أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - ويسألونك عن التمويل!















المزيد.....

ويسألونك عن التمويل!


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 4031 - 2013 / 3 / 14 - 08:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يبدو أنّ التردي المعنوي الذي بلغه المجتمع العراقي، بعد أربعة عقود من حكم الحزب الواحد المستبد المتخلف و الدموي والذي ضرب في العمق الجانب المضيء من منظومة القيم الاجتماعية العراقية الموروثة، وصولا إلى جعل الزوج لا يتردد عن كتابة تقرير حزبي سري ضد زوجته وأم أولاده قد يؤدي بها إلى حبل المشنقة دفاعاً عن حزبه وأوهامه وقائده الضرورة، وبعد عَقْد من حكم حلفاء الاحتلال من نهابين ذوي عقلية تحريمية محافظة، يبدو أن هذا التردي لم تفلت منه تلك الفئة من العراقيين التي تتصدى أو التي تزعم التصدي لمهمة تغيير واقع الحال نحو الأفضل.

ربما ستزعج أو تحرج ملاحظاتي التالية، حول موضوع تمويل الفعاليات المدنية والسياسية المستقلة، بعض أصدقائي وصديقاتي في ميدان النشاط المدني والسياسي السلمي، ولكن عذري هو أنهم يعرفون يقيناً أمرين: طريقتي النقدية في رؤية وتحليل الأمور والظواهر حتى لو أدت بي إلى خسائر ذاتية على كل الصُعد، والثاني هو نأيي عن أية طموحات سياسية، وقد كان أغلبهم شهودا على اعتذاري في أكثر من مناسبة عن الترشح لأي منصب أو دور أو صفة سياسية أو غير سياسية مع استعدادي الدائم، والذين هم شهود عليه أيضا، لبذل أقصى ما أستطيع من جهود خدمة للقضايا التي أؤمن بها سرا وعلنا.
في تجارب عديدة سابقة قبل غزو واحتلال العراق كان أي اقتراح بمبادرة لإصدار مطبوع أو عقد لقاء أو حفل ذي طابع سياسي يواجه دائما بالسؤال التقليدي :
- وهذا الموضوع منو وراه؟

ومن الطبيعي والمشروع في الظروف المأساوية التي عاشها العراقيون أن يتساءل المعنيون أو المدعوون للمشاركة في ذلك النشاط عمن وراء هذا النشاط لأسباب شتى . ومع ذلك، كان هذا السؤال يثير جملة مشاعر سيئة لدي القائمين على ذلك النشاط فقد كان العجزة والمثبطون واليائسون يشهرونه حجة وعذرا لعجزهم وجبنهم ويأسهم. يبدو أنّ هذا السؤال قد تحول اليوم، في أجواء الفساد الشامل، الى صيغة أخرى وهي:
- وهذا الموضوع منو موّله وشكد راح تنطونا؟

لا يمكن التعميم بكل تأكيد، ولكن الحالات من هذا النوع كثيرة للأسف، و تأتي أحيانا ممن لا تتوقع أنْ تأتي منهم .
في الحالات الطبيعية و السليمة، و بوجود ثقة متينة بالنفس وبالآخر، يتم الرد على التساؤل حول مصادر تمويل أية فعالية سياسية سواء كانت مطبوعاً أو مؤتمراً أو حفلاً بالقول إنّ مصدره كان من مجموعة متبرعين فضلوا عدم ذكر أسمائهم. ولكن هذا الجواب سيثير سخرية أصحابنا من ساسة ومناضلي الحاضر العراقي إذ في تصورهم وقناعتهم أن هكذا "ملائكة" لا وجود لها في بلاد الرافدين .

الواقع، هو أنني لا أنفي عن المتسائلين حقهم في التساؤل عن مصدر التمويل، ولكني أشك كثيرا في أنْ تكون وراءه أسباب نظيفة أحياناً، وأشك أكثر ولا أتفق في أنّ هذا الموضوع له الأولوية على غيره من الأسئلة والمهمات التي تواجه أية مجموعة من الديموقراطيين أو اليساريين العراقيين تتصدى لما يواجه الشعب العراقي من أخطار وكوارث محدقة.

في واقع الأمر، أن موضوع التمويل حين يطرح بين أناس لهم ثقة بأنفسهم و ببعضهم البعض، ورؤوسهم ونواياهم نظيفة، يكون مجرد سؤال تنظيمي إداري مشروع وضروري لا أكثر، أما الإلحاح على جانبه المالي والرقمي فيعني أن الثقة لا وجود لها بين الجماعة، وأنّ ما جمعهم هو شيء آخر لا علاقة له بالوطنية والتقدمية. قد يقول قائل إنّ من حق الناس أنْ يتساءلوا عن التمويل خوفاً من أن تكون الجهة الممولة رجعية أو حكومية لها أغراضها أو حزبية لها أهداف انتخابية، وهنا يمكن الرد على ذلك بالقول: إن برامج وشعارات الفعالية المعنية هو خير دليل على نظافة أو عدم نظافة التمويل. فإن شاهدنا القائمين على الفعالية يحاولون جرها لخدمة هذا الطرف أو ذاك، أو يخففون من شعاراتها المعادية للحكومة أو للجهات الحزبية المتاجرة، فالتمويل فعلا مشبوه وينبغي فضحه وإفشال العملية كلها، وإنْ كان العكس هو ما يحدث، وأنّ الفعالية تسير في طريقها السليم والوطني، فالتمويل هنا لا غبار عليه وعلينا أن نعطي أصدقائنا القائمين على الفعالية و المتكتمين على مصادر التمويل بعض العذر.

في واحدة من تجاربي، كنت شاهداً على حوار دار بحضوري بين شخصين شاركا في واحدة من هذه الفعاليات.

قال الأول : مسكين فلان كم يتعب ويضحي من أجل قضايا عامة كهذه مع أنّ الأمل في نجاحها قليل.
فرد عليه الآخر : وهل تعتقد أنّ الأمر بالمجان ولوجه الله!

قال الأول : ولكني أعرف أنه صرف من ماله الخاص على بعض الأمور، وهو إنسان نظيف لا يملك حتى بيتا يملكه ليسكن فيه لذلك يسكن عند أقاربه أو في فنادق بغداد أحيانا. فرد الآخر وعيناه تتلامعان : لا تصير غشيم يا معود، راح يقبض من وراها جنطة دولارات!
مثال آخر : كنت شاهدا ذات مرة، وقبل عدة سنوات، على تجربة قام بها أحد الأصدقاء الفقراء ماديا، حيث دبر بعض المال من جيبه ومن جيوب بعض الأصدقاء لإصدار مطبوع وطني ويساري، وقبل صدور المطبوع احتاج صاحبنا الى مبلغ آخر لتسديد تكاليف الطبع والإصدار، وكنت شاهداً على توسلاته بأحد أبنائه ليقرضه ما وفره من نقود في حصالة نقوده لإكمال مبلغ التكاليف. ونجحت المحاولة، وصدر المطبوع، ولكن، وبعد فترة من صدور المطبوع، جاءني من يقول :
- يابه، سمعنا هذا المطبوع مال صاحبكم مولته السفارة الفلانية !
فكيف أرد على شخص كهذا و بأية طريقة؟

مثال أخير: قاد أحد الأصدقاء من ذات السلالة الفقيرة فعالية مشابهة وكان عليه السفر للقاء شخصية سياسية مهمة، ولكنه لم يكن يملك ثمن بطاقة السفر بالطائرة، فاتصل بي وبصديق آخر مع معرفته بظروفنا المادية الشبيهة بظروفه وطرح المشكلة فأرسلنا له مبلغين متواضعين لإكمال ثمن بطاقة السفر. وجاء من يشكك بهذا الصديق أيضا ويقول بأنه " شال الجنطة من الرئيس فلان " حين نقلت ما سمعت لصاحبنا علق بالقول: قل لهم ما قاله الحلاج للقرامطة.. وسكت .
ماذا قال الحلاج ؟ بحسب إحدى المرويات التراثية الثورية فإن أحد دعاة الحركة القرمطية السوادية "العراقية" اتصل بالشهيد الحلاج واقترح عليه الالتحاق بهم بسبب وحدة أهدافهم. ويبدو أنّ الحلاج اعتذر عن المشاركة الفعلية، فهو لم يكن رجل سيف وقتال بل رجل كلمة وفكر. ولكنه قال للقرمطي بعد اعتذاره : ولكني أوصيكم بالاقتراب من الخلق " الناس" والعمل بين صفوفهم بشروطهم " سيكرر القائد الشيوعي الصيني ماو يستونغ هذا المعنى بعد أربعة عشر قرنا على ظهور الإسلام في توصياته الى حزبه والمعنونة " كيف ننغمر في بحر الكادحين" . فسأله القرمطي: وما شروطهم؟ قال الحلاج : أنْ تعطيهم ما هو من حقهم، وأنْ تعطيهم ما هو من حقك، وأن تعطيهم ما فوق ذلك وما دونه، وأن لا تبقي شيئا لنفسك، وقد لا تسلم! " من ألسنتهم؟ "

أقول لأصدقائي وصديقاتي ممن يعرفون التفاصيل والأسماء، إنني لست أفضل منهم في الكثير من الأمور وأعترف بقسوة الشروط الحياتية التي عاشوها ويعيشونها اليوم في العراق المتخم بالفساد المادي والمعنوي ولكنني أدعوهم ليقظة ضميرية لينتصروا على وساوس وعنعنات هذه المرحلة السوداء .. اما المشككين وأصحاب الغرض فأقول لهم إنني أشفق عليهم، مخافة أن يكونوا ممن يطرحون موضوع التمويل بحثاً عن حصة نجسة فيه، فالتاريخ يسجل كل ما قيل وما فُعِل، و إنّ هذه المرحلة السوداء منقضية لا محالة، والكلمة الفصل ستكون لأصحاب الأيادي البيضاء والفقراء المتصدين لعذابات العمل بين الناس من أجل الناس!



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول مؤتمر القوى المدنية اللاطائفية الأخير في بغداد
- تجربة لاهوت التحرير بنكهة الربيع العربي!
- عناصر خطة شاملة دفاعاً عن وجود دجلة والفرات
- معنى الدكتاتورية والفاشية بين العلم والسجلات الحزبية!
- كتاب جديد لعلاء اللامي : -القيامة العراقية الآن .. كي لا تكو ...
- العراق: التيار الصدري بين مآلَين!
- -شيعة- جيمس جيفري المدجّنون!
- التحالف «الشيعي الكردي» ليس كذبة بل سبب البلاء!
- على مَن يضحك السفيرالأميركي بيكروف ؟
- إطلاق سراح أوجلان..إطلاق سراح أمتين!
- السدود والبحيرات كمسبب للزلازل في تركيا وشمال العراق/ج2 من 2 ...
- قضية الهاشمي: شهادة ليست للقضاء العراقي!
- احتمالات انهيار السدود التركية بسبب الزلازل
- توظيف العامل -الديني- في قضايا المياه
- كافكا الآخر.. رصد الاغتراب الروحي /ج2
- كافكا الآخر : رصد الاغتراب الروحي
- التيّاران اليساريّ والقوميّ بين الفشل وقصور الأداء
- شط العرب اليوم : إنها الكارثة!
- فرانز كافكا بعيون عربية
- شط العرب في معاهدة أرضروم وما بعدها


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - ويسألونك عن التمويل!