المدرسة المغربية و المعرفة

حميد المصباحي

الحوار المتمدن-العدد: 4178 - 2013 / 8 / 8 - 21:50
المحور: المجتمع المدني
    

يبدأ دور المدرسة بمجرد خروج التلميذ من بيت الأسرة,مرورا بالشارع,الذي
صار له تأثيره في السلوكات الفردية و الجماعية,بل ربما حتى في تكوين
الذهنيات,بما هو توجيه للفكر,يبدع لغاته الخاصة,للتواصل من خلال تقنياته
التي عرفت تطورات مذهلة,فكيف لهذه التقنيات المعقدة أن تتعلم و تصل إلى
أقل المستويات الدراسية,بينما معارف المدرسة تتراجع و تتدهور سنة بعد
أخرى؟فلماذا تنسى المهارات و المعارف الملقنة مدرسيا بسرعة,بينما التلميذ
تجده متحفزا لمعرفة ما يروج من أشكال فوضى التواصل و الإتصال و يبرع في
خلق أشكال التفكير التقني و حتى بعض اللعب الشبيهة بالبورصة رغم ما
تتطلبه من مجهودات و مهارات؟؟
1المدرسة و التلقين
المعرفة المدرسية,هي معارف مؤسساتية,يدرك التلميذ أن الغاية منها هي
الحصول على ما يؤهله للنجاح في الإمتحانات الإشهادية و التفوق فيها على
غيره من المرشحين,فيقبل بما يملى عليه,أو يتجاهله إلى حين اقتراب دورات
الإختبارات,أو الإمتحانات,بهذا الشكل,يصير التلميذ متمرسا على كيفيات
تحقيق غاياته في النجاح المدرسي بأقل جهد ممكن,كما أن منطق
التلقين,المنفر بطبيعته,يجعل من ارتياد الفصل,قيدا,و حدا من حرية
التلميذ,الطامح للتعبير عن ذاته و الإنخراط في العالم المعاصر الأكثر
حركية و احتراما للفاعلين فيه,و الرافضين لكل مهارات لم تحدد لنفسها
غايات مسبقا,غير الغايات الت تفرض كحكمة متوارثة,ينبغي الإحتفاء بصحتها
قبل فحصها أو مساءلتها.
2المدرسة و القيم
هناك قيم تكمن خلف كل مدرسة بما هي مؤسسة للتنشئة الإجتماعية عليها,تعليم
الصغار و اليافعين و حتى المراهقين,ما يعتبر قيما جماعية و أحكاما جمالية
و قيمية,و مادام الأمر كذلك,فالقيم لكي تترسخ,هناك خياران,إما اعتماد
الأسلوب العتيق التلقيني,بما هو فرض معرفة كتراث لا يقارن بما هو
قائم,إنتاجا و تعديلات,,أو البحث عما يقنع بتلك القيم,و الإقناع هنا ليس
واحدا,بل متعدد,فهو إما نصي معقلن,أو عقلاني محايث لنصوص مغايرة,بشرية,و
قد يلاحظ المتعلم صراع هذين الأسلوبين,فيعيش تناقضات مريرة,لا يدرك
أبعادها إلا فيما بعد,لكن تأثيراها بالغة التعقيد و الخطورة ,إذ تغدو
شخصية المتعلمين عاجة بتناقضات,تظهر بعد تجاوز مرحلة المراهقة,و تتخذ لها
مظاهر ,في السلوكات و أنماط التفكير و حتى ردود الفعل تجاه المختلف و
المغاير,في الفكر و الفن و حتى الحياة نفسها.
3المدرسة و المعرفة
المدرسة,كما هي نظريا,لا يقاس نجاحها إلا بما تقدمه من معرفة,تتحول إلى
مهارات صانعة لعلوم تتملك المادة و تغني الروح البشرية لمجتمع ما و حضارة
معينة,لكن المدرسة المغربية,تسعى لتشييد معارف بأدوات معرفية متقادمة,و
حتى عندما تحاول مسايرة التطور,تختزله فيما هو تقني,كأدوات للإشتغال,و لا
تستحضر أن تلك الأدوات يمكن استخدامها بطرق لا تبث للعصر بأية صلة,مما
يذيب المعرفة المراد تحصيلها أو حتى مساءلتها لبناء قناعات بضرورة
التجديد,فالمعرفة باختصار ليست تلقينا,و لا مواكبات تقنية لتحصيل
حاصل,سمع به,أو تم التعرف عليه من خلال وسائل التواصل و الإتصال,كما أن
المعرفة داخل المدرسة لا تتحقق بناء على قيم تفرض الإقرار بها كواجب تجاه
المجتمع ليقبل ناسه بالمتعلمين داخله,مما يجعل عقل التلميذ يخضع لأخطر
عمليات ابتزاز جماعي.
4المدرسة و النجاح
هناك نجاحات متعددة,لكن الغالب فيها هو النجاحات المدرسية,كانتقال من فصل
إلى أخر,يتوج بالحصول على شهادة تقود حتما للإنتقال من مجال العلمات إللا
مجال الإنخراط في الفعل المهني الإنتاجي,المختزل هو الآخر,في التوظيف,و
لأجل الحد من هذه الظواهر,عملت الثانويات التأهيلية على خلق شراكات مع
مؤسسات و بعض الفاعلين الإقتصاديين فيها,من أجل تنبيه التلميذ لأهمية
المبادرات الفردية في المجالات الإنتاجية,ليدرك المتعلم أن أبواب تحقيق
النجاحات ليست رهينة العمل المأجور,سواء في صيغة الوظيفة أو العمل مع
القطاعات الخاصة,لكن العدد المنخرط في هذا الفعل,لم يكن إلا من طرف
التلاميذ المتفوقين,و هنا تحدث الغرابات,إذ كيف يستعد المجد للقبول بأن
المدرسة ليست وحدها الباب المؤدي لكل النجاحات الحياتية,بينما المستويات
الجد متواضعة من التلاميذ لم تول هذه الخطوات اعتبارا أو لم تواكبها إلى
الآخر.
خلاصات
تحتاج المدرسة المغربية إلى ما هو أكثر من التوافقات السياسية حول
القيم,و لخلق تقاربات بين الجديد و القديم,الديني و العلمي,الإجتماعي و
السياسي,فهذه الثنائيات تعصف بمهمة المعرفة حول الذات و المؤسسات و طبيعة
أدوارها داخل المجتمع المغربي,بعيدا عن الرهانات السياسية و إكراهاتها.
حميد المصباحي كات

#حميد_المصباحي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل