أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء اللامي - كافكا الآخر : رصد الاغتراب الروحي















المزيد.....

كافكا الآخر : رصد الاغتراب الروحي


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 3875 - 2012 / 10 / 9 - 03:33
المحور: الادب والفن
    


صدر عن مؤسسة الانتشار العربي في بيروت، قبل بضعة أيام، كتاب نقدي جديد للكاتب العراقي علاء اللامي يحمل عنوان " كافكا الآخر.. أدب كافكا يدحض اتهامه بموالاة الصهيونية" يقع الكتاب في 176 صفحة توزعت على سبعة فصول إضافة الى المقدمة. وقد خصنا الكاتب بفقرات ضافية من الفصل الثالث من الكتاب ننشرها هنا:

الناقد والمترجم العراقي جودت هوشيار، والذي كان واحدا ممن ساهموا في ترجمات أعمال كافكا في السبعينات من القرن الماضي، كان قد نشر مقالة حول رسائل كافكا الأخيرة ورد فيها العديد من الآراء واللمحات الصحيحة ضمن توجه نقدي مفارق للتوجه السائد في الساحة الثقافية العربية، رغم أنها لا تخلو من الهنات الجدانوفية التي تنظر بكثير من التبسيط والتسطيح لموضوعة الاغتراب الإنساني في المجتمع الرأسمالي مما هو مكرور في الكتابات الستالينية التي كانت سائدة في فترة خلت ومن ذلك قوله (أن كافكا، ومهما كان الموضوع الذي يكتب عنه، فأنه في حقيقة الأمر يتحدث إلى نفسه وعلاقته بالواقع الاجتماعي الذي كان يعيش فيه، والشيء الذي لم يكن يعبر عنه حتى النهاية في رواياته وقصصه نجده في مسودات مؤلفاته وفى ويومياته ورسائله، فقد كان المحور الوحيد الذي تدور حوله أفكاره وأحاسيسه هو المصير المأساوي للكاتب نفسه بكل ما فيه من معاناة وتوتر نفسي وعذاب وألم. وهذا المصير هو الذي يوحد على نحو متكامل كل ما يسرده الكاتب في موضوع واحد كبير هو اغتراب الإنسان في مجتمع يعج بالمتناقضات والمفارقات الحياتية. لم يكن اغتراب كافكا اغترابا طبقيا" حسب المفهوم الماركسي أي اغتراب العامل عن قوى الإنتاج ووسائله وعلاقاته بسبب عدم حصوله إلا على جزء هامشي من ثمار عمله وجهده ذلك لأن الأغتراب الكافكوي اغتراب روحي عميق الغور لا يفارقه إلا في بعض اللحظات القصيرة البهيجة وكانت مثل هذه اللحظات نادرة في حياة كافكا ..) فالقراءة الأولى لهذه الفقرة تعطي الانطباع بأنها صحيحة لأنها تفرِّق بين اغتراب خاص " روحي وعميق " يعاني منه كافكا واغتراب آخر فلنسمه عاما، و يسميه هوشيار " اغترابا طبقيا " يعاني منه الآخرون أي العمال المغتربون عن قوى وعلاقات ووسائل الإنتاج. نحن ممن يعتقدون ، أن اغترابا طبقيا كهذا الذي يتحدث عنه جودت هوشيار لا وجود له في الواقع الحياتي، ولم يتكلم عنه وبهذه الطريقة والمصطلحات لا ماركس ولا الماركسيون الرواد بل هو من منتوجات الماكنة الأيديولوجية الستالينية التي أسس لها جدانوف وزملاؤه بعد ان هزموا القيادات الماركسية النقدية دخل الحزب البلشفي من أمثال ليون تروتسكي وبوخارين وزينوفيف وغيره. فالاغتراب هو واحد من حيث النوع، مع ضرورة التفريق بينه وبين الغربة التي تأخذ منحى مكانيا وجغرافيا وليس روحيا كالاغتراب، ولكنه قد يختلف من حيث العمق ويمكن إيجاز تعريفه بأنه: شعور إنساني روحي عميق بالانفصام والاختلاف والتنافر بين الذات والموضع ، بين الأنا والمحيط ، إنه شعور عارم بالغربة عن النفس والعالم، تتحول الذات الإنسانية المفردة بسببه إلى مجرد شيء لا عمق ولا قيمة له في مجتمع استهلاكي أفقي ومسطح، أو مجرد رقم في سلسلة معقدة من المعادلات الخالية من المعنى والفحوى والهدف.
ومع ذلك، بوسعنا تسجيل حقيقة أن الكاتب يبتعد من الناحية التطبيقية عن هذا الفهم السطحي لموضوعة الاغتراب حين يحاول في موضع آخر أن يعطيها عمقا مختلفا نوعيا ومقتربا بشكل من الأشكال من ذلك الذي قاربناه قبل قليل حين يكتب (لم يستطع كافكا قط أن ينسجم مع مجتمع مشوه تسوده العلاقات اللاإنسانية، لأن سريرته النقية واعتزازه بالقيم الأخلاقية والكرامة الإنسانية وأمور أخرى كثيرة كانت ترغمه على الابتعاد عن الوسط الفاسد الذي كان يحيط به وتخلق نوعا من الانفصام الروحي بينه وبين الآخرين. كان البيروقراطيون يقولون عنه، أنه إنسان " غير طبيعي "، ولكن كافكا علق على هذا الزعم الباطل بسخريته اللاذعة قائلا: أن تكون إنسانا ( غير طبيعي ) ليس أسوأ ما في الحياة لأن الناس يعتبرون الحرب العالمية أمرا" طبيعيا"...)!
والعبارة الأخيرة لكافكا تحتوي على نوع من الطرافة والفكاهة الكثيفة، على ما فيها من إدانة واضحة وصريحة للحروب التي كان الغرب يُغْرِق فيها العالم بين الحين والآخر، قبل أن يستقر منذ نصف قرن على نوع جديد من " السلام الأناني " حيث نجح في تصدير حروبه إلى العالم الأدنى " غير الأوروبي والأمريكي " لينشغل هو ببناء " مدنيته الاستهلاكية البلهاء ويصونها من الدمار والتخريب ويجني المزيد من الأرباح عن طريق صناعة وتجارة الأسلحة الفتاكة من جميع الأنواع.
يمر الكاتب على اتهام كافكا بالصهيونية فيعلق بالقول (كانت اللغة عند كافكا وسيلة تعبير عن النفس في المقام الأول، ولم تستهوه قط الأفكار الدينية أو القومية الضيقة، وكان يتجاهل أي مسعى من هذا القبيل مهما كان مصدره، على النقيض من مزاعم بعض النقاد العرب ومحاولتهم إلصاق تهمة الصهيونية بكافكا زورا و بهتانا، و نتيجة للتأويل الخاطئ المتعمد لبعض قصصه مما يدل دلالة قاطعة على انحيازهم الفاضح و مدى سذاجة أفكارهم المسبقة وعدم استيعابهم لأدب كافكا وعجزهم عن فهم عالمه الروحي...) ونحن هنا بإزاء حكم معياري عجول وعموميات هائمة تخلو من التعليلات الكافية رغم أن ظاهرها صحيح ومتساوق كخلاصة مع الاتجاه المنهجي الذي ندعو إلى تبنيه في التعرف على عالم كافكا ولكن خلاصات من هذا النوع يمكن اعتبارها تسجيل شهادات حول الموضوع لا أكثر. والحق فإن الكاتب وعد بوقفة أطول قال بأنه قد يقوم بها مستقبلا ولا ندري إن كان وفى بوعده وأين أم لا. أما استعراضه لرسائل كافكا الذي خص له مقالته هذه فهو رغم انسجامه ودقته لا يأتي بجديد يمكن أن نضيفه إلى القراءات الأخرى المحايدة لتلك الرسائل.
يحاول الناقد جودت السعد في مقالته " رموز تحت الرحى" أن يسلط أضواء أخرى، ومن زوايا مختلفة على شخصية كافكا وأدبه. إنه يبدأ بداية موفقة وعقلانية حين يقدم خلاصة مكثفة لبدايات كافكا الأدبية ولعلاقته باليهود واليهودية موجها وابلا من الأسئلة المهمة والمنتِجة كتوطئة لقراءته التحليلية تلك، محاولا الدمج بين طريقة استقراء النصوص والأحداث والتأويل والاستنتاج الممنهج. ويسجل الكاتب ملاحظة شخصية مهمة، مفادها أن أغلب المصادر التي قرأها عن كافكا عربية ـ مترجمة إلى العربية ـ أو مترجمة إلى العبرية، وفي كل تلك المصادر يُعتبر – كافكا - إما أنه يهودي أو متعاطف إلى حد التلاصق مع اليهود. ويضيف السعد قائلا : وسواء كان الرجل يهودياً أم لا فقد امتصته الآلة الإعلامية الصهيونية حد الثمالة، وما زالت تلوك بقاياه لعل فيه الحلو أو الرطب. يشرع الكاتب بعد هذه الملاحظة بالحديث عن بدايات كافكا فينقل لنا صورة موثقة وجديدة عنه نعلم منها أن كافكا نشر كتيبا يقع في 23 صفحة لم يبع منه أكثر من 69 نسخة، ولم يستطع تسويق سوى عدد قليل من الكتب في حياته، منها المسخ والمحكمة ومستعمرة العقاب وطبيب ريفي والحكم.
إن هذه المعلومة تعني- ضمن ما تعني- أن عزلة ومجهولية كافكا في الساحة الأدبية كانتا السبب في عدم انتشار أدبه، وثانيا فقد كان لماكس برود فضل التعريف به وليس تسويقه لأول مرة كما كان يعتقد سابقا، غير ان الثمن الذي دفعه كافكا لقاء انتشاره لاحقا على يَديْ برود كان وبالا عليه وعلى أدبه. يكتب السعد معلومة مهمة أخرى بهذا لخصوص تقول ( ارتفعت مبيعات كتب كافكا بعد وفاته بحوالي نصف قرن إلى ملايين النسخ وسجل وكيل أعماله "ماكس برود" دخولاً هائلة وأرباحاً خيالية لم يكن كافكا يحلم بها.. )
كما تؤكد المعلومات التي يوردها السعد ما سبق وان أوردناه عن مصادر أخرى أن ماكس برود أعاد نشر أعمال كافكا بشكل اعتباطي وعلى غير هدى، أو بعد تعديلها وإعادة صياغتها حسبما تقتضيه الظروف الآنية المحيطة.‏إن صورة وشخصية كافكا ومنها ((يهوديته)) باتت رهناً بالطريقة التي يعرضها أو يطرحها (برود)، ومن هنا تكوّن التناقض في الأحكام أو الوصول إلى نتائج من مقدمات قائمة على مغالطات فكان الاستنتاج من صنف المقدمات وبذلك تداخلت المفاهيم. غير أن سؤالا ملحا يبقى دون إجابة شافية، وهو: لماذا فشل كافكا في تحقيق انتشاره ككاتب بمواصفات نوعية جيدة وجديدة حين كان على قيد الحياة مع أنه بذل جهده في هذا الصدد فطبع ووزع عددا من كتاباته؟ هل يتعلق الأمر بسوء فهم تاريخي لما كتب، لنوع ما كتب؟ أم أن الفشل يعود إلى ضيق الدائرة المتاحة والإمكانيات البسيطة تقنيا التي شرع كافكا في التحرك فيها ومن خلالها؟ وهل يتعلق نجاحه اللاحق بالحملة واسعة النطاق التي قام بها صديقه ماكس برود في فترة تاريخية لاحقة كانت تحبذ وتتناغم مع التوجهات التي حرص هذا الأخير على تروجيها، أو إن شئنا الدقة، أن يروج كافكا على أساس انتسابه المزيف لها؟ يمكن لنا أن نميل إلى التعليلات التي تتضمنها أو تلمح لها تلك الأسئلة، ولكنها لا تبدو كافية لنا، وقد يصح اعتبار الجهد الهائل الذي بذلة برود من أجل نشر "كافكاه" الخاص فعالا وكبيرا في عملية الانتشار بحد ذاتها، وأيضا في عملية المسخ التي استبطنتها، وأيضا في عملية كشف وتعرية عملية المسخ ذاتها ولكن بعد زمن طويل . لقد كان علينا أن ننتظر سنين طويلة حتى يتم استرجاع كافكا الآخر، كافكا الذي نعده حقيقيا والذي لم يتأثر سلبا أو تنكمش دائرة انتشاره فهو مازال مقروءاً جيدا في عصرنا الحاضر ومركز اهتمام الدراسات والعلوم الإنسانية الحديثة والفعاليات الثقافية العالمية.



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التيّاران اليساريّ والقوميّ بين الفشل وقصور الأداء
- شط العرب اليوم : إنها الكارثة!
- فرانز كافكا بعيون عربية
- شط العرب في معاهدة أرضروم وما بعدها
- شط العرب بعد قرن من الأطماع الإيرانية
- نصف قرن من التجاوزات المائية الإيرانية
- التجاوزات العدوانية الإيرانية على أنهار العراق/ توثيق أولي
- سوريا: الدم المسفوك لا يحتمل مزايدات الساسة!
- زيارة أوغلو الاستفزازية كانت لمصلحة عراقية كركوك!
- ربيع الأكراد والخلط بين الصهر القومي والاندماج المجتمعي
- مَن يعرقل إكمال سد بخمة وإنقاذ دجلة ولماذا ؟
- الحدث السوري في ضوء التجربة العراقية: ضرورة الموقف المُرَكَّ ...
- مشروع تحلية الثرثار سينقذ العراق، فلماذا إهماله؟
- -الجزيرة- و-العربية- و-فن- احتقار عقل المشاهد!
- العراق بين إيران وتركيا.. منعطفات التاريخ وثوابت الجغرافيا
- الأسس العامة لميثاق شرف لإنقاذ الرافدين من الزوال / ج5من 5ج ...
- -لجنة العلوي- تحذر السعودية وتنتقد قمة القاهرة وتناشد أربكان ...
- وزارة الخارجية وقانون المجاري المائية الدولية : تقصير أم توا ...
- وقفة عند التصريح الأخير للحزب الشيوعي العراقي: وداوها بالتي ...
- لماذا ينبغي إلغاء -اتفاقية الإطار الإستراتيجي- بين العراق وأ ...


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء اللامي - كافكا الآخر : رصد الاغتراب الروحي