|
ثقافةُ الإعاقةِ
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4100 - 2013 / 5 / 22 - 08:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتكسر أدواتُ التحليل العقلاني مع عدم قدرة المجتمعات على السير للإمام، فالتياراتُ السياسية الطائفية هي أشكالُ الجنون الاجتماعية، هي التعبيرُ عن عجز الحضارة السابقة عن إنتاج وليد صحي، فهي تفرزُ كائناتٍ مشوهة تقوم بتخريب التطور الممكن. إن المسلمين المحافظين السابقين الذين حاولنا قطعَ العلاقة بهم في زمن النهضة العربية قامت الدولُ والحركات العربية الإسلامية الراهنة بربطنا ثانيةً بهم، ولهذا نجدهم يستولون على المساجد في تونس ويطردون المصلين منها، ويغيرون بالأسلحة على القبائل في نيجيريا ليبعدوا البنات عن التعليم الحرام! مثلما يُرى هذا في الانقسام الحربي المتصاعد في المشرق بين العرب والإيرانيين، الأمر الذي لا يتطلب تصاعد النزاع بل التقارب الذي تقوم به القوى العقلانية في الجهتين. المثقف الدكتاتور وصل إلى أزمته ولم يعد قادراً على إنتاج مشروع ديمقراطي، فوصلت التغييراتُ إلى بيته وحريمه، وبستان أهله وطائفته وقبيلته. يجلس المثقف مع مصادره بعد أن أختير كطالب نابه ذكي حصل على أرفع الدرجات لكي يذهب للجامعة أو الغرب وينشىءُ رسالتَه الهامة في منازلة التخلف وهدر دمه. يجمعُ أكثر المصادر ويندفع في أقصى الجهات المتمردة، ويسددُ ضرباتٍ رهيبةً للتخلف. في كل حقبة تكون المصادرُ معركةً عالمية ضد طرف ما. ففي الزمن الأول العربي الحديث كان المثقف يذهب للغرب ويعيد التحديث الأول بخطواته البكر هناك. يجمع المصادر ذات الأسنان الحادة في قضم تخلفه القومي، ويشعر بالسعادة لأنه يسمع صراخ قومه من منشاره العلمي ذاك! ويجري الربط السهل، وعقد تشابهات مضللة في أغلب الأحيان، ويتصاعد الصراع مع أشباح وليست قوى حقيقية، ويحصل المثقف على شهادة ومنصب، ثم يرتب وضعه في السلم الطبقي الصاعد! قوى ليبرالية وتنويرية كثيرة ضاعت في الرمال الطبقية المتحركة، حيث بدأت المعارك بأفضل الوجبات، ووجد الدارس اليساري صاحب الشهادة التالي علاقات وثيقة بين هدات البحارة وعمال كومونة باريس، وبين القرامطة والماركسيين المعاصرين. ومن هنا فليس غريباً أن يظهر الطائفي السياسي من عوالم الحداثة، فهذا الذي يحشد المراجع الأكثر تقدماً يعود ليؤكد دور مؤسسته السياسية في تقسيم الطبقات والشعوب وتحويلها لطوائف متقاتلة. كان اليساري المتطرف يرى أي جملة صاخبة وصورة فاقعة في روايةِ صاحبهِ ليرفعها إلى الذروة، ويعزل تلك العناصر عن ثقافة بلدٍ كاملة ليجعلها ذروته، وهي العناصر الغرائبية أو الفوضوية التي لا تصلح أن تكون أساساً للرواية الوطنية التي يجب أن تتجذر وتنتشر وتساعد على محاربة التخلف. حينئذٍ سوف يقول لك: وهل دور الأدب هو القيام بمحو الأمية؟ لهذا لن تواصل تلك العناصر الغرائبية فهمَ الثقافة الوطنية التي تتجه للانهيار مع تهاوي مثقفيها وطليعتها. وما يحدث لليساري المتطرف في هذه الجهة يحدث لآخر في الجهة الأخرى. ولهذا يكون الطائفي السياسي هو ذروة الجنون الاجتماعي لأنه ينشر الخراب وليس البناء الوطني، ويحدث هذا أولاً من خلال الفكر والثقافة، فحين ينهار هذان، تنمو التصدعات في مختلف جوانب البنية. فحين تنهار الرواية والمسرح والنقد والفلسفة والفن، يتصدع الفقهُ وعلم التاريخ الخ. فالطائفي السياسي يخرجُ من بحثه الثقافي العصري ليدخل في تأييدِ جماعة تقسيمية للشعب تقوده لصراعاتٍ جانبية حادة خطيرة بدلاً من أن يقودها للتطور الوطني. وهو لا يلاحظ أي تناقضات كبيرة بين ما يتحدث به في الكتاب، وما يردده في الحياة؟ لماذا كان أسهل للثقافة الفكرية السياسية التلاعب بالحقيقة والرقص بين الحبال والمعسكرات وعدم القيام بدور سد الهوة ومنع الصراعات المدمرة؟ ثقافة المصلحة وخدمة القوى المسيطرة أسهل بطبيعة الحال من ثقافة الصراع والتغيير، لكن للمثقف طرقه وأساليبه المتنوعة في مقاربة الحقيقة ورفض المتطرفين من كل الجهات، ولغة السياسة والكتابة تغدو مطواعة كذلك من أجل التقدم، وأكثر بقاءً ونوراً. التوحيدون الديمقراطيون الوطنيون موجودون في كل الجهات، وقادرون على عزل التطرف والقوى المؤججة للعنف والحروب، ولكنهم نوعية صعبة وأمل الشعوب.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رفسنجاني الليبرالي الذي لا يختفي
-
الأمريكيونَ والنفطُ والمذهبيون
-
تجربةُ اليسارِ الفرنسي في الحكم
-
الأدب الحديث والقومية
-
الأدبُ الفارسي القديمُ والقوميةُ(2-2)
-
الأدبُ الفارسي القديم والقومية(1-2)
-
انهيارُ العقلانيةِ في الثقافةِ البحرينية
-
الميثاقُ الوطني وتحولاتُ شعبٍ (2-2)
-
الميثاقُ الوطني وتحولاتُ شعبٍ
-
معرضُ(إليكَ أيها العاملُ)
-
البرجوازي الصغيرُ القائدُ الشرقي
-
تكويناتُ الطبقةِ العاملةِ البحرينية
-
مجنونانِ مسلحانِ في الشارع!
-
دوستويفسكي: روايةُ الاضطهاد(6)
-
دوستويفسكي: روايةُ الاضطهاد (5)
-
إفلاسُ الليبراليةِ: هجومٌ عالمي
-
نضال شعبي ضد الإرهاب ومن أجل الديمقراطية والسلام
-
العراقُ ومسيرتُهُ إلى الوراء
-
إفلاسُ الليبرالية: فلسفياً
-
إفلاسُ الليبراليةِ: توطئةٌ
المزيد.....
-
-لا صحة لما يقال عن خضوعها للعزل-.. أحدث تطورات صحة أنغام
-
فيديو صادم.. شاحنة تقتحم ملعب كرة قدم أثناء تمرين الأطفال وت
...
-
حماس ترد على تصريحات نتنياهو حول خطة احتلال مدينة غزة
-
ما هي -القبة الحرارية- التي تقف وراء هذه الموجة شديدة الحرار
...
-
زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب غرب تركيا ويهز إسطنبول وإزمير دون
...
-
تركيا: زلزال بقوة 6,1 درجات يضرب غرب البلاد
-
مصر تقترب من الانضمام لمشروع تطوير المقاتلة الشبحية التركية
...
-
دليلك الشامل لاحتياجات المولود قبل الولادة
-
خبير عسكري: مهمة مستحيلة لدخول إسرائيل معاقل حماس بغزة
-
أصالة تعلن عن موعد قريب للقاء جمهورها في بيروت برسالة مؤثرة
...
المزيد.....
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|