أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - تسييس الدم البشري في العراق















المزيد.....

تسييس الدم البشري في العراق


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 4102 - 2013 / 5 / 24 - 01:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


القنبلة التي استهدفت جامعاً للعرب السنة في محافظة ديالى المختلطة، وأودت بحياة أكثر من أربعين شخصاً يوم الجمعة 17 مايس /آيار الجاري، فجرت معها الكثير من التساؤلات والهواجس حول المدى الذي بلغه الاستقطاب الطائفي بعد الغزو الأميركي والدخول العنيف والدموي لتنظيم القاعدة في المشهد العراقي وسنوات الاقتتال الطائفي التي تلت الغزو وبلغت ذروتها سنة 2006 وما بعدها.
هذه الجريمة المروعة والمدانة تعتبر، من حيث الهدف الذي استهدفته، حادثة نادرة أو قليلة النظير فالجرائم المثيلة وخصوصا تفجير المفخخات والعبوات كانت تستهدف المناطق ذات الغالبية السكانية من المسلمين الشيعة، عرباً وغير عرب، إضافة إلى المناطق التي تقيم بها الأقليات القومية والدينية الأخرى بشكل كثيف.
أعقبت ذلك التفجير حملة إدانة واسعة شارك فيها على جهة التحديد السياسيون ورجال الدين والمسؤولون الحكوميون الكبار والفعاليات المجتمعية من العرب السنة وخصوصا في مناطق الشمال الغربي من العراق، كما وجهت دعوات للإضراب العام وإغلاق المحلات والمؤسسات في المحافظات الثلاث: الأنبار و صلاح الدين ونينوى. و طالبت جهات سياسية نافذة في هذه المحافظات الهيئات الدولية وخاصة الأمم المتحدة باعتبار جريمة التفجير من جرائم الإبادة الجماعية وكأن هذا التفجير هو الأول الذي يحدث في العراق أو في الشرق الأوسط. من جانبه سارع رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي وهو من المكون العربي السني إلى الإدلاء بعدة تصريحات حادة أدان فيها التفجير ثم انتقل هو شخصيا إلى محافظة ديالى، و في مبادرة هي الأولى من نوعها، تفقد الجرحى الذين سقطوا في التفجير ونقلوا لتلقي العلاج هناك و واساهم وتحدث إليهم.
هذه التداعيات القوية لجريمة التفجير جعلت عددا من المحللين والمراقبين يتساءلون عن العمق المحرج والغائر الذي بلغه الشرخ المجتمعي الطائفي، خصوصا بين عرب العراق الذين يشكلون أكثر من 85% من مجموع السكان، والمنقسمين الى طائفتين دينيتين عاشتا جنبا إلى جنب منذ قيامهما وتشكلهما الكياني المجتمعي في العهد العباسي. البعض تساءل عن دلالات هذا التضامن القوي والذي لا سابقة له الذي أبدته المحافظات الثلاث ذات الأغلبية العربية السنية مع ضحايا تفجير "السارية" و تساءل كثيرون عن مغزى أن يبادر رئيس مجلس النواب الى القيام بتلك الزيارة الى الجرحى و قد امتنع عن القيام بمثلها في عشرات المناسبات المماثلة وحين كان الهدف مختلفاً من حيث طبيعته المجتمعية الطائفية. آخرون تساءلوا لماذا لم يبادر المالكي نفسه بوصفه رئيس السلطة التنفيذية "الحكومة" بالقيام بتلك الزيارة لجرحى تفجير "السارية" ليكسر حدة هذا الاستقطاب ويقدم مثالاً عساه يحرج الآخرين أو يدفعهم الى التعامل بالمثل.
اختلفت الانطباعات والاستنتاجات التي خرج بها الراصدون للحالة فهناك مَن قلل من شأنها على اعتبارها رد فعل طبيعي لجماهير مكون مجتمعي اعتبر الحادثة استهدافا مؤثرا له في أجواء مشحونة أصلا بالاستقطاب والتشنج، وهناك من رأى في الحالة أدلة مهمة وقوية على أن حالة الشرخ المجتمعي الطائفي التي عُمّقت مع بدء الغزو وصلت الآن إلى درجة خطيرة ينبغي أنْ ينتبه لها المعنيون ويكفوا عن دفع الأمور نحو حافة المواجهة الشاملة والتي سيخرج الجميع منها خاسرين، أما أولئك الذين أسلموا قيادهم للمتطرفين ورافعي الشعارات القصوية من قبيل "كل شيء أو لا شيء" أو " إما نحن وإما هم" فسيدفعون الثمن مضاعفا!
أصوات الاعتدال والتهدئة خفتت كثيرا، وتعالت أصوات التحريض والتشنج والتصعيد، وحتى الدعوات المهدئة التي أطلقها بعض الأطراف فلم يكن لها صدىً؛ فقد ذهبت دعوة المالكي رجال الدين من الطائفتين القيام بصلوات مختلطة ومشتركة في جميع الجوامع يوم الجمعة لتفويت الفرصة على الجماعات المسلحة التي تستهدف دور العبادة أدراج الرياح، ولم يلتفت إليها أحد. ورغم أنّ السلطات الأمنية أعلنت عن أنها اعتقلت أربعة من المتورطين في التفجير وإنهم اعترفوا بارتكابهم للجريمة وانتمائهم لتنظيم القاعدة، أي أنهم لم يكونوا من الشيعة كما ساد الاعتقاد، وأن أسرهم وأقاربهم فروا من أماكن إقامتهم خوفا من عمليات انتقام وثأر محتملة، ولكن هذا الإعلان لم يخفف من حدة الأوضاع المتأزمة.
تصادفت جريمة تفجير جامع "السارية" مع حوادث لا تقل مأساوية، ولكنها لم تنل ما نالته من اهتمام وردود أفعال وكأن دماء الضحايا الأبرياء سواء كانوا من هذه الطائفة أو تلك صارت تُسيَّس وتصنف إلى درجات من قبل الجهات الطائفية السياسية ذات المصلحة في تجييرها واستخدامها لأغراض ومشاريغ خاصة بتلك الأطراف والجهات. ففي الفترة ذاتها، وفي ما بدا وكأنه رد فعل ثأري على تفجير "السارية"، اختطف مسلحون العشرات من المدنيين المسافرين القادمين من الأردن عبر الخط الدولي السريع المار بمحافظة الأنبار، والذي تعتصم على إسفلته مجموعات من المحتجين على الحكومة وتقيم صلواتها المشتركة كل يوم جمعة منذ عدة أشهر، وأقدمت تلك المجموعات المسلحة على ذبح أربعة عشر شخصا من هؤلاء المخطوفين بعد فحص ومراجعة مستمسكاتهم و وثائقهم التعريفية الرسمية، وقد أشاعت إحدى الفضائيات العراقية التي تبث من الخارج هي "الشرقية" أن مجموعات من المسلحين الشيعة خَطفوا في بغداد مجموعة من سائقي الشاحنات من أهالي الفلوجة "من العرب السنة" وطالبوا بمبادلتهم بالمسافرين المخطوفين في الأنبار ولكن هذا الخبر لم يتأكد من أطراف مستقلة أو رسمية فيما بعد، بل أن مصادر في الشرطة نفت وقوع هذه الحادثة جملة وتفصيلا. أثارت جريمة خطف وقتل المسافرين المشاعر كثيرا وخصوصا لدى فعاليات ورموز المكون الشيعي ولكنها لم تنجح في استجلاب تصريحات وبيانات الاستنكار والشجب المعتادة من الطرف الآخر، و لم تبادر رموز ومراجع هذا الطرف وخصوصا الشيخ السعدي الذي عرف باعتداله ورفضه لإقامة الإقليم السني في المحافظات الثلاث إلى إطلاق نداء للمسلحين بوجوب تحرير المسافرين المخطوفين الباقين وتحريم تلك الممارسة الهمجية. وبعد أسبوع تقريبا على ارتكاب الجريمة أطلق الشيخ السعدي يوم الخميس 23 /5/ نداءً "لإطلاق المخطوفين من جميع المكونات" ولكنه لم يبلغ حدّ تحريمها بل اعتبرها "أفعال لا تدل على الشهامة والشجاعة" ). وتفاقمت عملية تسييس وتطييف دماء ضحايا أعمال العنف الأعمى حتى دفعت بعض المحللين العراقيين ليتحدثوا صراحة وربما للمرة الأولى في العراق عن وجود درجات وأنواع مختلفة ومتمايزة من دماء الضحايا، يُسكَت عن سقوط الآلاف منهم قتلى إذا كانوا من مكون معين، وتقوم الدنيا ولا تقعد إذا سقط العشرات منهم وكانوا من مكون مجتمعي آخر!
وحين تراجع وزير الزراعة عز الدين الدولة "عن العراقية" عن استقالته التي قدمها من الحكومة وأعلن عن انسحابه من قائمة النجيفي "متحدون" قوبلت هذه الاستقالة بهجوم غاضب من الفعاليات والأطراف السياسية السنية فندد بعضهم بالوزير ووصفوه بالخائن لدماء ضحايا الحويجة والأنبار والموصل. الأمر الذي أثار تساؤلات جدية إنْ كانت عملية تطييف وتسييس دماء الضحايا قد بلغت أوجها وصار كل طرف يحسب دماء الضحايا في محافظاته فقط مهملا الآخرين! وفي هذا الصدد، وللتأكيد على شدة موجة الاستقطاب والعداء الطائفي الراهنة، سُجل الكثير من الخطابات والتهديدات التي لا تقل دموية والتي بلغت درجة صرح فيها أحد قادة المليشيات الشيعية هو واثق البطاط بأنه شخصياً ( متعطش لدماء العدو – حرفياً - ومستعد للمواجهة إذا ما قرر الطرف الآخر اللجوء إلى السلاح). هذه التصريحات وغيرها فتحت الباب واسعا للبحث عن الأسئلة المهمة و تقليب الأفكار الجديدة والخلاقة الواجب طرحها للتقليل من خطورة وحدة الوضع الحالي ومحاولة وقف مفاعيل تدهوره نحو الأسوأ.
ظاهرة أخرى طفت على السطح ويمكن احتسابها ضمن هذا الإطار وهو إصدار عدد من القبائل والعشائر بيانات التبرؤ وإهدار دم أبنائها المخالفين لتوجهات سياسية عامة معينة أو يقومون بوظائف مهمة و يحتلون مراكز حكومية كبيرة، ومن هؤلاء وزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي، و زعيم حركة "صحوة العراق" وسام حردان العيثاوي. ومن المتوقع أن تصدر براءات وأوامر إهدار دم بحق وزير الزراعة عز الدين الدولة الذي تقدم ذكره، وبحق نائب رئيس الوزراء صالح المطلك وآخرين. ويبدو أن الواقع السياسي والاستقطاب الطائفي ألقيا بظلالهما على القبائل والعشائر العربية، فعشيرة الدليم الكبيرة "العربية السنية" مثلا باتت منقسمة على نفسها إلى قسمين يقود أحدهما الشيخ علي حاتم السليمان الحليف السابق لرئيس الوزراء نوري المالكي والمتمرد عليه حاليا و المطلوب في قضايا أمنية، فيما يقود القسم الآخر الشيخ ماجد العلي السليمان ابن عم الشيخ الأول والحليف الحالي للمالكي.
الشاخص الأخير في المشهد العراقي الراهن فهو خفوت صوت القوى الديموقراطية واليسارية وضعف تأثيرها بشكل يكاد يكون تاماً إذا استثنينا الأصوات الفردية لمثقفين و مشتغلين في ميادين الإبداع الفني والأدبي إضافة إلى أصوات الشباب المبعثرة في مواقع التواصل الاجتماعي والذين يلهثون خلف الأحداث ولا يكادون يتركون عليها بصماتهم، تاركين تقرير الأمور و رسم المصائر بيد زعماء المليشيات ورموز الطوائف والعشائر بما ينذر بالوصول إلى الاقتتال الأهلي الشامل و المفتوح على احتمالات الخراب والمجازر المتبادلة والهجرة أو التهجير الجماعي المشؤوم، وهذا هو الثمن المضاعف الذي سيدفع المتطرفون مَن يزعمون الدفاع عنهم إليه!
*كاتب عراقي



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكرى اغتيال رفيقي الشجاع حسن علي فليح !
- هل يصلح السيستاني ما أفسده غالبريث؟
- الوجه الآخر لابن خلدون في مسرحية -منمنمات تاريخية-!
- الدفاع عن الإقليم الطائفي على طريقة أفلام الكارتون /ج2 من 2ج ...
- الدفاع عن الإقليم الطائفي على طريقة أفلام الكارتون!
- الوهراني والسخرية الفنطازية من مثقفي زمانه
- الحكيم الديموقراطي عادل زوية !
- التشيع العراقي نقيض التشيع الصفوي وهازمه
- كُرد، كورد أم أكراد ولماذا؟
- المالكي وشركاؤه..دكتاتورية أم فوضى؟
- شيعة العراق من المعارضة إلى السلطة !
- تأسيس المحاصصة : دور الساسة الأكراد والعرب السنة
- ديباجة الدستور العراقي مقارنة بأربع ديباجات أجنبية!
- معركة مطار بغداد:مجزرة أم مأثرة؟
- صدام وضباطه : مَن خان مَن ؟
- أحمد القبنجي: مفكر مستنير أم هرطوقي صغير!
- أربعة مسلحين احتلوا وزارة، كم مسلحا لاحتلال بغداد!
- ويسألونك عن التمويل!
- حول مؤتمر القوى المدنية اللاطائفية الأخير في بغداد
- تجربة لاهوت التحرير بنكهة الربيع العربي!


المزيد.....




- إسبانيا: رئيس الوزراء بيدرو سانشيز يفكر في الاستقالة بعد تحق ...
- السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟
- كأس الاتحاد الأفريقي: كاف يقرر هزم اتحاد الجزائر 3-صفر بعد - ...
- كتائب القسام تعلن إيقاع قوتين إسرائيليتين في كمينيْن بالمغرا ...
- خبير عسكري: عودة العمليات في النصيرات تهدف لتأمين ممر نتساري ...
- شاهد.. قناص قسامي يصيب ضابطا إسرائيليا ويفر رفاقه هاربين
- أبرز تطورات اليوم الـ201 من الحرب الإسرائيلية على غزة
- أساتذة قانون تونسيون يطالبون بإطلاق سراح موقوفين
- الإفراج عن 18 موقوفا إثر وقفة تضامنية بالقاهرة مع غزة والسود ...
- الى الأمام العدد 206


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - تسييس الدم البشري في العراق