أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف - نمر سعدي - إمرأة من قزح















المزيد.....

إمرأة من قزح


نمر سعدي

الحوار المتمدن-العدد: 4212 - 2013 / 9 / 11 - 20:54
المحور: ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف
    





خُيِّلَ لي قبلَ عدَّة أيَّام وأنا أشاهد على اليوتيوب الطبيبة المصرية الجميلة والأنيقة ولاء أبو الحجَّاج المختصَّة بعلاج الأمراض الجماليَّة كالسمنة الزائدة والبهاق الذي يُشكِّلُ أصعب وأطول الأمراض الجمالية علاجاً أنَّه لم يعد هناكَ حاجة لكلِّ هذهِ الأبحاث الطبيَّة العالميَّة العقيمة وذات الجهود الجبَّارة في الوقت نفسهِ في سبيل إيجاد دواء عصري لهذا المرض الجلدي المستعصي .. وإسدال الستار على هذه الحالة التي تمسُّ الحس الجمالي الإنساني في الصميم لدى من يعانون منها.. بل يكفي فقط ( مجازيَّا ) لامرأة جميلة أن تمسَحَ على جِلدٍ فاقدٍ للصبغة الطبيعيَّة أو تمرِّرَ إصبعها عليهِ لتنبضَ فيه فراشات الألوان القزحيَّة ويعودَ إليه صبغُهُ الأصلي.. عرفتُ أنَّ هذه الطبيبة المصريَّة اخترعت مادةً صبغيَّةً مستحدثةً من عناصر عدَّة منها عنصرُ الحديد تقومُ بحقنها في الأماكن المصابة وبعد دقائق وبشكل فوري يرجع الجلد إلى سابق لونهِ... وكأنها تملكُ يدَ المسيح التي تبتلُّ بماءِ المعجزة وغيم الورد.. وبما أنني أحملُ وشمَ البهاق الأبدي على جلدي منذ كانَ عمري أربعة عشرَ عاماً وقد يئستُ فعلا من شفائهِ بعد ضربي في الآفاقِ وإهداري الأموال التي جمعتها بمشَّقةٍ في سبيلِ علاجهِ المخرَّمِ بالوهم السيزيفي للوصولِ إلى قمَّةِ الشفاءِ التامِ.. ذلكَ أنَّ تُجَّارَ الطبِّ البديل يجعلونَ منهُ شمَّاعةً قانونيَّةً لتعليقِ أساليبهم الاحتيالية عليها..فقد غبتُ في لا وعيي بعالم سريالي..استرجعتُ اللحظات الأولى لاكتشافهِ قبلَ أكثر من عشرينَ عاماً.. لمحتُ حياتي في ما يشبه الفلاش باك في أقل من جزء واحد من الثانية..لا يهُم.. أكره الثرثرة المجانيَّة.
الآن تصيبني عبارةُ (إمرأة من قُزح) آه.. كم أُحبُّ إحالة هذه الصورة المجازية على حالتي بالرغم من أنني نسيتُ منذ زمن أنني مصابٌ بالبهاق الذي تعايشتُ معهُ بقلقٍ وجوديٍّ وقناعةٍ صوفيَّةٍ راضية.. فنادرا ما أعمدُ إلى تمويههِ وتغطيتهِ بمسحوق أو مرهم كبعض النساءِ اللواتي لا يتنازلنَ عن جمالهنَّ الخارجي بسهولة.. والسبب هو كرهي الأعمى للأقنعة.. حتَّى أنَّ نظرة امرأةٍ في الشارع أو في المصرف أو في البريد وهي تحاولُ أن توهمني بمرحها ولامبالاتها أن ما يخلُّ ماديَّاً باستيطيقا المجرَّد لا يهمُّها بتاتاً.. أبدا.. بينما تغتصبُ ضحكتها الطفلة لتشغلني بها عن طيور شاردة قلقة تبزغُ من شفق عينيها اللتين لم أعد أرى فيهما شفقةً أبداً.. أعترف أنني في الماضي ربَّما كنتُ حسَّاساً أكثر للموضوع وكأنني فتاةٌ عذراء خجولة تُزَّفُ توَّاً إلى منصَّةٍ عالية مزخرفة بالضوء.. وسوفَ تُعرضُ على الآلاف..
راودتني فكرة الاتصال بالدكتورة وتعيين موعد معها..بل رحت أبحث عن جواز سفري الذي نسيتُ أينَ وضعتهُ آخرَ مرَّةٍ سافرتُ فيها للخارج.. ولكنَّ تجربتي العلاجية مع البهاق الممتدَّة لأكثر من عشرين عاما والحافلة بالمآسي والوجع الروحي والخيبات الكثيرة منعتني بقوَّة.. وكانَ يكفي أن أقرأ تعليقاً واحداً على اليوتيوب مفاده أنَّ هذا العلاج لا يدومُ لأكثر من عدَّة شهور وبعدها تتلاشى المادة الملوِّنة ويعود الجلد إلى سابق عهدهِ أن أتراجع عن رأيي وبثبات ملحوظ هذه المرَّة.
أكثر شيء كانَ يشدُّني هو ثقةُ الطبيبة بنفسها وبكلامها وبجمالها أيضا..في عام 2005 سافرت إلى القاهرة لوحدي لمدة عشرة أيام..وكانت رحلةً من رحلات ألف ليلة وليلة أو عالماً حقيقيَّا محسوساً من عوالمها الخياليَّة.. المهم أنَّ الدواء الذي وصفه لي الأستاذ الدكتور محمد الندا لم أدوام على استعمالهِ لعدم مصادقة وزارة الصحة عليه. وتركته بعد مدةٍ قصيرة لأن صيدلانيا صديقا في الناصرة أسرَّ لي أن خطورته أكثر من فائدته.. لم أغنم إلاَّ زيارةَ أم الدنيا والتسكُّع الجميل في شوارع القاهرة نهارا وليلاً.. القاهرة تختزن في قلبي سحر ألف مدينة.. كنت ألتهمُ كل لحظة فيها التهاماً ولم أدع متحفاً أو معلماً تاريخياً أو برجاً إلاَّ زرتهُ.. حتى أنني ألقيت بوجع القلب القرويِّ الصغير في النيل ذاتَ مساء.. ولن أنسى عاملة فندق شهرزاد في شارع النيل الذي يقع في حي العجوزة في الجيزة وسط القاهرة التي قالت لي أكثر من مرَّة أنَّها ترى في عينيَّ معنىً لم يعد موجوداً من معاني الحساسيَّة والرقة والرهافة.. وأنني أنتمي إلى نوعيَّةٍ من البشر في طريقها للإنقراض السريع أو ربمَّا انقرضت منذ زمن بعيد.. ضحكتُ من أعماقِ قلبي وناديتها بعرَّافة النيل الجميلة.
يا للخيبة إذن.. الدكتور محمد الندا صاحب اسم عالمي في الأمراض الجلدية ولكنهُ للأسف يستندُ في علاجهِ على دواء لم يتطوَّر كثيراً منذ أواخر الخمسينيَّات.. ويعتمدُ في أساسهِ على مادة البسورالين التي تجعل الجلد حسَّاساً لأشعَّة الشمس كلوحٍ من الزجاجِ الأسود ولكنها من ناحية أخرى تفتكُ بالكبدِ وبالعينين وبأعضاء حيويَّة في الجسم...
أصبحت أهذي في منامات اليقظة.. أين هيَ تلكَ الفينوس التي تملكُ في جلدِ أصابعها الليِّن والمغرورق بالحليب غير المرئيِّ شهد الكحل السماويِّ وطلَّ النور لتمسحَ بغبار الندى الطلعيِّ على يدي؟ قبلَ عدَّةِ أيام صادفتها انسلَّت من ضلعي.. توجَّعتُ بمرارةٍ شاهقةٍ من داخلي.. أحسستُ كأنني أرتطمُ بكوكبٍ من بنفسج ..كنت في متجرٍ للملابس في بلدةٍ عربيَّةٍ في الجليل.. الحادية عشر ليلا.. لم نتكلَّم كثيراً.. سوى بلغة خرساء ولم تلمع من بعيد سوى أكثر نجومنا غرابةً وحزناً ووحدةً.. لا أعرف... ألهذهِ الدرجة أنتمي إلى صنفِ الشعراءِ الملعونين؟ ألهذه الدرجة يسكنني شغفُ عشَّاقِ القرون الوسطى؟ لا أدري..
بعد زواجي أصبحت علاقتي بالمرأة علاقةً روحيةً صوفيَّةً أكثر من أي وقت مضى.. ولكنني أحسُّ أحيانا بوخز الأنوثة الفضيِّ.. وبأني أسبحُ في فضاء ليليِّ مليء بالنجوم الهلامية.. أنا شخص مشوَّش أكثر بكثير ممَّا يظنُّ البعض.. مشوَّشٌ إلى درجة عصبيَّة.. حالمٌ بمجرَّات أخرى ما جعلني أفشلُ في كلِّ عملٍ أقومُ بهِ أو علاقةٍ أبنيها أو أغزلُ ملاءاتها بخيوط رفيعة من نور السماء العذراء.
هذا التشويش وهذا الحلم غالباً ما يتسرَّبا إلى أكثر قصائدي سرَّيةً.. ووحشيَّة.. وارتباطا وثيقاً بحبقِ البيوتِ الصباحي.. ولكنَّ صوتاً في داخلي يصرخُ بما يشبهُ الدموعَ الصابونية.. لن أعودَ إلى أثينا.. لن أرتضي بإيثاكا.. لن أكونَ عوليسَ آخر.. بينوليبي في انتظاري على أحرِّ من جمرِ الشموسِ الشرقِ أوسطيَّة.




#نمر_سعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمطار مبللة بالقصائد/ أيلوليات
- مجموعة قصائد/ تموزيات
- مجرَّة راح يهفو حولها قمرُ
- معلَّقةُ نون
- قصائد عطشى لرذاذِ الشمس
- مدائح لمائيَّةِ ميم
- قصائد تُزهرُ في الظهيرة
- نهرٌ تعرَّى من الماءِ
- مثلَ عشبٍ عاشقٍ
- ما حاجتي للأسئلة؟
- القصيدة بيضاء
- قصائد مختارة2013
- هل هنالكَ من يحتفي بالألمْ
- أزهارٌ من سدومْ
- سآوي إلى نخلها
- تمنَّيتُ لو كنتُ ظلَّاً لشمسكِ
- شكراً للأمل
- هل حياتي حقيقيَّةٌ ؟
- قصيدةٌ إلى عبَّاد الشمس
- شاعرٌ يُشبهُ الشنفرى


المزيد.....




- متحف مخصص للنساء فقط يتحول إلى مرحاض لـ -إبعاد الرجال-
- المرأة الجديدة تبحث عن باحثة بدوام جزئي لبرنامج النساء والعم ...
- إعادة بناء وجه امرأة من -النياندرتال- عاشت قبل 75 ألف عام في ...
- يركّز على قضايا الأسرة.. انطلاق فعاليات مؤتمر الدوحة لحوار ا ...
- فرنسا: ناشطات نسويات يلطخن لوحة -أصل الكون- بطلاء أحمر أثناء ...
- تدمير رفح…معبر غزة الوحيد نحو النجاة
- تجربة الأمومة.. جسر تضامن من خارج غزة إلى داخلها
- في الجنوب كما في الشمال تواجه النساء أزمة الديون وسياسات الت ...
- ورشة أهداف التنمية المستدامة وأجندة مصر 2030 للنقابات والجمع ...
- غزة محور جوائز بوليتزر ونيويورك تايمز تستبعد تقريرها عن العن ...


المزيد.....

- العنف الموجه ضد النساء جريمة الشرف نموذجا / وسام جلاحج
- المعالجة القانونية والإعلامية لجرائم قتل النساء على خلفية ما ... / محمد كريزم
- العنف الاسري ، العنف ضد الاطفال ، امراءة من الشرق – المرأة ا ... / فاطمة الفلاحي
- نموذج قاتل الطفلة نايا.. من هو السبب ..؟ / مصطفى حقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف - نمر سعدي - إمرأة من قزح