أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد ربيعة - ---موت للبيع --- فيلم للمخرج فوزي بن السعيدي الشريط المنذر لتحولاتنا















المزيد.....



---موت للبيع --- فيلم للمخرج فوزي بن السعيدي الشريط المنذر لتحولاتنا


محمد ربيعة

الحوار المتمدن-العدد: 4196 - 2013 / 8 / 26 - 22:49
المحور: الادب والفن
    


مقدمة ضرورية
كيف نقرأ فيلما مرصع مخرجه بكل جوائز المهرجانات التي كان يشارك فيها ،و هذا ما يجعله بالتالي مخرج يفرض اسمه على كل وسائل الإعلام ،فيكون بالتالي مبدعا يحظى بالقراءات والدراسات لذوي الاختصاص من أساتذة للفنون وللمهن السينمائية ، كما ان كل وسائل الاعلام تسعى الى محاورته ، سواء اكان تلك الوسائل مرئية او مسموعة او مكتوبة ، وتأسيسا على الحملات الإعلامية المرافقة ، وانتشارها و قوة محاصرتها لي ولغيري فانني كساع لقراءة العمل شريط "موت للبيع " اجد نفسي امام ظاهرة أخذت بلب لجان التحكيم ، بل وأرغمتها على تتويجها ،و هي التي لها— نظرية و افتراضا طبعا- من معارف بالميدان السينمائي وتقنياته من معارف واطلاع شديدين افتقد اليهما بحكم انني فقط اسعى الى إنشاء قراءة احاور من خلالها العمل رغبة في ان ينكشف لي ويكشف لي عن سر أثره في ،وبالتالي فهذا هو السؤال الذي انتابني قبل مشاهدة الشريط بمهرجان تطوان السينمائي الأخير ، وقد قررت التحدي لأنني تعودت ان أتفاعل مع الإبداعات بمواجهة عارية ، اي "انا" المشاهد في مواجهة متن ابداعي اما يمنحني مفاتيح ولوجه ويكشف لي عن قوة فتنته لي او يدفعني الى الإحساس بانني قد أضعت لحظات من عمري لم تزد خبرتي سوى رغبة في أن مبدع المتن عليه أن لا يحتقرني ويحتقر باقي المشاهدين.
وبالتالي جاءت مشاهدتي للفيلم مرة وحيدة في إطار مهرجان تطوان السينمائي ، وانا خاضع للحالة المشار اليها ، شاحذ كل خبرتي الاستقبالية في مواجهة الاعمال السينمائية من جهة ، ومصر على الإنصات لعمل مبدع تعود على ان تكون أعماله حاصدة للجوائز من جهة ثانية ، وبالتالي فانا امام تجربة تتميز بحساسية خاصة ميزتها انها مشاهدة تعيش تحدي المحاصرة التي بفعل تكرر الحضور القوي لأعمال المخرج "فوزي بنسعيدي" و استنفار آليات التفكيك والقراءة المتراكمة وجهازي المفاهيمي القائم على اساس تراكم القراءات والمشاهدات لمختلف الاجناس البصرية وبفعل عشقي للإبداع السينمائي الذي شهد مولده مع نشوء اول نادي سينمائي بتطوان ، مرورا بنادي الشاشة ، واكتمالا مع عروض مهرجان تطوان السينمائي ، وتحقيق حظي في تأسيس مكتبة سينمائية ، سواء أكانت مكتبة نظرية بفعل ابتلاعي للمئات من الأبحاث النظرية والمقاربات سواء النقدية او التقنية او الجمالية للفعل السينمائي او بفعل التراكم الذي مكنني من خبرة المشاهدة بفعل ما شكل لدي من مكتبة فيلمية ، سواء في مرحلة مراكمة الأشرطة بواسطة الفيديو او اشرطة الأقراص ..الخ..
وكان التحدي الأكبر كيف تشكل هذه التجربة سلاحي وحصني من جهة وكيف أنصت لمتن سينمائي اسمه" موت للبيع " دون ان اكون ضحية لاي تحريف بسبب ما أشرت اليه، من جهة اخرى ، حتى أحقق المشاهدة التي كنت اعشقها دائما :ان أشاهد الفيلم ويشاهدني في آن واحد ، ومن هنا كانت المغامرة التي جلعتني بعد مشاهدتي للفيلم ، اقر سلفا ان شريط" موت للبيع "شريط ثري وبالتالي فقراءتي له هي ثمرة مشاهدة أولى تركت أثرها لا ينمحي ، وان ما اكتبه من سطور يأتي بعد أزيد من ستة شهور على المشاهدة، وهنا أغرتني القراءة على ان استعيد مفهوم الأثر الهايدغيري وكيف يترك أثره كعمل إبداعي ؟
وبالتالي فهذه القراءة المقترحة هي مشروع مفتوح على قراءات شخصية ممكنة كلما أتاحت الفرصة ذلك ، خاصة وان هذا الفيلم بحاجة الى اكثر من مشاهدة وقراءة لأنه من الأعمال التي تملك قوة الأثر الفني واستمرارية التأثير الجمالي في مشاهده، دون نسيان انه من الافلام التي تسمح لكل القراءات بالتجلي والحضور..
"موت للبيع " في اغراء العنوان
قوة العنوان تأتي من اختيار بسيط لكلمتين بدون فعل ، لأنه متضمن فيهما ، وبالتالي فالبيع إحالة على التجارة ، وعلى نشاط يسمح اما بتحقيق الثراء او الاستمرار في العيش بكرامة ، وهو دائما مرتبط بالأشياء ، وخاصة بعد الإعلان العالمي عن نهاية الفعل الاستعبادي للأشخاص ، اذ لاتباع سوى الأشياء مبدئيا ، وعندما قامت اللغة باستعارة البيع الى مجال غير الحاجيات والأشياء فانها أحالت على بعد قيمي اكسيومي كقولنا "أخلاق للبيع" مثلا وما يحيل فعل البيع بهذا المستوى على صورة قدحية غير الاولى ..
وما ورد في العنوان هو انه ليس هناك من بضاعة للبيع سوى الموت، فهل يعقل أن يكون هناك مشتر ؟ من يشتري الموت؟ أية بضاعة هي الموت؟ من الذي يبيع الموت؟ ومن هذا المهووس بشراء الموت ؟
وعلى مستوى ثان كيف فكر السينمائي في الموت بينما السينما فعل حياة كما ردد ذلك دائما الفرنسي فرانسوا تروفو ؟ "عندما نحب الحياة نذهب الى السينما".
هل نحن امام عنوان لفيلم حركي من قبيل الأفلام البوليسية العادية حيث الموت هو العملة ؟
لماذا تخصيص الموت كحدث في العنوان ؟ كيف يقوم العنوان بفعله الاغرائي علينا كمستقبلين ؟ في ماذا تميزه؟ اي موت ممكن بيعه؟الموت كمحو للوجود ؟ الموت كفساد ضروري لكل الكائنات الحية باعتباره نقيض لها ؟ اهو موت طبيعي بانتهاء دورة الحياة ؟ ام هو موت بفعل عارضي (جريمة-حرب...الخ)
ان عملية البيع تتطلب مقتن او مشتر كما تفرض وجود بائع ، فمن هو ألمشتر المفترض ، وبالتالي فمن يكون البائع ؟ وما هي البضاعة؟ وبالتالي ماهي القيمة ؟ وبالتالي من هما الطرفان المشكلان لفعل البيع هذا ؟ وبعد رحلة المشاهد تبق الاسئلة بدون جواب ، لكنها اسئلة ترافق اجوبتها الكامنة في تفاصيل الفعل الاتجاري الذي يحمل في تفاعل الشخصيات تتخذ قيمته التداولية حصورا مجردا للتداولية المحددة في ذلك التفاعل : الوفاء والخيانة ، الصداقة والغدر ، الانصياع والتزلف..
سيناريو الفيلم / ثلاث مسارات.. ثلاث مصائر تنفصل وتتصل
اذن، فبملاحظاتنا الاولية تلك ، تقوم الأسئلة السالفة، ومن خلالها يتأسس المدخل الضروري /اي عنوان الفيلم ، الذي نحن مدعوون لمتابعة أحداثه، و بالتالي فهل نستعيد تلك الأسئلة لتحقيق الجواب عنها بعد نهاية العرض الفيلمي ، ام اننا نتذكرها عندما نبدأ في مقاربة تحليلية لتكوين قراءة تجعلنا نبتعد مسافة عن المشاهدة ، وتحول العمل الفيلمي من عمل تحت المشاهدة الى موضوع للاشتغال التأملي والتفكيري سواء بشقيه القراءاتي او النقدي ، ،،،
فنحن عند تمثلنا لفعل المشاهدة نستعيد مكونات الحكاية البصرية المكونة من أننا في حضرة ثلاث شباب هم الفاعلون الاساسيون في الفيلم وان باقي الشخصيات هي مساعدة لتقديم حجة تطور الأحداث من جهة وتطور تأثير تلك في الشخصيات والدفع بهم الى ردود أفعال الشخصيات ليتحقق الصراع داخل مجالهم المعيشي من جهة و داخل مكوناتهم النفسية وتطور إراداتهم من جهة ثانية ، كما ان ذلك يفتح المجال أمام سؤال مشروعية فعل الآخرين المحيطين وفي اي سبيل يأخذ بالمعطيات ، وكيف يقيم الفيلم العلاقة اللازمة بين الشخصيات الثلاث ويقيم للأحداث إمكانية بناء سرد إبداعي مؤسس على الرؤية لا على الصدفة ...
ورغم أنهم ثلاثة شباب مقبلون على عالم سن الرجولة بكل مسؤولياتها المفترضة ، فهم ثلاث مسارات يجمعهم مسار واحد ، وهو انهم- بالتوكيد اللازم والضروري - ينتمون لنفس البيئة الاجتماعية ، ولهم سن متقارب هو مرحلة الشباب، ويلتقون في فعل واحد لكنه فعل موحد لثلاث أهداف متباينة ....هذا هو السينوبسيز المفترض صياغته بكثافة كمفتاح تحتفظ به الذاكرة لاستعادة الوحدة الأساسية المشكلة للشريط.
قصة "مالك " الشاب (26) سنة من اداء "فهد بنشمسي"،الذي سرق منه كل شيء، سرق عمه منه امه، وطرد اخته ، وبتزوجه من امه يسرق منه أمه وايضا حقه في ميراثه" المخبزة"، ويعاني وهو الشاب من تفقير قسري، فيبحث عن امتلاك جديد، يجده في معشوقته "دنيا" التي يريد تخليصها من عالم الدعارة لتتطهر معه ، لكنه يجد ان كل عمليات تحقق هذا الحلم الذي هو من بنائه لا يتم الا بتدخل "الضابط"-رجل الامن ، الذي يعرف كل تفاصيله الدقيقة ، ويريد ان يقرر مصيره بمحاولة تحويله الى مخبر ..وعندما يتفادى ذلك المصير الذي يريد الضابط الزج به فيه ، بعد ما دبر له امر الإقامة هو وحبيبته دنيا بذلك الفندق الهامشي الذي يؤمن له لقاءهما وبالتالي اراده الضابط مكانا لإخضاع الشاب لمراقبته وسطوته والتصرف فيه كانه مستعبد لديه ، بحيث يقوم" مالك " بالإبلاغ عن وجود مخدرات بالمخبزة التي يستغلها زوج والدته رغبة في التخلص ممن حرمه ممن حقه في الحنان والاستقرار العائلي وانتقاما لامه وشقيقته. وعندما يشترك مع علال وسفيان في عملية سرقة اموال التاجر اليهودي ، فرغبة في ان تخلصه الأموال التي خطط لها خطتين، الخطة الاولى مع صديقيه الاثنين ، والخطة الثانية مع معشوقته "دنيا" وذلك ليتمكن الاثنين من الانطلاق نحو افاق لايصلها حكم الضابط وخارج مجال نفوذه ، كما لا يصلها صديقيه حتى يحقق لأول مرة تحرره من قيود الواقع الاسري والاجتماعي والسلطوي دون ان ينتبه الى انه سيكون ضحية تخطيط "دنيا" التي ستاخذ ما سيقتنصه من اصدقائه وتتركه لنهايته الاليمة حيث يلاقي حتفه عبر صورة مقلوبة ترسمها الكاميرا لتعمق احساسنا بالنهاية المقلوبة الضرورية لمن احلامه لا تتعدى فرديته..
علال : شاب ذي 30 ربيعا –من اداء" محسن مالزي "-الخارج توا من السجن، شخصية تعيش تمردها في مجتمع دفع بها الى الهامش ، وحولها الى شخصية ساعية لا هثة نحو تحقيق ما يضمن استمرارها وكفافها اليومي ، شخصية تتمتع بكل صفات القيادة ، وبالتالي فعلال القائد لمجموعته المكونة من اصدقائه ، هو نوع من الحكيم السوقي الذي سحقته الظروف المعيشية فحولت كل اقواله الى نوع من حكمة المهمشين المصرين على تاكيد وجودهم من خلال الاقوال التي تكشف حقيقة الامور بكلام عار، كلام صادم لصديقيه من جهة وللمشاهد التقليدي الذي يبحث عن مشاهدة مريحة وسعيدة من جهة ثانية ..علال الغارق في الكاس والسيجارة و"الجوان " المبهور بمظاهر الحياة لا يبحث سوى على فرصة العمر ، لا يتوانى عن سعيه في ان يتحول الى تاجر مخدرات فاشل بحكم سذاجته..معتقدا حيث ان الحياة لا تمنحه حتى هذا الحق في الوجود ، فلا يبق امامه سوى التخطيط لسرقة حانوت اليهودي الواقعة خلف سينما" ابينيدا "، وتنفيذ ذلك رفقة اصدقاء عمره ،لانه نموذج للمتمرد الهامشي الذي له رغم قسوته ، قيمه ، وبها فهو لا يتواني عن تنبيه صديقه "مالك" الى ان أن الحب قد اعماه ، ويجد ان عليه ايقاظه من وهم الحب..ولانه يمتلك شخصية تتميز بصفات القيادة فهو الذي ينظم عملية السطو ويقودها كما كان يقود صديقيه في مختلف اللحظات المشتركة بين الثلاث..وهو يسرق اليهودي بهدف تحقيق الضربة الكبرى ، اي ضربة العمر التي ستخرجه من مستنقعه لسيوسيو اقتصادي لترتفع به الى الاعالي...لكنه يسقط صريع طموحه...يشكل للاثنين اي مالك وسفيان ضميرهما المتمرد ..و له قدرة تسييرهما رغم انه لهما خيارا مختلفا ..ورغم ذلك فان حضوره يبطل اية قدرة لهما على الاستقلالية منه ...يمارس استقلاليته وبالضبط فرديته غير آبه بما حوله ،ضحية ويريد ان يصير جلادا لكنه رغم دهائه الساذج لا ينتهي سوى ضحية لكل الاحوال المحيطة به .
سفيان : - شخصية قام بتشخيصها " فؤاد لبيض" -الشاب الذي اراد سرقة تلميذة ، فاجتمع عليه ابناء الذوات الذين توفرت لهم الظروف لاكمال دراستهم ، قاموا بتعنيفه ، وبعدما اذاقوه العذاب عمدوا الى ربطه بجدع شجرة ، فلا يجد خلاصه الا على يد مجموعة حركة باطنية دينية تعاقبه بالدعوة والتبليغ عن فعلته ، وبدل ان تتركه فريسة لمصيره ترسم له طريقا يقوده نحو الخلاص والتطهر..وعندئذ تبدأ معه عملية اعادة التربية وادماجه داخل النسق المتميز بإخضاعه لعمليات الولاء والخضوع" للأمير" فتقوم بغسل دماغه باعداده نحو الاستشهاد في سبيل نصرة الحق والاستشهاد من اجل الذي العودة اليه ، مسيرة شاب يحقق ذاته بذلك الانتماء الى تلك المجموعة الباطنية التي تعتقد انها أدركت الحق و تعد التابعين لتعاليم الأمير بالخلاص الابدي ..حيث سيتطهر سفيان بواسطة النار ليخرج معلنا صدق الرؤيا ومقتنعا باختياره السبيل الحسن ..وعندما يلتقي صديقه علال الذي يسخر من اختياره ، فان هذا الأخير يدعوه للانخراط في عملية السطو على متجر اليهودي ، وكانها عملية تطهير لأرض الإسلام من هذا الذمي من جهة ، وكعملية لتحقيق انتقامه /تطهره عبر الدم ممن ينتمي لأمة تقوم بسحق الأطفال المسلمين في غزة وتدنس الأماكن المقدسة بالقدس. انه يشاركهم عملية السطو وكله وعي بانه يتوج عملية الخلاص الضرورية ليصل مرتبة الشهادة بالقصاص .فلا يهمه النصيب المالي الذي قد يناله بقدر ما يهمه الوهم بتطهير ارض الإسلام من اقدام غير اسلامية قد تدنسها ..وهو الذي طهرته النار يجد فيما فعل تحقيقا للمجد ولا يشعر باية عقدة ذنب على فعلته ..

اذن من خلال هذه الصداقة الثلاثية العناصر ، يتاسس البناء التخييلي لعالم الوقائع الفيلمية التي نحن مدعوون الى البقاء أسيري لمقاعد القاعة حتى تعرض علينا حكاياتها ...تفاعلها مع العناصر الاخرى التي تمنح كل شخصية بنيتها النفسية والاجتماعية ..بنيتها الفردية و والمؤسساتية ..
ثلاث شخصيات تأتي من نفس الوسط باحثة عن حق في الحياة ..كل شيء مباح من اجل الحق في إثبات عبورها بهذا الوجود..ثمة لا وعي معبر عليه في ان الحياة الوحيدة الممكنة هي التي لا تخاف من القادم ..حياة تبدو في تعابيرهم ومن خلال التحاور فيما بينهم او العبور من خلال وهم السعادة بها ليست سوى حياة مسكونة بالفراغ ..فكيف لكل شخصية ان تجد معنى لحياتها ..وهل يمكنها ان تمنح لوجودها معنى وهي التي تعاني كل تلك القساوة وممنوع عليها حتى ضمان الحق في التمتع بوجودها ولو لفترة عابرة وبسرعة لانه سرعان ما تجد نفسها ملقى بها خارج الفضاءات الدافئة... بل وان تنتمي لتلك الفئة التي تعيش ماساتها وكأنها قدرها الذي لا فرار منه الا بالحلم ...
من خلال المسارات الثلاث تنهض الخطوط المتوازية المشكلة لحكاية "موت للبيع" الذي ترصد حركة الكاميرا البنورامية حالات الاجتراح المكاني الذي تلتقطه الكاميرا من خلال مرافقتها لعبورهم الطريق التي تبدو المدينة وكأنها أصيبت بسرطان معماري ، وبجرثومة سودت حيويتها ، فصارت كل الحكايات تروى في العتمة والظلام ..فلحظات النور الطبيعي قليلة ، بل ان بياض الفضاء حيث تقع الأحداث لا تلتقطه الكاميرا الا كبياض خانق لا كبياض ينفتح أمام أعين المشاهد ليمنحه الإحساس بالشساعة ..ومن خلال إيقاع سريع متواتر للأحداث وتكوين المشاهد يحاول المخرج ان يمنح أيقونات مكونات صوره قوة لإحداث الأثر الذي يلازمنا بعد مشاهدة الحدث ..ثلاث شباب يقدمون ثلاث مسارات لكل مسار مسافات زمنية تفترق وتقاطع ، يريدون الحرية ، لكنهم يجدون أنفسهم مجبرين على الرضوخ لأنواع من العنف ..عنف الأسرة ، وعنف الحي وعنف الثقافة وعنف النظام ..وفي رحلة البحث عن الانفلات من هذا العنف لا يجدون أمامهم من فرصة لتأكيد ذاتهم الا إنتاج العنف..فيلم يحكي واقعه ليحكي لنا صورة عن واقعنا ...بلغة وصور وأصوات نابعة منا ...
واللغة الحوارية
في هذا الشريط، الحوار يتشرب مفرداته من لغة عوالم القاع التي تنزع حجاب الحشمة على المعجم اليومي ،-مع الوعي بان ما نعتبره جرأة وتمردا على الحشمة هو راجع الى فهم الاستعمالات اللفظية داخل نسق ثقافي من خارج الفيلم، كالكلمات التي تردد الإيحاءات والصور الجنسية ، داخل ثقافتنا المغربية في الفترة الحالية ، رغم انها في حقيقتها لفظة عادية اذا ما نظرنا اليه باعتبارها كلمة عن الأعضاء البيولوجية ، اذ لا فرق بين الحديث عن عضو الجهاز التناسلي وبين الحديث عن عضو جهاز الرؤيا او الجهاز الهضمي أو خلافه ، الا من حيث لحظة انتربولوجية في لحظة زمنية محددة فقط، ستشهد تطورا وفرقا في الصدى حسب الوسط ووعي الناس بالمعرفة البيولوجية غير المقيدة بما يعكس محافظة المستعملين للمفاهيم والألفاظ الاجتماعي فقط-،وهي لغة تعكس التمرد وتعمق الفرقة بينها وبين مشاهدها الذي ربي على ان يكون مشاهدا "نموذجيا" ، انها لغة لا تدخل التلفزيون بحكم وظيفته المفوضة له من المتحكمين في آلية استعماله التربوية المؤدلجة ، وبالتالي فهي لغات مستعملة في الشريط تقال على السنة متعددة ، فهناك لغة علال العائد من حيث قضى فترة الإكراه البدني ، وبالتالي فهي لغة اكثر تمردا وتنزع الى ان تكون مسكونة بألفاظ مغلفة بالقوة بينما هي تعكس حالته المطحونة والمنسحقة أمام أشكال الحياة التي تبهره رغم إدراكه لزيفها، وهي غير لغة" سفيان" التي رغم انه مثل علال من نفس الحي حيث تكونت لديه مفردات الاستعمال الا انه بعد تجربة التوبة والطهارة ، أصبح غير قادر على إنتاج الجملة ، لأنه عاد الى مرحلة لا يملك حق القول ولكن فقط حق الاستقبال بعدما تمت عملية غسيل مخه بعدما تم نشله من اهانته الأولى وإعادة الحياة اليه ، فنفخت الجماعة في روحه بكونه خارج من عالم الضياع والهلاك وهو الآن في عالم قبل الخلود ، اما لغة "مالك" فهي لغة رغم تعرضها يوميا لألسنة لا تواجهه سوى بالعنف وساعية الى سلبه إرادة رد الفعل ، وهو ضد هذا لا يملك سوى القدرة على الحب ، حب امه التي سلبها زوجها منه ، حب شقيقته وبالتالي فما حبه ل "دنيا" سوى تعبير عن فيض في المشاعر التي لم تجد سبيلا للتعبير عن حالته ، وبالتالي فهو نموذج للشخصية التي ترى الجمال وسط عالم القبح ، وعليه فرغم انه يتلقى كل يوم ألفاظا تكون معجمه التعاملي الا انه في كل مرة يختار الصمت كسيد لردود أفعاله ، لانه يشعر في لحظة انه لا يملك قدره ومصيره ، ففي الطفولة كان مصير بين يدي زوج امه ، وفي لحظات إحساسه بوجوده يكون قدره بين يدي صديقه "علال" وعندما سعى الى الاستقلال بشخصيته أصبح قدره بين يدي "الضابط". وحتى لما أراد الانفلات من كل القيود صار إلى مصير محطم من صياغة معشوقته "دنيا" التي صارت مثل الدنيا الى غدرت به...
ودون القيام بقراءة تطبيقية لمكونات الجملة الملفوظة ، حسب كل شخصية ، و السبب الكامن وراء إنشاء قولها والوضع الذي تقال فيه ، وهل هي جملة او جمل حول موضوع او شخصية اخرى ، او جمل موجهة مابين اثنين يواصلان الحديث او قول لمن هو أعلى او لمن هو أدنى -في الشريط طبعا حسب موقع التسلط داخل المجموعة اثناء التلفظ بها -،لانه في رأيي ان القول انما هو كلام اثناء انجازه ، وبالتالي فحسب الباحثة جوديث باتلر ( نقلا عن ترجمة للمفكر المغربي مصطفى الحداد ،.)تفعل أفعال الكلام الإنجازية ما تقوله في لحظة النطق بها. فهي لا تعد أفعالا عُرفية فحسب، بل تعد أفعالا طقسية أو شعائرية أيضا كما عبر عن ذلك أوستين (Austin). إنها تفعل فعلها بمقتضى الصورة الطقسية أو الشعائرية التي تكتسيها. تَكرارها في الزمان يجعلها تحتفظ لنفسها بفسحة عمل لا تقتصر على لحظة النطق بها ذاتها. حقا إن فعل الكلام الإنجازي يفعل فعله في لحظة النطق به. لكن بما أن لحظة النطق هذه تندرج ضمن طقس، فإنها لا تكون لهذا السبب لحظةً غفلاً معزولة أو متفردة. اللحظة حين تكون مدرجة في طقس أو جزءا من شعيرة تكون عبارة عن تاريخية مكثفة (condensed historicity). إنها تتخطى نفسها في اتجاهيْ الماضي والمستقبل، وأثر استدعاء السابق والآتي هو الذي يشكل لحظة النطق ويفلت منها في الآن ذاته.".
Judith Butler (1997) Excitable Speech: A Politics of the Performative. New York: Routledge, p. 3
وبالتالي فان بناء الملفوظ والمتخيل المرتبط به في شريط " موت للبيع" تعامل مع الكلام من منظور باختيني باعتبار " الكلام ظاهرة اجتماعية، وان الكلمات علامات حية تشارك المجتمع ديناميته وهي قادرة على ان تعبر اكثر من معنى ، واكثر من دلالة تمس الطبقات الاجتماعية المختلفة في ظروف اجتماعية وتاريخية مختلفة " (ص 195 مقال التفكيك إستراتيجية السؤال وحدود الاجابة لكاتبه د.فتحي بوخالفة -مجلة عالم الفكر العدد 4 المجلد 33 ابريل 2005.)وان الوضع الاجتماعي لشخصيات الفيلم هو الذي حدد قدراتهم وإمكاناتهم ومصيرهم ، ومن هنا اعتقد شخصي قوة بناء اللغة الحوارية في الفيلم ، فالمخرج "فوزي بنسعيدي" تفادى حشو الملفوظ بلغة قد تحمل فكر يعبر عن حلم من اجل انجاز لغة تعبر عن قدرات محددة..وهذا ما ضمن لها ان تحقق فنية الانجاز لكونها لغة اشتملت على تعددية المغزى الاجتماعي في الملفوظ ، وعبرت على مستويات مختلفة من الحوار المتصارع الذي يتردد صداه في العمل كله "، وبالتالي فاللغة في الفيلم لكونها لغة عنيفة تعكس العنف المولد للعنف الذي تعيشه شخصيات الفيلم ، فان المخرج قد ادر ك ان " اللغة تتمتع بوعي خاص يجلب الانتباه الى طبيعتها اللغوية ونظامها الصوتي والتركيبي ، الشيء الذي يعزز وحدة الشكل والمضمون".
وبالرغم من ان بناء الحوار يتميز بوفائه للمكون السوسيوثقافي للوسط ، الا انه قائم على أساس الوهم بالمعرفة التي تتميز كل شخصية في تداخلها مع الأخرى ، ف"علا ل" يعرف اكثر من" مالك" بخصوص دنيا ، و"مالك" يدرك أبعادا أخرى في "دنيا" لا يصل اليها "علال "، ونفس الامر يمكن قياسه في علاقات الشخصيات بعضها ببعض ، ويبدو ان لكل شخصية سر لا تفحصه للأخرى ، وان المخرج في كتابته الحوار ذو الأبعاد السداسية (قول مرسل القول ، وفهم متلقي القول ، ومضمون القول ، وردود فعله سواء من حيث الافصاح او عدم التصريح بها، ومضمون القول كما قد يفهمه المتلقي للفيلم ، والقول في حد ذاته كما هو حمال اوجه انطلاقا من المنطوق التي في هذه الحالة الدارجة وايحاءتها ..) كاشفا لنا عن فقر في التواصل رهيب بين الشخصيات من جهة ، و لا يمكننا فهم تلك الآلية الا عندما يعمد الى تنبيهنا بسخرية مضمرة من وهم معرفة الشخصيات لمصائر بعضها البعض ، وانه كلما كانت الشخصيات مسيطر عليها،الا وسعت الى انتاج آلية الانفلات الذاتي من خلال الصمت او عدم الاستمرار في محاججة الشخصية المسيطرة أثناء تبادلها القول عند كل مشهد من مشاهد الفيلم ، وهذا ما يساعدنا على تفهم القصور في إدراك كل شخصية للأخرى، وبالتالي جعل أرقى شخصية في الشريط وهي شخصية "الضابط" التي من خلال أيقونات حضورها في كل المشاهد زاوجت بين صورة رجل الأمن كما تتثملها المخيلة السينمائية في افلام الويسترن او الأفلام البوليسية ، وتمثلها لصورة ممثل الدولة العارفة بل والمحدد لمصائر الناس الصغار ، ضابط يجسد قوة النظام وهشاشة الكائن الفرد الذي يبحث عن لحظة انسنة وجوده الذي لا يستطيع، الوصول اليها لانه صار لا يملك قدره ومصيره بل صار ضحية وضعيته التي حرمته من خصوبته رغم قوته ونفوذه.،( تمثل رائع لرسالة فيلهلم رايش في كتابه : انصت ايها الرجل الصغير)و رغم معلوماته عن رغبات الآخرين "معلومة الهجوم على متجر اليهودي" ، الا انه غير قادر على معرفة منفذي الهجوم لانهم محيطون به ، بل انه يجعل امر مصيرهم مرتبط بمدى خدمتهم له ، وهم في اعادة إنتاج اخباره لنفس المعلومة ، لا يكونون فقط مؤدون لوظيفة المخبر ببساطتها ، ولكنهم بها يحاولون التحرر من قوة سيطرته الجاثمة على أنفاسهم. وبالتالي وبالرغم من ذلك فانه لا يأتي الا متأخرا ليضع حدا بعدما تكون قد تمكنت منا الكارثة .
وبالرغم من تركيزي على مكونات الحوار من خلال الشخصيات الثلاث باعتبارها محورية في الشريط ، الا ان الفيلم ليس شريط شخصيات فقط، بل هو شريط عن مصائر الشخصيات الثلاث من خلال ترابطاتها وتفاعلاتها مع الشخصيات الأخرى التي تلقي بظلالها القوية على نموها داخل النسق الفيلمي ..ودون اعادة ذكر ما هو مشار اليه اعلاه ي مصائر الشخصيات ، الا ان بنية الحوار كما هو منطوق كأيقونات صوتية هو ما يساعدنا –بحكم ادراكنا لخلفيات اللهجة وتأثيرها –من ادراك انه شريط ينتمي الينا ويصور عالمنا ، مذكرا إيانا بقولة الروائي الروسي"ليون تولستوي"(صور قريتك تصور العالم).
اللغة الفيلمية وبناء الصورة داخل المنجز الفيلمي المغربي
.قد نجح في منح المتلقي إمكانية تنشيط ذاكرته والانخراط اما في البحث عن مطابقة الشريط للمرجعية الحياتية التي تواجهه ويعيشها ، بحثا فقط عن مدى الوفاء لذلك الواقع وبالتالي فالمتفرج سرعان ما يبحث عن صدقية النقل ، كمستوى اول ، او ممارسة القراءة السينمائية للفيلم ذاته في ذاته ولذاته ، وبالرغم من اي قراءة لا تنفصل عن قارئها وتأويلاته، الا ان ما يهدد كل قراءة هو عملية الإسقاط سواء تعلق الأمر بمنح الأيقونات دلالات مرتبطة بتجربة القارئ الخاصة ، اوان يذهب القارئ ضحية تصريح لصاحب المنتج السينمائي بكون عمله ينتمي الى جنس سينمائي وبالتالي فقارئنا اللبيب لا يعمل سوى على البحث على مكونات مفردات التوليف لذلك الجنس كما قد حدده منظرو السينما ، بحثا عن مدى مطابقة الفيلم لشروط معطيات ذلك الجنس .
فتصريحه بان فيلم شريطه ينتمي لنوعيه الأفلام السوداء، وتوفر بعض عناصر هذا النوع الفيلمي في شريط لا يبرر لنا القيام فقط بتتبع خطوات السرد الفيلمي بحثا عن مدى تنفيذ وتطبيق قواعد انتماء "موت للبيع " ومدى نجاحه او إخفاقه في عملية التنفيذ تلك، مما يجعل جل نقادنا يستعملون القاموس المكون لجهاز العلامات بحيث يصير الجهاز هو مفتاح الدخول الى العالم الفيلمي في الشريط لدى فوزي بنسعيدي، لكن المتميز في كتابته الفيلمية هو ان الفيلم فيلم شخصيات أساسا ، وبعدئذ فيلم وقائع ، وثالثا هو فيلم مكان ، فبالنسبة لبناء الشخصيات يبدو ان العملية الإخراجية انتبهت الى أهمية الشخصيات سواء الثلاثة الأساسية او الشخصيات الثانوية الضرورية لمنح الاولى الثقل المضاد المفسر للتحولات وللا حباطات التي تصوغ صيرورة التطور سواء لتحقق رقيها التسلسلي في زمن الشريط او تزيد من صلابة الشخصيات نتيجة الصدمات التي تفرض عليهم انتاج رد فعل على ما تعرضوا له ، فحياة كل شخصية تنتج رد فعلها المتميز بالعنف ، ما هو الا نتاج للعنف الممارس عليها من طرف باقي الشخصيات الأخرى ، سواء أكان العنف لفظيا او جسديا
وكل هذا العنف ينجز من خلال وقائع تعيشها تلك الشخصيات ، فعنف الثقافة والأسرة يدفع بمالك للتمرد ، بينما العنف الاجتماعي يدفع بعلال الى التحدي واختيار كل ما هو متعارض والمجتمع لأجل إثبات الوجود ، وايضا عنف الاقصاء وعدم الانتماء والحرمان من حياة الاشباع ، يدفع بسفيان نحو الانقياد الى المجموعة التي اختارت مواجهة الحياة بالموت. كما ان الكل خاضع لأيدي الاخطبوط التي تريد ان تضع أناملها على كل صغيرة وكبيرة في أدق تفاصيل وقائع وجود تلك الشخصيات ، وذلك ما يدفعها الى تمثل العنف ، واعادة انتاجه ، والرغبة في الانفلات منه ، ووضع حد له ، تدفعه يدفع بها الى السعي لممارسة الحب ، والخوف من القبض على أنفاسها بتهمة ممارسته خارج المشروعية التي تحددها مساحة حرية تحققه.
وكلا من الشخصيات ، ووقائع الأحداث التي تشكل عناصر احباطها والوعي بتلك المثبطات وارادة التجاوز هو المحدد لمساراتها داخل مكان محدد ، يصرح به الشريط ، وهو مدينة تطوان، ومن دون البحث عن علامات دالة تحيلنا – باعتباري من أبناء المدينة –على حضور المدينة بالمشاهد المؤطرة بفعل المخرج الذي يختار ما يضمنه مشهده ، وبالتالي يسقط ما لا يرغب فيه ، فانني أدرك انني لست في معرض فوتوغرافي للمدينة ، ولا فيلم وثائقي للمدينة ، وهي تطوان بحمولتها الإعلامية ، وبالتالي كان ضروري الوعي بان المهم في عمل فيلمي تخييلي ليس هو حضور عناصر ، ولكن كيفية تأسيس الواقع الذي هو اساسا الواقع الفيلمي في كافة علاماته.. ان المتأمل في تكوين المشهد باعتباره مكون من مشاهد ثابتة للمدينة ، وفي نفس الوقت مشاهد تحاول تتبع ورصد سير أبطال الفيلم ، بان الكاميرا في حركة الترافلينغ هذه سعت الى رصد جرح معماري تجلى في تصوير تلك العمارات باعتبارها حاجز بين المدينة وانفتاحها على الجبل ، وكان المخرج باختيارها لزوايا النظر تلك اراد اقتناص الجرح الذي أصاب حتى المكان ليبرز حجم وهو العنف الذي تعيشه الشخصية حتى في مجالها العمراني المعيشي ، وبالتالي فالشريط لم يكن مجرد تصوير لأحداث بمكان ، بل كان لمستويات العنف سواء عبر او من خلال الشخصيات ، عنف الوقائع والجرح العنيف لمجال وجود وحياة تلك الشخصيات.وعبر الفيلم فالمكان هو اساسا الفضاء الذي يعتمده كل من المخرج ومدير التصوير ليشكل المجال الذي به تتحدد الصورة المشهدية ومكونات طبيعة الفيلم التي هي في حالتنا يمكن تحديدها بانها مدينية ( نسبة الى المدينة فقط، وما تمنحه كفضائية معمارية من امكانية لتحقيق الخلفية الفقيرة او الثرية للمشاهد في انفتاحها او انغلاقها كضرورة إيقاعية امام عين المشاهد المفترض).وهذا ما يفسح المجال امام مقاربة تستفيد من السوسيولجيا لقراءة مستويات حضور التسلط بالشريط.
والتسلط توأم العنف ، وقد شكلت مستويات العنف في الشريط صورا بليغة .، تسلط يفرض على الشخصيات منذ طفولتها ، يمسها هي مباشرة او يمس عواطفها واقرب الناس اليها ، تسلط يفرض عليها ان تشعر انه لتحقيق وجودها لا بد وان تسلب إرادتها ، وان اي سلوك تقوم به ليس فعلا اراديا بل انه لا يتحقق الا لكونه تحايلا على المتسلط وضمن المسموح به ، وبالتالي فكل الفعل الذي تلتقي إرادات الأصدقاء الثلاث لا يتحقق ويتم فيه الا عندما يتحايلون على الواقع الذي يحيط بهم ، وبالتالي فهم كما راينا يخططون لفعل واحد بثلاث استراتيجيات فردية صغيرة ، ومخرج الفيلم يدرك ان كل من الواقع والأحداث والشخصيات محوطة و مطوقة ، وبالتالي فتحقق مخططهم ليس الا تحقيق الانفلات المحدد في زمن تحققه وفي نفس الوقت هو تهديد لهدوء الواقع وتطور الأحداث وتهديد لوجود الشخصيات في حد ذاته.
ومن هنا فالشخصيات تستمد واقعيتها من واقعها الفيلمي المؤسس على حوادث تقع بأمكنتها وبإمكاناتها .. وبالتالي فبناؤها يتميز بنوع من الاستقلال الذاتي يسمح بنمو خارج اي تدخل إرادي من المؤلف/كاتب السيناريو /المخرج ، تتقاطع كثلاث مسارات مع شخصيات اخرى حتى يتمكن المشاهد من ملامسة كل حالات الحب/الكره ، السذاجة/الكيد، المراقبة/الانفلات ، السيطرة / التمرد ، النفور/ الشهوة ، السجن/الانطلاق ، الصداقة/ الخيانة ، الوفاء/الغدر ، الرغبة في العبور إلى الحرية ، الى الثروة الى الجنة .. كل هذه الحالات في الفيلم تجعله وفقا لنظام قيم مستعار من داخل مجتمع يشكل اللامقول في بناء الفيلم محولا اليه فيلم واقعي يرصد حالة ذاكرة المخرج الفيلمية ، ويتميز بنوع من القدرة على التنبئ ، وهذا ما شكل مكونات لغته القائمة على صور ترصد قاعنا الاجتماعي بتشابكاته الاجتماعية ، بذاتيات أفراده ، وزوايا نظر والتقاط الصورة تعمق فينا الإحساس بعنف الوقائع، كما تشدنا الى الشعور عنف عبثية الانهيار الذي تصير اليه مصائرنا .بحيث ان كل ايقونة من مشاهد الفيلم في بناء معمارية الصورة تحمل دلالات تعمق فينا الإحساس بانه ثمة انهيار وجرح يصيب الصورة من داخلها ، ومع صيرورة الفيلم فالجرح يتعمق ويكبر من من جرح ايقوني الى جرح في بناء مسار الفيلم ليحوله في نهاية الى كونه شريط ينذرنا.....
ملاحظة على الهامش...
ومن هنا ينفلت الفيلم من البقاء أسير الحالات والإحالات التي أدت بمجموعة من النقاد السعداء الى التيه في درب متابعة والتأكد من اخلاص" فوزي بنسعيدي" لمقاييس الفيلم الاسود الذي مزجه بتوابل شكسبيرية ، ولمنحه شهادة الإخلاص ، وفي الحالات المثلى التأكد من عملية المغربة من جهة وتحليل كيفية اقتباس تلك العناصر، وهذا ما قاد المقاربات المختلفة للشريط الى البقاء رهن فرضيات تؤكد لنا وتشهد لهم بانهم عارفون بأسرار الوصفات السرية للافلام السوداوية .والتأكد من سلامة تطبيقها المغربي او تعريبها او معربتها حسب مقاييسهم الاكاديمية . وفي نفس الآن، فان قراءتنا وعيا منها بضرورة تمثل تراكمات الممارسة السينمائية ومشاهدتها وقراءتها كضرورة لتشكيل ذاكرة متحفية تساعدنا على إلقاء الضوء كلما قاربنا عملا ما ، فانها في اللحظة ذاتها تحاول ان تعي ضرورة ان نحذر من خطورة الانحراف الذي قد نذهب ضحيته أثناء ممارستنا الحوار مع منتوج ابداعي اذا لم ندرك حدود القيم المساعدة على الكشف ، حتى نترك العمل ينير سبل مقارباته...وننصت لكل صراخ أيقونات صور الفيلم ويرانا الفيلم كما نراه...ويعلن انكشافه علينا ويقينا سبل الانحراف المعرفي الذي قد يلقي بنا في جهل مركب ..دون اغفال ان منزع الحكي البوليسي بحتمية سقوط البطل في يد الشرطة والقانون قد شوش على ترك مساحة الانفتاح الابداعية مجالا يسمح للفيلم بان يكون شريطا مستقبليا بدل ان يكون فقط وثيقة عن لحظة تاريخية قد تقلل من حيوية الجهد الابداعي المبذول..





#محمد_ربيعة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نصير شمه . عندما يورق عبير الياسمين الدمشقي في حب المغرب عبر ...
- المهرجان الدولي للعود بتطوان : تألق العازف العراقي نصير شمة ...
- معرض ليلة الأروقة في الطبعة السابعة2012 : ...
- التشكيل والموسيقى بالمغرب: إمكانيات البحث حول إيقاعية اللوحة ...
- التشكيل والموسيقى: من سؤال الابداع الى تحدي التحجيب
- التشكيل متأثرا بالسينما :ضرورة إنشاء صورة جديدة للتمثل المشه ...
- الفن التشكيلي والسينما بالمغرب: الحضور التشكيلي ساعد السينما ...
- التشكيل والمسرح: سؤال الإبداع المشترك رغم اختلاف الحامل
- الفن التشكيلي والرواية: عندما يثري المتن السرد المتن البصري ...
- التجربة التشكيلية بالمغرب : الشعر والتشكيل ...
- الصحافة والتشكيل بالمغرب المؤسس اللازم للوعي والنقد الفني
- الكتابة والفن بالمغرب فتنة غواية الفن بالمغرب ضوء مثير لعتمة ...
- التجربة التشكيلية بالمغرب مقدمة للتفكير في القضايا التشكيلية ...
- التجربة التشكيلية بالمغرب مقدمة للتفكير في القضايا التشكيلية ...
- حول تصميم التهيئة لامسا ، جماعة زاوية سيدي قاسم –ولاية تطوان ...
- جماعة زاوية سيدي قاسم ولاية تطوان -المغرب زلزال الوكالة الحض ...
- مقدمة للتفكير في القضايا التشكيلية المعارض الفنية بالمغرب بي ...
- التجربة التشكيلية بالمغرب مقدمة للتفكير في القضايا التشكيلية ...
- التجربة التشكيلية بالمغرب :مقدمة للتفكير في القضايا حتى يعود ...
- قراءة في ديوان الشاعر نجيب بنداوود -نهود موجعة-عندما يعيد ال ...


المزيد.....




- الفنانة يسرا: فرحانة إني عملت -شقو- ودوري مليان شر (فيديو)
- حوار قديم مع الراحل صلاح السعدني يكشف عن حبه لرئيس مصري ساب ...
- تجربة الروائي الراحل إلياس فركوح.. السرد والسيرة والانعتاق م ...
- قصة علم النَّحو.. نشأته وأعلامه ومدارسه وتطوّره
- قريبه يكشف.. كيف دخل صلاح السعدني عالم التمثيل؟
- بالأرقام.. 4 أفلام مصرية تنافس من حيث الإيرادات في موسم عيد ...
- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد ربيعة - ---موت للبيع --- فيلم للمخرج فوزي بن السعيدي الشريط المنذر لتحولاتنا