أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - إرهاصات العزيب














المزيد.....

إرهاصات العزيب


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4144 - 2013 / 7 / 5 - 20:33
المحور: الادب والفن
    


قفلت المدرسة أبوابها، وفقد الربيع رونقه وبهاءه، ولم تبق غير الأشواك المتناثرة، والخشائش المتراكمة، وصفير " الزرزور "، وشطحات " رضاع البكرات "، وتموجات الثعابين وسط الغابة والدوم، ناهيك عن صخرة " الحربيلي"، و" الشريج"، و "مومن، و " العوينات" ؛ جفت المياه من العيون والآبار، ولم تبق غير حرارة يونيو المفرطة .
شعر الأهالي بالفرح الشديد لما تحرر أبناؤهم من الدراسة، وقد حان لهم الآن أن يتوجهوا نحو المراعي البعيد، أو نحو الضيعات الفلاحية لقطف العنب .
كانت الدراسة بالنسبة للأهالي عبءا ثقيلا ؛ لقد فرضت عليهم من فوق، وذلك راجع لإجبارية التعليم، مما حتم عليهم فقدان أبنائهم، و هاهم الآن يحتفلون بذكرى التحرر ؛ تحرر رأسمال الأهالي .
لم تكن منطقة " الشعيبات " أرضا للاستقرار، فبغض النظر عن عدم توفر المياه، كانت الحصيدات تفقد محتوياتها في أيام معدودة، كما أن ضآلة المساحة المزروعة للملاكين، وغياب الوحدة القائمة على الإستفادة الكلية حتمت على الأهالي الانطلاق نحو الأماكن الخصبة .
كان أمين في السنة الأولى إبتدائي، كم كانت مغادرة المدرسة أمرا صعبا ؛ تأقلم معها، وعرف أصدقاءا كثرا، كل هذا ولد فيه حزنا شديدا، وخصوصا لما تم الايذان بنهاية الموسم الدراسي، شعر بالمرارة، والخيبة، وأجهش بالبكاء، وسالت الدموع بغزارة .
غادر المدرسة، ولم يجد غير البؤس والتعاسة، و هاهي الأشواك متفرسة كأشواك العقارب، أما الأحجار فتنهال عليه كما تنهال على اللصوص، تقدم بضع خطوات، وها هو الآن يسمع رنات " الزرزور "، وفي تلك الزاوية يعاين " دردكات " الأغنام، و " طكطكات " الأبقار، أما غلات الحصيدة، فلتصق بنعاله، فلتسعه، وتترك بعض الجروح، وفيما بعد تتراكم و تتجمع الحشرات محولة إياها بقعة للغذاء النفيس .
تحرر هو وأخوه بمفهوم الأهالي، وفقد ذاته بمنظوره الشخصي، وسار في عداد المسلوبين .
بقي هو وأخوه الذي يكبره بثلاث سنوات، وكان يتفوق عليه بمستويين دراسيين ؛ ما يربو على ثلاثين يوما في منطقة " الشعيبات " ؛ داخل بؤرة الاستيلاب من رعي ونقل في انتظار الرحلة الموعودة ؛ لعلها تأتي بانتظارات جميلة .
فقدت الحصيدات غلاتها، وأصبحت المأمورية صعبة عليهما ؛ لم تجد البهائم ما تأكل، رغم أن هذه الفترة كانت فرصة للقاء أطفال من سنهما للعب معهم كرة القدم التي كانا يفتقدانها في منزل ريفي مليء بالاحتياجات، وقليل الامكانيات ؛ كانت البهائم غير رحيمة، إذ أنها لم تفسح لهما مجال اللعب، ولو لدقائق معدودة، والسبب في ذلك ضىآلة المساحة الرعوية، والجوع الذي يدفعها إلى أكل " الدرك " بشراهة شديدة، كان ذلك " الدرك " في ملكية سيدة تدعى " قنيبيلة " ( ماتت الآن ) ؛ كانت امرأة ذات كلمات نابية وجارحة، ناهيك عن بنيتها الجسمانية، وقصر قامتها، فبمجرد ما تراها لأول وهلة ؛ ترى وجهها تطفو عليه علامات الغدر والخيانة والحسد، وهي بادية على محياها، لم تكن تتصرف مع البهائم بطريقة حسنة،بل كانت تتعامل معها بقسوة شديدة، إذ كلما ذهبت عندها بقرة، يكون أمين متأكدا بأن البقرة لن تخرج سالمة، هذه المرأة ما كان يهمها هو أن ينسحبا، لكي يتركا لها الأرض، لأنها امرأة عرفت بحقدها الشديد على عائلتهما .
كانت امرأة ماكرة، وتجيد الانبطاح أمام الشخصيات المهمة، فتراها تتقرب منها، وتظهر الولاء إليها من أجل بعض الفتات، أما والدهما، فقد كان أكثر احتقارا، فلم يكن إلا بائع دوم متجول، فكان الأهالي يحتقرونه في مجالسهم، ولا ينادون عليه إلا عندما تكون مصلحتهم فيه، فذات مرة، وبمناسبة بناء قنطرة صغيرة على ضفتي جدول مائي، أجبر بالقوة على دفع مبلغ لمصلحة المشرفين عليها، لكن فيما يخص مناسبة ما، أو احتفال ما، فقد كان حضوره هامشيا ليس في الدوار وحسب، وإنما حتى في وسطه العائلي، كان كالآلة التي تعمل وتنتج، ولا تتكلم.
تأزمت الوضعية، وعان أمين، فينظر إلى الأبقار، فيراها أكثر معاناة، وها هي الحمير تنهق جوعا، بينما الدجاج يصيح عطشا، شرعت أمه في نسج الخيمة انطلاقا من أكياس بلاستيكية، وشرعت في إعداد " الخصاص "، هذه الأخيرة بمثابة الواقي أو الحاجز الذي يحيط بالخيمة، ويحمي إياها من الزوابع، ومن البرودة التي تكون في الليل .
وها هو أمين عائدا من المرعى، فرآى أمه تنسج الأكياس بالإبرة، وعاين حركات يديها البطيئتين، فكان يحس بالضجر، وكم كان يتمنى أن تنتهي في أقرب وقت، يعجل برحليهم من تعاسة المكان وبؤسه ......وهاهي الأغنام تأخذ رحلتها السنوية عبر الساحل، و هاهي قوافل الحمير تحمل الرحيل، أما أمين، فيتلاعب مع العجول، ومن حين لآخر يضع الأزبال على ضروع الأبقار .....

عبد الله عنتار - الإنسان -/ يونيو 2010/ بنسليمان - المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 1- الكفاءات الموهومة
- الهسيس
- الحب الإنساني
- النزول
- وهم القائد
- مرآة
- حموضة
- رحلة وصفية من بنسليمان إلى بن احمد : قرى مهمشة ؛ تنمية معطوب ...
- إمتحان البكالوريا
- مشاهد كرزازية
- مطارحات
- ضفاف
- ضحك ( هههههههههههه )
- الحشرة
- لماذا أكتب ؟
- خواطر على السهل السليماني
- يد على الجرح
- منزلنا الريفي ( 6 )
- وداع
- حلم


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - إرهاصات العزيب