أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله سعيد - في رثاء الناقد الراحل يوسف سامي اليوسف .















المزيد.....

في رثاء الناقد الراحل يوسف سامي اليوسف .


خيرالله سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 4121 - 2013 / 6 / 12 - 09:13
المحور: الادب والفن
    


( قليلٌ على الصديق الـوقـوفُ على قـــبره )
-الإمام علي بن أبي طالب-

عَرِفـتَـهُ قبل أن ألتقـيه، حيث قرأت لهُ ( مقالات في الشعر الجاهـلي )*1 ، واستوقفتني التفـاتتـهُ الى (الظاهرة الطللية في الشعر الجاهلي ) ولم يكن النقّـاد السابقين عليه قـد التفتوا اليها كظاهرة، بنفس الدرجة التي التفت اليها هو في كتابه أعـلاه .
كان ذلك في بداية مشواري وأنا أخطو نحو دراسة التراث العربي – الإسـلامي، في كافة عصوره .
بدمشق، كان لقائنا الأول في صيف عام 1985م ، حيث كان الصديق الشاعر والناقد عبد القادر الحصني يرأس ( جمعية الشعر والنقد ) في اتحاد الكتّـاب العرب، وكان من نشاطات الجمعية أن تقيم سنويّـاً اسبوعها الثقافي في مقر الاتحاد الكائن في أوستراد المزّة بدمشق ، حيث طَـرحت إشكاليات النقد والشعر العربي ، المعاصر والقديم، وكان ( أبو الوليد ) وتلك هي كُنيته ، حاضراً، وقـد تنـطّحَ بعض شعراء الحداثة ( النص ردن) كما نقول في لهجتنا العراقية، وحاول في مداخلةٍ له ، أن يلغي عيـون الشعر الجاهلي وما تلاه، وخصوصاً ( قصيدة لامية العرب للشنفرى ) وغيرها من القصائد، فاستوقفته بحّدةٍ، من خلال اعتراضي على هذا الرأي، الذي لا يقيم وزناً الى معنى أسبقية التراث وأهميته ، وضرورة فهم جدلية ( السابق واللاّحق ) في الأدب، فاصطفَّ بعض شعراء الحداثة معه ، حينها نهض أبو الوليد من مكانه ، وأخذ يفـنّـد كل طروحاتهم ( المبنية على القشور ) كما يسميها، حتى أخرس الجميع ، ثم بـدأ يُـنظّـر الى الحداثة، على ضوء ما تجلى في الشعر الفرنسي والشعر الإنكَـليزي، ثم توقّـفَ مع قصيدة ( ت. س . أليـوت – الأرض اليباب ) وراح يبرز محمولات التراث الإنكَـليزي على حـداثةِ أليـوت . ثم استعـرض بشكل جمـيل (النظريات النقدية في التراث العربي) منطلقاً من أن الـذائقـة هي أساس النقـد الأدبي، وما القصيدة الشعرية ماهي الاّ نتاج حياة داخلية، يحدسها الشعور، وبالتالي يرى (أن القصيدة هي من اختصاص الذوق وحده ) ثم راح يربط بين اللّغة والشعر، كـونها – أي اللّغة – تتناسب دوماً مع كيفية الشعور، وبالتالي تكون اللغة استثنائية حين تستحيل الى أثيرٍ خالص، وراح يضرب الأمثال باللّـغة الصوفية عند النُـفّري وابن عـربي ، ثم توقف برهةٍ مع القاضي الجرجاني في ( وساطتهِ) والبـاقلاّني في ( إعجـاز القـرآن ) وابن طـباطـبا في (عيار الشعر ) حيث يقول : ( وعيـار الشعر أن يورد على الفهم الثاقب، فما قَـبِلَهُ واصطفاهُ فهو وافٍ ، وما مجّهُ ونفاه فهو ناقص). ثم عـرّج يوسف سامي اليوسف بالتفاتة نقدية لشعراء الحداثة ( النص ردن ) حيث صفعهم بالقول : إن التكلّف واحدٌ من أبرز المصطلحات التي يستعملها القاضي الجرجاني في ( الوساطة) لنقد الشعر حيث يقول : ( ومع التكلّف المقت، وللنفسِ عن التصنّـعِ نّـفرّةٌ، وفي مفارقة الطبع قِلّـة الحـلاوة وذهاب الرونق واخلاق الديباجة) ثم التفت أبو الوليد الى أولئك الشعراء والنقّـاد وقال لهم : هاتوا لنا بمثلِ تلك الآراء ثم قـدّموا حداثتـكم .
الصمتُ، كان قد اطبق على جميع مَن في القاعة، والمتنطعون من شعراء الحداثة قـد انسلّوا بهدوءٍ من القاعة .
حين خرجنا من ( مبنى اتحاد الكتّـاب العرب ) عرّفني الشاعر عبد القادر الحصني على ابي الوليد، ومن حينها توثّـقت عُـرى الصداقة بيننا، وكان مُخـيّـم اليرمـوك، الذي نسكنُ في حواريه وازقّـته، يقـرّب علينا شقة المسافة، لذلك أصبحت لقاءاتنا شبه دائمة أسبوعيا .
ذات مرّةٍ ، في صباح يوم جُمعةٍ، طـرقَ عليَ الباب هو وصديقٍ معهُ، يوازيه في العُـمرِ وفي طولِ الـقامة، وحين دخلا الدارَ قـدّم أبو الوليد صديقه قائلاً : أبو حسين مطر، من أهـلِ نحِـف . فرحبت بهما، وكانت مائدة الإفطار مازالت على الطاولة، وقـد برز للعيان فيها : الزيتون والزعـتر والّلبنه والشنكليش والمكدوس، فدعوتهما للأكلِ معي، فمـدّ أبو حسين مطر يـدهُ أوّلاً وقال : الأخ أبو سعاد فقـري مثلنا ، ولفظ القاف مهموزة كالألف ، ثم أردف : (اجتمع المتعوس على خايب الرجا ) فضحكنا جميعاً . فقال أبو الوليد : أبو حسين مطر ، أشرس مناضل عرفته الثورة الفلسطينية، وهو من رفاق جورج حبش ونايف حواتمة الأوائل ، وهو من وجوه مخيم اليرموك، ثم قـدّمني إليه قائلاً : أبو سعاد ، صديقنا من العراق الشقيق . فأضاف أبو حسين مطر : ( ومن المعـتّـرين مثلنا ). فضحكنا أيضاً. وبعد ان انهينا فطورنا الصباحي، اقترح ابو الوليد الذهاب الى بيته ، لأنه عادةً في يوم الجمعة يجتمع عنده في ( البرانية )*2 ، الكثير من الأدباء والشعراء والأصحاب ، فوافقت على ذلك .
* حينما نشبت ( حرب الخليج الثانية ) كنتُ وحدي اعاني القلق والضجر وشدّة الهموم والتفكير في المجهول، فكان الراحلان أبو حسين مطر ويوسف سامي اليوسف هُـما من واسى وحدتي على الـدوام، ولم يتركاني لحظة واحدة استغرق فيها مع تلك الهموم، وظلاّ كذلك حتى خروجي من سوريا مُـكرهاً عام1993 حيث توجهت الى موسكوا .
* تتوالى الأيام، واقرأ في الصحف الفلسطينية وفاة ( أبو حسين مطر ) فرثيته على صفحات مجلة الحرية الفلسطينية، ولم تسمح ظروفي قط لزيارة مخيم اليرموك للاشتراك في حفل التأبين والمواساة لأهل الفقيد ، وانقطع التواصل بيننا منذ ذلك الحين . ثمّ أن أبا الوليد ، لم يكن من الذين يتعاملون مع ( الإيميل الإلكتروني) أو مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك ظلّ يكتب مقالاته ودراساته بخطِّ يـده ، حتى وافـه الأجل في 2- ايار- 2013م، في نهر البارد بلبنان، وهو يهرب من جحيم القتال في سوريا .
* طُرقات الغربة والأحداث الأخيرة في سوريا، كانت تقلق كلّ حُرٍّ لما يعانيه الشعب السوري، ومخيّـم اليرموك، لاحتهُ شرارة العنف المتبادل، وكان شـارع لـوبيا ، الذي يسكن في نهايته أبو الوليد ، قـد استهدف منذ البدء . ازداد قلقي عليه، وقـد كتبتُ ذات مرةٍ ( إيميلاً ) الى الصديق د. فيصل درّاج ، حيث هو الآخر يسكن في ذات الشارع وبالقرب من بيت أبي الوليد، لكني علمت – فيما بعد – أن فيصل درّاج قـد غادر المخيـّم الى عمـّـان، ويوسف سامي اليوسف ، قـد توجّـه الى لبنان، واستقر في نهر البارد، وهناك فارق هذا العالم القميء ، كما كان يسميه .
حسّـاسيته العالية،، وتقدم السِـنِّ فيه، وما يشاهده من تردي الأحداث جعلته أن يغادر هذا الكون بلا أسفٍ، فقد عانى الرجلُ طوال حياته الغربة والتشرّد، وكان قلقه الإبـداعي حالة فريدة ، أراد لها أن تؤسس الى ظاهرةٍ نقـدية في الأدب ، ولعـلَّ كتابه ( القيـمة والمعـيار ) كان أبرز مساهمةٍ لنـاقدٍ أدبي ، أراد أن يطـوّر مفاهيم النقـد في الأدب العربي ، ولكن للأسف، لم يتبلور تياراً فكريّـاً نقديّـاً، يتبنّـى تلك الرؤى ، ويخلق منها مدرسة نقدية متميّـزة ، على ضوءِ ما اجترحه من مفاهيم في ذلك الكتاب .*3 .
أبـا الـوليــد ، كُـلّنا في هـذا العـالم غُــرباء .
* * *
*1- صدر كتابه هذا ( مقالات في الشعر الجاهلي ) بدمشق والجزائر عام 1975م .
*2 – البرّانية :هي غرفة الضيوف التي يستقبل بها القادمون، من باب خارجي ، دون الدخول الى فناء الدار.
*3 – أهم الكتب النقدية التي أصدرها الراحل يوسف سامي اليوسف هي :
* مقالات في الشعر الجاهلي ط1 – الجزائر عام 1971م ، والطبعة 2 دمشق عام 1975م .
* الغـزل العُـذري – دمشق 1978م .
* بحوث في المعلقات الشعرية – دمشق 1978م .
* الشعر العربي المعاصر – دمشق 1980م .
* مـا الشعر العظيـم ؟ - دمشق 1981م .
* رعشـة المأساة – عَـمّان 1985م .
* الشخصية والقيمـة والأسلوب – دمشق 1986م .
* حطّـين – دراسة تاريخية – دمشق 1987م .
* فلسطين في التاريخ القديم – عمّـان 1989م .
* تـاريخ فلسطين – دمشق 1989م .
* ابن الفـارض – دمشق 1994م .
* مـقـدّمة للنّـفّـري – دمشق 1997م .
* القيمة والمعيـار – دمشق 2000م .
* الخيال والحريّـة – دمشق 2001م .
* تلك الأيـام سيرتهِ الذاتية – 3 أجزاء – صدر منها جزان فقط .
* سميرة عـــزام – دمشق .
* ولـه من الترجمات الكتب التالية :
* الـديانة الفـرعونية .
* مختارات من شعر أليـوت .



#خيرالله_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى الصديق سلامة كيلة - حين ينتكأ الجرح !
- المحاضرات الثقافية على نظام البالتوك
- صباح الخير أيُّها الزبداني .
- الوراقة والورّاقون في الحضارة العربية الإسلامية
- مصرِ ِ هبّت من جديد
- -لم تَضع أو تضيّع- إلى سعدي يوسف
- وقائع ندوة موسكو الفكريّة والسياسية عن إحتلال العراق
- نعـــوة - وفاة الروائي العربي الكبير د. عبد الرحمن منيف
- بغداد - معلقة سميح القاسم المعاصرة ! - الجزء الرابع والأخير
- بغداد - معلقة سميح القاسم المعاصرة !- الجزء الثالث من أربعة ...
- - بغداد - معلقة سميح القاسم المعاصرة ! - الجزء الثاني
- بغداد - معلقة سميح القاسم المعاصرة
- بيــان
- عراقيون . . . . بين الإبداع والمنفى
- سرمدية الأحرف المضاءة على صفحات التاريخ العراقي ظهور اللويثا ...
- سرمدية الأحرف المضاءة على صفحات التاريخ العراقي - معركة الغم ...
- سرمدية الأحرف المضاءة على صفحات التاريخ العراقي -قراءة في رو ...
- سرمدية الأحرف المضاءة على صفحات التاريخ العراقي- قراءة في ر ...
- سرمدية الحروف المضيئة على صفحات التاريخ العراقي قراءة في روا ...
- سرمدية الأحرف المضاءة على صفحات التاريخ العراقي : -قراءة في ...


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله سعيد - في رثاء الناقد الراحل يوسف سامي اليوسف .