أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي ( 8 )














المزيد.....

منزلنا الريفي ( 8 )


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4185 - 2013 / 8 / 15 - 14:50
المحور: الادب والفن
    



كانت القرية تغني أغاني الأزهار، وتنشد خرير المياه، وتأوهات الأحجار، و أحلام التراب . كانت تغني أناشيدا صامتة يلفها الحزن كما تلف الأفعى طرائدها .
باع الكرزازيون أرضهم، و ها هم يهيمون في الأسواق كما تهيم الذبابة وسط الروث، أجل لقد دخلت جرثومة غريبة، و لا أحد يعرف أصلها ومفصلها، اللهم رب قائل يقول : " إن الجرثومة كدست أموالا طائلة من تجارة المخدرات، وراحت تشتري الأراضي لغسل الأموال "، و ها هي الآن تفتك بالأشجار، وتحطم الأحجار، وتبيد المراعي والوديان .
كانت أراضي بني كرزاز ممتدة امتداد الرؤية، كانت عبارة عن أوهاد وحقول واسعة، تجري فيها الأحصنة دون أن يتسرب إليها العياء، أما الأبقار فكانت تقضي أيامها في المراعي الشاسعة، بينما الأطفال الرعاة كانوا يقضون أيامهم في اللعب واللهو بين نبات الضرو .
تغير كل شيء، وها هو دخان أصفر يأتي من السماء، وها هي الجيوب قد نضبت بعد أن امتلأت البطون، في حين بات الروث يملأ كل مكان، أما الأرض فقد ذهبت نحو السراب، استيقظت ذلك الصباح، فسمعت همسات الشباب، يحفرون القبور مقابل حفنة من الأقراش .
كنت طفلا، وإن كنت مازلت طفلا، و سأظل طفلا ؛ أسمع هؤلاء الشباب يتكلمون عن الهجرة، وعن أرضهم البوار، لكنهم كانوا يصنعون واقعهم، وهم يدفنون أرضهم .
تتقوس الأجساد، وها هو العربي يخرج رأسه من وسط الحفرة مغنيا :

- " الطليان أباباااا، بــــاي باي أ الميمة، أنا سالك البحور، باش نسد جيبي المثقوب، بسلامة أ الميمة، أنا حامل معايا صاكي، وغادي لبلاد الغربة، أنا غادي باش نجيب المال، ونوكل الولاد " .

وبينما هو يغني، حتى يرشقه الآخرون بالحجارة ( طويبة )، فيقولون له :

- " ت أسكت أ الفير " .

في حين يقول لأحد الحفارين :

- " مالك أ عينين المش ؟ تصب سير " .

انتهت حرب الخليج، وباع عرفات فلسطين، وانفجر فندق أسني واغتيل فرج فودة واستعمر المهرجون الانتهازيون الفكر اليساري...مات كل شيء، فمات الإنسان .

...صمت وظلام، وموت بوار ...مرت سنين و أعوام .

من غور الأرض، من الظلمة الحالكة، انبثقت عنقاء، ولدت من حياة طفلين عاشا آلام الأرض، وعاينا رعود السماء، أجل إنها كذلك تحمل أسرارهما، وعوالهما الخفية، إنها ذلك الطفل الذي يسكن كل كائن بشري، فتراها تبث الحياة، وتوقظ النائمين، وتبث الأحلام، وتحتفل بالأطفال، وتغني مع الشباب، إنه موسم الخصوبة والأرض اليانعة .
أيها الطفل تكلم :

- جئت إلى الحياة، فرأيت الناس مصابين بداء الكلام، ويبيعون كرامتهم كالأنذال، ويركعون لأسيادهم كالأقنان، ويغسلون دماغ أطفالهم ببول الحمير والبغال .

سكت الطفل لحظة، ثم قال :

- وعجوز مريضة أتت مؤخرا من الجامعة تبيع الأوهام، وتقيد الأطفال بتعويذات و بسملات السماء " .

و ها هو ينزل من السيارة، وصخرة " مومن " عمها الذبول، و تتجمهر الصفرة حول جسدها كمن سكنه الطاعون، ويمشي مترجلا بين الفدان فيلسعه الشوك لسعة الناموس .
يغادرالجامعة، ويقول مع ذاته : " الجامعة تصنع الإنسان، وتبني المواطن، وتوقظه من السبات، إنها مازالت رغم الموت الذي يسكنها تغني تراتيل الشعب، و أحلام المنسيين كالفقراء والقرويين " .
وعاد، ولم يعد إلى قريته المنسية، إلى ريفه الذي مازال مستعمرا من طرف كائنات غريبة، وعاد المهاجرون يجرون ذيول الخيبة، و ها هي سيارة عائدة من إيطاليا تسير في طريق متربة لفها الغبار، وهو يتطاير في السماء .

يتبع

عبد الله عنتار - الإنسان - / بني كرزاز - بنسليمان - المغرب / 15 غشت 2013



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منزلنا الريفي ( 7 )
- أدوار النخبة عند الباحث الأنثروبولوجي عبد الله حمودي
- أدوار النخبة عند عبد الله حمودي
- في طريقي إلى الكلية
- طريقي إلى الكلية
- الطريق المتربة
- عائد من سوس
- علمتني الأيام
- جولة سوسية
- التضامن الأعظم
- رحلة إلى إنزكان
- لحظة أخيرة
- همس الجنون
- إرهاصات العزيب
- 1- الكفاءات الموهومة
- الهسيس
- الحب الإنساني
- النزول
- وهم القائد
- مرآة


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي ( 8 )