أيضا سلطة قضائية و تنفيذية . و سعت الحكومة لتعويض الجيش الدائم بتسليح الجماهير الشعبية . و جرى تركيز الأجور المتساوية للعمّال و الموظّفين الحكوميين . و تعرّضت سلطة الكنيسة الإقتصادية و الأدبية للهجوم لكن حياة الكمونة كانت قصيرة وبعد شهرين ونصف الشهر ، أغرقت فى الدماء من قبل الجيش البرجوازي . و عند تلخيص كمونة باريس ، صرّح ماركس و إنجلز بانّ "الطبقة العاملة لا تستطيع أن تكتفي بالإستيلاء على آلة الدولة الجاهزة و أن تحركها لأهدافها الخاصّة " بل يجب عليها أن تحطّمها و تخلق بدلا عنها دكتاتوريتها الثورية الخاصّة و أشارا إلى أنّ الكمونة لم تستفد إلى أقصى حدّ من إنتصارها حيث قصّرت فى قمع الثورة المضادة و لم تصادر المؤسسات المالية الكبرى مثل البنك الفرنسي . و علاوة على ذلك ، لم تتوحّد الكمونة مع جماهير الفلاحين و هكذا لم تستطع أن تستنهض دعمهم لها . ز حتى وإن دامت الكمونة فقط 72 يوما ، فإنّ مكاسبها فى تركيز دكتاتورية البروليتاريا و الدفاع عنها أبدية .

اللينينية :

ثورة أكتوبر

والمحاولة الثانية لإفتكاك البروليتاريا للسلطة السياسية جدّت فى 1917 فى روسيا. فثورة أكتوبر قد أطاحت بدولة البرجوازية و الملاكين العقّاريين . و دشّن تركيز دكتاتورية البروليتاريا عصرا جديدا فى تاريخ حركة الطبقة العاملة عالميّا . فى ظلّ قيادة الطليعة الشيوعية أي الحزب البلشفي عبّأت البروليتاريا الجماهير فى جيش أحمر و من خلال إنتفاضة مسلّحة جماهيرية حطّمت الجيش الدائم لدولة القيصر ثمّ خاضت حربا أهلية كبرى لثلاث سنوات ضد القوات المسلّحة للثورة المضادة و جيوش 14 بلدا إمبرياليّا غازيا . و طوّر فلاديمير إيليتش لينين الماركسية إلى مرحلة جديدة أرقي وذلك فى سيرورة قيادة الحركة البروليتارية الثورية فى روسيا وفى النضال ضد التحريفية داخل روسيا و كذلك ضمن الحركة الشيوعية العالمية . و من ضمن عديد مساهمات لينين تحليله لتطوّر الرأسمالية إلى مرحلتها النهائية و الأعلى ، الإمبريالية . وبيّن لينين أنّ الرأسمالية فى مرحلتها الإمبريالية بينما تحافظ على مميّزاتها الأساسية ،لها ديناميكيتها الخاصة فى علاقة بمرحلتها الأولى و صارت سيرورة الإستغلال و المراكمة عالمية بشكل متصاعد. و قال إنّ الإمبريالية تتميّز بتطوّر رأس المال الإحتكاري وهيمنته ، فى تعارض مع وحدات صغيرة من رأس المال . و ميزة أخرى للإمبريالية هي تشكيل رأس المال المالي عبر دمج الرأسمال الصناعي و الرأسمال البنكي . وهكذا تشكّلت مراكز أساسية إحتكارية ضخمة لا تتحكّم فى كافة قطاعات إقتصاد بلد معيّن فحسب ، بل يمكنها أنتضع إقتصاد كلّ بلدان العالم و مناطقه تحت تأثيرها . و ميزة هامة للإمبريالية هي تصدير رأس المال . و حلّل لينين أنّه مع نشوء الإمبريالية ، لم يعد تصدير السلع أهمّ نشاط إقتصادي عالمي جوهري لرأس المال و غنّما يعوّض بتصدير رأس المال إلى بلدان أخرى فى شكل إستثمارات و قروض مباشرة و أشكال أخرى . لقد وسّعت الرأسمالية تطوّر الرأسمالية إلى المستعمرات و اشباه المستعمرات و دمجت أنماط الإنتاج ما قبل الرأسمالية و ربطتها بها .

و رغم أنّ تطوّر الرأسمالية إلى الإمبريالية صار بشكل متصاعد معولما و دمجت عدّة مناطق مختلفة فى سيرورة عالمية من المراكمة الرأسمالية ، فإنّ رأس المال حافظ على طابعه القومي . فى عصر الإمبريالية ، إشتدّ التنافس بين الرساميل و إتخذ شكلا ممركزا فى النزاعات بين الدول الإمبريالية . و تجسّد هذا التنافس فى العصر الإمبريالي بصورة متكرّرة فى شكل حروب.

دون تحليل للإمبريالية منغير الممكن رسم إستراتيجيا و تكتيك الثورة البروليتارية . و على أساس هذا التحليل ، صاغ لينين توجهات إستراتيجية هامة للثورة فى مختلف البلدان . و شدّد على أنّ العالم منقسم إلى حفنة من البلدان الإمبريالية و عديد البلدان المضطهدة ، و هذه ميزة أساسية للإمبريالية . و أشار إلى أنّ الثورة الإشتراكية فى البلدان الإمبريالية ليست ممكنة دون مساندة نضالات التحرّر فى البلدان التى تضطهدها الإمبريالية . و مثل هذه المساندة مهمّة بروليتارية أمميّة . فقد بيّن لينين أنّ قاعدة الثورة البروليتارية فى ظلّ الإمبريالية قد توسّعت . وهو بالفعل عصر الإمبريالية و الثورة البروليتارية . و حتى فى البلدان المتخلّفة الواقعة تحت هيمنة الإمبريالية بعلاقات ما قبل رأسمالية منتشرة ، فإنّ النضال الثوري فى ظلّ قيادة البروليتاريا لا يمكنه أن يبلغ الإستقلال عن الإمبريالية ويجتثّ العلاقات ما قبل الرأسمالية فقط بل يمكنه أيضا أن ينجز الإنتقال إلى الإشتراكية . و تمثّل هذه الثورات إلى جانب الثورات الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية ، تياري الثورة البروليتارية العالمية .

و علاوة على ذلك ، أشار لينين إلى تغيّر له دلالته حدث مع نشوء الإمبريالية فى مكوّنات الطبقة العاملة فى البلدان الرأسمالية المتقدّمة و عرض كون البرجوازية كانت قادرة على شراء قسم صغير من الطبقة العاملة فى البلدان الإمبريالية مستعملة الأرباح الهائلة التى تحققها بالإستغلال و النهب العالميين ، و تحويلها إلى أرستقراطية عمالية . و هذه الفئة ذات الإمتيازات لا تدافع فى أحسن الأحوال إلاّ عن سياسات إصلاحية . ومن جهة أخرى ، الفئات الدنيا من الطبقة العاملة فى البلدان الإمبريالية هي القاعدة الإجتماعية للثورة البروليتارية و الأممية البروليتارية .

لقد كانت الأرستقراطية العمّالية القاعدة المادية للتحريفية فى غالبية الأحزاب الديمقراطية الإشتراكية المشكّلة للأممية الثانية . حينما إندلعت الحرب العالمية الأولى فى 1914 وقفت هذه الأحزاب إلى جانب البرجوازية الإمبريالية فى بلدانها الخاصة و رفعت شعار " الدفاع عن الوطن " و عوض التشجيع على الوحدة الأممية و الرفاقية فى صفوف العمّال والجماهير المضطهَدة للبلدان المشاركة فى الحرب ، نشروا بذور الإنقسام و العداوة فى صفوف الطبقة العاملة العالمية . و فى نفس الوقت ، أنكرت هذه الأحزاب الطبيعة الحقيقية للدولة كوسيلة قمع طبقة لطبقة أخرى ، و أنكرت الحاجة إلى الإطاحة العنيفة بالدولة البرجوازية و تركيز دكتاتورية البروليتاريا . و أثناء الحرب العالمية الأولى ، ظهرت أوضاع ثورية فى عديد البلدان الرأسمالية لكن هيمنة التحريفية على أحزاب الأممية الثانية قادت إلى إجهاض الثورة فى هذه البلدان . و على عكس هذه الأحزاب ، إتبع الحزب البلشفي سياسة الإنهزامية القومية الثورية و رفع شعار تحويل الحرب الإمبريالية إلى حرب أهلية قائدا الثورة الروسية إلى الإنتصار . و خاض لينين نضالا عسيرا لفضح تحريفيي الأممية الثانية و على رأسهم كارل كاوتسكي و عزلهم . و لعب هذا النضال دورا حيويّا فى تشكيل الأممية الشيوعية الثالثة .

و فى أتون هذا الصراع الطبقي ، طوّر لينين الفهم الماركسي للوسيلة الحيوية للثورة البروليتارية أي الحزب الطليعي . و طوّر فهما صحيحا للعلاقة بين الوعي الشيوعي و الحركة العفوية ، و العلاقة بين الطليعة القائدة و الجماهير . و لم يكن هذا التطوير لهذا الفهم الصحيح ممكنا دون النضال ضد التيّار الليبرالي البرجوازي فى صفوف حركة العمّال الروسية وهوالتيّر الذى أطلق عليه لينين إسم " الإقتصادوية " . و كانت الإقتصادوية تتعارض مع النضال السياسي المخطّط للطبقة العاملة لإفتكاك السلطة و بذل قصاري الجهد لتقليص الحركة إلى نضال من أجل تحسين ظروف عيش العمّال . و أنكر الإقتصادويّون الحاجة إلى نظرية ثورية و عارضوا الحاجة إلى حزب طليعي و طابعه الثوري و دوره القيادي فى إنجاز الثورة البروليتارية . وبيّن لينين أنّ الوعي الناجم عن النضال العفوي للعمّال ليس وعيا شيوعيّا . و شدّد على أنّ الطبقة العاملة لا يمكنها و لا ينبغى أن تركز فحسب أو بالأساس على معارك حول النضال الإقتصادي ، بل يتعيّن عليها أن تنهض فى نضال شامل ضد النظام الرأسمالي و تقاتل ضد كافة أشكال الإضطهاد التى يعاني منها العمال و كافة الطبقات و الفئات الشعبية الأخرى . و يترتّب عليها أن تولي الإنتباه إلى جميع مظاهر المجتمع و تتعلّم كيفية تحديد مصالحها الطبقية فى كلّ مسألة إجتماعية همّة و فى كلّ حدث عالمي . بهذه الطريقة و حسب يمكن للعمّال أن يفهموا طبيعة النظام الحاكم و الطبقات المستغٍلّة و أن يكسبوا القدرة على توحيد الجماهير المضطهدة وقيادتها فى ظلّ راية الثورة البروليتارية . و شدّد لينين على أنّ تشكيل الوعي الثوري للطبقة العاملة و تقدّم الصراع الطبقي لطبقتنا غير ممكن فى غياب الحزب الشيوعي الطليعي . و ينبغى أن يمثّل هذا الحزب وجهات نظر ومصالح البروليتاريا و يحمل وجهات النظر الشيوعية إلى نضالات الجماهير من أجل رفع مستوى نضالها العفوي إلى حركة ثورية واعية . و أرسي لينين المبادئ التنظيمية لمثل هذا الحزب . و على الحزب الطليعي أن ينتدب الثوريين ليس من ضمن صفوف البروليتاريا فقط و إنّما من كافة الفئات و يجب أن يوحّدهم على أساس النظرة الشيوعية و الإستراتيجيا المشتركة و البرنامج السياسي و يجب أن يكرّسوا حياتهم لهدف تحرير البروليتاريا. و ينبغى أن يكون للحزب تنظيم منضبط قوي و خلفية سرّية مع القدرة على الصمود فى وجه قمع الطبقات العدوّة و ضمان إستمرارية النضال الثوري . و حينها فقط يكون للبروليتاريا مركز قيادتها الثورية يمكنها من أن تبحر عبر منعرجات و إلتواءات الصراع الطبقي و تشرك الجماهير بصفة واسعة فى الصراع الثوري لتحطيم الدولة و إفتكاك السلطة السياسية . و دون مثل هذا الحزب كمركز قيادة للطبقة العاملة الروسية لم تكن ثورة أكتوبر لتنجح .

لقد هزّت ثورة أكتوبر 1917 العالم هزّا . و غزى العمّال و الفلاحون فى الإتحاد السوفياتي المؤسس حديثا المسرح السياسي . و تقدّمت النساء على نطاق واسع و كسبن حقوقا سياسية و إجتماعية و إقتصادية غير مسبوقة؛ و إنخرط كبير الإنخراط فى السياسة و الإنتاج . و كسبت الأمم المضطهَدة التى كانت لقرون سجينة روسيا القيصرية الشهيرة بأنّها سجن الأمم ، كسبت حقّ تقرير المصير . و تشكّلت دولة متعدّدة القوميات على أساس المساواة بين الأمم و القوميات و اللغات. و جرت مصادرة أملاك الطبقات المستغٍلة و رُكّزت الملكية العامة للدولة . و رسم أوّل مخطّط للإقتصاد الإشتراكي ووضع موضع التنفيذ. و غدت عجلة الإنتاج تدور لتوفّر حاجيات المجتمع . و على الفور أعلن لينين تشكيل الأممية الثالثة ( الكومنترن ) و أرسي مراكز القيادة العامة للثورة البروليتارية العالمية مع مشاركة ممثلي الأحزاب الشيوعية الثورية من مختلف البلدان. و ركّزت الدولة السوفياتية علاقات مع الحركات الثورية و حركات التحرّر الوطني وساعدتها عبر العالم على قاعدة وجهة النظر والسياسات الأمميّة . و إثر وفاة لينين ، خاض ستالين صراعا إيديولوجيّا و سياسيّا هاما ضد التروتسكيين و غيرهم الذين إدّعوا أنّ المستوى المتدنّى لقوى الإنتاج فى الإتحاد السوفياتي و أنّ غالبية السكّان من الفلاحين و العزلة العالمية للبلاد تجعل من غير الممكن التقدّم فى بناء الإشتراكية . و إجتثّ عمليّا عشرات ملايين العمّال و الفلاحين الفقراء النظام الرأسمالي القديم و قطعوا أشواطا كبرى نحو المشركة و إيجاد نظام إقتصادي جديد متحرّر من الإستغلال . ووسّعت هذه الإنتصارات تأثير الماركسية – اللينينية ورفعت من سمعة الإتحاد السوفياتي على المستوى العالمي . و مع ذلك ، و رغم هذه الإنتصارات ، عرفت التطوّرات الإشتراكية الكبيرة فى نهاية العشرينات و الثلاثينات نقاط ضعف و هنات جدّية . و العديد من نقاط الضعف هذه مردّها نقص التجربة التاريخية و كذلك محاصرة و تحطيم الغزو الإمبريالي للإتحاد السوفياتي . لكن بعض الأخطاء السياسية الجدّية إنضافت إلى هذه المشاكل . و تلخيص هذه الأخطاء و التعلّم منها وقع على عاتق الشيوعيين الصينيين بقيادة ماوتسي تونغ .
الماوية :

الثورة الصينية

حدثت الثورة البروليتارية المظفّرة فى الصين لثلاثة عقود بعد ثورة أكتوبر فى روسيا . و سنوات قبل الإنتصار ، جلبت طلقات مدافع ثورة أكتوبر الماركسية – اللينينية إلى الثورة الصينية . و فى نفس الوقت ، رسمت الأممية الشيوعية فى ظلّ قيادة لينين الخطوط العريضة لإستراتيجيا الثورة البروليتارية فى البلدان المستعمرة و شبه المستعمَرة . لكن للقيام بالثورة فى بلد شبه إقطاعي ، تهيمن عليه الإمبريالية يجب معالجة تناقضاته الخاصة . بالتطبيق الخلاّق للماركسية – اللينينية على الظروف الخاصة للبلاد ، طوّر ماو تسى تونغ ، قائد الحزب الشيوعي الصيني بنجاح نظرية و إستراتيجيا الثورة البروليتارية فى الصين . و أشار ماو إلى أنّه بالرغم من إنتشار العلاقات ما قبل الرأسمالية ، لا حاجة إلى ثورة ديمقراطية برجوازية تقود إلى حكم البرجوازية و تركيز الرأسمالية . و يرتهن تحرير الجماهير بإنتصار الثورة الديمقراطية الجديدة فى ظلّ قيادة البروليتاريا . و ستنهي هذه الثورة هيمنة الإمبريالية و تثوّر النظام الإجتماعي و تحدّث الإقتصاد و العلاقات الإجتماعية ما قبل الرأسماليين و بهذه الطريقة ستمهّد الطريق للإشتراكية . و بيّن ماو أنّ الثورة البروليتارية فى هذه البلدان سيرورة واحدة من مرحلتين . وتتميّز فيها المرحلة الأولى بالنضال لأجل الإطاحة بالإمبريالية و الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية . و عند إنجاز هذه المرحلة ، ستمضي الثورة مباشرة إلى المرحلة الإشتراكية . فى الثورة البروليتارية ، لا سيما خلال المرحلة الأولى من الضروري تشكيل جبهة متحدة واسعة من كلّ الطبقات و الفئات التى يمكن توحيدها ضد الإمبريالية و الإقطاعية و الرأسمالية البيروقراطية . و العامود الفقري لهذه الجبهة يتكوّن من وحدة العمّال و الفلاّحين ( أساسا الفلاحين الفقراء و الذين لا يملكون أرضا ) . و الجبهة الشعبية المتحدة و كلّ نضال ثوري يجب أن تقودهما البروليتاريا و حزبها .

فى سيرورة قيادة الحرب الثورية فى الصين ، طوّر ماو تسى تونغ تعاليم الثورة البروليتارية و إستراتيجيتها العسكرية على نحو شامل و نوعي . و لخّص حقيقة يومية فى المجتمع الطبقي فى جملة معبّرة جدّا لا يمكن نسيانها : " تنبع السلطة السياسية من فوّهة البندقية " .

و على أساس الممارسة المظفّرة للثورة الصينية ، رسم خطوطا عريضة لإستراتيجيا الثورة فى البلدان التى تهيمن عليها الإمبريالية . و هذه الإستراتيجيا تسمّى حرب الشعب. و بناء على هذه الإستراتيجيا ، يمكن لبروليتاريا هذه البلدان أن تشرع فى الحرب الثورية فى منطقة ما و تطوّرها بالإعتماد على الجماهير ،بغاية إفتكاك السلطة عبر البلاد بأسرها . و أشار ماو إلى أنّ الظروف الموضوعية لتبنّى إستراتيجيا حرب الشعب هي أنّه يوجد عامة وضع ثوري فى هذا النوع من البلدان. و هذا الوضع هو نتيجة الهيمنة الإمبريالية و الفقر و القمع الشديد الذى يبقى قطاعات عريضة من السكّان بإستمرار فى حالة تمرّد . و فضلا عن ذلك ، عادة ما تكون الطبقات الحاكمة لمثل هذه البلدان غارقة فى الإنقسامات و النزاعات الداخلية الجدّية و تعوزها قاعدة إجتماعية صلبة. ووجود العلاقات ما قبل الرأسمالية و قوى إنتاج متخلّفة و صعوبات للدولة فى إحكام قبضتها على المناطق الريفية النائية يوفّر ظروفا مناسبة للإنطلاق فى الحرب الثورية و مواصلتها و توسيعها . و يمكن للجيش الشعبي فى ظلّ قيادة الحزب الشيوعي أن يتحوّل من قوّة صغيرة ضعيفة إلى قوّة كبيرة وقويّة بتكريس إستراتيجيا و تكتيكات صحيحة . يمكن أن ينطلق من حرب أنصار محدودة فى المناطق الريفية و يُوسّع تدريجيّا نشاطاته ،و يمكن أن يشيّد المناطق الريفية لتصبح مصدرا للمساندة الإقتصادية و السياسية و العسكرية ،و تركيز أشكال جنينية من السلطة السياسية الجديدة فى هذه المناطق و إنجاز ثورة زراعية لتحطيم علاقات الإنتاج القديمة . و طوال فترة مديدة و بتوسيع المناطق فى ظلّ سيطرته سيحاصر الجيش الشعبي المدن إنطلاقا من الريف و فى نفس الوقت يعدّ ظروف شنّ إنتفاضات فى المدن للتمكّن من التحطيم الشامل للدولة الرجعية . و للمبادئ الأساسية لحرب الشعب صلوحية عالمية لدي الشيوعيين الثوريين فى كافة بلدان العالم . و هذه المبادئ هي : فى حرب الشعب الناس هم المحدّدون و ليست الأسلحة ؛ الحرب الثورية حرب الجماهير ؛ و العدوّ يقاتل على طريقته و نحن نقاتل على طريقتنا . و شدّد ماو أيضا على أنّ الحزب الشيوعي يجب أن يقود البندقية و لا يمكن أبدا السماح للبندقية بأن تتحكّم فى الحزب . و أتت هذه النظريّات نتيجة قيادة ماو تسى تونغ لحرب ثورية لعقود و نتيجة تلخيصه الجدلي لآلاف المعارك .

فى سيرورة تنظيم الثورة البروليتارية ، طوّر ماو الفهم الماركسي لحزب الطبقة العاملة الطليعي فى مختلف مظاهره . و من أهمّ هذه التطويرات مفهوم صراع الخطّين صلب الحزب الشيوعي . لقد عارض ماو الفكر السائد الذى يعتبر وحدة الحزب " متجانسة" . و شدّد على أنّ الإحتلاف و الصراع بين الأفكار الصحيحة و الأفكار الخاطئة يحدث بإستمرار صلب الحزب و على أنّ ذلك حتمي الحدوث . و أحيانا سيقفز هذا الصراع إلى مستوى الصراع بين الخطّ الماركسي و الخطّ التحريفي . و يعكس هذا التناقض و الصراع التناقض بين الطبقات و بين الجديد و القديم فى المجتمع . و كلّما كانت النظرات الطبقية غير البروليتارية تنتصر فى الحزب ، ستتغيّر طبيعة الحزب. و شدّد ماو على أنّه يجب على الحزب أن يتطوّر عبر صراع الخطّين بين الخطّ الصحيح والخطّ الخاطئ ، و يصبح أكثر فأكثر ثورية ؛ و دون هذا الصراع ضد الأفكار الخاطئة ، ستنتهي حياة الحزب كطليعة البروليتاريا .

و وجه إنتصار الثورة الصينية فى أكتوبر 1949 صفعة قويّة للنظام الإمبريالي و فتح آفاقا جديدة لشعوب العالم . فقد نهض سكّان يعدّون مئات الملايين بقيادة الشيوعيين و أطاحوا بالنظام شبه المستعمر و شبه الإقطاعي ليتخلّصوا من الإستغلال و فى غضون سنوات قليلة ، إستأصلوا أمراض المجتمع القديم التى أثقلت كاهل المجتمع لقرون على غرار البطالة و الفقر و الدعارة و الإدمان على المخدّرات . و أضحى العبيد المأجورون و الأقنان سادة المجتمع . و حرّرت الثورة الزراعية ملايين من ربقة الإقطاعية . و تعرّضت العلاقات الأبوية و الشوفينية الذكورية القديمة إلى الهجوم و صدرت قوانين جديدة قائمة على المساواة بين الرجال و النساء فى مختلف المجالات . و أخذت ثقافة مناهضة للخرافة تزدهر . و بدأت حركة التعاونيّات و المشركة فى الريف تظهر. و بقواها التى لا تنضب سوّت الجماهير الجبال بالأرض و حفرت الأنهار و مهّدت الطريق للبناء الإشتراكي .

مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا :

مثّل صعود التحريفيين إلى السلطة بقيادة خروتشوف و إعادة تركيز الرأسمالية فى الإتحاد السوفياتي أوّل هزيمة للبروليتاريا . و مدّ سرطان التحريفية جذوره فى الحزب الشيوعي السوفياتي منذ بضعة سنوات و كانت وفاة ستالين سنة 1953 و إستيلاء خروتشوف و زمرته على السلطة بمثابة الضربة القاضية . فكان ذلك صدمة للحركة الشيوعية العالمية . وفكّك التحريفيون دكتاتورية البروليتاريا من الداخل ووضعوا الربح فى المصاف الأوّل و بسرعة أعادوا تركيز الرأسمالية فى الإتحاد السوفياتي . و عالميّا ، تحت قناع صيانة " السلم العالمي" و بتعلّة أنّ الإمبرياليين قد صنعوا قنبلة ذرّية و أنّه بالتالي لم يعد ممكنا خوض الثورة المسلّحة ضدّهم ن دعوا البروليتاريا و الجماهير عبر العالم لخوض صراع " سلمي" ضد الإمبريالية الرجعية .

كان هذا أمرا خطيرا بالنسبة للحركة الشيوعية العالمية . و فى مقدّمة الشيوعيين الثوريين فى العالم ، إنبرى ماو تسى تونغ ليفضح طبيعة الحكّام السوفيات الجدد و حقيقة إعادة تركيز الرأسمالية هناك . فكان هذا نضالا معقّدا و كبيرا داخل الحركة الشيوعية العالمية . لكن أعظم مساهمة لماو تسى تونغ فى حركة الطبقة العاملة العالمية كانت تحليله و توفيره لحلول نظرية و عملية للمسائل الجديدة التى طرحها البناء الإشتراكي و الحيلولة دون إعادة تركيز الرأسمالية .

فى الخمسينات ، إلى جانب إفتكاك السلطة من طرف التحريفيين فى الإتحاد السوفياتي ، كان ماو يواجه مثل هذه القوى التى كانت تطلّ برأسها داخل الحزب الشيوعي الصيني . فخيض صراع شديد داخل الحزب الشيوعي الصيني حول توجّه المجتمع و طريق التطوّر الإقتصادي و السياسي و الثقافي . و وجد الشيوعيون الثوريون فى الصين فى مراكز قياداتهم العامة ديمقراطيين برجوازيين كانوا يرغبون فى إيقاف سيرورة التطوّر الإشتراكي إذ كانت هذه القوى ضد التحويل الثوري لعلاقات الإنتاج و تقوية و توسيع أشكال الملكية الإشتراكية و التعاونية ، معتبريها " تجاوزات " . و كذلك تحرّك أتباع الطريق الرأسمالي لإضعاف حكم البروليتاريا فى مجالات السياسة و الثقافة و التعليم وشجّعوا على نظرات الطبقات المستغٍلّة و قيمها و نماذجها. و دفع الحدثان ماو تسي تونغ إلى دراسة طبيعة المجتمع الإشتراكي و تجربة البناء الإشتراكي فى الإتحاد السوفياتي و تلخيصهما بعمق . و قد واجه مشاكلا من مثل كيف أنّ البرجوازية تنشأ من أرضية المجتمع الإشتراكي و كيف و بالتعويل على أيّة تناقضات و عناصر يعاد إنتاجها ؟ لماذا وقف القادة الشيوعيون السابقون فى منتصف الطريق و تحوّلوا إلى برجوازية جديدة ؟ لماذا لم توجد مقاومة هامة للتحريفيين الخروتشوفيين ؟ كيف يمكن منع تفكّك المجتمع الإشتراكي و فساد الحزب و الدولة الثوريين ؟

إزاء الهجمات الإنتقامية و التحريفية من قبل خروتشاف ، دافع ماو عن مساهمات ستالين . لكن لأجل تحليل مشاكل المجتمع الشيوعي و إيجاد أجوبة ، كان عليه أن يلخّص الأخطاء الجدّية فى نظرة ستالين و ممارسته و يرسم خطّ تمايز . و من تركيز ملكية الدولة الإشتراكية فى الصناعة و الفلاحة ، إستنتج ستالين عن خطأ أنّ " فى الإتحاد السوفياتي لم تعد توجد طبقات متعادية " و أنّ المجتمع السوفياتي كان " خاليا من العداء الطبقي " . وهكذا رأي ستالين تهديد الدولة البروليتارية نابع فقط من المؤامرات و الغزو الإمبرياليين أو من عناصر البرجوازية القديمة . و مع ذلك ، ينشأ خطر إعادة تركيز الرأسمالية أساسا من البرجوازية الجديدة التى تتطوّر فى إطار المجتمع الإشتراكي ذاته و تتخفّى صلب هياكل الحزب الشيوعي و الدولة . لهذا السبب ، أخفق ستالين فى رؤية ضرورة خوض الثورة المستمرّة فى ظلّ الإشتراكية بتعبئة الجماهير البروليتارية من الأسفل و لم يستوعب الحاجة إلى الإنجاز المستمرّ للتغيير الثوري فى البنية الفوقية السياسية و الإيديولوجية للمجتمع و الأهمّ ، فى هيكل الحزب الشيوعي و الدولة. و إتبر ماو تسى تونغ أنّ أخطاء ستالين نتيجة للتجربة المحدودة للبروليتاريا فى البناء الإشتراكي ،و كذلك نتيجة لتفكيره المادي الميكانيكي. و نجمت هذه الأخطاء عن إضعاف نضال البروليتاريا ضد البرجوازية الجديدة فى الإتحاد السوفياتي ما وفّر أرضية مناسبة للتحريفية لتتوطّد و تتوسّع .

و على أساس تحليل طبيعة المجتمع الإشتراكي و تجارب البناء الإشتراكي فى الإتحاد السوفياتي و الصين ، سلّط ماو الضوء على النقاط التالية و منهجها : إثر الإطاحة بالطبقات الحاكمة القديمة و إفتكاك السلطة السياسية من قبل البروليتاريا ،و إثر تحويل ملكية وسائل الإنتاج من الملكية الخاصّة للطبقة البرجوازية إلى الملكية العامة لدولة البروليتاريا و تحويل الرساميل الصغرى و الممتلكات الخاصّة إلى ملكية إشتراكية للدولة أو المجموعات التعاونية ، تظلّ هناك لامساواة هامة فى صفوف مختلف الطبقات فى المجتمع تنعكس فى شكل تناقضات طبقية و صراع طبقي. و قد أشار ماو إلى أنّ الإشتراكية ظاهرة متناقضة تنطوي على كلّ من بقايا الرأسمالية و بذور الشيوعية . و يمثّل المجتمع الإشتراكي قفزة كبرى إلى الأمام ، فيه لم تعد قوّة العمل تشترى و تباع و لا يقع تحت هيمنة قوى طبقية معادية و غريبة وهو لا يخدم إنتاج و إعادة إنتاج ظروف إستغلال العمّال . لكن من هذا المجتمع تبقى لامساواة هامّة . و من أهمّ هذه التناقضات تلك الموجودة بين العمل الفكري و العمل اليدوي ، بين المدينة و الريف ، و بين الرجال و النساء ، إلى جانب مظاهر من العلاقات الإقتصادية البرجوازية مثل الإختلافات فى الأجور و التبادل السلعي . و كلّ هذه اللامساواة الموروثة عن الماضي تسمّى " الحقّ البرجوازي " . وهي الأرضية المادية لتطوّر البرجوازية الجديدة فى صفوف المجتمع الإشتراكي و فى صفوف المجتمع الإشتراكي و فى إطار الملكية الإشتراكية . و شدّد ماو على أنّ الإشتراكية ليست نهاية الطريق و أنّ الطبقات و الصراع الطبقي ستظلّ موجودة طوال المرحلة الإشتراكية . و مع تركيز السلطة السياسية للطبقة العاملة ، يتغيّر ميزان القوى بين الطبقات و ظروف الصراع الطبقي . و يمكن للبروليتاريا بالتعويل على قوّتها الخاصّة أن تقلّص أرضية العداء الإجتماعي ؛ و هكذا نظرا لطبيعتها المتناقضة ، تواجه الإشتراكية طريقان هما التطوّر و التقدّم نحو هدف تركيز الشيوعية عالميّا أو التراجع إلى الرأسمالية .

و قد أفلح ماو تسى تونغ لأوّل مرّة فى تاريخ حركة الطبقة العاملة فى تطوير تفكير علمي و شامل حول الإقتصاد السياسي للإشتراكية و بينما تعلّم من الجوانب الإيجابية من البناء الإشتراكي فى الإتحاد السوفياتي ، قطع مع العديد من النظرات الخاطئة السائدة ضمن الشيوعيين السوفيات. و بوجه خاص ، دحض ماو المفهوم السوفياتي الذى ساوى بين تركيز الملكية العامة و بلوغ مستوى معيّن من تطوّر قوى الإنتاج . و عوض ذلك شدّد ماو على أنّ أشكال ملكية الدولة يمكن أن تتحوّل إلى قناع للعقلاقات البرجوازية ،محكّ ما إذا كان إقتصاد إشتراكي أم لا هو هل يتقدّم نحو تقليص الإختلافات واللامساواة أم بالعكس نحو تعزيزها.

فى تحليله المنير للصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية ، شرح ماو تسى تونغ أين توجد نواة البرجوازية الجديدة ( و ليس بقايا الطبقة المطاح بها أو المنتجين الصغار ) و تبنى مركزها السياسي فقال " إنكم تقومون بالثورة الاشتراكية و بعد لا تعرفون أين توجد البرجوازية . إنها بالضبط داخل الحزب الشيوعي – أولئك فى السلطة السائرين فى الطريق الرأسمالي ".
و هذه الفئات من قادة الحزب و الدولة الذين إستبعدوا إستراتيجيا الثورة البروليتارية وسياساتها و أهدافها و تركيز الشيوعية و الذين أرادوا أن يحكموا البلاد على أساس تعزيز الإختلافات و إعادة تركيز الرأسمالية إنطلاقا من النواة المركزية للبرجوازية الجديدة ، هؤلاء هم التحريفيون . إنّ صعود التحريفيين إلى السلطة فى بلد إشتراكي يعنى بلوغ البرجوازية الجديدة السلطة . و قد شدّد ماو على الحاجة إلى قيادة الحزب الشيوعي أثناء المرحلة الإشتراكية لكنّه قال إنّ هذا يتخذ شكلا مزدوجا لأنّ داخل الحزب هو المكان حيث تجد البرجوازية الجديدة عشّها. لهذا طوال المرحلة الإشتراكية الحزب هو المجال الحيوي للصراع الطبقي . و قد شدّد ماو على الدور الحيوي للبنية الفوقية ( وعي الجماهير و الطبيعة الثورية للحزب و الثقافة و التعليم ) فى الحفاظ على الدولة البروليتارية و تعميق الطبيعة الإشتراكية للقاعدة الإقتصادية للمجتمع .

و طوّر ماو الفهم الماركسي للطبيعة الإنتقالية و المتناقضة للمجتمع الإشتراكي و العلاقات الطبقية صلبه و شدّد على أنّ التقدّم فى البناء الإشتراكي و الحيلولة دون إعادة تركيز الرأسمالية ممكن فقط على أساس التطوير الواعي للصراع الطبقي و مواصلة الثورة . و طبّق هذا الفهم و المنهج على الصين الإشتراكية و قاد الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ضد البرجوازية الجديدة داخل الحزب و الدولة البروليتاريين . فى ستينات القرن العشرين ، نجح التحريفيون فى كسب أرض صلبة فى صفوف الحزب الشيوعي و الدولة و إدارة بعض المصانع و كذلك بعض التعاونيات الريفية و المؤسسات التعليمية و النوادي الفنية و الثقافية . و أدّي تطبيق السياسات البرجوازية فى هذه المجالات حيث كانت السلطة بأيدي التحريفيين إلى تفاقم التناقضات الإجتماعية و أدّى تطبيق القوانين التسلّطية فى المصانع إلى تصاعد معارضة العمّال للإداريين. و عمل أتباع الطريق الرأٍسمالي وسعهم للإبقاء على النساء فى وضع ثانوي و تبعي ، فى كلّ من السياسة و الإنتاج ووقفوا حاجزا أمام تحرّرهم الشامل و التام . و كانت النظرة المحافظة و المتصلّبة و الإنضباط البيروقراطي فى المؤسسات التعليمية خانقة و قامعة للشباب .و بالتعويل على معارضة الجماهير و تمرّدها ناداها ماو تسى تونغ إلى " إطلاق النار على مراكز قيادة " البرجوازية فى الحزب و الدولة الإشتراكية . و صرّح بأنّ " الثورة الثقافية شكل ووسيلة لإستنهاض أوسع الجماهير لفضح جوانبنا المظلمة فضحا شاملا وواضحا و من الأسفل" . خلال الثورة الثقافية ، فى ظلّ قيادة المركز الثوري للحزب الشيوعي ،نهض الملايين و مضوا أكثر فى تثوير المجتمع الإشتراكي . و أفرزت الثورة تغيّرات عميقة فى مجالات الإقتصاد و العلاقات الإجتماعية و التفكير . و عمّقت الجماهير العريضة من العمّال و ثوريون آخرون وعيهم الطبقي أثناء هذا النضال العظيم و رفعت من مستوى فهمها للماركسية – اللينينية – الماوية و صارت أقدر على ممارسة السلطة السياسية .

إبّان الثورة الثقافية ، تشكّلت لجان ثورية جديدة . و كانت هذه اللجان منتشرة من المستويات الأساسية المحلّية إلى أعلى أجهزة الحكومة . وتكوّنت من مزيج متنوّع من مختلف فئات الجماهير ، بتجارب متباينة و مجموعات عمرية مختلفة من العمّال بالساعد إلى العمّال بالفكر، والعمّال والإداريين ، و الحزبيين و غير الحزبيين . و صارت سياسة قارة بالنسبة للعمّال أن يساهموا فى الإدارة و بالنسبة للإداريين و الأخصّائيين وكذلك موظّفو الحزب و الدولة أن يشاركوا فى الإنتاج . و إستعملت تجربة العمال و مبادرتهم بإتجاه التجديد التقني و تشجيع الإنتاج بنجاح غير مسبوق. وتعزّزت الكمونات الشعبية التى تمثّل الأشكال المتقدّمة من الملكية الإشتراكية و العلاقات فى الريف و توسّعت . و أقيمت الدراسة و النقاشات و الصراع النظري و الفلسفي ضمن الصفوف العريضة لجماهير العمّال و الفلاحين و مزجت بالممارسة فى الإنتاج . و بُعث المثقفون و الكوادر إلى الريف و إندمجوا مع الجماهير . و لم يعد العلم و الفنّ إحتكارا على حفنة من النخبة بما أنّ الجماهير القاعدية ولجت هذه الحقول . و لأجل توفير الصحّة و الحاجيات الطبية للقاطنين بالريف ، جرى تطبيق سياسة تدريب أطبّاء و ممرضون من ضمن الجماهير كما جرى تشجيع " الأطبّاء ذوى الأقدام الحافية " و تطوير تجربتهم . و إنتشرت وحدات الميليشيا بهدف تسليح الجماهير . و أطلقت حركة تحرير النساء ضد التقاليد العنيدة و الإيديولوجيات الشوفينية الذكورية . و عامة ، خيضت صراعات هامة لتقليص الإختلافات الإجتماعية .

كانت الثورة الثقافية أوّل صراع جماهيري فى تاريخ الإشتراكية هدفه عن وعي تجاوز البرجوازية الجديدة التى تظهر صلب هياكل الدولة البروليتارية .لسنوات عشر أحبطت الثورة الثقافية محاولات البرجوازية الإستيلاء على السلطة و إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين . كانت الثورة الثقافية شكلا ووسيلة لهذا الصراع و قبل أن تمنى بالهزيمة بلغت قمم تطوّرات جديدة غير مسبوقة فى مجال العلاقات الإقتصادية وكذلك فى البنية الفوقية السياسية و الإيديولوجية للمجتمع ، فاتحة أبوابا جديدة للتقدّم نحو الشيوعية . و كانت الثورة الثقافية جزء من النهوض الثوري لستينات القرن العشرين التى صعقت قارات ثلاث و كذلك الولايات المتحدة و بلدان أوروبا الغربية . و بالمقابل أثّرت بعمق فى التمرّد الثوري على النطاق العالمي . و على عكس " الإشتراكية " الخانقة للتحريفية فى الإتحاد السوفياتي ، قدّمت الثورة الثقافية للبروليتاريا و شعوب العالم صورة حيّة و ملهمة عن الإشتراكية .

فى بداية سبعينات القرن العشرين ، كان ماو تسي تونغ و رفاقه و من ضمنهم قادة مرموقين مثل تشانغ تشنغ و تشانغ تشن تشياو يعدّون لمعركة جديدة ضد أتباع الطريق الرأسمالي داخل الحزب و الدولة فى الصين . ونظرا لجزر النهوض الثوري عبر العالم فى ستينات القرن العشرين من جهة والتهديدات العسكرية و ضغوط الإمبريالية الإشتراكية السوفياتية ضد الصين ، من جهة أخرى، كسبت القوى التحريفية بقيادة دنك سياو بينغ مرّة أخرى أرضية و قوّة . و كان ميزان القوى عالميّا و داخل الصين يتحوّل إلى صالح التيّار البرجوازي و ضد الدولة البروليتارية . و إستغلّ التحريفيون وفاة ماو فى 1976 لينجزوا إنقلابهم المعادي للثورة . و داخليّا ، شرعوا فى تحطيم مكاسب الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى وفى إعادة تركيز الرأسمالية تحت شعار " أن تصبح غنيّا شيء عظيم " . و عالميّا ، تقدّموا بنظرية و إستراتيجيا " العوالم الثلاثة " الرجعية ، داعين البروليتاريا و الشعب إلى التعاون مع الدول الرجعية و الإمبرياليين الغربيين . هزيمة البروليتاريا و صعود أتباع الطريق الرأسمالي إلى السلطة فى الصين لم يقلّ أبدا الأهمّية التاريخية للثورة الثقافية . إنّ المشعل الذى أشعله ماو لإنارة طريق المستقبل لا يزال ينبعث منه النور . و يعدّ تطويره للفهم الماركسي – اللينيني – الماوي لدكتاتورية البروليتاريا و البناء الإشتراكي نقطة إنطلاق الطبقة العاملة عالميّا للتقدّم بالثورة البروليتارية فى المستقبل .

فى سيرورة قيادة الثورات الكبرى التى هزّت العالم ، طوّر ماو تسى تونغ الماركسية – اللينينية إلى مرحلة ثالثة و أرقى نوعيّا ، الماركسية – اللينينة – الماوية التى ليست مجموع أفكار القادة الكبار للبروليتاريا ، ماركس و لينين و ماو و وجهات نظرهم وسياساتهم و إنّما هي تقدّم و تطوّر النظرية الشيوعية منذ ماركس . إنّها ملخّص النضالات النظرية و العملية للطبقة العاملة أثناء المائة و خمسين سنة . و فى خضمّ الصراع الطبقي لتغيير العالم و فى سيرورة معرفة العالم و الطبيعة ، تضطلع الماركسية – اللينينية – الماوية بدور التليسكوب و الميكروسكوب فهي توفّر كلاّ من النظرة و الدقّة لطبقتنا . و هذه الإيديولوجيا لا يمكن إلحاق الهزيمة بها لأنّها صحيحة . إنّ التلخيص النظري وفهم التاريخ و تطبيق السياسات الصحيحة على أساس هذا العلم و الإيديولوجيا فى الممارسة الثورية هو سرّ الإنتصار التاريخي و الرائد للبروليتاريا العالمية . واليوم ، بالتعويل على هذا ، يمكن أن نعبّد طريقنا و مرّة أخرى أن نرسي بلدانا إشتراكية و نتقدّم بالثورة البروليتارية العالمية بصورة أعمق و أوسع .



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقدّمة مترجم برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي– اللين ...
- مراجع كتاب - عن الخطوات البدائية و القفزات المستقبلية -
- عن الخطوات البدائية و القفزات المستقبلية - بحث فى ظهور الإنس ...
- إبراهيم كايباكايا قائد بروليتاري شيوعي ماوي.
- العلم أم البراغماتية ؟ مقتطف من : الخلاصة الجديدة للشيوعية و ...
- القومية أم الأممية ؟ مقتطف من : الخلاصة الجديدة للشيوعية و ب ...
- وحدة من أجل تحرير الإنسانية أم وحدة بلا مبادئ للحصول على- قو ...
- لن يتحرّر أي إمرء دون تحطيم الدولة البرجوازية : دروس النيبال ...
- كوريا الشمالية ليست بلدا إشتراكيّا
- كوريا الشمالية – الولايات المتحدة : من يمثّل تهديدا نوويّا ح ...
- هل يمكن أن توجد حركة شيوعية لا تصارع من أجل الشيوعية ؟
- مجتمع جديد [إشتراكي ٍ] بعمق ثوري و تحرّري : اللبّ الصلب مع ا ...
- هل هناك حاجة الآن إلى تلخيص علمي لتجربة الإشتراكية و تصوّر ك ...
- هل نحن فى حاجة إلى تقدّم نوعي فى علم الشيوعية لقيادة المرحلة ...
- طبيعة مشروع هوغو تشافيز و حدوده (1) - مقالات ماوية حول - الث ...
- الخلاصة الجديدة للشيوعية و بقايا الماضي - تعمّق النقاش حول ا ...
- الدعاية للشيوعية و الحاجة إلى تشكيل قطب ثوري حقّا .
- إيران : الحرب الإقتصادية ضدّ الشعب - إندلاع الأزمةِ و المقاو ...
- الثورة النيبالية و ضرورة القطيعة الإيديولوجية و السياسية مع ...
- الإمبريالية الأمريكية ، الأصولية الإسلامية و الحاجة إلى طريق ...


المزيد.....




- إصلاحُ الوزير ميراوي البيداغوجيّ تعميقٌ لأزمة الجامعة المغرب ...
- الإصلاح البيداغوجي الجامعي: نظرة تعريفية وتشخيصية للهندسة ال ...
- موسكو تطالب برلين بالاعتراف رسميا بحصار لينينغراد باعتباره ف ...
- تكية -خاصكي سلطان-.. ملاذ الفقراء والوافدين للاقصى منذ قرون ...
- المشهد الثقافي الفلسطيني في أراضي الـ 48.. (1948ـــ 1966)
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة
- الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ عملية بمجمع الشفاء الطبي في غزة ...
- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تدعو إلى تخليد ...
- النهج الديمقراطي العمالي بوجدة يعبر عن رفضه المطلق للأحكام ا ...


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي– اللينيني – الماوي)-1-الماركسية – اللينينة – الماوية و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا