أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله سعيد - سرمدية الأحرف المضاءة على صفحات التاريخ العراقي - معركة الغموكة - - الجزء الخامس















المزيد.....

سرمدية الأحرف المضاءة على صفحات التاريخ العراقي - معركة الغموكة - - الجزء الخامس


خيرالله سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 383 - 2003 / 1 / 31 - 04:35
المحور: الادب والفن
    



سرمدية الأحرف المضاءة على صفحات التاريخ العراقي
               "  معركة الغموكة "
                 " الجزء الخامس "
                              د. خير الله سعيد / موسكو
ومن التثقيف الى التنفيذ العملي، حيث كانت أحاديث المساء تصب في مسألتين: "تجذير العلاقة مع الفلاحين وتأمين السلاح والذخيرة" فيما كانت "الخبرة العملية" للفلاح "ابو صبري" في تدريب أفراد القاعدة في بناء الأكواخ القصبية، والتي اصبح محترفا بها، وطغت على ميوله وأنسته مهنة التصوير الشمسي الذي كان يمارسها في البصرة، وكان هذا الرجل متعطشا للفعل الثوري أكثر من الجميع، كان قلقا ومغتاظا في أعماقه من هذه الهجرات ـ من مكان لآخر ـ فالقواعد تبنى، والتدريب متواصل، لكن القتال مؤجل، وهذا ما يؤرقه، كان بسيطا الى حد السذاجة ومخلصا لقضيته اكثر من الأولياء، وعندما يريد الإفصاح عن شعوره ونقده للمماحكات السياسية، يوشوش لمهيار علـى انفراد: "إسمع مهيار، أنا رجل بسيط غير متعلم، لا أفهم في التيك والتكاتيك، اللي أعرفه، آني شيوعي فقير لا أملك شيء" الحياة والموت عندي سوا، الضباط والتجار والإقطاعيون ورجال الحكومة أعداؤنا صح أم لا رفيق؟" (ص204). لو استعرضنا بعض بطولات القادة الشعبيين أمثال "تشبايف" الروسي وغيره،ألا يعد ـ أبو صبري واحدا منهم، هذا الذي يقول مهيار الباهلي: "وأنا معه اشعر كأني مع كتيبة" (ص200) رجل يسهر طوال الليل للحفاظ على رفاقه، هذا واحد ممن ستخلده رواية حيدر حيدر.
أسئلة هؤلاء الناس البسطاء هي مجس معرفي للحالة الإجتماعية والسياسية ومن ثم هم أصدق الناس في الألتزام، وأثبت في الملمات، وأقوى جنانا في المواجهة، لأن الصدق في انتمائه للحزب نابع من إيمانه المطلق لقضيته. يقول أبو صبري لمهيار: "إذا بقينا ننتقل ونبني أكواخا ونمطمط كلاما في التيك والتاكتيك يربح أعداؤنا الوقت، صح ولا لا رفيق؟ 
ـ صح.
ـ يمعود، صار لنا مليون عام تايهين مثل المجانين في هذا الطين الملعون، اعطونا أوامر، نهجم عليهم ونكنس الأرض من ريحتهم الجايفة. شوف عيني مهيار! الناس تعبوا وداخوا وتراهم يقولون: "دن الرايب ما بيه زبدة" (ص 204).
تجسيدات حالة الوعي والتفاؤل الثوري والإقدام الصادق على الفعل يحتاج افئدة الجميع، وخيالات الثوريين الذين قدموا من أوربا وقرأوا مسيرة ماو وطابور لويس كارلوس  بريتس ـ البرازيلي ـ ويحلمون بأمجاد ثورة العشرين العراقية (1920)  تمتزج خيالاتهم مع مدركاتهم ومدركات الفلاحين البسطاء الذين انضموا الى القاعدة، متباهين أيضا بمجدهم النضالي ـ على الصعيد الإجتماعي ـ وبفخرهـم  واعتزازهم للإلتحاق بقاعدة الحزب الثورية في الأهوار، فهذا ـ محيسن نايف ـ كان يلقب ـ أبو الهور ـ تمرد علـى السلطات العراقية بعد أن قتل أحد شيوخ عشيرة بني زبد المعادية لعشيرته، وعصى في الهور، فارضا الخوة وحصته من المواسم على المزارعين هناك، بسطوة بندقيته التي لا تخطئ القلب والرأس. يتحدث سبع الهورفي احدى سهرات القاعدة عن حياته القاسية والمعزولة وأمجاده الشخصية، كسيد على هذه البقاع المهجورة والعائمة، وعندما ساله أبو صبري: "لماذا رفضت المجئ في البداية ، يقول: أنا محيسن نايف التي ترتعد مني السموات وأهوار العراق أرفض أن أكون دليل أطفال! وعندما بدأ الشمول يلعب به يفاجئونه بالسر الذي أختير من أجله "الهجوم على ربيئتين" ينصعق. لم يصدق في البداية… لكنه وثب صارخا بصوت ذئبي /هسة حلت/12. ثم يندفع لمعانقة أبو صبري والرفاق بنشوة الرجل الخطير الذي عرفت قيمته في الأوقات الصعبة" (ص207) هناك كشف لنفسية ابناء الاهوار نحو قيم البطولة والشجاعة، لأن وضع هذه الأماكن الخطرة تخلق فيها هذه البطولات النادرة، فأبو محيسن يرفض أن يكون دليل أطفال: وينتشي لندبه في الصعاب، هذا هو الشعور النفسي الذي يتميزون به هناك.
النص، بتوظيفاته السياسية ووصف الحالة، يشير الى حالة الإصرار للفعل الثوري، لا سيما وإن حالة التجيش النفسي كان إيقاعها يتصاعد في النفوس، لذلك قررت هذه المجموعة بدء عمليات "الكفاح المسلح" حيث نفذت أول عملية ناجحة لها في ليلة 26/أيار/1968 ـ يوم الخميس، الساعة 9 ليلا, واستولت على ربيئتين بحيلة ذكية حيث ارتدى "ظافر" بزة عسكرية لضابط حكومي وأسر ضباط المخفر والشرطة هناك (ص207 ـ 208). لكن الهوة العاطفية أدت بالملازم (ظافر) لأن يطلق أفراد الربيئتين بعد أن أخذوا السلاح منهم قائلا: "أنتم لستم أعداءنا، ولا نريد إيقاع الأذى بكم, سنستولي على الاسلحة والذخيرة، بعد أن ننسحب ستكونون أحرار، لكن تذكروا جيدا أن آلاف  الشيوعيين المسلحين الآن يغطون هذه الأهوار" (ص209).
هذه الغلطة ستكلف الجميع حياتهم، حيث أن مجريات اليوم التالي كانت نذير شؤم عليهم، فقد تاهوا في لجة الأهوار نتيجة الرياح العاتية، حيث فاجأتهم النيران المعادية في مساء اليوم التالي، واضطربت حركة زوارقهم، ثم تركوها نازلين الى احدى الضفاف وشعروا أنهم في المعركة، سلطت عليهم كاشفات الأضواء، وانهمرت عليهم النيران، وزاد ارتباكهم وفقدوا القدرة على قيادة المعركة، إلا أن اقتراح ـ ظافر ـ يقضي المخاطرة لجلب السلاح المتروك في الزوارق، كان ذلك بداية الصحوة، حيث انتدب إليها رجال الصعاب "أبو صبري وسيد درعان وعقيل حبش وجاسم تويج، فيما يقوم الآخرون بالتغطية والانسحاب بنيرانهم الغزيرة" (ص 210).
* إيقاعات الميلودراما تتصاعد في مداخل الهور، والشرطة تطبق على منافذ ضفاف النهر المنحدر باتجاه الهور، آلاف مسلحة ضد افراد قلائل، جرح أحدهم فزاد الإرتباك، واثنان من المجموعة "حسين ياسين وعبود/ يصرخان هلعا، ودوي الرصاص يهز الأفئدة ومعرفة مسالك الدروب اضاعوا بوصلتها حتى اقترح ـ عبد الجبار الهداية بالنجم ـ وعلى ذلك ساروا في الغسق الفضي يحملون جريحهم ويكممون صرخات المنهارين، ويقاومون جوعهم وبالنجم اهتدوا، ومع الفجر أدركوا أنهم في مسرى النهر ساروا ولم يدركوا مداخل الهور، ما كانوا يعرفون أين هم الآن، وما أن حل الليل اندفعوا الى ضفة النهر بالقرب من قرية كانت تلوح لهم …بعثوا ـ أبو صبري وإثنان من المجموعة لإستئجار زورق وشراء بعض الطعام، ودليل يقودهم الى هور الحمار، وذهب الجميع حيث اللاعودة، فقد عثر على جثة "أبو صبري" مقتول غيلة، وبقت حثته طافية فوق الماء عشرة أيام ـ (ص145) ـ والاثنان لم يعرف مصيرهما، السلطات العراقية استنفرت، وحاصرت الهور بالطوافات الحربية والزوارق العسكرية، والأقاويل والشائعات أخذت حيزا كبيرا بين أوساط الناس" عصيان شيوعي مسلح واسع النطاق في أهوار الجنوب" واندفع لواء من قوات الصاعقة والمظليين معززا بالقوات العسكرية السيارة لمواجهة العصيان..
وفي اليوم الخامس، يخدعهم شخص يدعي أنه "صديق محيسن نايف" وإسمه /عبد عليعل/ بعد أن يجلب لهم خبزا وطعام ثم يرشد القوات المسلحة عليهم (ص215)، تم تطويقهم على شكل قوس، والنداءات تعالت عليهم "استسلموا ولكم الامان" قابلها رشقة رشاش من أحد افراد المجموعة، الحالة النفسية عادت كما كانت عليـه. قال "شلش" الذي أطلق النار: لماذا هذه الاسلحة اللعينة إذن أهل سنموت كالكلاب وفي أيدينا السلاح" واختلفواحول الاستسلام والمساومة بشروط أو خوض المعركة غير المتكافئـة، واحتكم خالد أحمد زكي ومهيار الباهلي الى السبعة المقاتلين الذين توزعوا وراء كتل المدر الطينية وجذوع الصفصاف وفي الحفر الصغيرة المتناثرة على حافة النهر، الحشود العسكرية تكاثرت عليهم، وحسم التصويت هذا الجدالـ الحرب والمواجهة حتى الإستشهاد ـ وتسلم الباهلي القيادة، ـ التعليمات القتالية أوجزت في أمرين، تحسين المواقع في الأرض والاقتصاد في الذخيرة". ايقاع طبول الحرب ترتفع نحو الأعلى، مغطية مساحات واسعة من الهور تصل الى اكثر من خمسين ميلا، كلها تقع تحت المراقبة والحصار والرمي، في تلك اللحظات التي ينقص عددها الموت المطبق، أيقن مهيار الباهلي أنهم هالكون "قالها لنفسه وهو يقترب من "جبار ـ الرابض خلف الرشاش، والذي انطلق بغتة يغني النشيد الأممي، والذي كان يغنيه في سجن الحلة، قبل خروجه من النفق مع مظفر النواب وجماعته" (ص217)، تراجيديا الموت تقترب من كل فرد. الطائرات تقذف قنبلة يدوية جبار، يندفع غليها ليمسكها، ثـم يحاول قذفها نحو الجنود فانفجرت في يده وبترتها، شلش يتقدم باقتراح قبل الموت: "رفاق. نحـن لا نكاد نعرف بعضنا، دعونا نتعارف" (ص218). لقطة ذكية من حيدر حيدر، يخترق فيها زيف "الاسماء الحزبية" موشيا الحالة بزنبقات الوجود الإنساني الأعلى وهي تعطر حالة هؤلاء المقدمين على الموت بشجاعة نادرة "حدث الأمر في لحظة غريبة بين فسحتين من الإشتباك، حيث قدمت بطاقة تعريف عن حياة المجموعة" (ص 218).
لحظات الوداع قاتلة في نفوس العراقيين عند الشعور بالفراق الأبدي، وأكثر إلاما تبقى في نفوس الأحياء، يتساءل الباهلي وهو يبكي ويرتعد داخل تلك البرهة  الخارجة عن نظاق العقل عن مصدر الوعي الذي هبط عليهم وهم يحملونه رسائل لأهلهم: لماذا اعتقدوا أنهم سيموتون، بينما يسظل هو الحي الوحيد الباقي لحمل هذه الرسائل؟!
مع هذه التأملات تبدا هجومات الجيش، وما أن تقدموا حتى سقط منهم ستة قتلى وجرح اثنا عشر، تراجع التقدم العسكري، وقد خيل إليهـم أنهم يواجهون كتيبة من الرماة المهرة الذين لا يخطئون الرمي، صاح مهيار: لسنا قتلة أو قطاع طرق، تقدموا وخذوا قتلاكم، فلن نطلق النار" (ص 218)
.هذا التوظيف الدلالي للنداء، هو لقلب الصورة في وعي المنادى عليهم "الجيش" وهو بمثابة رسالة مشتركة من الثوار واحاسيس المولف، رغم ان الحديث حقيقي وجرى فعلا لترسل الى الناس جميعا، شعوبا ودولا، إلا أن شراسة العدو لم تبالي بهذه الاحاسيس فارسلت مع الاصيل طائراتها المروحية لتحصد الجميـع الماء والقصب وحجارة الضفاف، (المجموعة تقاتل وتسقط أحدى الطائرات المروحية، تهوي كصخرة مشتعلة، ما لبثت أن انفجرت على السطح المائي "أحدث سقوط الطائرة حالة بلبلة في الجدار المعادي، فتوقف الهجوم وانحرفت الطوافات بعيدا، وفي أعماق المفرزة المقاتلة تعالت صرخات النصر" (ص 218).
* نشوة النصر الصغيرة هذه، والمؤجلة للموت بضع لحظات، هي تلك الماثرة الخالدة لهذه الشلة الباسلة، وكم كنت أتمنى لو أن حيدر حيدر يفهم "معنى الهوسات العراقية" كما يفهمها أهل العراق، حيث أن حدث سقوط المروحية يفضي بمشاعر هؤلاء ـ بالضرورة السايكلوجية ـ لأن يهزجوا "بالهوسات" ولو استخدم  مثلا "هوسة:  "يحلالي الموت بها الساعة" لأصبحت هذه  ـ الأهزوجة ـ هي "نشيد الموت" لا سيما وأن معارك العراقيين النضالية في ثورة العشرين الخالدة كانت أناشيدها تتجلى في الهوسات، فهوسة "الطوب أحسن لو مكواري" يعرفها كل بيت عراقي، بل دونها البريطانيون في مدوناتهم، لأنها سرمدت الرعب في نفوسهم. ولكن معذور حيدر حيدر، وكان الأجدى برواة  الأحداث أن ينبهوه على ذلك سيما وأنه استخدم الكثير من المفردات الشعبية العراقية في الرواية.. 
* في حبكة  الرواية المحكمة، يزاوج حيدر حيدر بين لعبة "فن الحكاية" وثرثرة السياسة لإدانة الواقع والحالة المعاش جاعلا من كلام ابطاله الحقيقيين مخارز تفقأ العيون فمثلا ـ هذيان جبار ـ يدين موسكو وقيادة الحزب والخط اليميني، والمغامرة اليسارية والمنسحبين من صفوف المواجهة والمتفرجين على ذاك العرض المسرحي في ربوع الطبعية وهم يؤدون رقصة الموت.
"بين المدر الترابي والجذوع وحجارة النهر، ثمانية رجال بينهم جريحان ورجل منهار في مواجهة أكثر من الفي جندي، معززين بكل صنوف الاسلحة والطيران المروحي، نادوا عليهم بالاسماء واحدا واحدا ـ لا أمل لكم، لماذا تموتون مجانا" (ص 221).
كانت الدولة تريدهم أحياء، وهم يعشقون الموت، فما أن غادر جبار وهو جريح ليسلم نفسه حتى فاجأه "أبو محيسن" برشقة رشاشة وهو يصيح: كلاب أبناء العواهر، الشيوعي ينذبح ولا يستسلم" (ص 222).
هكذا بدا نشيد الموت النهائي تحت ضياء أصفر الشمس قيد التواري وراء تلال الأفق كانوا يقاتلون وهم يغوصون كالتماثيل المنتصبة داخل أطياف الموت التي اتحدت بهذا الحقل الإبليسي الذي غطى ملامحههم البشرية، وحصدتهم الطائرات، كانوا الآن حوله، ذؤابات رؤوسهم وأشلاؤهم، الأذرع النابتة في الطين والعيون المنطفئة وأنين مهيار الجريح، في لحظة تأنيب أحس أنه قاتلهم" (ص224). هكذا ينهي حيدر حيدر فصول المأساة، راسما لوحات لموت الخالدين في مياه العراق، مدبجا آيات الجمال الفني برسم تلك الأسماء بأحرف لن تنسى من ذاكرة العراقيين، أو أحرار العالم، ومدونا تاريخا بطوليا لأناس شقوا الحياة بموتهم، ليبقوا شواهد عصر في أزمنة غبراء لوثها الطغاة.
*   *   *
* لم يؤثر هذا الحدث على الخط اليميني للحزب، بل أعتبره "مغامرة يسارية" ولم نطلع لحد اليوم على وثيقة تقيمية لهذا الحدث، أقرت أو درست في المؤتمرات الحزبية، بل لاحظ بعض المراقبين السياسيين "لهجة التشفي" عند بعض قيادات ح. ش. ع! بينما كان الحدث مزلزلا في وعي الناس ووجدانهم، وبدأ الشارع العراقي يمور بغضب مكبوت، عبر عنه بمجموعة من القصائد الشعبية، كان أشهرها "رمدة الشمس"13، وبيانات مطبوعة على الرونيو من بعض المنظمات السياسية والنقابية المحظورة.
تفاعلات هذا الحدث الدامي لم تنته في منطقة الأهوار، رغم الرعب السلطوي الذي انتشر في تلك الأصقاع، حيث أخذت دوريات الشرطة، تقوم بـ "زركات" مفاجئة لبعض مناطق الأهوار، لا سيما بعد مجيء "البعث" عام 1968م بانقلاب عسكري على حكومة "عبد الرحمن عارف". إلا أن طيف أرواح أولئك الأبطال ما زال يرفرف في أهوار الغموكة والجبايش وغيرها، فبعد أقل من سنتين برزت شخصية فردية في الهور إسمها "حجام البريص" فلاح شيوعي من تلك المجموعة الثائرة، اقضت مضاجع السلطة حتى جيشت له أكثر من ألف شخص عسكري، وقاوم ولم يستسلم، ومات شهيدا، كأي بطل اسطوري عرفه التاريخ.14
* الغريب أن حيدر حيدر، لم يمد ذيول الرواية، كي يشمل بقايا الظاهرة التي رصدها إبداعيا، ويبدو أن الراوية الشاعر كاظم السماوي إقترح عليه إنصباب الرواية على الحدث المركزي.15 رغم أن الكاتب ـ حيدر حيدرـ في فصل ظهور اللويثان "يعرج على إسقاطات الحالة بعد إندحار هذه التجربة، لكن من زاوية بطش السلطة، وتصفية خصوصها من الشيوعيين، بقايا الخط الثوري، والذين رفعوا راية الكفاح المسلح في الأهوار!؟ وربما  كان لحيدر حيدر رأي آخر.

• ***********************************************************  *
12   بين الخاصرتين، نقترح إضافتها على نفس الرواية في الطبعات القادمة، لأن حالة انفعال هؤلاء الأشخاص ـ عندنا في جنوب العراق ـ اما تعليقة أو هوسة "إهزوجة".
13   بعد هذه المجزرة الرهيبة، لعب الشعر الشعبي العراقي، دورا فاعلا في تأجيج النفوس الثوريةـ في تلك المرحلة ـ وظهر عدة قصائد شعبية تدين السلطة، وتمجد هؤلاء الثوار، وقد كانت قصيدة ـ رمدة الشمس ـ ذات مفعول سحري في التاثير والإنتشار، لم يعرف قائلها، نسبها البعض الى الشاعر ـ مظفر النواب. والبعض الآخر الى الشاعر "كاظم إسماعيل الكاطع" وعندما التقيت مظفر النواب بدمشق، وسألته عنها قال: ليست لي هذه القصيدة.
كما كتب الشاعر ش. ج. العبادي ـ قصيدة جميلة لتمجيد هذا الحدث إسمها "ناعور الدهر" فيما مقطع يدين القيادة اليمينية يقول "ضفينا لهورنا مايه…  طلع خابطكم إمعكر". 
14   خص الشاعر مظفر النواب هذا البطل الاسطوري بقصيدة رثاء مطولة حملت إسم "حجام البريس" وأصدرها بديوان خاص ورسم لوحتها بيده. راجع دراستنا لهذه القصيدة المنشورة في مجلة الى الأمام الفلسطينية "العدد/ 2211 في 12 ـ 18/11/1993 والعدد /2212 في 19 ـ 25/11: 1993م، ولدينا "نية" لجمع هذه القصائد ودراستها.
15   في صيف عام 1992م عرجنا أنا والأستاذ كاظم السماوي الى منطقة "حصين البحر" في محافظة طرطوس السورية، بغية لقاء الأستاذ حيدر حيدر ولم يحالفنا الحظ في ذلك، وكانت هذه النقطة مثار نقاش بيني وبين كاظم السماوي، عن زاوية نظرة الأدب" ومهام الرواية، ولعل حيدر حيدر يعلق على ذلك. 

 



#خيرالله_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سرمدية الأحرف المضاءة على صفحات التاريخ العراقي -قراءة في رو ...
- سرمدية الأحرف المضاءة على صفحات التاريخ العراقي- قراءة في ر ...
- سرمدية الحروف المضيئة على صفحات التاريخ العراقي قراءة في روا ...
- سرمدية الأحرف المضاءة على صفحات التاريخ العراقي : -قراءة في ...
- العراق في منظور السياسة الروسية ،في الأزمة الحالية


المزيد.....




- الغاوون ,قصيدة عامية بعنوان (العقدالمفروط) بقلم أخميس بوادى. ...
- -ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر ...
- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله سعيد - سرمدية الأحرف المضاءة على صفحات التاريخ العراقي - معركة الغموكة - - الجزء الخامس