أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله سعيد - بغداد - معلقة سميح القاسم المعاصرة















المزيد.....



بغداد - معلقة سميح القاسم المعاصرة


خيرالله سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 655 - 2003 / 11 / 17 - 04:22
المحور: الادب والفن
    


" بغداد " معلقة سميح القاسم المعاصرة !  الجزء الأول من أربعة أجزاء 
نشر الصديق الشاعر – سَميح القاسم – قصيدة جديدة له، بعنوان – بغداد – في جريدة الدستور الاردنية – القسم الثقافي – في العدد 12964 – الصادر في يوم الجمعة 1/رجب/1424 هـ – الموافق 29/آب/2003.
ونظرا لأهمية القصيدة – في هذا الظرف بالذات – إرتأينا أن نقرأها من زوايا مختلفة، بغية تسليط الضوء عليها، وإبراز جواهر معانيها، وعمق استنباطات قائلها، باعتبارها واحدة من معلّـقات هذا القرن "ق21" بكل ما تحمله كلمة "معلـقة" من مضامين معرفية، إضافة الى كون القصيدة تُبرز مسؤولية الشاعر أزاء ما يحدث حوله من أمور جسام،، تحّرك فيه وازع الإبداع ووازع الموقف، فيصبح فاعلا ومنفعلا، في لجّة الأحداث، وبالتالي يعلن صوته الرافض ضد كل ما يُسي الى كيانه الحضاري، ومحموله الثقافي وانتمائه القومي، ومن ثم رفضه المطلق لكل محاولة تريد تهميشه – كمبدع – وتكميم صوته – كإنسان – لذلك أطلق سميح القاسم، هذه القصيدة – بغداد – ليقول كلمته في هذا العصر، عصر العولمة الأمريكية، والإذلال العربي والسكوت المطلق، لأنه يعي معنى الموقف ومعنى الكلمة.
*الضيم التاريخي، تلبّس الشاعر سميح القاسم منذ ولادته وحتى هذه اللحظة، إذ انه وَلدَ في ظل الإحتلال الصهيوني لفلسطين، وما زال يُعاني منه ومن العرب الذين ساهموا في خلقه، لذلك كان إحساسه المرهف شديد التأثر بالظروف المحيطة به، فأخذ يقاوم بكلمته، حالما وخزهُ الوعي الوطني، منذ نعومة أظفاره، فقال كلماته اللاهبة بين سطور أشعاره، والتي ضمتها دواوينه وأعماله التالية:
أ – أعماله الشعرية:
1. مواكب الشمس (مطبعة الحكيم، الناصرة، 1958 م).
2. أغاني الدروب (مطبعة الحكيم، الناصرة، 1964 م).
3. دمي على كتفي (مطبعة الحكيم، الناصرة، 1968 م).
4. دخان البراكين (شركة المكتبة الشعبية، الناصرة، 1968 م).
5. سقوط الأقنعة (منشورات دار الأداب، بيروت، 1969 م).
6. ويكون أن يأتي طائر الرعد (دار الجليل للطباعة والشنر، عكا، 1969 م).
7. رحلة السراديب الموحشة / شعر (دار العودة، بيروت، 1969 م).
8. طلب انتساب للحزب / شعر (دار العودة، بيروت، 1970 م).
9. ديوان سميح القاسم (دار العودة، بيروت، 1970 م).
10. قرآن الموت والياسمين (مكتبة المحتسب، القدس، 1971 م).
11. الموت الكبير (دار الآداب، بيروت، 1972 م).
12. وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم (منشورات صلاح الدين، القدس، 1971 م).
13. ديوان الحماسة / ج 1 (منشورات الأسوار، عكا، 1978 م).
14. ديوان الحماسة / ج 2 (منشورات الأسوار، عكا، 1979 م).
15. أحبك كما يشتهي الموت (منشورات أبو رحمون، عكا، 1980 م).
16. ديوان الحماسة / ج 3 (منشورات الأسوار، عكا، 1981 م).
17. الجانب المعتم من التفاحة، الجانب المضيء من القلب (دار الفارابي،         
       بيروت، 1981 م).
18. جهات الروح (منشورات عربسك، حيفا، 1983 م).
19. قرابين (مركز لندن للطباعة والنشر، لندن، 1983 م).
20. برسونا نون غراتا: شخص غير مرغوب فيه (دار العماد، حيفا، 1986م).
21. لا أستأذن أحدًا (رياض الريس للكتب والنشر، لندن، 1988 م).
22. سبحة للسجلات (دار الأسوار، عكا، 1989 م).
23. أخذة الأميرة يبوس (دار النورس، القدس، 1990 م).
24. الكتب السبعة / شعر (دار الجديد، بيروت، 1994 م).
25. أرض مراوغة. حرير كاسد. لا بأس (منشورات إبداع، الناصرة، 1995م).
26. سأخرج من صورتي ذات يوم (مؤسسة الأسوار، عكا، 2000 م).
ب – السربيات:
1. إرَم (نادي النهضة في أم الفحم، مطبعة الاتحاد، حيفا، 1965 م).
2. إسكندرون في رحلة الخارج ورحلة الداخل (مطبعة الحكيم، الناصرة، 1970 م).
3. مراثي سميح القاسم (دار الآداب، بيروت، 1973 م).
4. إلهي إلهي لماذا قتلتني؟ (مطبعة الاتحاد، حيفا، 1974 م).
5. ثالث أكسيد الكربون (منشورات عربسك، حيفا، 1976 م).
6. الصحراء (منشورات الأسوار، عكا، 1984 م).
7. خذلتني الصحارى (مطبعة فينوس، الناصرة، 1998 م).
8. كلمة الفقيد في مهرجان تأبينه (مؤسسة الأسوار، عكا، 2000 م).
 
ج – أعماله المسرحية:
1. قرقاش (المكتبة الشعبية، الناصرة، 1970 م).
2. المغتصبة ومسرحيّات أخرى (دار الكاتب، القدس، 1978 م).
 
د – الحكايات:
1. إلى الجحيم أيها الليلك (منشورات صلاح الدين، القدس، 1977 م).
2. الصورة الأخيرة في الألبوم (دار الكاتب، عكا، 1980 م).
 
هـ – أعماله الأخرى:
1. عن الموقف والفن/ نثر (دار العودة، بيروت، 1970 م).
2. من فمك أدينك / نثر (الناصرة، 1974 م).
3. كولاج / تعبيرات (منشورات عربسك، حيفا، 1983 م).
4. رماد الوردة، دخان الأغنية / نثر (منشورات كل شيء، شفاعمرو، 1990م).
5. حسرة الزلزال / نثر (مؤسسة الأسوار، عكا، 2000 م).
 
و – الأبحاث:
• •        مطالع من أنطولوجيا الشعر الفلسطيني في ألف عام / بحث وتوثيق (منشورات عربسك، حيفا، 1990 م).
 
ز – الرسائل:
• •        الرسائل/ بالاشتراك مع محمود درويش (منشورات عربسك، حيفا، 1989م).
* * *
* لم تكن بغداد مجرد إسم لمدينة عربية، بل هو تراكم كمي لمخزون حضاري - تاريخي، أفرزته الحضارة البابلية، وعلمت عليه ألواح سومر، وأنضجته الأبجدية العربية، وشذبت خصائله الفلسفة الإسلامية المتلاقحة مع الثقافة اليونانية، وَرَعتهُ الخلافة العباسية، بعد أن أولدتهُ من رحمها وحياضها، فكان الإسم دلالة تاريخية - حضارية اختزلت العصور، وتخطّت آفاق المعرفة، فصار الشاخص الثقافي الذي تدور حولهُ ثقافة العرب.
وأصبح كل اهتزاز لهذا – الشاخص – يؤثر بالوجدان العربي، إن على الصعيد السياسي أو الثقافي، حتى وإن كان هذا الإهتزاز من داخل "الشاخص" نفسه. وأوّل من يتأثر بهذا الإهتزاز هو الوسط الثقافي، لاسيما الشعراء منه، لذلك نشاهد شعراء العصر العباسي – بكامل محيط الخلافة – قد تأثروا بالأحداث التي وقعت في بغداد إثر الصراع السياسي بين الأمين والمأمون وعند انتقال – رمزية الشاخص – من بغداد الى سامراء " سُرَّ مَنْ رأى" أيام المعتصم، اذ برزت "مطولات وقصائد" ترثي بغداد وما حَلَّ بها، محمّلة وزر الأحداث على مُشعلي فِتَنِها، لاسيما – الحكّام –. ومن تلك "المرثيات" كانت: "رائعة أبي يعقوب الخُريمي" التي يقول، في بعض أبياتها – المنظومة على المنسرح –: (1)
  "قالوا   ولم   يلعب   الزمانُ   ببغــ   ـداد   وتعثثر   بها   عـواثـرهــــا
  إذ   هي   مثلُ   العروس   باطنهــا   مُشوّق   للفـتـى   وظـاهــرهــــــا
  جَـنـة   خُـلـدٍ   ودار   مـغـبـطــــــةٍ   قَـلَّ   مـن   الـنـائـبـاتِ   واتـِرُهـا
  دَرّت   خلـوف  الـدُنـيـا  لـسـاكـنـها   وقَـلَّ   مـعـسورهـا   وعـاسرُهــا
  ياهل  رأيت  الأملاك  ما  صنعـت   إذ  لم  يـَرُعها  بالنصح ِ  زاجرها
  ما   ضَـرّها   لو   وَفـَتْ   بموثقِـهـا   وأسـتـحـكـمت  بالتقى  بصائـرها
  ولم   تُـسـافـك   دمـاء   شـيـعـتـِهـــا   وتـبـتعــث   فـتـيأة ً   تـكابـرهــــا (2)
* * *
وعلى منوال الخريمي يحذو بعض فتية بغداد، وهم يبكونها، فقد نقل الطبري في تاريخه، والمسعودي في (مروجه). (3)
  بـكيـتُ   دمـًا   على   بـغـدادَ   لـَمـّا   فـقـدت  غضارة  العيش ِ  الأنيق ِ
  تـبـدّلـنـا   هـمـومـًا   مـن   ســـرور   ومـن   سـعـةٍ  تـبـدلـنـا  بـضـيــق
  أصـابـتـهـا   مـن   الحُسّـادِ   عـيـنٌ   فأفـنـت  أهـلـهـا   بـالـمـنـجـنـيــق
  فـقـومٌ   أُحـرقوا   بـالـنـار   قـسـرًا   ونـائـحـة   تنـوحُ   على   غريق ِ
  وصـائـحـة   تـنـادي   واصـبـاحـــا   وبـاكـيـة   لـفـقـدان   الـشـفـيـــق ِ
  ومغــتـربٌ   قـريـب   الدار   مُلقـىً   بلا   رأس   ٍ بقارعـة   الطريـق ِ
  فـلا   وَلـدٌ   يـقـيـمُ   عـلـى   أبـيــــه   وقد هربَ الصديقُ من الصديــق ِ
  ومهـما   أنـْس   من   شـيءٍ   تَولى   فـإنـي   ذاكـر   دار   الـرقـيــــق ِ
* * *
*وحسرة المثقّف على بَلَده أحرُّ من حسرة الإنسان العادي، لأن عامل الإبداع في روحه أكثر إيلامـًا لها، فاحتراقه يوغل في كامل كيانه، فيعبّر عن هذا الأحتراق بأدبٍ مكتوب، كي يبقى مع بقاء الحدث، ويُذكر مَعهُ ساعة الإستذكار، ومن هذه الناحية خَلّدَ الأدباء أقوالهم وأشعارهم في مثل هذه الأحداث الجسام، فهذا عمرو بن عبد الملك الورّاق، يُبكي بغداد ، بنونيّة قاتلة، نظمها على بحر البسيط، فكانت بحرًا من اللوعات، يقول هذا الورّاق: (4)
 
  مَنْ  ذا  أصابـكِ  يا بغداد  بالعيـن ِ   ألـمْ  تكوني  زمانـًا  قرة  العَيـن ِ؟
  ألـم  يكن  فيـك ِ أَقوامٌ  لهم  شـرفٌ   بالصالحاتِ  وبالمعروف  يلقوني
  صاحَ الزمانُ بهم بالبين فانقرضوا   ماذا  الذي فجعتـنـي لوعة  البيـن ِ
  أستودع  الله   قومـًا  ما   ذكرتهــم   إلا تحدّر  ماء  العين  من  عينــي
  كانـوا   ففرّقهم   دهرٌ   وصَدَّعهـم   والدهرُ  يُصدع  ما بينَ الفريقين ِ
  لله   دَرَّ   زمـان   كـان   يجمعـنــا   أين الزمان الذي ولّي ومن أيــن؟
* * *
ويتناوح مع عمرو الورّاق شاعرٌ أعمى إسمه عليّ بن أبي طالب، كإسم الخليفة الراشدي الرابع (5) فيُرثي بغداد، نتيجة حرب الأخوين – الأمين والمأون، بقصيدة عصماء رائية نافت على الأربعين بيتـًا، منها: (6)
  كأن لم تكن بغداد أحسـن منظـرا   ومـلهـىً  رأتـه  عـيـنُ  لاهٍ   ونـاظـر ِ
  بلى،  هكذا  كانت  فبدَّدَ  حُسنهـا   وبَـدَّد  منـها  الشمـل  حكـمُ   المقـادر ِ
  وحَلَّ  بها، ما حَلَّ بالناس ِ قَبَلهم   فـأضـحوا  أحاديثـًا  لبـادٍ   وحاضــر ِ
  أبيني  لنا  أيـنَ  الذين عَهـَدْتُـهــم   يحلّون في روض ٍ من العيش ِ ناضر ِ
  وأين الملوك في المواكبِ تغتدي   تُـشـبَّـه  حُسنـًا   بالنجوم ِ  الـزواهــر ِ
  وأين  القضاة  الحاكمون  برأيهم   لـورد  أمُور ٍ  مُـشـكلات   المصـادر ِ
  وأين الجنان المونقاتِ  بحسنهــا   وأيـن  قصـور  الشط  بين  العوامِــر ِ
* * *
وحين تَحّول صولجان الخلافة العباسية في عهد المعتصم الى "سُرَّ من رأى" أي – سامراء – الحالية، كعاصمة بديلة عن بغداد، نتيجة كُره أهل بغداد لجنود المعتصم الأتراك، إخشوشنت طباع الناس على الخليفة والخلافة، وحَسّوا أن هناك مُجافاة متعمدة من "السلطان" لتجاوز هذا – الشاخص – الحضاري، فانفعلت قريحة الشعراء لذلك الحَدث، وتألموا لهذا التحوّل، وكان دعبل الخزاعي ومحمد بن عبد الملك الزيّات، أشهر الشعراء الذين بكوا بغداد ورثوها، يقول الزيّات: (7)
  الآن   قام   على   بغداد   ناعيهــــا   فليبكها  لخراب  الدهر  بانيـهــا
  كانت على ما بها والحربُ باركــة ٌ   والهدم يغدو عليها من نواحيهــا
  تُرجى لها عودة في الدهر ِ صالحة   فالآنَ أضمَرَ منها اليأس راجيها
  مثل  العجوز  التي  وَلت   شبيبتُهـا   وبانَ  منها  شبابٌ  كانَ يحظيها
  لزّت  بها  حُرّة  زهراء  واضحـــةٌ   كالشمس  مكسوةٍ  دُرّ ًا  تراقيهـا
* * *
ليسَ فقط رؤية الشعراء تتحدّد في رقعة مكانية ما، ولكن بصيرتهم النافذة تتخطّى تلك الرقعة الى غيرها من الأمور، لاسيما في مسألة سياسة الدولة وشؤون الرعية، وانغماس "السلطان" في الملذات وترك أمور الدولة، دون رقابة أو حسيب، الأمر الذي يدقُّ ناقوسه الشعراء، قبل وقوع الأحداث القاصمة للظهر، فكانوا يسبقون الأحداث بالتنبيهِ عليها، فهذا المجد النشابي (ت657هـ) يصف أحوال الناس في بغداد وسوء سياسة الخلفاء فيها، قبول سقوطها على يد المغول سنة 656هـ/1258م: (8)
  عن  فتيةٍ   في  الديـن  إنـتـهـكــوا   حُماهُ جهلاً برأي فيه إفســـادُ
  إذا ترامت أمور الناس ليس  لهــم   فيها رواءٌ ولا حزمٌ وإنجـــادُ
  أما  الوزير  فمشغول   بعـنـبـــره   والعارضان فَنَسّاجٌ  ومَــــدّادُ
  وحارس الباب طورًا شاربٌ ثَمِلُ   وتارة َ هو جنكيّ  ٌ وعَـــــوّادُ
  أين  المنيّة  منّي  كي  تساورنــي   فـللـمـَنـيّة  إصدارٌ   وإيــــرادُ
  من  قَبل ِ واقعة  شنعاء  مُظلمــةٍ   يشيبُ من هو لها طِفلٌ وأكبادُ
* * *
وحين لم يصغ الخُلفاء العباسيون الى إنذارات الوسط الثقافي وأجراس الشعراء، سقطت بغداد، وَوَضع  المغول السيف في رقابِ أبنائها مُدّة أربعين يوما، كما يقول إبن الفوطي (9)، فيما سقطت بغداد خلال ليلة وضُحاها في ظل "صدام الطاغية" ليلة 9/10 نيسان 2003 م؟! عند سقوط بغداد العباسية، أستشعر الناس سقوط الحضارة العربية - الإسلامية، وليس فقط سقوط الخلافة، ومن هناك، كانت مرثيات ذلك الأوان بمثابة نواقيس دائمة الرنين في آذان الزمن والدهور القادمة، ولكن مَنْ سمع تلك المرثيّات؟ّ!
يقول الشيخ تقي الدين إسماعيل بن إبراهيم التنوفي /ت 672 هـ/ وهو ينوح على بغداد، بعد سقوطها، بقصيدة طويلة، تقع في 66 بيتـًا كما يقول إبن تغري بردي(10)، يقول في مُفتتحها:
 
  لسائل  الدمع  عن  بغداد  أخبـــارُ   فما  وقوفك  والأحباب قد ساروا
  يا زائرين الى الزوراء لا تَفـــدوا   فما  بذاك  الحمى  والـدار  دَيــّارُ
  تاج الخلافة والربعُ الذي شرفــتْ   بـهِ  المـعـالـمُ  قـد  عَـفـاهُ  إقـفــارُ
  أضحى لعطف البلى في ربعه أثرٌ   وللـدمـوع  عـلـى  الآثـار  آثــــارُ
  يا نارُ قلبي من نار ٍ لحربِ وغـىً   شبّت عليه ووافى الربع ِ إعصارُ
  علا الصليب على أعلى منابرهــا   وقام  بالأمر  مَنْ  يحويه  زنـــارُ
  وكم حريم سبتهُ التـُرك غاصبـــة ً   وكان من دون ِ ذاك السَتر أستارُ
  وكم بدور ٍ على البدرية انخسفـت   ولـم  يـَعُـدْ  لـبدور  ٍ مـنـهُ  بـــدارُ
  وكم ذخائر أضحت وهي شائعــة   مـن  النهاب  وقد  حازتهُ  كُـفّــارُ
  وكم  حدُود  أُقيمت  من  سيوفهـم   على الرقاب  وخطّت  فيه  أوزارُ (11)
* * *
ومن الشعراء الذين أدمت قلوبهم لسقوط بغداد وبكوا عليها بُكاءً مُرّ ًا، كان أبو عبد الله محمد بن الحسين الموصلي، المعروف بابن الشروني، فرثاها قائلا:(12)
  ذهـبَ  الـحيـاءُ  وخفـّتِ  الأحــلامُ   وجرت دموع العين وهي سجامُ
  واستُقبح الصبر الجميل وقد هوى   نجم الهُدى وتضعضع الإســلامُ
  وانزل على  بغداد  واندب  أهلهــا   دار السلام   وقُـل عليك ســلامُ
  فإذا رأيتَ  وقد عَفتْ  من  أهلهـــا   واعتادها  بعد  الضياءِ  ظـــلامُ
  فـانشد  هـناك  وقُـل بقلـبٍ  والـــهٍ   "يا دار ِ ما صنعت بكِ الأيــامُ"
  وتَمشّى  في  تلك  الرسوم  ونادها   "لم  يبق  فيكِ  بشاشة  تـُشتـــامُ
  عهدي  بربعِكِ  للعلوم  مواطـــــنٌ   إذ  أنتِ  للحُور ِ الحسان  مقــامُ
  "عرم الزمان على الذين عهدتهــم   بكِ  قاطنين  وللزمان  ِ عـرامُ"
  ويَلاهُ  يا بغـداد  أورثـتِ  الحشــــا   نارًا  لها  بين  الضُلوع  ضِرامُ
  مـا  أنـتِ  إلا  مـن  بقايـا  كربـــلا   ولو  انتسبتِ  لصحّتِ  الأرحامُ
  فلأندبـنَّ  عـلـى  القتيـل  بكربـــلا   وعليهُـم  مـا  دامـت  الأعــــوامُ
* * *
ويلحق موفق الدين القاسم بن أبي الحديد /ت 656 هـ/ بركب الباكين على بغداد فيرثيها بحائية، ملؤها الحزن والأسى، يقول فيها: (13)
  لو لا البُكاء لما قدرتُ على الأسى   إن  البُـكـاء  معونـةَ  الملتــــاح ِ
  لو  أنَ  روحًا  فارقت  من  شِــدّةٍ   لوَجدتَ روحي أسرع الأرواح ِ
  لا تعذل السكرانَ من خَمر الهوى   مِمّـا  يكابـدهُ  وقلبـك  صـاحـي
  قد  أوحشتني  دار  علوة  ً لأدرى   إنسانها  في  ليلتي  وصباحــي
  نعـب  الغُـرابُ  بأهلهـا  فتفرقـوا   بالنهبِ  بين  صفائح  ٍ ورماح ِ
  تركوا  منازلهم  وصاروا  جيرة ً   للوحش ِ بين مفاوزٍ وضواحـي
  كانت طريقي قبل حادثة النـــوى   وهوى غَدّوي دائمًا  ورواحــي
  فاقرا السلام على الأهل ِ وقل لهم   بنتـم  فبانـت  بعدكـم  أفـراحــي (14)
ومن هناك، عند طرف الخلافة الشرقي /بلاد فارس/ ينفلت سعدي الشيرازي برائيّة طويلة، تقع في 91 بيتا، نظمها على البحر الطويل، مذكرّ ًا ممدوحهُ "أبي بكر سلطان البلاد" بفجيعة الإسلام بسقوط بغداد على يد المغول، يقول فيها: (15)
  حَبَسْتُ  بجفنى  المدامعُ  لا  تجـري   فلما  طغى  الماء استطالَ على  السُكـر ِ
  نـَسـيـمُ  صبـا  بغـداد  بعد  خرابهــا   تمنيت  لو  كانت  تـمـرُّ  عـلـى  قبــري
  لأن  هلاك  النفس عند أولي النُهـى   أحبُّ لهُ  من  عيش  ِ منقبض  ِ الصدر ِ
  لزمتُ اصطبارًا حيث كنتُ مفارقـًا   وهـذا  فِـراق  لا  يـعالـجُ  بـالـصـبـــــر ِ
  لـقـد  ثـكُـلـت  أم  الـقـرى  ولكعبـــةٍ   مدامعُ  في الميزاب تُسكبُ في الحِجْــر ِ
  بـكـت  جُـدُر  المستنصـريـة  ندبــة   على العُلماء الراسخين ذوي الحِجر ِ(16)
  نـوائـب  دهـر  ٍ ليتني  متُ  قبلهـــا   ولـم  أرَ  عـدوان  السفيهِ  على  الحَبــْر ِ
  مـحـابـرٌ  تـبكـي  بعـدهم  بسوادهــا   وبعض  قلوب  الناس  أحلكُ  من  حِبَـر ِ
  مَـرّرت  بصُـمّ  ِ الراسيات  أجوبهـا   كخنساءَ  من  فرط  البُكاء  على صخر ِ
  أيا ناصحي بالصبر دعني وزفرتي   أموضعُ  صبر ٍ؟  والكبود  على  جمــر ِ
  وقـفـتُ  بـعـبـادان  أرقـبُ  دجـلــــة   كـمـثـل  دم  قـان  ٍ يـسيـلُ  الى  البحــر ِ
  وفائض دمعي من  مصيبة  واســطٍ   يـزيـد  عـلى  مَـدّ  البـحيـرة  والـجـــزر ِ
  فأين بنو العبـاس مفتخـر والـــورى   ذوي الخلق ِ المرضي  والغُـرر الزُهـر ِ
  غـدا  سَمَـرًا  بين  الأنـام  حديثُهـــم   وذا  سَمَـرٌ  يُدمَـي  المسامـع  كالسُمـــر ِ
  وفي  الخبر  المروي  دين محمّــــدِ   يـعـودُ  غـريـبـًا  مـثـلَ  مُبتـدأُ  الأمــــر ِ
  فلا  انحدرت  بعد الخلائف دِجلــةُ   وحافاتُها  لا  أعشبت  ورقَ  الخضــر ِ
  أ يذكرُ  في  أعلى  المنابر خطبـــة ٌ   ومعتصـمٌ  بالله  لـمَ  يـكُ  فـي  الذكـــر ِ
  فليت صماخي صُمَّ قَبل استماعـــهِ   بهتـكِ  أساتيـر  المحـارم  في  الأســـر ِ
  عدونَ سبا يا سبسبـًا بعد سَبْسَــــبِ   رخائم  لا  يسطعَن مشيـًا على الحِبـــر ِ
  وإن  صباح  الأسر  يـومَ  قيـامـــة   على  أُمَم  ٍ شعثٍ  تساق  الى  الحشــر ِ
  ومستصـرخٌ   للمرؤة  فانصـــروا   ومَنْ يُصرخ العصفور بين يدي صَقر ِ
  وقـفـتُ  بـعـبـادان  بـعـد  سـراتهــا   رأيـتُ  خـصـيبـًا  كالمنى  بدم  ِ النحـر ِ
  رعى  الله  إنـسـانـًا  تـيقـظ  بعدهـم   لأن  مصابَ  الزيـد  مزجـرة  العمـرو ِ
  ألا  إنـمـا  الأيـام  تُـرجـعُ  بـالعـطـا   ولـم  تكـسُ  الا  بعـد  كسوتهـا  تُعـري
  وراءَك  يـا  مغـرورُ  خنجر  فاتكٍ   وأنتَ  مُطاطي لا تفيق ولا تـــدري (17)


يتبع في الجزء الثاني من هذه الدراسة ..



#خيرالله_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيــان
- عراقيون . . . . بين الإبداع والمنفى
- سرمدية الأحرف المضاءة على صفحات التاريخ العراقي ظهور اللويثا ...
- سرمدية الأحرف المضاءة على صفحات التاريخ العراقي - معركة الغم ...
- سرمدية الأحرف المضاءة على صفحات التاريخ العراقي -قراءة في رو ...
- سرمدية الأحرف المضاءة على صفحات التاريخ العراقي- قراءة في ر ...
- سرمدية الحروف المضيئة على صفحات التاريخ العراقي قراءة في روا ...
- سرمدية الأحرف المضاءة على صفحات التاريخ العراقي : -قراءة في ...
- العراق في منظور السياسة الروسية ،في الأزمة الحالية


المزيد.....




- -ربيعيات أصيلة-في دورة سادسة بمشاركة فنانين من المغرب والبحر ...
- -بث حي-.. لوحات فنية تجسد أهوال الحرب في قطاع غزة
- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله سعيد - بغداد - معلقة سميح القاسم المعاصرة