تذكير مأساوي من العراق

طلال الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 4195 - 2013 / 8 / 25 - 19:38
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    

كتب الصحفي الاسترالي جون ريتشارد بيلجر مقالا حول استخدام اليورانيوم من قبل الولايات المتحدة (وحليفاتها) عند غزوها للعراق والتأثيرات الصحية الكارثية الناتجة عن استخدامه. نشر مقاله هذا في تموز 2013 في مجلة
Z Magazine
The Spirit of Resistance Lives
http://www.zcommunications.org/from-iraq-a-tragic-reminder-by-john-pilger.html
يقطن جون ريتشارد بيلجر في لندن, قضى سنواته الاولي كمراسل حربي في فيتنام. بيلجر ناقد شديد للولايات المتحدة واستراليا، وللسياسة الخارجية البريطانية. وهو كاتب عمود لمجلة New Statesman
ادناه ترجمتي, ببعض التصرف, لهذا المقال مع هامشين توضيحيين في النهاية.
-------------------
يغطي الغبار في العراق الطرق الطويلة الممتدة كأصابع الصحراء. فيدخل العين والأنف والحلق، ويحلق كالدوامة في الأسواق و المدارس والساحات الخلفية للعب الأطفال, ويلتهم الاطفال عند ركلهم الكرة، فيحمل معه "بذور موتنا"، كما يقول دكتور جواد العلي، اختصاصي سرطان في مستشفى الصدر التعليمي في البصرة والذي يحظى باحترام على الصعيد الدولي. قال لي ذلك الدكتور العلي في عام 1999، و تحذيره اليوم لا يمكن دحضه. لقد قال "قبل حرب الخليج كان لدينا اثنين أو ثلاثة مرضى سرطان في الشهر. الآن لدينا 35-30 يموتون كل شهر. وتشير دراساتنا الى ان 48-40 في المئة من السكان في هذه المنطقة سوف يصابون بالسرطان في غضون خمس سنوات ثم بعد فترة طويلة. هذا هو تقريبا نصف عدد السكان. معظم افراد عائلتي مصابون بالسرطان بالرغم من خلو عائلتي من هذا المرض سابقا. الوضع هنا مشابه لتشيرنوبيل، والتاثيرات الجينية جديدة بالنسبة لنا، فالفطر ينمو بشكل ضخم، وقد تشوه حتى العنب في حديقتي، واصبحنا غير قادرين على اكله".

علقت الدكتورة جنان غالب حسن، وهي طبيبة أطفال، على طول الممر صورا للأطفال الذين تحاول انقاذهم. العديد منهم مصابون بسرطان الاعصاب (1) المسمى Neuroblastoma. تقول د. جنان "قبل الحرب، رأينا حالة واحدة فقط من هذا الورم غير العادي في عامين"، واضافت "الان لدينا العديد من الحالات، معظمها مع عدم وجود تاريخ عائلي. لقد درست ما حدث في هيروشيما. الزيادة المفاجئة في التشوهات الخلقية هي نفسها".

لا يساور الشك العديد من الأطباء الذين قابلتهم بان قذائف اليورانيوم المنضب المستخدمة من قبل الأمريكيين والبريطانيين في حرب الخليج كانت هي المسبب. قال عالم فيزياء يعمل مع الجيش الامريكي وعين لتنظيف ساحة المعركة في حرب الخليج عبر الحدود مع الكويت، "كل جولة أطلقتها طائرات
A-10 Warhog
احتوت على 4500 غرام من اليورانيوم الصلد, اي ان أكثر من 300 طن من اليورانيوم المنضب قد استخدم في الحرب. لقد كان ذلك شكلا من أشكال الحرب النووية ".

على الرغم من الصعوبة الفائقة لربط اسنخدام اليورانيوم بحدوث السرطانات، لكن الأطباء العراقيين يقولون ان "الوباء يتحدث عن نفسه." كتب كارول سيكورا, الاختصاصي البريطاني في الأورام السرطانية ورئيس برنامج السرطان التابع لمنظمة الصحة العالمية في التسعينيات، في المجلة الطبية البريطانية British Medical Journal بانه "تم حظر استيراد معدات العلاج الإشعاعي المطلوبة وأدوية العلاج الكيميائي والمسكنات باستمرار من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والمستشارين البريطانيين التابعين إلى لجنة العقوبات على العراق " وقال لي، "وقيل لنا على (وجه التحديد من قبل منظمة الصحة العالمية) ان لا نتحدث عن وضع العراق بالمرة. فلا ينبغي على منظمة الصحة العالمية الانخراط في الحياة السياسية ".

مؤخرا، كتب لي هانز فون سبونيك، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة و كبير مسؤولي الشؤون الانسانية بالامم المتحدة سابقا في العراق: "سعت الحكومة الامريكية لمنع منظمة الصحة العالمية في التحري في مناطق في جنوب العراق عن اليورانيوم والمتسبب في امراض خطيرة واضرار بالغة بالبيئة ".

اجريت حديثا دراسة فائقة الاهمية, غطت 10،800 منزلا, من قبل منظمة الصحة العالمية، وبالاشتراك مع وزارة الصحة العراقية، ولكن اجري تاخير نشرها. تحتوي هذه الدراسة على "أدلة دامغة"، كما يقول مسؤول في الوزارة, والتي, كما يقول احد مؤلفي هذه الدراسة, لا تزال "سرية للغاية". تؤكد الدراسة على ارتفاع مستوى التشوهات الخلقية إلى ما ىيشكل "أزمة" الحقت الدمار في المجتمع العراقي في كل مكان استخدم فيه اليورانيوم المنضب وغيره من المعادن الثقيلة السامة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا. بعد أربعة عشر عاما من تحذيره, يصف الدكتور جواد العلي "زيادة هائلة في سرطانات متعددة في عائلات بأكملها".

لم يعد العراق الآن مصدر اهتمام ألاخبار. فقد كان مقتل 57 عراقيا في يوم واحد الاسبوع الماضي حدثا غير مهما بالمقارنة مع قتل جندي بريطاني في لندن. ولكن كلا الجريمتين تحملان شارة الفيلم الجديد الفخم ل "ف سكوت فيتزجيرالد" المسمى "غاتسبي العظيم" (2), فاثنين من الشخصيات الرئيسية، كما كتب فيتزجيرالد، "يقومان بتحطيم الأشياء والمخلوقات و من ثم ينسحبان عائدين إلى جمع ألاموال أو الى لا مبالاتهم... ليدعان الآخرين ينظفوا قذاراتهم."

ان الحرب الطائفية هي تركة "الفوضى" التي خلفها جورج بوش وتوني بلير. رجع بوش الى "مكتبته الرئاسية ومتحفه", وتوني بلير الغراب الى أسفاره وجمعه للاموال.

كما كتب فون سبونيك, فان هذه "الفوضى" هي جريمة ذات أبعاد أسطورية, وذلك في اشارته الى تقرير وزارة الشؤون الاجتماعية المتضمن تقديرات بفقدان 4.5 مليون طفل كلا الوالدين. "وهذا يعني الحصيلة المروعة بان 14 في المائة من سكان العراق هم أيتام". واضاف "تقع مسؤولية اعاشة ما يقدِّر بمليون أسرة على عاتق النساء، ومعظمهن من الأرامل. كما ان الكوارث التي سببها المحتل للعراق ادت الى شيوع وباء العنف وسوء المعاملة بين ملايين العوائل.

تقول غاريث بيرس، أكبر محامي حقوق الإنسان في بريطانيا، في كتابها Dispatches from the Dark side, بان قيم الآخرين, لدى توني بلير ومعاونيه, قد اكتسبت صفة الفايروس التي يتطلب القضاء عليها "عددا لا يحصى من التدخلات العميقة في شؤون الدول الاخرى"

الهوامش
1- http://www.cancer.net/cancer-types/neuroblastoma-childhood

2- فيلم اعيد انتاجه عدة مرات ومصدره رواية كتبها الروائي الامريكي فيتزجرالد في 1925 وتصور الانحطاط ومقاومة التغيير واضطرابات اجتماعية في مدينة خيالية.
http://www.cliomuse.com/the-great-gatsby-on-the-big-screen.html

#طلال_الربيعي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل