حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 1184 - 2005 / 5 / 1 - 05:55
المحور:
ملف 1 ايار 2005- الطبقة العاملة في ذكرى 1 آيار
نقد ماركس لمفهوم"الوطن" وإلحاقه بالأيديولوجيا,خطوة معرفية, تتكامل مع أبحاث فرويد,في فتح العالم الداخلي, وتحليل الشخصية الفردية إلى مراجعها الثلاث: الأنا والأنا العليا والهو. إضافة ماركس تلك, بانتقاله من المطلق الوطني, إلى طبقات المجتمع الثلاث, مع الزمن تحوّلت إلى أيديولوجيا, بفضل ثورات العلم المتلاحقة وصولا إلى ثورة الاتصالات والمعلومات الحديثة, بالترافق مع حقوق الإنسان والديمقراطية ودولة القانون والمواطنة الحديثة .
الهوية الفردية في عالم اليوم هي المنجز الحضاري الأهم, هي حصيلة الإبداع الأدبي والفني والفكري بالتزامن مع منجزات العلم وحركات الإصلاح السابقة , وتشكل البديل المناسب للطبقات والطوائف والاثنيات وجميع أشكال التمييز العنصري الصريح أو المضمر.
للأسف في ثقافتنا الأخلاقية والسياسية وحتى الأدبية,ما زالت هوية الفرد تتحدد من خارجه الاجتماعي أو الفكري حصرا, ولم يعترف بهذا الكيان(الميتافيزيقي ربما), الذي يشكل وحدة الوجود الأساسية والمستقلّة,أو التي يمكن تمييزها عن بقية العناصر الاجتماعية بسهولة.
هل يمكن الحديث اليوم ,عن طبقة عاملة سورية أو عراقية أو مصرية أو...؟ أعتقد أن في ذلك تعارضا فعليا حتى مع الميراث الماركسي واليساري عموما المعرفي والحقوقي فيما لو تمّت قراءته حاليا بشكل إبداعي. لقد فتح الأسلاف بمختلف توجهاتهم أبواب الحاضر فقط, والتعامل الإبداعي مع الموروث إمكانية قائمة, تتحقق بالنقد والتجاوز وليس بالحفظ والتكرار,ومع كل معطى جديد أو إمكانية يتغير الواقع بمجمله.
سيبقى الواقعي مفقودا إلى الأبد, كرر فرويد بيأس صريح, خبرة وعبارة سلفه الفذّ نيشة: لا يوجد واقع بل تفسيرات.
قبلهم بقرون كان بوذا يردد: الصواب والخطأ تحيّزات بشرية يستخدمها الناس لخدمة أهوائهم, ولتغذية روح التنافس والغرور, ذلك الشر العالمي.
*
ليس العلم سوى تاريخ الأخطاء المصححة, يستخلص باشلار ذلك التعريف المركّز, بعدما يستعرض الكثير من الأوهام التي ترافقت مع المكتشفات والمعارف والصناعات المبتكرة, التي غيّرت الواقع والإنسان, أساطير الكهرباء تعيد أوهام البدائيين, ومن اعتنقوها وآمنوا بها العلماء أنفسهم قبل العامّة, ومن المناسب التذكير بالأساطير التي رافقت اكتشاف التخدير, وكم من البشر تحمّلوا آلاما مرعبة, لاعتقادهم أنها ستعاد بالتقسيط فيما لو خضعوا للتخدير,أتخيل ذلك في عيادة طبيب الأسنان,وفي العيادات الجراحية المختلفة. الأفكار الخاطئة تسببت بالكوارث,أكثر من المصالح والمعتقدات المختلفة.
ألا يستحق الفرد, الذي يحمل اسمه الشخصي وبصمته الشخصية وجيناته الخاًصّة, ويولد وحيد ا ويقضي معظم عمره وحيدا وسيموت وحيدا ولو بقنبلة ذرية أو حتى كارثة كونية, ألا يستحق الاعتراف باستقلاليته الفعلية؟
سقف الألم تجاوزه الجميع, وعتبة السعادة لا يبلغها أحد.
*
أليس في كلمات:عامل,امرأة, طفل, فقير , مختلف , غني, مسؤول..., وعي زائف صريح وعنصرية مضمرة؟
من نسلبهم هوياتهم الشخصية, ونرميهم في سلّة المجاهيل الهائلة, أليسوا ضحايا غرورنا المعرفي,الذي نتقاسمه بعدالة مطلقة كالهواء؟
في المقطع الشعري الشهير لأبي العلاء المعرّي:وإني وإن كنت الأخير زمانه, نفاذ بصيرة مذهل, ويعبّر عن الغرور المعرفي المستمّر على أكمل وجه, ألا يعيش الجميع بالفكر والممارسة,وكأننا قد امتلكنا المعرفة والحقيقة والواقع؟
حاولت شرح وعرض, الأسباب والعوامل التي نقلتني من يساري سابق, اهتمامه في قضايا الدفاع عن الأوطان والمظلومين والمهمشين, كجماعات مغفلة ومتعالية دوما على الوجود الفردي ,إلى ليبرالي أو يساري جديد يتبنى قضية الفرد الذي يحمل اسم ويستحق هوية خاصة, لا تختصرها البطاقة الشخصية أو جواز السفر.
أظنني فشلت, ولا يبرر ذلك سيطرة المجاز والبلاغة على اللغة العربية,لكنه يبقى أحد التفسيرات الممكنة.
أعتقد أن عالم اليوم وإنسان اليوم, يختلفان بشكل كبير عن عالم وإنسان الأمس القريب جدا, فمن يستخدم الانترنيت والهاتف المحمول, هو مرتبط معرفيا وحتى عضويا لو أراد, بهذا العالم الذي تحول إلى قرية كونية, بعد عزلة طويلة وقاسية, كرّستها الأفكار والعقائد قبل السلطات والمصالح,وما زالت العوائق الكثيرة تمنع وصول الحقوق الفردية الأساسية إلى الإنسان في شرقنا الكئيب, وأكثر ما يحزن, تحّول أغلبية قوى اليسار, إلى عائق جديد يشارك قوى الاستبداد والتسلط فعلا وإن خالفها قولا.
اللاذقية_حسين عجيب
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟