أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عوني الداوودي - أطباق المزة والفشاقيش














المزيد.....

أطباق المزة والفشاقيش


عوني الداوودي

الحوار المتمدن-العدد: 4156 - 2013 / 7 / 17 - 09:25
المحور: الادب والفن
    



أصغرنا كان عمره تسعة عشرة عاماً، ولم يتجاوز أكبرنا سناً الثانية وعشرين ربيعاً، كنا من مدن ومحافظات مختلفة ... جمعتنا بغداد العاصمة بتناقضاتها المختلفة كل حسب ظرفه.
وبغداد كأي عاصمة أخرى في العالم تجمع بين الثراء والفقر، والفن والشعر، والجريمة ، بين التاريخ والحضارة وأنماط العيش والعمارة الحديثة، بغداد الملتقى لأهل العراق، ومنها أيضا تنطلق الرحلات والسفرات كل إلى مأواه، ومن قلبها تفترق الطرق والمحطات من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ... بغداد أيضاً عاصمة كعواصم بلدان ما يسمى بالعالم الثالث تشهد بين العقد والعقد انقلاب عسكري يتلى فيها البيان الأول بعد احتلال مقر وزارة الدفاع، ودار الإذاعة والتلفزيون مبشرة الشعب بالثورة التي قضت على العهد البائد ليحل محلها عهد جديد تنعدم فيه الفروقات الطبقية، وستسخر موارد البلاد لخدمة الشعب ومحاربة الإمبريالية والرجعية وعملائها أو بما يسمى " بالاستكبار العالمي " لكن وبعد مرور أسابيع فقط يتبين للشعب بأن بطيخة الإستكبار العالمي هي التي خططت لشلة العسكر هذه للإطاحة بشلة عسكر كانت قد نالت رضى ومساندة بطيخة استكبار عالمي أخرى منافسة لها في صراع مستميت على مناطق النفوذ والطاقة في العالم ...
وبدون تخطيط مسبق لمكان اللقاء، كانت أقدامنا الشابة الحيوية في المسير دون كلل تجمعنا في أرخص بار ونادي في مدخل شارع السعدون أسمه بردى، وأسم البار مأخوذ حتماً تيمنناً بنهر بردى في دمشق، وبالمناسبة زرت نهر بردى بعد أكثر من عقدين من الزمن فلم أجده أكثر من نهر يجري فيه سيل ماء لا يتجاوز عرضه متر واحد، وتتجمع فيه النفايات وأكياس النايلون السوداء والأوساخ ... لكن بار بردى في بغداد بطريقة وبفكرة ذكية من صاحبه استطاع أن يجمع صعاليك الأرض والشحاذين والمسافرين وزائري بغداد لأول مرة أو للمرة المليون، عمال بردى يقدمون للزبون بعدما يطلب مشروبه سواء كان ربع عرق أو قنينة بيرة ستة أطباق مزة كدفعة أولى تتكون من الحمص " اللبلبي" الباقلاء، الجبييس، الليمون، الجاجيك، وطبق فستق، وكلما أجهزت على طبق جاءك النادل بطبق آخر وكل هذا مع المشروب مقابل نصف دينار عراقي " أيام زمان " بينما كان ربع العرق في المحلات يباع بستة دراهم، والنصف دينار عبارة عن عشرة دراهم.
هذا المكان كان يجمعنا كلما سنحت الفرصة، رخص السعر وقربه النسبي من أماكن إقامتنا التي كنا نقطعها سير على الأقدام، وهذا القرب النسبي يعد بما لا يقل عن عشرة كيلو مترات .... ورغم إلتهام أطباق المزة في بردى، بمجرد وصولنا لمنطقة الميدان القريب من مقر وبناية وزارة الدفاع، النقطة التي نفترق منها لفنادقنا، وغرفنا المستأجرة في الحيدرخانة يكون الجوع قد أخذ منا مأخذه، وتأتيك الروائح في هذا الميدان من كل حدب وصوب، روائح تناديك هنا لحمة مشوية، وهنا الكباب والكبد " المعلاك " والخضروات المقلية كالباذنجان والطماطم، ومحلات تتبخر منها روائح المأكولات الأخرى بشكل عام، لكن وبحكم إمكانياتنا المادية المعدومة لم تكن لنا خيارات غير التحلق حول العربات الجوالة التي تبيع لفات أي سندويجات الفلافل والبيض المسلوق مع العمبة، أي تلك العربات التي تنعدم في وجباتها اللحمة ... وهناك عربات أخرى تشوي اللحم والكبدة و " الفشافيش " والفشافيش هذه عبارة عن رئة الحيوان، وكانت تشوى أيضاً وتباع بسعر زهيد يتناسب مع ثقل جيوبنا الفارغة من دراهمٍ لا تكفي للكباب واللحمة والضلوع المشوية ..
وأخيراً نستسلم لنداءات المعدة التي لم تنفع معها أنواع وأشكال مزات بردى، وكيف تنفع تلك المزات بإسكات صرخات البطون بعد المشي لحوالي عشرة كيلومترات وأكثر سيراً على الأقدام .
وبحكم التنويع والملل من الخضروات المقلية والفلافل كنا نطلب الفشافيش، والفشافيش هذه كالهواء عديم اللون والطعم والرائحة، ولليوم لم أقع على أسباب شويه، ولا على ما يحمله الفشفوش من فيتامينات أو فوائد صحية، ورغم كل مواقع الصحة وصفحات الجرائد المهتمة بالثقاقة الغذائية والصحية لم تقع عيناي على وصفة طبخ للفشافيش، ويبدو لي الآن بأن الفشفوش أسم على مسمى وقد توصل الشارع العراقي سابقاً لهذا الاسم بعدما أكتشف أنه فعلاً فشفوش أي لا شئ بالعراقي ... كنا نأكله مع كمية من الخضروات والطماطم ملفوفة بقطعة خبز ، المهم هو إسكات نداءات الجوع .. أو لربما لإقناع النفس بشكل لا إرادي بأننا نأكل شيئاً مشوياً على الفحم كالباب واللحم ... وكل هذا يهون ، لكن ما لم يكن يمر علينا مروراً ولو خاطفاً هم عندما يأتي أحدهم من أصحاب الجيوب المنتفخة، وأكثرهم كانوا من أصحاب الحرف والورش كالميكانيك، والنجارة، والحدادة، وغيرها من المهن التي تدر على أصحابها أموالاً بإمكانها أن تطلب ما لذ وطاب من المشويات وتلتهما أما عينيك، لا لتلبية نداء الجوع كحالتنا، بل للتمزمز بطعم المشوي من اللحم بعد سكرة مريحة ... خياراتنا كانت محدودة، وهي عبارة عن أكل الفشفوش وشم اللحمة ... تذكرت اليوم، ومر شريط الذكريات هذه أمام ناظريّ عندما كنت بصحبة زوجتي أم سامان في بيتنا الصيفي وهو عبارة عن كرفان ثابت حوالي ثلاثين متر مربع مجهز بجميع وسائل الراحة على البحر في مدينتي في يوتبوري السويدية أشرب الويسكي وأتمزمز باللحمة والضلوع المشوية.
عوني الداوودي
صيف2013 السويد



#عوني_الداوودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المطر وشوربة العدس الخرافية
- إفتراءات الدكتور وائل عبد اللطيف
- الشرق الأوسط على كف عفريت
- بلقيس العاشقة
- زهير كاظم عبود يطرق أبواب لم تُطرق من قبل
- التمييز الجنسي كارثة لا نعي أبعادها المدمرة
- عروس الثورات، الثورة السورية
- كحيوان الكسلان مر عام 2010 على أعصابي
- التمدن يكشح التخلف
- إلى جندي مجهول يتربع القمم
- عاللي جرى
- إيران، إيران. أين السعودية ؟؟
- تقييم الحوار المتمدن في سنته السابعة
- أمثل أبا فرات يُقتل ؟
- كركوك وتوابعها حكم التاريخ والضمير ، دراسة وثائقية عن القضية ...
- سيبقى الدكتور سلمان شمسة حياً بيننا
- جريمة التعذيب في العراق
- يقال عن السعودية ، والعهدة على الرواة
- متى ستستريح هذه المعبودة ، الأم العراقية ؟
- شهداء قلعة دمدم


المزيد.....




- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عوني الداوودي - أطباق المزة والفشاقيش