أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جودت هوشيار - اشكالية العلاقة بين الأخلاق و السياسة















المزيد.....

اشكالية العلاقة بين الأخلاق و السياسة


جودت هوشيار
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 4093 - 2013 / 5 / 15 - 21:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تلاميذ ماكيافيلي

لا يعرف الساسة الجدد الذين ظهروا على المسرح السياسي العراقي في السنوات الأخيرة تعريفا لمفهوم السياسة أفضل من قول بعضهم ، انها ( مصالح ) و هو تعريف مبتسر و مخل على غرار ( ولا تقربوا الصلاة ) . و يبدو انهم يقصدون بذلك مصالحهم الشخصية أو مصالح فئة أو جماعة سياسية وليس مصالح البلاد العليا . و يقول بعضهم الآخر أنها ( فن الممكن ) و هم لا يقصدون بذلك اختيار البديل العملي الممكن من بين بدائل عديدة في اتخاذ القرار ، بل ما يمكنهم الحصول عليه من منفعة شخصية و أمتيازات بأستغلال مواقعهم في السلطة، بصرف النظر عن الوسائل المستخدمة من قبلهم لتحقيق أهدافهم ، و هم يطبقون عن وعي او بالفطرة تعاليم نيكولو ماكيافيلي Niccolo Machiavelli ( 1469 – 1527) الواردة في كتابه الشهير " الأمير " حول التحلل من الضوابط الأخلاقية واباحة كل الطرق والوسائل لتحقيق المصالح و الغايات السياسية .

ما الأخلاق ؟

الأخلاق شكل من أشكال الوعي الأجتماعي و تطبيقاته على أرض الواقع ، و التي تعكس نوعا من السلوك البشري الضروري اجتماعيا .وعلى خلاف المعايير القانونية التي يجري تنفيذها ومراقبتها من قبل مؤسسات الدولة المختصة .، فأن الأخلاق تستند الى مجموعة القيم والمثل والفضائل الدينية والتقاليد و الأعراف السائدة في المجتمع .
الأخلاق تتجسد وتجد تعبيراً لها في السلوك البشري ضمن نطاق الأسرة و الجماعة و تجاه المجتمع و أجهزة السلطة... الخ . القيم الأخلاقية تتغيّر بمضي الزمن و تختلف من شريحة اجتماعية الى اخرى ومن شعب الى آخر .
المسائل الرئيسية في الأخلاق هي : ما السلوك الجيد ؟ وما العادات الحسنة ؟ وما الأعمال المقبولة ؟ وما الذي يمكننا اعتباره لائقا و مقبولاً في نظر المجتمع ؟ .

الأخلاق جزء لا يتجزأ من الرؤية الذاتية للأنسان والتي تحدد له الى حد كبيرصورة العالم الأجتماعية- السياسية . و بما أن السياسة هي واحدة من أهم مجالات النشاط الأنساني ، فأنها لا يمكن ان تكون منفصلة عن الأخلاق .

القيم و المعايير الأخلاقية ذات العلاقة بعالم السياسة ومؤسساتها و علاقاتها ، والسلوك السائد في هذا المجتمع او ذاك ، تشكل مجتمعة الأخلاق السياسية المستخدمة لتقييم النهج السياسي للنظام الحاكم و النشاط السياسي للأحزاب و المنظمات و الأفراد .

الأخلاق يحد الأنسان من السلوك المتطرف و يساعد على حل التناقضات بين الفرد والمجتمع. .
في العصور القديمة كانت المجتمعات البدائية تنظم العلاقات المتبادلة بين أفرادها عن طريق العادات والتقاليد والمحرمات ومؤسسات الرقابة الأجتماعية مثل الأسرة .
ومع ظهور المجتمعات المعقدة و الضعف التدريجي للأشكال التقليدية للرقابة الأجتماعية ازداد دور المؤسست السياسية، التي اصبحت تقوم بالوظيفة الأساسية للتنظيم السلطوي وتطوير المجتمع . اما الأخلاق فأنها باتت تحدد معايير السلوك البشري. كما أنها ( الأخلاق ) ، تحدد أيضاً سمة العمل السياسي و تؤثر في تنفيذه .
الأخلاق تشكل قيدا على حرية العمل السياسي غير المنضبط أوالمنفلت ، لذا يسعى الساسة غالباً الى التحرر منها .

ما الذي يجمع بين الأخلاق و السياسة ؟ ان ما يجمعهما هو انهما كانتا من اولى أدوات تنظيم الحياة الأجتماعية و مجال الأختيار السوسيولوجي .لذا فأنهما تتسمان بالديناميكية والتغير وتنظمان سلوك الناس .

الأخلاق قيم و ضرورات معنوية و تتسم بالمثالية ولكنها تستخدم في تقييم سلوك الأفراد الناجم عن دوافع ذاتية ، في حين ان السياسة واقعية و ذات اهداف معينة و تسعي لتحقيق نتائج محددة . ومن اهم خصائص السياسة انها تستند الى القوة و تستخدم شتى الضوابط القسرية لتنفيذ ما هو مطلوب وتلجأ الى العقوبات عند الضرورة ، في حين ان الأخلاق تستند الى تأنيب الضمير بشكل اساسي .

الأخلاق في جزء كبير منه مناقض للعنف فالتقاليد الهندوسية – البوذية ترتكز على مباديء اللاعنف ، و لكن القول ان الأخلاق عموما مناهض للعنف زعم مبالغ فيه ، حيث ان حروب الدفاع عن الوطن وحركات التحرر من الأستعمار اوالأحتلال مثلاً عادلة ومشروعة .
ان القانون الجنائي في كل بلد من بلدان العالم يجسّد وحدة شكلية للرؤية القانونية و الاخلاقية للمجتمع
و اخيرا توجد معايير اخلاقية مقبولة في مجتمعات محددة و التي تبرر استخدام العنف بشكل محدود مثال تقاليد المبادرزة للدفاع عن الشرف في المجتمعات الأوروبية .

المقاربات الثلاث للعلاقة بين الأخلاق والسياسة :

ثمة ثلاث مقاربات للعلاقة المتبادلة بين السياسة و الاخلاق :

المقاربة الأخلاقية : بمعنى ، ان لا تقتصر السياسة على كونها ذات أهداف سامية فقط مثل الصالح العام و العدالة ، ولكن عليها ايضا ان لا تنتهك تحت اي ظرف المباديء الأخلاقية (.النزاهة و المصداقية والأخلاص ) و أن تستخدم الوسائل المقبولة اخلاقيا فقط لتحقيق تلك الأهداف .والسياسة الأخلاقية أو الأخلاق في السياسة ، تتجلى في ما يلي :

1- ان يهدف السياسي في نشاطه العملي لتحقيق مصالح المجتمع ، وليس أنتزاع
السلطة والأحتفاظ بها من اجل مصالح ذاتية ضيقة .

2- مراعاة السلطة للتوازن بين ما يمكن القيام به من اجل الصالح العام ( حسب رأيها) وبين حقوق الأنسان ، التي أقرتها المواثيق والعهود الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة .وهذا التوازن يجسد جوهر العلاقة بين السلطة وحقوق الأنسان ، فهو يميل الى السلطة في الأنظمة الأستبدادية والى حقوق الأفراد في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية .

3 – السياسة الأخلاقية لا تلجأ الى استخدام العنف ، الا في حالة الضرورة القصوى ، وبالحد الأدنى .

تتميز السلطة المتحضرة في الدولة المدنية عن السلطة في الأنظمة الأستبدادية بألتزام أشد بالمعاييرالأخلاقية وضمان أكبر للحريات العامة و الخاصة .

في الأنظمة الديمقراطية ثمة فصل بين السلطات الثلاث التنفيذية و التشريعية و القضائية .
في مثل هذه الأنظمة لا تكون السلطة تعبيرا عن ارادة الحاكم وحده و لا توجد شخصنة للسلطة .والحاكم في مثل هذه الأنظمة موظف عام كأي موظف آخر ولكن أعلى مرتبة وله مهام و صلاحيات و مسؤوليات أكبر وأهم ، ويخدم لمدة محددة ويتولى السلطة او يغادرها حسب ما تسفر عنه نتائج الأنتخابات التشريعية .
السلطة المتحضرة تكون مقيدة بالدستور والقوانين التي تضمن حقوق المواطنين ، بما يحقق الأنسجام بين الأخلاق والسياسة وبين الفرد والدولة .

المقاربة اللا أخلاقية : ويقصد بها تجاهل القيم الأخلاقية في السياسة ،أو بتعبير آخر ، ممارسة السياسة منزوعة الأخلاق . وكان " ماكيافيلي " أول من حدد ووصف ، طرق ووسائل تشكيل السلطة القوية للدولة أستناداً الى مبدأ " الغاية تبرر الوسيلة "مهما كانت هذه الوسيلة لا أخلاقية ولا أنسانية.
ماكيافلي ، معلم الطغاة ، وليس من قبيل المصادفة أن " الأمير " كان الكتاب المفضل لدى جوزيف ستالين ( 1878 – 1953 ) وأدولف هتلر ( 1889- 1945 ) وبينيتو موسوليني ( 1882 – 1945 ) وصدام حسين ( 1937 – 2006 ) . ان وصايا ماكيافيلي حول قواعد الاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها عن طريق القوة الغاشمة وقمع المعارضة وأنشاء نظام أستبدادي ،لا تؤدي الا الى خراب المجتمع وأشاعة الظلم وامتهان الكرامة الأنسانية واشعال نيران الحروب والى قلب القيم والمثل والفضائل . يقول المفكر عبدالرحمن الكواكبي ( 1849 – 1902) في كتابه الخالد " طبائع الأستبداد ومصارع الأستعباد" : " أن الاستبداد يتصرف في أكثر الميول الطبيعية والأخلاق الحسنة، فيضعفها أو يفسدها أو يمحوها.. هو يقلب القيم الأخلاقية رأساً على عقب ليغدو طالب الحق فاجر وتارك حقه مطيع، والمشتكي المتظلم مفسد، والنبيه المدقق ملحد، والخامل المسكين صالح أمين. ويصبح تسمية النصح فضولاً والغيرة عداوة والشهامة عتواً والحمية حماقة والرحمة مرضاً، وأيضاً يغدو النفاق سياسة والتحايل كياسة والدناءة لطف والنذالة دماثة، وأنه أي الاستبداد، يرغم حتى الأخيار من الناس على ألفة الرياء والنفاق، ولبئس السيئتان، وأنه يعين الأشرار على إجراء غيِّ نفوسهم آمنين من كل تَبِعة، ولو أدبية، فلا اعتراض ولا انتقاد ولا افتضاح ".
المقاربة المعتدلة : و هذا النهج هو الغالب لدى كثير من القادة و الساسة الأخلاقيين ، الذين تعتز بهم شعوبهم .و تنطلق هذه المقاربة الوسطية ، من ضرورة عدم تجاهل المعايير الأخلاقية في ممارسة السياسة ، مع الأخذ بنظر الأعتبار خصائص الأخيرة .
وفي عالم اليوم عموما والمجتمعات المتحضرة خصوصاً، نجد أن الأتجاه المركزي هو اضفاء الطابع المؤسسي على المعايير الأخلاقية في السياسة ويتجلى ذلك في احترام حقوق الأنسان و العدالة الأجتماعية و الأقرار بالمباديء الديمقراطية في الحياة و تعزيز الأسس القانونية للمجتمع .



#جودت_هوشيار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وشهد شاهد من اهلها : لماذا خرج المالكي من المولد بلا حمص؟
- المعايير الأخلاقية للعمل الصحفي
- الرجل الذى أضحك العالم -قصة للشاعر الفرنسى جيوم ابولينير
- الثورات العربية من وجهة نظر روسية
- ما قل ودل : أسلحة للأستخدام الداخلي
- ما قل ودل : مياه المالكي الراكدة
- ما قل ودل : حلم المالكي المستحيل
- نداء أوجلان التأريخي الى السلام ، ألقى الكرة فى ملعب أردوغان
- مرحلة جديدة في تطورالعلاقات الكوردستانية – الروسية
- اليوم العالمي للغة الأم
- حرية الصحافة بين التشريع والتطبيق
- ما قل و دل : البصرة تستغيث من كابوس سوري
- خمسون عاماً على صدور كتاب - الحكايات الملحمية الكردية المغنا ...
- رسائل ساخاروف دفاعاً عن الكرد و حقهم فى تقرير المصير
- رائعة العقاد عن أمه الكردية
- الأنترنيت والتلفزيون: من المنافسة المحمومة الى الإندماج والت ...
- ما قل و دل : بلطجية مرسى !
- عراق الكرد و عراق المالكى
- ما قلّ و دلْ : مرسى و لغز ( كوكب القرود)
- تفاصيل مثيرة عن صفقة مريبة


المزيد.....




- أحذية كانت ترتديها جثث قبل اختفائها.. شاهد ما عُثر عليه في م ...
- -بينهم ناصف ساويرس وحمد بن جاسم-.. المليارديرات الأغنى في 7 ...
- صحة غزة: جميع سكان القطاع يشربون مياها غير آمنة (صور)
- تقرير استخباراتي أمريكي: بوتين لم يأمر بقتل المعارض الروسي ن ...
- مسؤول أمريكي يحذر من اجتياح رفح: إسرائيل دمرت خان يونس بحثا ...
- شاهد: احتفالات صاخبة في هولندا بعيد ميلاد الملك فيليم ألكسند ...
- مليارات الزيزان تستعد لغزو الولايات المتحدة الأمريكية
- -تحالف أسطول الحرية- يكشف عن تدخل إسرائيلي يعطل وصول سفن الم ...
- انطلاق مسيرة ضخمة تضامنا مع غزة من أمام مبنى البرلمان البريط ...
- بوغدانوف يبحث مع مبعوثي -بريكس- الوضع في غزة وقضايا المنطقة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جودت هوشيار - اشكالية العلاقة بين الأخلاق و السياسة