أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - همس الجنون















المزيد.....

همس الجنون


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4146 - 2013 / 7 / 7 - 16:12
المحور: الادب والفن
    


توقف العربي بمحاذاة البئر، لعله يجد دلوا أو سطلا من الماء ؛ يملأ به جوفه الملحاح، لكنه لم يعثر عليه، وها هو الآن يفكر ؛ آه لقد انتابته " الشطبة "، وها هو يتوجه نحوها، إنها شجرة شوكية، وهناك وجد سطلا أخضرا، غير أنه يتموقع في عمق " الشطبة "، لكن هذا لا يهمه، فهي ليست شيئا، حتى و إن كانت مسلحة بأشواكها، وما إن لاحظ العربي موقع السطل، حتى أدخل رأسه الأسطواني في عمق " الشطبة "، وعنذئد مد يده المتربة نحوه، فانسحب على وجه السرعة متوجها صوب البئر .
أدلى العربي سطله، وإذا به يرى ثعبانا مختلط اللون " بولمريات "، حملق فيه، ثم حملق فيه، و هو يبحث عن حيلة تعبد له طريق الحصول على الماء، والقبض على الثعبان، لم يكن يتحرك، فقال العربي : " لعله ميت، أو نائم "، وكانت هذه فرصة مواتية للقبض عليه . أصعد العربي الماء بسرعة، و أفرغه في جوفه الملحاح، فرمى العطش جانبا، ورمى معه السطل، فأترب بنقيع التراب، نظر إلى الثعبان جيدا، فوجده مستغرقا في نومه، و بقي رأسه وذيله على حالهما، مغمورين في جزء من الآجور ؛ دار العربي دورة دائرية حول البئر لتحديد الخطة، أما الثعبان، فمازال في سباته العميق، عثر العربي على خطة، وضع رأسه على فوهة البئر، واستند بصدره على الحافة، ومد يده اليمنى للقبض على الثعبان، بينما يده اليسرى وضعت في موقع المساعدة والمآزرة.
حرك العربي الثعبان باليد اليسرى، فاستيقظ هذا الأخير مولولا ؛ نادبا ؛ تاعسا، لكن العربي بدهائه وخبرته ؛ لم يرحمه، وما إن أخرج الثعبان رأسه المغمور، حتى قبض عليه من قفاه، ففتح فاهه، و أصعده إلى فوهة البئر، وحينئذ توجه نحو السطل، فاستوى أمامه، ثم وضع فيه الثعبان، وبعدها ضغط على زر السروال الذي دون ستار، والممزق والمترب بنقيع الغبار، فأطلق العنان للبول المنساب " شرر "، فملأ نصيبا من السطل، ثم أرغم الثعبان على شرب البول، لكنه لم يشرب إلا قليلا، فكيف يمكنه أن يشرب مطرا غزيرا منهمرا كهذا ؟ شرب القليل، غير أن العربي لم يرحمه، فرفعه إلى علو السماء، وحينئذ ألصقه بالأرض، فظن أنه مات، لأنه تجمد، فهم العربي بالذهاب، لكنه أحس بحكة في ظهره، وهناك رأى الثعبان هاربا، فتوجه نحوه، ومسكه من قفاه، ثم ألصقه أرضا، فأطلقه، فأمسكه، ثم بصق في فمه، وهناك كانت موته الحتمية، بيد أن العربي لم يتخلص منه بالمرة، فذهب ليخيف به المنازل المجاورة .
وأنت صاعد عبر الطريق المتربة القادمة من الطريق المعبدة ؛ تتجاوز أرض " الحماني "، ومنزل البيضاوي، وتعبر " سهب خزيت"، ونخيله الوارفة، فيتراءى لك العربي مترجلا، وهو يحمل الثعبان على ظهره، وها هو الآن قد وصل إلى الصنصال، يتقدم قليلا، سرعان ما يتيه وسط المنازل المتناثرة، على جانبه الأيمن يتبدى منزل يرتدي وشاحا أحمرا داكنا، وبالقرب منه ينساب جدول مائي جاف قادم من المرتفعات، فغير مساره الطبيعي، لكي يهلك الأراضي المجاورة، ولكي لا تهلك أرض صاحب هذا المنزل المهلوكة أصلا، وهناك على الضفة اليسرى يتواجد منزل عشوائي، ومن هناك تتطاير الأزبال، و " الماك "، والعلب الكارتونية، فتملأ وتلوث الجداول المائية، والأراضي المجاورة، فتطير مع الرياح، وتملأ كل مكان، فيطير معها ربيع صديق العربي، ويظهر من قريب وبعيد، و هو يطارد " حمارتهم " السوداء الداكنة، فينزل عليها تارة، سرعان ما يركب عليها تارة أخرى، ثم يأخذ " الزلاط "، ويبدأ في إبراحها على ظهرها، ومؤخرتها، فترفع رجليها الخلفيتين إلى علو السماء، فتسقطه على الأرض داميا على وجهه، الذي " تخشي مشهاب ما يحشم "، عندئذ يستيقظ، ويأخذ " الكرت" ( الحجر )، ويوجه إليها وابلا من الحجارة المنهمرة، فتهرب، فيطاردها، فتركله، فينهض، ثم يمسكها من رجليها، فتسقط ويسقط معها .
تنهض الأثان " الحمارة "، وتتجه صوب" المرمدة "، فيذهب معها، " فيتمرمد "، فتخرج أمه، فتعاين فعلته، فتأخد صخرة كبيرة، وتصوبها نحوه، فتخطىء هدفها، وعلى وجه السرعة يأخذ " الحمارة " بعيدا عن المنزل، فتسقطه، وتذهب نحو مكان مجهول، ثم يتجه نحو الكلبة البيضاء، وتحيط به من كل جانب، وتشمه وتلحسه، فيشعر بالحلاوة، ونام للحظة، فاستيقظ بسرعة، وأخذها من رقبتها، فدار ودارت معه، ورماها في الجدول المائي الجاف، فانطلقت هاربة غاضبة نابحة، فتركها وانطلق نحو نخلة " قيطة " .
كلما انطلقت صعودا، إلا وازددت تغلغلا ؛ يظهر على الضفة اليسرى منزل مليء بالصبار، ومليء بالمتاهات، تخرج منه عجوز مقوسة الظهر، و كهل يكاد يتساوى مع الأرض، إنها لازالت تفيض شبابا مقارنة معه هو، فشعرها مرجل، وعيونها مرصعة بالفتنة، أما جسدها يرقص كالأوتار، كانت كل مساء تتسلل خلسة إلى الصبار، فتنفجر عطرا ومسكا وحبا رفقة قادمها الهمام، أما كهلها كلما مرت الأيام إلا و صيحة القبر تنادي، وحينما يهجع إلى سريره، تأخذ صديقها إلى فراشها الوثير .
يسير العربي مع الطريق، فينحشر داخل المنازل، فينتابه عراك بين شخصين، فيتقدم لفك عراه، فيمسك به أحد المتعاركين، ويهوي به إلى عمق الجدول المائي، وعلى الفور يستجمع قواه، فيأخذ ثعبانه، عندها تراءى له أطفال يلعبون تحت الشجرة، فانطلق نحوهم، وما إن رأوه حتى تجمع شملهم، وها هو يطاردهم بالثعبان، وها هم يصرخون.
وعاد على الفور، فجلس تحت الشجرة، وها هو يعاين جارهم " بولقنانف "، وهو يهوي على نعاجه بهراوته، وها هي زوجته " الزيتونة " بجسدها المكتنز تحمل رغيف خبز، و براد أتاي، أما العربي، فأحس بجوع مارد، وها هو يضاجع تحت الشجرة الفارعة ثعبانه الميت .
يجري نحو منزله، فيخترق صباره المتآكل، يتحزم بثعبانه، فتراه أمه فتطير فزعا، تمسك بالعربي، فلتطمه على خذه، تشده إليها، فتدفعه على الجدار، فيسقط، و يسقط معه، إنه جدار منزل ريفي قديم، متآكل، فقد صلابته ومتانته منذ أن مات جد العربي، كما فقد الماء والمال والكهرباء، والخبز، باستثناء جرة ماء، وقفة تحوي أطعمة فاسدة .
رمت الأم الثعبان بعيدا، وأركبت العربي الحمار، وها هما يتوجهان نحو السوق، فيتراءى له ربيع قرب النخلة، فيلوح له بيده، ويقبع ربيع وحيدا، وها هو ينهض ليتبول، فيتراءى له العربي بعيدا و ممتطيا الحمار كذرة صغيرة، و تحت شجرة تشبه نملة طائرة .
تنهد ربيع، وقال : " هنيئا لك بذهابك إلى السوق لمارسة التسول،فترى عوالما بعيدة، أما أنا فأظل هنا محشورا كحشرة صغيرة لا تستطيع الزحف "، و مضى هائما بين الشعاب .

عبد الله عنتار - الإنسان -/ بنسليمان - المغرب / غشت 2011 .



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إرهاصات العزيب
- 1- الكفاءات الموهومة
- الهسيس
- الحب الإنساني
- النزول
- وهم القائد
- مرآة
- حموضة
- رحلة وصفية من بنسليمان إلى بن احمد : قرى مهمشة ؛ تنمية معطوب ...
- إمتحان البكالوريا
- مشاهد كرزازية
- مطارحات
- ضفاف
- ضحك ( هههههههههههه )
- الحشرة
- لماذا أكتب ؟
- خواطر على السهل السليماني
- يد على الجرح
- منزلنا الريفي ( 6 )
- وداع


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - همس الجنون