أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - مزمل الباقر - من يوميات الناس التحت














المزيد.....

من يوميات الناس التحت


مزمل الباقر

الحوار المتمدن-العدد: 4132 - 2013 / 6 / 23 - 03:31
المحور: ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
    


من يوميات الناس التحت



- ( أرقد يا عيش انا كيالك!)

همهم وعلى شفتيه ابتسامة نصر، وسحب من دخان سيجارته يتراقص أمام عينيه في جزل، وفي باله موعده الليلي الذي ضربه معها في صباح اليوم.

همهم بذلك المثل وسط رهط الشباب الذي كان يتحلق أمام دكان عم عبد الله. بينما الأخير يملأ الرفوف بالبضاعة الكاسدة وقد التصق عراقيه البالي بجسده النحيل من فرط العرق.

ما عليه سوى ان يرتدي تلك العباءة السوداء التي أضحت موضة هذه الأيام. وينطلق بتاكسي صديقه عثمان السائق نحو داخلية الشهيد أبو القعقاعه. ومن ثم سيعمد على جعل صوته كصوت بائعة السمسمية حينما تغني برقة:
" يا سمسم القضارف
الزول صغير ما عارف"

سيلتقي موظف الاستقبال ويباغته بصوت لا يتناسب البته مع ضخامة الجسد الذي تخفيه العباءة السوداء:
- ( بالله يا ولدي .. الله يرضى عليه .. كدي نادي لي .... ، قولي ليها خالتك بت الحسن جآتك في شان مشوار الاسبتالية، بتدور تواجب الشفة بت مساعد في جناها الحآسي و..)
- ( آأي خلاص خير يا خالة .. فهمت إن شاء الله، انتظري هنا شويه لمن اناديها ليك)

أفاق من شروده على صوت وهيبة الغناية تهتك وقار ذلك الأصيل:
" أبو لي بي .. أبو لي بي ..
اللبن .. أبو لي بي"

ضحك حتى بان ضرسه المتسوس، وصاح بكل صوته – وسط دهشة الرهط بدكان عم عبد الله الذي داهمته غفوة ملحاحة على كرسيه خلف فاترينه المحل. صاح بكل صوته كأنما يريد لكلماته أن تسلك الأزقة الثلاث التي تملأ الفراغ بين دكان عم عبد الله وبين حاج أحمد الأعرج. وتثقب أذن وهيبه الغناية:
- ( ما أبو لي بي .. يا وهيبة يا شر...)

تاه حديثه وسط إيقاع الدلوكة، كانت صبحية حامية الوطيس. في حوش حاج أحمد الأعرج، كانت العروس ترتدي فستانها الذي تكاد تجزم أنها قد استعارته من شقيقتها المشاغبة تلميذة الصف الرابع. كانت العروس ترقص وعينا العريس مثبتة حيث تنتهي ركامة الفستان الأحمر عند منتصف فخذيها، وبيده السيف والحريره، وعلى يسراه وهيبه الغناية ونسوان الأهل والأقارب والجيران من حوله، فيظن أنه خليفة عباسي، برفقته حاشيته من حسان الجواري والغلمان. غير أن عينيه وقعتا على تلك العيون الصغيرة لصبية الحي التي تراقب بكل شغف من خلف رتاج الباب ثنيات الجسد الغض داخل الفستان القصير. فكتم غيظه على مضض.

تذكر ( ع. ع) أول لقاء جمعهما معاً، مهدت لذلك ( ن. س) التي كثيراً ما قضى معها الليل بطوله. كانت ( س. م.) رقيقة الحال تغطي نقودها بالكاد نفقاتها. والدها موظفاً بالمعاش وكما الأسر السودانية القديمة كان يملك عدد ليس بالقليل من الأفواه التي يسأل منها أمام الله وأمام الناس.

اقنعتها ( ن. س) بأن أقصر الطرق للحصول على المال يكمن في أسهلها وأقلها تكلفة للنساء منذ أقدم العهود. لكن الأمر بالنسبة لها خدمة باهظة الثمن جداً وضريبتها قطعاً ذلك الجزء من جسدها الذي لا تملك ان تثمنه بثمن. غير أن مبادئها تقزمت هكذا أمام عملاق الحاجة في هذا الزمن وكان له ما أراد.

- ( شان تخلي عيشة سندوتشات الطعمية والفول!)
- ( قروش تصوير لكاشر الاقتصاد والاجتماع حتجيبيها من وين يا فالحة؟!)
- ( ساكت لو فكرتي تمشي زيارة، ولا كان زهجتي وعايزة تفرقي على روحك، حتمشي بي هدومك القدام ديل؟!)

كان لابد أن تستجيب (س. م) لإلحاح ( ن. س)، فحنت رأسها للريح حتى تعبر لكنها كانت عاصمة هوجاء من التبريرات التي نجحت ( ن. س) في استخدامها اقناع ( س. م) وجعلتها تتناول من الفاكهة المحرمة مقدار ما يسد رمقها دون أن يؤنبها ضميرها.

كان الشماشيان يتبادلان خرقٍ باليةٍ، تنضح بالسليسون، وهما يطالعان بشغف صورة الممثلة الهندية الفاتنة بطلة العرض القادم بسينما أمدرمان. بينما سليمان العتالي يئن من تحت جوال الفول السوداني الذي يحمله على ظهره. حينما نالته ارتال السباب وأكوام التأفف اثر اصصدامه بذلك الشاب الانيق.

كان بص الموردة في أوبته المتكاسلة إلى المحطة الوسطى وكمساري البص يقترب من شيخ وقور طالباً ثمن التذكرة. فيعتذر الشيخ الوقور في خجلٍ بالغٍ بأنه لا يملك في هذه اللحظة أي نقود في جيبه. فما كان من الكمساري إلا ان صرخ بكل قوة في وجه ذلك الشيخ: " أسمع يا حاج . ال..أمور دي ما بتنفع معاي .. دقيقة يا .. وقف القطر دا.. يلا يا عمك أدلا" ولولا تدخل أولاد الحلال ودفع احدهم ثمن التذكرة لتدلى الشيخ من البص غير مأسوفٍ عليه.

عندما خرجت من عنده آخر الليل، كانت تحمل بضع آلافٍ من النقود وشرفٍ مهترئ وقلبٍ فارغٍ ودمعٍ انحدر ساخناً من عينين جميلتين كانت تحدق آخر الليل في خد وطنٍ متسخ.


مزمل الباقر
أمدرمان في 8 مايو 1999م



#مزمل_الباقر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طيف
- اعتراف
- فنجان قهوة في حضرتها
- عن المسألة التعليمية بالسودان
- امرأة على حافة الدمع
- ولوج أخير
- ما تزعلي
- إطلالة على قافلة الرحيل
- ألأني
- أنا استاهل.. فعلاً ( البباري الجداد بودنو الكوشة)
- ملكت تغريد البلابل
- أم رماد
- بقيت مجنونك
- ضفيرة
- (الحوت) .. أو .. عشت لأغني (5-5)
- (الحوت) .. أو .. عشت لأغني (4-5)
- (الحوت) .. أو .. عشت لأغني (3-5)
- (الحوت) أو عشت لأغني (2-4)
- (الحوت) أو عشت لأغني (1-4)
- شوف القلب


المزيد.....




- السعودية.. القبض على رجل وامرأة ظهرا بطريقة -تحمل إيحاءات جن ...
- -ملكة جمال الذكاء الاصطناعي-.. الإعلان عن مسابقة هي الأولى م ...
- ازاي احمي المراهق/ة من التنمر؟
- كيفية التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت 2024 والشروط ا ...
- “قدمي الآن” رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالمنزل في ا ...
- شروط صرف منحة الزواج ومقدارها والمستندات المطلوبة من التأمين ...
- تطابق الحمض النووي.. شقيقان مراهقان يوجهان تهمًا بـ-الاعتداء ...
- “سجل الآن واحصل على 1350 ريال” التسجيل في منفعة دخل الأسرة ف ...
- ضحايا الأسيد في مصر .. جرائم عنيفة وقوانين غير رادعة
- عربيا وعالميا.. ترتيب الدول من حيث تعداد أفراد الأسرة الواحد ...


المزيد.....

- جدلية الحياة والشهادة في شعر سعيدة المنبهي / الصديق كبوري
- إشكاليّة -الضّرب- بين العقل والنّقل / إيمان كاسي موسى
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- الناجيات باجنحة منكسرة / خالد تعلو القائدي
- بارين أيقونة الزيتونBarîn gerdena zeytûnê / ريبر هبون، ومجموعة شاعرات وشعراء
- كلام الناس، وكلام الواقع... أية علاقة؟.. بقلم محمد الحنفي / محمد الحنفي
- ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر / فتحى سيد فرج
- المرأة والمتغيرات العصرية الجديدة في منطقتنا العربية ؟ / مريم نجمه
- مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي ببغداد ... / محمد الإحسايني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - مزمل الباقر - من يوميات الناس التحت