كرماء رمضان - بمناسبة حلول شهر الصوم -

جواد كاظم غلوم

الحوار المتمدن-العدد: 4159 - 2013 / 7 / 20 - 00:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

ها قد عدت إلينا ايها الشهر الكريم ، صديق الفقراء والمتعبين ، ها قد عدت في موسم قائظ لتعلمنا درسا في يقظة الضمير وصحوة الانسان والصبر على الشدائد والفاقة والتدريب على مصارعة هوى النفس وزيادة الاحساس بالاخوة الاسلامية التي تعدّ جزءا من الاخوة الانسانية ؛ حينما يتآزر الغني مع اخيه الفقير ويشاركه طعامه وشرابه في مائدة واحدة أعدّها كرماء الله لخلقهِ الصائم الناسك ، ليس لنا سواك ايها الشهر الفضيل والضيف العزيز ، نلهف لاستقبالك متى حللت واينما جئت وحيثما أزفت ؛ وانت تذكّر الغافل والساهي وتعيده الى ربهِ وتجازيه الثواب من لدن غفور رحيم
ترقبناك وعَددْنا وقع خطواتك وانت تقترب منا وها انت الان بين ظهرانينا نؤم الصلاة مسلمين من كافة المشارب والالوان ، ننهض السحر ونقرأ الادعية النجيبة ونأكل مما رزقنا المنعم الغنيّ الكريم وننهل من ماء الفراتين شرابا كان سائغا لذّة للشاربين واضحى اليوم كدِرا أصابه العكر والمجّ واحتوتْه المرارة .نجتمع سوية على فطورٍ مائدة الرحمن مما حبانا رؤساؤنا السادة الكبار من فتاتٍ بقي من سُفرتِهم العامرة نقتات به ليسدّ رمقنا ويبلل أفواهنا اليابسة
ولِيُّ أمرنا وهبني 500 غرام من مادة العدس زادي وزوادتي طيلة الشهر بأيامه الثلاثين ولاادري كيف ألعقه ، ربما ملعقتان تكفيني في اليوم الواحد لأرطّب ريقي قبل الاقدام على تناول افطاري الشحيح
والحق اقول وانا غير منكِر فقد زادني هذا الولِيّ لتراً اضافيا من الزيت كي اغمّس لقمتي لتكون هنيئة مريئة مستساغة ليّنة في فمي الجائع ، وأضاف لي كمية من الرزّ المسمّى " البسمتي " وربما ستصلني بضعة صاعات من الدقيق الابيض قبل ان ينتهي رمضان لأعمل كعكا لاولادي يطيب لهم ايام العيد المقبل ؛ كم كان كريما معي ولِيّ الامر هذا وهو يحذو حذو جدّنا حاتم الطائي . ومن المؤكد انه يعرف تماما سيرته الذاتية وسمعها من ابيه او امه او احد اجداده رحمهم الله وأثابهم خيرا حينما أنجبوا نسلا يراعي حرمة الله في شهره الكريم ويغصّ بلقمته حين يتذكر بني جلدته وهم يعلكون التراب ويلوكون الحصى ويفتشون في المزابل والحاويات عن فضلة طعام تركها احدهم اصيب بالبطنة والتخمة المفرطة وعاف غذاءه ليكون في احشاء جائعٍ وينال نصيبه " الوفير جدا "مما قسمه الله تعالى لعباده السواسية كأسنان المشط
تذكرت هذا الكرم الجزيل وانا استرجع ايام الحصار الاقتصادي الذي أذاب الشحم وقدّ اللحم وأهاظ العظم يوم أكرمنا ذلك القائد الضرورة ذو اليدّ الندِيّة السخية دجاجةً لكل عائلة في يوم كالح اسود من ايام الحصار المريرة وقلت في سرّي : ارى نفس السيناريو يلهج به الممثلون ذاتهم وعلى خشبة مسرح كبير اسمه العراق وفي ارضٍ متخمة بالغنى بشكل لايصدق يتلاعب بها الحواة وبهلوانات السياسة الماسخة ونفس الاحابيل والدجل والضحك على ذقون الفقراء والمساكين والمدقعين ، ومما يؤلم اكثر ان الستار مازال لم يسدل بعد فالمشاهد تتوالى والاوجاع تتعالى والصراخ على اشده ويأتيك ممن يطيّب خواطر هؤلاء ويقول لنا ان من وجد قوت يومه فهو غني ؛ ويضيف شيخ اخر ؛ حسْبُ ابن آدم لقيماتٌ يقمن أوَده ويلجمن جوعه لكنهم يسكتون حينما يرون الحيتان الضخمة تبلع كل ماظهر قُدّامها دون خجل او استحياء مثل اسراب الجراد التي تنهش اليانع واليابس على السواء
ألم أقل لكم انهم نفس الحواة وذات البهلوانات وعين الحبال يجرّونها شدّاً وجذباً ويخنقون رقاب شعوبهم بها بدلا من ان يجعلونها منجاة من الغرق في الفاقة والجوع وعوضا عن ان تكون سُلّماً للصعود والارتقاء
ألتقيكم لاحقا في مقالة رمضانية اخرى ، صياما مقبولا وصبرا جميلا وبطنا مترعة بالتخمة من ساسة بلادي كرماء رمضان

#جواد_كاظم_غلوم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات