أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود روفائيل خشبة - حدود التنظير














المزيد.....

حدود التنظير


داود روفائيل خشبة

الحوار المتمدن-العدد: 4152 - 2013 / 7 / 13 - 00:48
المحور: الادب والفن
    


حدود التنظير
داود روفائيل خشبة

هذه خاطرة عابرة، لا أقصد بذلك فحوى الفكرة الأساسية، فالفكرة تستند لمبدأ أساسى فى منظومتى الفكرية، لكن طريقة طرحى للفكرة هنا قد تكون متعجّلة، ولا أريد منها أكثر من أن تكون إثارة للفكر، دعوة للتفكير، لا للجدل أو النقاش.
إننى قليل الثقة فى التنظير theorization بكل ألوانه. كل نظرية تتلخـّص فى تكوين نسق مثالى (نسق من مفاهيم مجرّدة أو صور أفلاطونية). يتكون النسق بالتقاط عناصر منتقاة من المعطى الواقعى الذى هو بالضرورة لامحدود. النسق النظرى يضفى على المعطى الواقعى معقولية يمكن دائما تبريرها والتدليل عليها منطقيا انطلاقا من مقدّمات مضمرة فى ذات النسق المعنى. لكن لا يمكن لأى نظرية أن تجعلنا نملك جوهر المعطى الواقعى، ولا يمكن لأى نظرية أن تهيّئ لنا التنبّؤ بما سيحدث مستقبلا.
لنأخذ مثالا من المجال العملى. فى مواجهة أى أزمة اقتصادية أو أى مشكلة اجتماعية ستجد تحليلات كلها بادية العقلانية، لكنها تتعارض مع بعضها البعض، إذ تنطلق إحداها من منظور ماركسى وأخرى من منظور رأسمالى وثالثة من منظور اشتراكى، كل منها تعطينا تفسيرا يمكن الدفاع عنه لواقع الأزمة أو المشكلة. لكن أيًّا منها لا يمكن أن يقودنا فى يقينية إلى الهدف الذى نريده.
لمواجهة الواقع لا بدّ لنا من أن نغوص فى بحور الواقع نصارع أمواجه المتلاطمة حتى تلقى بنا على شاطئٍ قد نجد فيه راحة مؤقـّتة، لكنه سيقصر حتما عمّا كنا نتوق إليه، فالواقع لا يضاهى الحلم أبدا. ونحن إذ نغوص فى بحور الواقع ونصارع أمواجه نفعل ذلك مسلـّحين بنظريتنا الأثيرة، التى توجّه فعلنا وتؤثر فيه بالتأكيد، لكنها أبدا لا تقرره بصورة حتميّة وأبدا لا تكفى للتنبّؤ بنتيجته بصورة يقينية ولا محدّدة.
وكما أن النظرية لا تهيّئ لنا أبدا التنبّؤ يقينا بما سيحدث فإنها كذلك لا تعطينا أبدا تصوّرا صادقا نهائيا لما حدث. فكل التاريخ تأويلى، ومهما بلغت درجة التحقـّق من الوقائع والتدقيق فى تفاصيلها وملابساتها فإنها تبقى دائما بالضرورة غير كاملة وغير وافية، وتبقى إلى جانب ذلك مبهمة إبهاما لا يمكن أبدا تجاوزه تماما، وعلى ذلك تبقى دائما قابلة لشتى التأويلات. فعلينا أن نستقبل كل رواية تاريخية – مهما بلغ المؤرّخ من الأمانة والتبحّر والحنكة – فى تواضع، على أنها تصوّر يضفى معقولية على ما هو متاح لنا من معرفة الوقائع على أساس فرضيّات أو مسلـَّمات المؤرّخ المسبقة — تصوّرٌ لا يمكن أبدا أن يغلق الباب أمام تصوّرات مخالفة تضفى بدورها معقولية مغايرة مؤسسة على فرضيات ومسلـَّمات لا يمكن دحضها لأنها ليست وقائع تقبل التكذيب ولا هى استنتاجات منطقية تقبل التخطئة، إنما هى قناعات نرضى بها أو نرفضها لاتفاقها مع قناعاتنا أو لمخالفتها لقناعاتنا.
ألا يتركنا هذا تائهين فى غياهب الشكّ ويحرمنا من راحة اليقين؟ أجل، إلا أن هذا قدرنا. إننا لا نحيا حياة العقل إلا ونحن نصارع شكوكنا. اليقين سمّ العقل. ميّز سقراط بين الحكيم والغافل بأن الحكيم جاهل يدرك أنه جاهل والغافل جاهل لا يدرى أنه جاهل.
داود روفائيل خشبة
30 يونية 2013 / 12 يولية 2013
(رغم أنى أتممت كتابة هذا المقال فى 30 يونية إلا أنى رأيته نوعا من العبث أن أقدّمه للقارئ فى ذلك اليوم المصيرى أو الأيام التى تلته مباشرة.)



#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كل منا له دور يؤديه
- حول الإعلان الدستورى
- الثبات على المبدأ وتجمّد الرأى
- لنحذر الباطل المتدثر بالحق
- فى أعقاب 30 يونية
- فى انتظار 30 يونية
- نوعان من الترجمة
- توافق ما لا يتوافق
- لقطة
- من هم العلماء؟
- اعتراف واعتذار
- فى لغة القرآن (2) قصار السور
- فى لغة القرآن (1) مقدمة
- أين الثورة؟
- لماذا الدين؟
- الحرية والسلطة
- التاريخ الإسلامى والدولة الإسلامية
- مرجعية الأزهر
- الإخوان والثقافة دونت ميكس!
- وحى الشعراء ووحى الأنبياء


المزيد.....




- -الصليب الملتوي-: الرواية المفقودة التي وجّهت تحذيراً من أهو ...
- بعد 80 عامًا من وفاة موسوليني ماذا نتعلم من صعود الفاشية؟
- مطربة سورية روسية تحتفل بأغنية في عيد النصر
- مركز السينما العربية يكشف برنامجه خلال مهرجان كان والنجمان ي ...
- فيلم وثائقي يكشف من قتل شيرين ابو عاقلة
- بعد 21 يوما من وفاته.. تحديد موعد دفن الإعلامي عطري صبحي
- مصر.. رفض دعاوى إعلامية شهيرة زعمت زواجها من الفنان محمود عب ...
- أضواء مليانة”: تظاهرة سينمائية تحتفي بالذاكرة
- إقبال على الكتاب الفلسطيني في المعرض الدولي للكتاب بالرباط
- قضية اتهام جديدة لحسين الجسمي في مصر


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود روفائيل خشبة - حدود التنظير