|
عذابات السني العراقي
أسعد البصري
الحوار المتمدن-العدد: 4106 - 2013 / 5 / 28 - 12:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يبق عندنا سوى الذكريات . توقَّفَتْ حياتُنا تماماً ، ربما لأن هناك شيئا مهما و ضروريا ، أخذوه منا . الوجدان ، والأرض ، والهدف من الحياة . لا نستطيع حتى زيارة العراق . كيف تزوره وأنت هدف الكواتم ، والسجون السرية ، والخطف ؟؟ . إنك خائف ، أو هارب . كان هناك فتى اسمه مثنى الدليمي ، وصل إلى كندا بعد رحلة شاقة من أذربيجان و روسيا . كنتُ أراقبه يحاول الإندماج بعراقيين مهاجرين مثله ، قدموا قبله إلى كندا ، من مخيم رفحاء السعودي . بكل أسف كان يصطدم بحقد طائفي طبيعي ، بسبب ظروف العزل ، والإحتجاز في مخيم رفحاء ، وحوادث جرت قبل سنوات في السعودية . اختلط الدليمي " مثنى " بالجزائريين ، والمغاربة بسبب الرفض غير المعلن ، و عدم الترحيب الذي شعر به من أبناء وطنه العراقيين الشيعة . فهو " دليمي " و ليس جنوبيا أصلا . لم يستطع مثنى التكيف مع الجزائريين ، والمسجد ، والتعصب الديني السني ، فبقي وحده ، إلى أن أصيب بجلطة دماغية . زرته في المستشفى مرتين ، كان يتكلم معنا باللغة الروسية ، يفهم ما نقول لكنه يكلمنا بالروسي . بعد أسبوع هرب من المستشفى ، ثم عثرت عليه الشرطة بعد شهر من البحث في شوارع أدمنتون ، مدينة تبعد ثلاثة آلاف كيلو مترا عن المستشفى التي هرب منها . الطائفية أصبحت طردا من الوطن ، والوجدان ، والشعب . لا تزور بلادك ، ولا تتاجر معها ، ولا تشتري فيها بيتا . لأنك مطرود . وهذا الطرد يتحول إلى طرد نفسي ، واجتماعي ، وثقافي ، إلى وسيلة قتل معنوي ، و حصار . ربما السبيل الوحيدة ، أن تكون طائفيا أيضا ، لكي تستطيع العيش . لابد من وجدان يملأ رئتيك الوجوديتين لتستطيع البقاء . الهزيمة صعبة ، وفقدان الوطن صعب ، والغربة صعبة . هل تحرر جبران خليل جبران في غربته بأمريكا من الحنين إلى لبنان ، و من محبة السيد المسيح ؟؟ . الذكريات هي الوطن ، هي ذلك الشعور الذي فقدناه ، حين كان لنا ، وطن رغم سلبياته و مساوئه . نحن الآن مطرودون من العراق ، و منزوعة هويتنا ، و تربتنا ، و رتبتنا العراقية . هذه حقيقة وليست مزاحا . هؤلاء الشيوخ البسطاء في الأنبار حين يقولون ساحة " كرامة " ، و جمعة " هوية " ، و جمعة " إقليم " ، و جمعة " العراق خيارنا " . يعبرون بذلك التناقض الحزين السوداوي ، عن وجع عميق ، و عشق خائب ، من طرف واحد للوطن . نحن في الحقيقة لا نحب صدام حسين ، لكننا أحببناه فيما بعد . لأنه كان زعيمنا جميعا . اليوم ذهب الشيعة بزعمائهم ، وذهب الأكراد بزعمائهم . فبقينا بثياب السجون الصفراء والبرتقالية ، أو عراة تماماً في المنتصف . نحب صدام حسين لأنه آخر رجل ، وافق أن يكون زعيما لنا . ها نحن الآن بلا زعيم . السيستاني ليس زعيمنا ، ومسعود البارزاني ليس زعيمنا . فمن هو زعيمنا ؟ . طارق الهاشمي الإرهابي الهارب المحكوم بالإعدام ؟ . العيساوي المطرود الفاسد ؟ . هؤلاء ليسوا زعماء ولا يمثلون أحدا . نريد زعيما نشتمه ، ونتهمه بالفساد ، لكننا نمشي في بغداد رغم شتمنا له ، و مظاهراتنا ضده . هل هذا ممكن ؟ . أين هي أرضنا ؟ و أين هو أماننا ؟ . السنة عليهم أن يقاتلوا الحكومة ، لا يوجد حل آخر . يقولون هناك حرب إقليمية عظيمة ستحدث ، نقول " ياريت " . أخشى أن تكون مجرد كذب . لو تحدث حرب ، تعقبها مفاوضات ، و نحصل على شيء ربما . نحن الآن ، لا شيء عندنا ، سوى هذه الحياة الذليلة التي تنتهي في المصحات ، والسجون السرية ، والمقابر . سوى حبلٍ من مَسَدْ ، شنقوا به صدام حسين ، وربطونا جميعا به . سوى مساجد موسومة بالإرهاب ، تفوح منها رائحة عمر بن الخطاب ، و رائحة عائشة الكريهة عند هؤلاء القوم . نعيش ظلاما دامسا ، كظلام البرامكة في سجن هارون . نخاف أن يَتَخَطَّفَنا الناسُ من حولنا ، كما حدث للأمويين في العهد العباسي . نركض بأقصى سرعة ، لا نعرف إلى أين ، نسمع طبول حرب ، فننهض مستبشرين ، لنكتشف ، حين تطلع الشمس ، أنها دقات قلوبنا الواهمة . لا يوجد فرار للشعوب المقهورة إلى هذا الحد ، يجب أن ندخل النار ، حتى تجف قلوبنا من الكآبة والدمع و الحياة .
#أسعد_البصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرب الحبيبة
-
وما هو ضرر الحروب ؟
-
البحرين قميص عثمان الإمبراطورية الخمينية
-
عَمّتِيْ أَمِيْنة ، و جَرَّتُها الثّقِيْلة
-
النخبة والعامة
-
شَهْوَةُ الحرب
-
وَجَعُ الحياة
-
أوديسيوس
-
الشُّعَراء من نَفْسٍ واحدةٍ
-
الصَّلاة
-
الإسلام تجربة روحيّة ، و ثقافة
-
الشاعر علوان حسين و دموعه
-
أدب الصَّمْت عند هنري ميللر
-
عن الشاعر المسلم
-
الحرية والإغتراب
-
رَحْمَةُ الله
-
حلاوَةُ أَقْدامِكُنَّ ، التَّمرُ المچبوس
-
الشاعرة العراقية سوسن السوداني
-
الشاعر علي محمود خضيّر
-
ذاكرةٌ لِشَيْءٍ يَتَكَرَّرُ
المزيد.....
-
بالفيديو.. لحظة انبثاق النار المقدسة في كنيسة القيامة
-
شاهد: إنقاذ 87 مهاجراً من الغرق قبالة سواحل ليبيا ونقلهم إلى
...
-
الفطور أم العشاء؟ .. التوقيت الأمثل لتناول الكالسيوم لدرء خط
...
-
صحيفة ألمانية: الحريق في مصنع -ديهل- لأنظمة الدفاع الجوي في
...
-
مسؤول إسرائيلي: لن ننهي حرب غزة كجزء من صفقة الرهائن
-
قناة ألمانية: الجيش الأوكراني يعاني من نقص حاد في قطع غيار ا
...
-
تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل
...
-
الطعام ليس المتهم الوحيد.. التوتر يسبب تراكم الدهون في البطن
...
-
قوات الاحتلال تنسحب من بلدة بطولكرم بعد اغتيال مقاومين
-
-اللعب الخشن-.. نشاط صحي يضمن تطوير مهارات طفلك
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|