أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - أحمد القبنجي: مفكر مستنير أم هرطوقي صغير!















المزيد.....

أحمد القبنجي: مفكر مستنير أم هرطوقي صغير!


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 4037 - 2013 / 3 / 20 - 07:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



إنّ اعتقال السلطات الإيرانية للشيخ أحمد القبنجي وتوجيه تهم سياسية ودينية له من قبيل "عدم الإيمان بولاية الفقيه" و"الانحراف عن صحيح الدين" أمر مرفوض قطعاً من وجهة نظر ديموقراطية وإنسانية متحضرة، على اعتبار أنه فعل قمعي واضطهادي بامتياز يستهدف حرية الفكر والمعتقَد. كما أنّ قيام بعض الناس بنشاطات تضامنية مع الشيخ المذكور بهدف إطلاق سراحه فعل سليم وإنساني. ولكي لا يساء فهمنا، نوضح أننا لا نقصد بالهرطقة ومشتقاتها المعاني التشنيعية والقادحة بل الأخرى التعريفية حيث الهرطقة، وبالإنجليزية (heretic)، هي (تغير في عقيدة أو منظومة معتقدات مستقرة، وخاصة الدينية، بإدخال معتقدات جديدة عليها أو إنكار أجزاء أساسية منها بما يجعلها بعد التغيير غير متوافقة مع المعتقد المبدئي الذي نشأت فيه هذه الهرطقة).

غير أنّ من المؤسف أنْ يبالغ بعض المتضامنين مع الشيخ القبنجي فيخرجونه من صفته كرجل دين ما يزال يضع علاماته وإكسسواراته الدينية الخاصة بطائفته من عمامة وجبة وغيرهما، ولكنه يهرطق في مداخلاته وأحاديثه المسموعة والمرئية، والتي تمتاز بسطحية وركاكة، بل وفجاجة ظاهرة ومصوغة بلهجة عامية لا علاقة لها بلغة الفكر الصارمة والدقيقة، يرفض فيها بعض ما تعتبره المرجعيات الشيعية التقليدية العريقة ثوابت فقهية وشرعية. ونحن لا نأخذ عليه أنه يفعل ذلك، لأننا لا ننطلق من منطلقات كهنوتية، ولا ندافع عن تلك الثوابت بل نصف واقع حال، وإنما نأخذ عليه وعلى من يعتبره مفكرا مستنيرا وحداثويا كبيرا، المبالغة في أفعاله، والتدليس في عرض منجزه الفكرى والفقهي شديد التواضع، وإضفاء صفات لا تنطبق عليه كهذه.

كل ما سمعناه وشاهدناه وقرأناه للشيخ القبنجي، هو بعض مقالات وأحاديث ومداخلات مسجلة تقدم وصفها، وتدور حول نقده لممارسات معينة لرجال الدين وجمهور المؤمنين الذي يتبعهم، وهو هنا على حق، مع تسجيل تحفظنا على استخدامه أحياناً لعبارات تجديفية جارحة لمشاعر المؤمنين، وخصوصاً عند كلامه التهكمي عن "بشرية أصل القرآن"، أو وصفه للجنة القرآنية بحضيرة الحيوانات "طولة حمير!". والمستهجن هنا، وهذا ما يسجله الكاتب ناظم عودة هو أن القبنجي (الذي يجرؤ على انتقاد النبي محمد واتهامه بالكذب، وأنّ الوحي أكذوبته المتخيلة، وبالتالي فإن القرآن مجرد تلفيقات نصية اختلقها، فإنه يغض الطرف عن نقد المقدس الشيعي، حتى أنّ هذا "التنويري العتيد" لم يملك الجرأة الكافية لنقد مرجع واحد من مراجع النجف كالسيستاني مثلا، ولا نقد رئيس تيار سياسي كعمار الحكيم أو مقتدى الصدر).

نضيف إلى ذلك ما ينتجه القبنجي من مديح مجاني من النوع الذي يكتبه الصحفيون الهواة وكتبة الانترنيت المبتدئون حول الحداثة الغربية والديموقراطية اللبرالية وتكراره لأقوال وكليشات تحمل معاني سخيفة من قبيل تعييره لأخيه الشيخ صدر الدين القبنجي، وهو رجل دين معروف بتأييده المطلق لاحتلال العراق وحكم المحاصصة، تعييره له بأنه وأمثاله (كانوا يعيشون أذلاء مهانين في إيران وأن الحداثة "هل يقصد الاحتلال؟" هي من أوصلتهم إلى ما هم فيه من حرية)!

بخلاف هذه المنجزات البسيطة، والمشكوك في فاعليتها الإيجابية على المدى البعيد للشيخ القبنجي، لا نعرف له مؤلفات وكتبا تنويرية ونقدية متداولة ومعروفة أثارت جدلا أو نقاشا في الوسط العراقي المثقف، كذاك الذي أثاره أعلام الحداثة والتنوير الإسلامي كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا وشكيب أرسلان ومحمد فضل الله وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد حسن الشيرازي قائد ثورة "التنباك" ومطلق نظرية وحركة " المشروطية" وهي الترجمة العربية والفارسية والتركية لكلمة "الدستورية" التي أثرت بعمق في الحركة المشروطية "الدستورية" التركية! ولكن، وللإنصاف، لا بد أنْ نذكر ما كتبه السيد عباس الحسيني على الفيس بوك الذي عدد للقبنجي عدة كتب منها "تهذيب أحاديث الشيعة" و"المرأة، المفاهيم والحقوق" و"نظريات في علم النفس" و"تشييع العوام والخواص" و"منهاج الرسل"، وهي عناوين خبط عشواء، لا جامع بينها مثلما هو واضح، كما ترجم عدة كتب للمفكر الإيراني عبد الكريم سروش عن اللغة الفارسية. ويبدو أننا لا يمكننا أن نحتسب هذه الكتب على ملاك الفكر النقدي المستنير فالشخص الذي ذكرها يلاحظ (أنّ أغلبية كتب القبنجي لا تحتوي على المفاهيم المخالفة للإسلام التي يدعو إليها حاليا، بل كتبها قبل تغيير أفكاره الإسلامية السابقة). ولكن الذي لا يمكن إغفاله هو تأثر القبنجي بأفكار عبد الكريم سروش الذي ترجم عددا من كتبه. وسروش مفكر إيراني معروف يحمل شهادة الدكتوراه في الكيمياء ويعمل أستاذا جامعيا في جامعات إيرانية وبريطانية معروفة، وهو كاتب غزير الانتاج. أصدر في إيران فقط أكثر من ثلاثين كتابا يدور أغلبها حول ما يسميه "العلمانية الدينية" وهي محاولة نظرية كما يبدو لدمج العلمانية التقليدية الغربية "اللائكية" بالفكر الإسلامي السلفي الشيعي للخروج بمزيج فكري جديد منهما. ولا يمكننا المجازفة بالحكم على طبيعة وجدوى وتشعبات هذه المحاولة إلا بعد إعطائها حقها من الدرس والتمحيص النقدي. ولكننا يمكن أنْ نوجز ونقول إنّ سروش عُرف بنظريته المعروفة باسم "القبض والبسط"، وهما مصطلحان مأخوذان من التجربة الصوفية القطبانية وموظفان في ميدان التنظير الفقهي الحديث لتقديم "مشروع نظرية تفسيرية (هرمنيوطيقية) معرفية (ابستمولوجية) تستلهم المنهج الكانطي في التفريق معرفياً بين الشيء لذاته والشيء لذاتنا، ومن ثمَّ التفريق بين الدين والفكر الديني أو المعرفة الدينية. وتفترض نظرية سروش أن الدين ثابت بينما المعرفة الدينية ظاهرة بشرية متغيرة ونسبية مثل المعارف الأخرى.

اللافت الآخر هو أن قضية القبنجي لم تنجُ من التسييس الرخيص، سواء من بعض العلمانيين واليساريين ذوي العجلة والغرض الأيديولوجي أو من أتباع النظام البعثي السابق في الإعلام والسياسة فهؤلاء سارعوا، كما فعلت إحدى فضائياتهم، الى تلقفها، وتلقف صاحبها، على اعتبار أنه فضح "المزاعم الصفوية المجوسية وكشف زيفها"! ومثلهم فعل بعض العلمانيين واليساريين القشريين، فجعلوا من الشيخ جان جاك روسو عراقيا لا يشق له غبار، وحمّلوا قضيته أكثر مما تحتمل وتطيق، مكررين ما فعلوه مع رجل دين آخر يصف نفسه بالعلمانية والافتراق عن الكهنوتية الشيعية هو إياد جمال الدين، والذي بدأ "تجربته العلمانية" كمستشار للشؤون الشيعية لدى مدمر العراق بول بريمر ومؤيد متحمس لاحتلال العراق، ثم دخل الانتخابات التشريعية الأخيرة بتمويل سخي "غامض!!" ولكنه خرج بخفي حنين منها!

لقد فرقنا ونفرق بين أمرين، اللأول، هو رفض اضطهاد أو قمع أي مفكر أو صاحب فكرة، سواء كان رجل دين أم رجل دنيا، وأيدنا التضامن معه، وبين تدليس الصفات والهويات وتحويل الهرطوقي الصغير أو المجدف البسيط إلى مفكر مستنير وقطب من أقطاب الاستنارة و"التسامح". مع تسجيل التحفظ اللازم على مفردة "تسامح" لأنها إما أنْ تكون ترجمة سيئة لكلمة (Tolerance) الانكليزية والفرنسية، وأقول ربما لعدم معرفتي بجذر الكلمة اللاتيني، ومعناه فلا أستطيع الجزم بذلك، أو أنها قد تكون ترجمة صحيحة، وهذا يعني أننا نكرر خرافات الفكر العنصري الأوروبي الأبيض الذي يدعو إلى "التسامح" مع الهنود الحمر أو البوذيين والمسلمين، وكأن هؤلاء قد ارتكبوا جريمة بكونهم هنودا وبوذيين ومسلمين، وليسوا بيضاً ومسيحيين كالأوروبيين، ولكن يمكن التسامح معهم! وسنكرر هذه الخرافات ذاتها حين ندعو الى الأخذ بمبدأ "التسامح" مع مسيحيينا وصابئتنا، وكأنهم ارتكبوا جريمة لأنهم ليسوا عربا مسلمين ويمكن أن نتسامح معهم، بدلا من البحث عن كلمة بديلة صحيحة للتسامح كأن تكون "التعايش"، "المسالمة"، "التواد الإنساني"... الخ.

وقد تكون النوايا الحسنة، والإحساس برفض الظلم والاضطهاد، أو السذاجة الفكرية والاستعجال، هو ما حدا بأغلب الذين بالغوا في التضامن معه فأخرجوه من صفته الحقيقية الى أخرى، ولكن السكوت على ذلك أمر غير صحيح، فالمفكر المستنير والحداثوي له تعريفه الواضح وإنجازاته الفكرية وممارساته ومواقفه العملية المعروفة، فهل يمكن لأي كان أنْ يذكرنا بموقف واحد للشيخ القبنجي سجله ضد نظام المقابر الجماعية الصدامي قبل أو بعد سقوطه؟ هل يمكن تذكرينا بموقف أو تصريح واحد له ضد الاحتلال الأميركي ومجازره وتدميره للعراق، أو ضد العملية السياسية الطائفية التي جاء بها؟ هل عُرِف عنه موقف نقدي ضد الامتيازات وعائدات الأوقاف، والحقوق الشرعية الدينية التي يتمتع بها المراجع ورجال الدين، شيعة وسنة، في العراق، أو عن الدور السلبي لغالبيتهم في تطييف وتشويه وتسفيه وعي ومشاعر الناس؟



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أربعة مسلحين احتلوا وزارة، كم مسلحا لاحتلال بغداد!
- ويسألونك عن التمويل!
- حول مؤتمر القوى المدنية اللاطائفية الأخير في بغداد
- تجربة لاهوت التحرير بنكهة الربيع العربي!
- عناصر خطة شاملة دفاعاً عن وجود دجلة والفرات
- معنى الدكتاتورية والفاشية بين العلم والسجلات الحزبية!
- كتاب جديد لعلاء اللامي : -القيامة العراقية الآن .. كي لا تكو ...
- العراق: التيار الصدري بين مآلَين!
- -شيعة- جيمس جيفري المدجّنون!
- التحالف «الشيعي الكردي» ليس كذبة بل سبب البلاء!
- على مَن يضحك السفيرالأميركي بيكروف ؟
- إطلاق سراح أوجلان..إطلاق سراح أمتين!
- السدود والبحيرات كمسبب للزلازل في تركيا وشمال العراق/ج2 من 2 ...
- قضية الهاشمي: شهادة ليست للقضاء العراقي!
- احتمالات انهيار السدود التركية بسبب الزلازل
- توظيف العامل -الديني- في قضايا المياه
- كافكا الآخر.. رصد الاغتراب الروحي /ج2
- كافكا الآخر : رصد الاغتراب الروحي
- التيّاران اليساريّ والقوميّ بين الفشل وقصور الأداء
- شط العرب اليوم : إنها الكارثة!


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - أحمد القبنجي: مفكر مستنير أم هرطوقي صغير!