وأد الابداع... حينما يكون الأختلاف إقتراف لجريمة !!!

توماس برنابا

الحوار المتمدن-العدد: 4138 - 2013 / 6 / 29 - 09:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

أتذكر حينما كنت في الصف الأول الثانوي العام في مدرسة عامة حكومية في مصر... وقد كان هناك نظام تدريبي لطلبة الصف الرابع من كليات التربية- قسم عام.. أن يتدربوا إتماماً لمتطلبات مادة التربية الميدانية Microteaching في المدارس الحكومية للثانوية العامة ... وفي مادة اللغة الأنجليزية وفي يوم الأحد كان ميعاد المدرس المتدرب ان يدخل ليشرح لنا بدل المدرس الأساسي... وقد أستسهل الأمر فبدلاً من أن يدرس درس كامل في المنهج المقرر... كان يعطينا جمل لنترجمها! وبخصوص جملة كانت تحتوي كلمة إرهاب Terrorism كتب المدرس الكلمة على السبورة وكتب بجانب منها مصدر الكلمة Terror وبأن المقطع –ism هو المقطع الذي صاغ كلمة الارهاب من كلمة Terror والتي تعني رعب... وتابع المدرس المتدرب هل أحد يعرف مترادفات لكلمة Terror فأجبته أنا نعم هناك كلمة Horror وأخرين قالوا Fear وغيرها مما تعني خوف أو رعب أو ترهيب !!! وقبل أن ينتهي المدرس المتدرب من هذه النقطة رفعت يدي لإسأل سؤال فسمح لي فقلت ( بما أن terror= horror وقد اضفنا مقطع –ism لكلمة terror لتكوين كلمة إرهاب إذاً فمنطقياً يمكننا إضافة مقطع -ism لكلمة Horror لتكوين كلمة Horrorism ويكون معناها أيضا إرهاب!!! فنظر لي المدرس بإستغراب وقال لي شذراً ( أقعد ياض ومتألفش إنجليزي ) !!! هذا كان رد المدرس المحرج لي خاصة حينما أنفجر بقية الطلاب بالضحك... وتغاضى المدرس المتدرب عما سألت وتابع الدرس بجملة جديدة وكنت قد أمتنعت عن المشاركة !!! نعم لقد كان هذا المعلم الطالب ( المتدرب) يكبرني بخمس سنوات فقط ... وكان متدرباً وعديم الخبرة... لكن الصدق أقول أن أغلبية المدرسين الاساسين أكثر غشماً منه في قتل بوادر الأبداع والتميز في الطلاب وقولبتهم في إطار تقليدي وقوالب متكررة و وأد أي فرصة للإبداع داخل هذه العقول الغضة !!! فبدلاً أن يشكرني هذا المتدرب على محاولتي أن أستخدم مقطع –ism مع كلمة جديدة وإفهامي بطيبة وبأدب أن الكلمة المصاغة Horrorism غير خاطئة ولكنها غير موجودة بالمعاجم الإنجليزية وربما تستخدم في المستقبل بمعني مختلف ... وأنه هكذا تصاغ الكلمات الجديدة في اللغة ... بإستخدام كلمة جذرية Stem مع مقاطع بدائية Prefix أو نهائية Suffix ! دون إحراجي وجعلي أنفر منه ومما يقدم في هذه الحصة التدريبية لأني قد أشتركت مع الطلبة المشاغبين الذين يشوشرون على شرحه... فهو كان الخاسر لا أنا !!! وأنا الأن أصبحت أجيد حتى كتابة الشعر باللغة الانجليزية وهي أعلى درجات إتقان أي لغة ! فلم أجعل موقف مثل هذا يكرهني في اللغة الأنجليزية التي أجلها وأحبها حباً جماً !!!

ما سبق مجرد مثال على عقلية الأنسان المصري الذي يكره الأبداع وكل ما هو مختلف ... فيرى الأختلاف تهديد لتقاليد طالما أتبعها وأجلها.. موروثة من الأباء والأجداد فمن هو هذا الأنسان الذي يأتي ليقنعه بخطأ مسلكه الموروث ؟!!

أنظر للطالب المسيحي في فصل أغلبه مسلمين... كيف يشعر؟! وكيف يُعامل من قبل الطلاب المسلمون؟! كيف يعاملونه وهو ما زال في الصفوف الأبتدائية بعد وكأنه كائن فضائي نجس؟! ... لا يصادقونه ... يلقون عليه النكات والشتائم ... أحيانا يضربونه بلا ذنب أقترفه... سوي أن هناك وشم على يديه اليمنى على شكل صليب وأسمه من الاسماء الاعجمية المسيحية الكافرة !!! ويكبر الطالب المسيحي في المدارس المصرية ويتخرج لسوق العمل وهو مكروه لأنه مختلف !!! بلا أي فهم لهذا الأختلاف أو دراسته ... فقط لأنك مختلف عني فهذا تهديد لي ولمهنتي ولمعتقدي وديني ... فيجب أن أكرهك وأحاربك وأنغص عليك حياتك!!! وهكذا الشيعي في نظر السني المصري... فوجوده على الأراضي المصرية تهديد للأسلام الهش ويجب أن يقتل كما حدث في قرية أبو مسلم بمركز أبو النمرس بمحافظة الجيزة التي أغلبها من المسلمين السلفيين والمتأخونين حيث تم قتل خمسة من الشيعة هناك!!!


لم يفهم المصريين بعد أن الأختلاف مصدر قوة وليس إقتراف لجريمة لم ترتكب !! أنظر لأمريكا التي قامت على الأختلاف والتعدد ولم ترى في هذا تهديد إطلاقاً بل مصدر زهو وفخر وقوة ... فتجد هناك لغات وثقافات العالم بأسره بل وكافة الأديان مرحب بها ومسموح ببناء دور العبادة بأي مكان تحب ولكن في إطار القوانين ... عبادتك تخصك وهي علاقة فردية بينك وبين الهك أي كان هذا الاله والأخر هو من سيرى منتوج عبادتك في سلوكك ... ولا يهمه أبداً أي دين أو مذهب تعتقد وأي إله أو رسول تتبع ... فما يهم الأمريكي هو أن تكون مواطن صالح تحب أمريكا وتخاف وتحترم المواطنين الأخرين!!! ونجح الأمريكيين في إثارة إعجاب العالم أجمع بأن التنوع مصدر قوة وليس ضعف !!!


القطعنة أو إتباع القطيع هي سمة سائدة في الشعب المصري حيث أن كاريزما القيادة يفتقر لها المصريين وأغلبهم من النوع التابع ... وسواء القادة أم الاتباع فكلهم يكرهون من يخرج عن المألوف والموروث في الدين والعلم... وأي مواطن يخرج عنهم سيكون إما كافر أو جاهل ولا يترك أبداً الا بعد توبته عما أقترف من جرم الأختلاف هذا!! وهكذا يوأد الإبداع في بلدي يا سادة فهل من منقذ؟ هل من حل سوى هدم الحصون المزروعة في الأذهان وحجارتها وقوالبها مصنوعة من الدين!! تحرروا من الدين... تحترموا الأخر المختلف!! صدقوني لا يوجد دين في أي دولة في العالم يحض على إحترام ومحبة الأخر بصورة خالصة غير مشوبة بنزعة جذبه الى الدين الأخر!!!

#توماس_برنابا (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات