أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عوني الداوودي - كحيوان الكسلان مر عام 2010 على أعصابي















المزيد.....

كحيوان الكسلان مر عام 2010 على أعصابي


عوني الداوودي

الحوار المتمدن-العدد: 3242 - 2011 / 1 / 10 - 06:24
المحور: الادب والفن
    


هذا الحيوان " الكسلان " من أكسل الكائنات الحية على وجه الطبيعة، وعلى الرغم من أن السلحفاة ضربت رقماً قياسياً بمشيتها البطيئة حتى باتت مثلاً يُضرب، لكنها قياساً بالكسلان تعتبر كسيارة " بي أم دبليو " تسابق حنطور مصري يجرها حمار عجوز.
الكسلان من الثدييات، ومن فصيلة الدببة، يقضي معظم وقته بدون حركة، وهو ينام ما بين 15 إلى 20 ساعة يومياً، يعيش على الأشجار متدلياً بوضع مقلوب، وحتى عندما تسقط إحدى صغارها إلى الأرض فلا تحرك ساكناً لإنقاذها وكثيراً ما يموت الرضيع بسبب عدم نجدة الأم لها ... ويتغذى الكسلان على أوراق الشجر والحشرات ، وبسبب عدم حركتها وعوامل الرطوبة ينمو نوع من البكتريا على فروتها ما يعتبر غذاء أضافياً لها، وذلك بطريقة لحس فروتها، وبسبب كسلها الشديد يمر أحياناً أكثر من عام دون أن تستطيع الأنثى من إيجاد ذكر لها.
قلبت خزانة ذاكرتي، وبحثت عن ما يستحقه هذا العام 2010 من تسمية أطلقها عليه فلم أجد غير هذا الحيوان الذي مر على أعصابي ببطئه الشديد، تاركاً البعض من بقايا بكترياه المرة في نفسي.
جُبلت منذ نعومة أضفاري على الجلد والتحدي والمغامرة والتمرد، وعدم الشكوى، ولربما يكمن السبب بما مررت به من ضيق العيش والإحساس بعدم المساواة وفقدان العدالة الإجتماعية في وقت مبكر من حياتي الفتية، وكي لا يأخذ عليّ مديح النفس " لأن من مدحها ذمها " كما يقال ... وفي كل الأحوال العوز والفاقة والحرمان ليست من أسباب المفاخرة، ويمكن القول أيضاً بأني تمثلت أحياناً أخرى في بعض جوانب الحياة ببيت الشاعر والعالم الإيراني "عمر الخيام".
" لا تشغل البال بماضي الزمان ..
ولا بآت العيش قبل الآوان ..
وأغنم من الحاضر لذاته ..
فليس في طبع الليالي الأمان "
لذا قضيت شطراً من العمر عابثاً، والسير بالإتجاه المعاكس وبطريقتي الخاصة، ضارباً بعرض الحائط ما أجمع عليه الخطباء وفقهاء السلطان، بتسميته، القيم، والعادات، والقناعة، والسير جنب الحائط، وما شابه ذلك من تعاليم ومصطلحات أساسها تحجيم الفرد والحد من طاقاته الخلاقة.
ومع هذا وذاك، وخرافة الصمود أمام لعنات ما يسمى بالقدر، أو سوء الطالع، أو أي مسمى آخر... فقد أرغمني عام 2010 بقوة على الشكوى والتعري، متحدياً سجيتي، واضعاً عينه بعينيّ بوقاحة لا مثيل لها، كمن أتخذ قراراً مسبقاً لإذلالي والإستسلام لأساطير الأولين، لأن ما رماني به هذا العام اللعين من سهام كانت لا تتعلق بشخصي ككائن يتحمل وزر أفعاله، أو ما جنته يداه.
هذا العام الشؤم لدغني من موضعين كلاهما أكثر حساً ورهفاً من الآخر، فبدون سابق أنذار أصيبت أبنتي الكبيرة " رنا " الشابة الجميلة المرحة بمرض غريب، وهي أم لطفلتين بعمر براعم الجوري، ولحين تشخيص المرض على أنه ليس من الأمراض الخبيثة، أخذ أكثر من سبعة شهور، ونحن نتقلب فيها أنا وزوجتي على نار هادئة ... كأننا في قبو معتم لأعتى نظام طاغوتي يريد منا الاعتراف بجرم لم نقترفه ... ومع هذا يجب عليك أن تعمل، وتعيش حياتك بشكل طبيعي، وتجامل، وتخفف من وقع الخبر على الأولاد الآخرين، ولا أحد يحس ويشعر بك !! إلا في حالات نادرة من مقربين جداً، على الرغم من أنك غير محق بإجبار الآخرين على الإحساس بمعاناتك، لكن تبقى دائماً مشاركة الآخر في مثل هذه الظروف ترفع ولو جزء يسيراً عن كاهلك.

آه ... كم تذكرت قصة "الحوذي" للكاتب الروسي أنطوان تشيخوف، ومدى عظمة هذا الأديب الفذ في تناوله هذا الجانب الحساس من معاناة الإنسان.

تزامناً مع هذه الحالة، وعلى غلفة مني فوجئت أيضاً، وفي نفس هذا العام الكئيب بأن والدتي، والمصابة بداء السكري بدأت بفقدان ذاكرتها، وعدم أحساسها بالوقت والمرض والعالم من حولها، لتنهار أمام عينيّ صورة هذه المرأة القوية التي ناضلت بمخالبها وأسنانها ضد جبروت وقساوة الحياة، وعدم الإستسلام، وبدون أي تأهيل أو تحضير نفسي بدأت جوانب من أشرطة الماضي البعيد تنهال عليّ، صورة طفل صغير بمعية أم حائرة بكيفية تأمين لقمة العيش بعد أن ألقي القبض على زوجها "والدي" بعد إنقلاب شباط الأسود عام 1963، أتذكر هذه الأم العراقية الكوردية التي كانت تُخيط الملابس والّلحف لساعات متأخرة من الليل للحصول على بضع دراهم عراق الخمسينات والستينات التي صورها بدقة شاعرنا الكبير بدر شاكر السياب " ما مر عام على العراق وليس فيه جوع " ... أذكر عندما كنا نسكن بغداد في الستينات كانت هذه المرأة تقطع مسافة عشرات الكيلومترات سيراً على الأقدام في عز جهنم بغداد في تموز لتوفر عشرة فلوس وهي أجرة الباص لتشتري بها رغيف خبز لنا، توفي والدي وهي شابة، أبت الزواج صارخة لا أترك صغاري تحت رحمة زوج الأم، هذه المرأة التي تدعى " نظيرة جميل" كباقي الأمهات العراقيات ناضلت وضحت بالكثير، الكثير، ولطالما كانت هي النبراس الذي أهتديت به لمواجهة ما نالنا من "بركات" الدكتاتوريات التي مرت بتاريخ العراق المعاصر، أمرأة ذو شخصية قوية ذو مؤهلات قيادية، قادرة على إدارة عشيرة بأكملها، وفعلاً كانت الملاذ، والحاكم، وحلال المشاكل لجمهرة من الأقارب والجيران والأصدقاء برجاحة عقلها وبعد نظرها .. وحملت عني بإقتدار المسؤوليات الإجتماعية التي كنت أبغضها أيما بغض، فأي عزاء أقنع نفسي به وأنا أرى وضعها الآن، كأي طفل صغير ينتظر من يطعمه.
هذه المرأة التي كان بيتها محج البعيد والقريب ... فجأة يختفي الجميع، آه .. كم نحن قساة بني البشر، وكأني أعايش حياة الهنود الحمر في قصص "جاك لندن" حيث يتركون العاجز، والهرم، والعجوز، الذي لا يستطيع إعالة نفسه لقدره وحيداً في الصحراء أو بين الجبال والثلوج، وهم في ترحالهم الدائم.
وما بين هذين الحالتين توفيت أمي الثانية وهي زوجة خالي الذي أسكننا معه بعد وفاة الوالد، وأشهد بأنها كانت جميلة الخلق والمعشر، صبورة، هادئة ، مثابرة، تحملت حماقات خالي، بأكثر من عطاء ونكران ذات، وقصة هذه المرأة المسيحية الكاثوليكية الكلدانية التي عشقت خالي "المسلم" وتزوجته رغماً عن أهلها، والأمر لم يكن سهلاً ومقبولاً أبدأ قبل أكثر من ستين عاماً، وقصة هذه المرأة " شكرية حنا " لها وقفة أخرى.

وأشهد للمرة المليون بأن المرأة العراقية عانت وكافحت وناضلت جنب إلى جنب رجالات العراق، لا بل قدمت من التضحيات ما يفوق طاقة الإنسان العادي، وهي التي رفدت العراق والثورة بسخاء برجال وبنات حرصوا على التغيير وأبوا الإذعان لفرمانات السلاطين ( وهي دعوة أطالب بها الحوار المتمدن بحملة من أجل تشييد تمثال لها ــ المرأة العراقية ـ وسط دجلة في قلب بغداد ).

وبالعودة لعام 2010 لم أتحدث بعد عن ما جرى لي في هذا العراق الجديد جداً !! على يد موظفي ومهندسي ومساحي بلدية، ودائرة التسجيل العقاري، والتخطيط العمراني في كركوك، وعلى يد ضباط الشرطة وتوابعهم .... ببساطة شلحوني كل فلوسي في عمليات نصب وأحتيال، وإبتزاز، وقضيتي لا تزال عالقة في أروقة الفساد الإداري.

هذا بالإضافة لحزمة مشاكل ومنغصات أخرى على جميع الصعد، كانت كرش الملح على الجرح، ولهذه الأسباب، وأخرى لم يحن وقت بوحها بعد ... لا أحمل ذرة إحترام لهذا العام البائد كأي نظام ديكتاتوري ولى لمزابل التاريخ ... كان عاماً كئيباً وحقيراً وسادياً بجميع المقاسات بالنسبة لي، وسألعنه ما حييت، مع أحترامي لمن أنعم عليه هذا العام بالخير . لكني سأبقى ألعنه وأذكره بكل إحتقار ما حييت، " ولو كان رجلاً لقتلته !! "

وتبقى هناك دائماً أسئلة تتحرك في الذهن والوجدان رغماً عنك، مثلاً.

هل يمكن القول بأن ما حدث يعد بمثابة تجربة إضافية ... هزة من الإعماق ... تعلم كيفية التعامل مع الطارئ .. التعرف أكثر على بعض الجوانب المخفية من معادن البعض ... النسبة الفاصلة بين الواقع والمجهول، عدم الإيغال في الأحلام، الإنسان مخلوق ضعيف، !! ؟؟ وأسئلة أخرى كثيرة.
والغريب في الأمر، وهو ليس غريباً، هو أني لا أجهد نفسي بالبحث عن إجابة لأي سؤال، لأنه وببساطة أومن بالمثل القائل ... لا حك جلدك غير ظفرك.
المهم ... والأهم من كل شئ هو أن أبنتي بخير، وعادت لي مشرقة مرحة أكثر من ذي قبل ... كما تعلمت أيضاً كيفية التعامل والتعاطي مع حالة أمي.

عوني الداوودي ـ السويد
شتاء 2011



#عوني_الداوودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التمدن يكشح التخلف
- إلى جندي مجهول يتربع القمم
- عاللي جرى
- إيران، إيران. أين السعودية ؟؟
- تقييم الحوار المتمدن في سنته السابعة
- أمثل أبا فرات يُقتل ؟
- كركوك وتوابعها حكم التاريخ والضمير ، دراسة وثائقية عن القضية ...
- سيبقى الدكتور سلمان شمسة حياً بيننا
- جريمة التعذيب في العراق
- يقال عن السعودية ، والعهدة على الرواة
- متى ستستريح هذه المعبودة ، الأم العراقية ؟
- شهداء قلعة دمدم
- المسيجية في بلاد الرافدين شجرة باسقة وعملاقة ، ووارفة الضلال
- الأرقام والأحصائيات ، ياليتها نطقت، لكنها تفصح ، وتقول الكثي ...
- ما دخل تركيا بتمتع الكورد في العراق بالتمتع بالحكم الذاتي
- القرار 137 = العودة الى عصر الحريم
- قراءة في مؤتمرات المعارضة العراقية - سابقاً - حول الفدرالية ...
- النفط وكركوك كانتا ولا تزالان، وبالاً على الشعب الكوردي
- إمارة سوران في عهد الباشا الكبير محمد كور باشا الراوندوزي
- بخطوات واثقة يخطو الحوار المتمدن عامه الثاني


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عوني الداوودي - كحيوان الكسلان مر عام 2010 على أعصابي