أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - الروائي اليهودي العراقي شمعون بلاص لـ - الحوار المتمدن -: نزوحي عن العراق كان اضطرارياً، وحق العيش في فلسطين أُجبرت عليه - الجزء الأول















المزيد.....


الروائي اليهودي العراقي شمعون بلاص لـ - الحوار المتمدن -: نزوحي عن العراق كان اضطرارياً، وحق العيش في فلسطين أُجبرت عليه - الجزء الأول


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1174 - 2005 / 4 / 21 - 11:28
المحور: مقابلات و حوارات
    


شمعون بلاص قاص وروائي وناقد يهودي عراقي من مواليد بغداد عام 1930. نزح إلى إسرائيل مُضطراً عام 1951. أصدر ثلاث مجموعات قصصية، وتسع روايات من بينها أمام السور، والوارث، والشتاء الأخير، و ثلاثية " المعبرة، وما وراء الوادي، وأولاد برا " التي أسماها " تل أبيب شرق ". كما أصدر كتباً وأبحاثاً نقدية مهمة من بينها " الأدب العربي في ظل الحرب " و " الأدب العربي والتحديث الفكري " وقد صدرا بالعربية إضافة إلى مجموعة قصصية عنوانها " نُذُر الخريف " وهي أربع قصص منتقاة من مجموعاته القصصية الثلاث التي كتبها بالعبرية والتي ترجمها إلى العربية كل من سمير نقّاش، ومها سليمان. تنصّب أغلب اهتمامات شمعون بلاص على الشخصيات ذات الهوية المزدوجة، والتي تنتمي إلى ثقافتين أو عالمين مختلفين. وفي أثناء تواجدي في باريس التقيته في معهد العالم، ودار بيننا الحوار الآتي"
* هل تعتقد أن الجذر الروحي ممكن أن يتلاشى أو ينتهي لليهودي العراقي الذي هاجر من العراق إلى إسرائيل بعد مرور عدة عقود من الزمان؟

- هذا الأمر يتعلق بطبيعة الحياة، والقضية تختلف من شخص إلى آخر، كل حسب مرجعيته وخلفيته الثقافية. المهاجرون اليهود من العراق، أو المهجّرون، على الأصح، من العراق إلى إسرائيل والذين عاشوا في الخارج لأسباب سياسية وتراكمات أخرى، كل له دوافعه وأسبابه. النقطة الجوهرية هي مسألة الاندماج في المجتمع، من عدمها. في إسرائيل اندمج اليهود العراقيون في المجتمع الإسرائيلي الجديد، لأن هذا المجتمع الجديد هو كله مجتمع مهاجرين. فكل المهاجرين ممكن أن يندمجوا أو يتحدوا في هذا المجتمع، ويكوّنوا فيه مجموعة موحدة تربطهم عوامل متعددة، منها اللغة والدين. وكل المهاجرين بدأوا يتكلمون اللغة العبرية وذلك لحاجتهم الماسة للتواصل مع الآخرين، والعمل معهم، وتلبية متطلبات الحياة اليومية. هذا ما يخص الجيل المُهجّر، أما الجيل الذي ولد أو نشأ في إسرائيل، فمن الطبيعي أن تصبح لغته الأصلية هي اللغة العبرية، لأنها اللغة الرسمية للدولة، ولغة التدريس، ولغة الحياة العامة. هناك استثناءات طبعاً، ففي بعض الأحايين تجد أن الأبوين من العراق، ويتكلمان كالعادة اللغة العربية، فليس غريباً أن يتكلم أبناؤهم اللغة العربية، أو المحكية العراقية. في إسرائيل تدرّس اللغة العبرية في المدارس، لذلك فإن احتمال تعلّم العربية يكاد يكون مستحيلاً بالنسبة للأولاد ما لم يكن الأبوان يتحدثان فيها في المنزل. في هذه الحالة ممكن أن يتعلم الأطفال العربية إلى درجة أنهم يستطيعون الحديث بها، والقراءة والكتابة بها إلى حدود معينة. هناك يهود عراقيون انقطعت صلتهم بالعراق نهائياً عندما هاجروا إلى إسرائيل بحيث أن أولادهم الذين ولدوا في إسرائيل لا تربطهم أية ذكرى بالعراق. أنا أتكلم عن يهود العراق وخاصة بعد مرور أكثر من خمسين سنة على الهجرة. أنا هاجرت سنة 1951، أي عندما كان عمري 20 سنة، وكنت قد أتقنت اللغة العربية، وقرأت فيها كثيراً، بل وأعد نفسي مندمجاً ومتغلغلاً في الأدب العربي. ولذلك لم أنسَ اللغة العربية، وما تزال جزءاً من كياني الثقافي والروحي على رغم تحولي إلى الكتابة بالعبرية للأسباب التي تعرفها جيداً، ومن بينها أنني يجب أن أكتب لقرّاء يفهمون لغتي التي أكتب بها.هناك أناس قليلون على شاكلتي أنا، ويكاد يكون هذا العدد مقتصراً على الأدباء والفنانين اليهود العراقيين الذين هاجروا قبل خمسين عاماً. أنا وجيلي الأدبي في سن السبعينات الآن، أي نحن في نهاية المطاف. بعد سقوط النظام في بغداد تشجّع بعض الأصدقاء العراقيين في الخارج وقالوا، ها قد سقط النظام الدكتاتوري العراق، وسوف يصبح العراق دولة ديمقراطية، بحيث يحفز البعض من اليهود العراقيين المهجرين لأن يعودوا للعراق. هذا الكلام ذكرني بما حدث بعد ثورة تموز 1958. وكانت تلك الثورة قريبة زمنياً من موضوع هجرة اليهود العراقيين. أتذكر جيداً كيف كان العراقيون جالسين قرب أجهزة الراديو ويستمعون للإذاعة، وبعض الساسة العراقيين كانوا يقولون إن اليهود العراقيين المهجرين سيعودون للعراق. وكان بعض اليهود المهجرين يقولون أيضاً نحن نريد أن نرجع للعراق، بلدنا الأصلي. أنا أعتقد أن العالم قد تغيّر الآن كثيراً، وبغداد قد ابتعدت أيضاً، أعني ابتعدت زمنياً في الذاكرة. لذلك فأنا أقول بصدد هذه النقطة أنه ما زالت هناك إمكانيات في خلق حالة سلام دائمة، بحيث يصبح من الممكن أن يكون هناك تبادل تجاري، وثقافي، ومن الممكن أن تكون هناك سياحة متبادلة بين الطرفين. وربما هناك أناس إسرائيليون يريدون الذهاب إلى هناك ليسكنوا، ويعيشوا في وطنهم الأول، أو أن يشتروا بيوتاً أو أملاكاً عقارية أخرى، ولكنني أعتقد أن هذا الحلم ما زال بعيداً أيضاً، ولكن الجذر الروحي ما زال موجوداً، وليس من السهل استئصاله.
* طيب، لننتقل إلى موضوع القصة والرواية، أنا لاحظت في مجموعتك القصصية المعنونة بـ " نذر الخريف " أن " الخالة غاوني " تشعر بالاغتراب المكاني، وهذا يعني من بين ما يعنيه أن هاجس المكان يبدو متلبساً بك، أو ينتابك دائماً بحيث هناك، على الدوام، شخصية مهجّرة سواء أكانت من أرمينيا وهاجرت إلى العراق، أو من دولة أخرى وهاجرت إلى إسرائيل. لماذا تترسخ في ذاكرتك فكرة الشخص المهاجر والذي قد يعود أو لا يعود؟

- ربما لأنني اشعر بالغربة دائماً، أعني الغربة المكانية أو الغربة الروحية أو الاغتراب ربما. أنا أشعر بأنني غريب دائماً ربما لأنني أعيش بين عالمين، أو بين ثقافتين. لقد عشت في بغداد، ثم انتقلت إلى تل أبيب، ثم إلى باريس لبضعة سنوات، ثم عدت إلى إسرائيل. ما أشرت إليه في سؤالك من هواجس أو مشاعر هي في الواقع ليس في هذه القصة حسب، وإنما في مجمل تجربتي الحياتية. هذه القصة استعرتها من حياتي الشخصية، أو لنقل من تجاربي الشخصية. في أغلب قصصي ثمة موضوعات مبنية على شخصيات ذات هوية مشتركة، بل في أغلب رواياتي وقصصي تجد هذه الشخصيات التي تنتمي إلى عالمين، وثقافتين، وحضارتين. وهي شخصيات قريبة مني جداً. عالم هذه الشخصية ذات الهوية المزدوجة، أو المنقسمة، أو الموزعة بين حياتين، هو عالم أعيشه يومياً، وأحاول أن أندمج فيه شيئاً فشيئاً. أنا أو هذه الشخصيات، مزدوجة الهوية، تحمل في داخلها ما تبقى من هويتها السابقة، ومن ذكرياتها الماضية التي لم تغب تماماً. فقصة " الخالة غاوني " هي قصة من حياتي في أيام الطفولة. كتبت أيضاً قصصاً عن مهاجرين من الغرب أو بقية دول العالم إلى إسرائيل. كتبت عن مهاجرين روس مثلاً جاءوا إلى إسرائيل، وركزت في هذه القصص على قضية اندماجهم في المجتمع الإسرائيلي الجديد، والصعوبات التي واجهوها في الأشهر الأولى من حياتهم الجديدة.
* أنت تؤكد على المكان الذي عشت فيه. فأنت، كما هو معروف، عشتَ في ثلاثة أمكنة تحديداً بغداد تل أبيب وحتى باريس. ما أهمية المكان في أعمالك الأدبية بشكل عام؟

- مبدئياً أنا عشت في مكانين وهما بغداد، وتل أبيب. أما باريس، هذه المدينة الجميلة، فقد جئتها دارساً، إذ قضيت فيها أربع سنوات. وكوّنت فيها علاقات واسعة جداً. وبسببها عرفت الشاعر العراقي عبد القادر الجنابي مثلاً، وعدد كبير من الأدباء والروائيين الأجانب. وقد دخلت باريس بوصفها مكاناً في بعض أعمالي التي كتبتها في باريس، كما دخلت تل أبيب في أعمال كتبتها هناك.
* نحن لدينا عدد كبير من القصاصين والروائيين العراقيين اليهود يعيشون اليوم في إسرائيل هل من الممكن أن يشكلوا جيلاً محدداً له ملامح مميزة؟ الكل تكتب عن الهجرة أو عن موضوعة الشخصيات المزدوجة، وعن الهاجس المكاني، هل هناك إرهاصات لجيل محدد نستطيع أن نؤطره ضمن تأطير نقدي محدد كأن يشملك أنت، وسامي ميخائيل، وسمير نقاش، وأنور شاؤول وآخرين؟

-هناك من جيلي منْ هم أكبر مني قليلاً أو أصغر مني قليلاً، ولكننا نبقى من جيل واحد على صعيد الإنتاج الأدبي. في هذا الجيل هناك مثلاً سامي ميخائيل يكتب كثيراً عن العراقيين وتاريخ العراقيين، ونعيم قطان يكتب عن العراق، وأجواء العراق بالفرنسية وعنده رواية اسمها " وداعاً بابل ". اسحق بار موشيه يكتب بالعربية فقط وقد مات قبل بضعة أشهر، وكل كتبه بالعربية، أو أغلبها شخصيات يهودية عراقية أو عراقية فقط. سمير نقاش هو فعلاً أعجوبة لأنه ترك العراق وكان عمره 13 سنة وما زال يكتب بالعربية إلى حد يمكنني القول إنه متعصب للكتابة بالعربية، ويتقن المحكية العراقية، ويحفظ عدداً كبيراً من الأمثال الشعبية العراقية التي يمكن ملاحظتها في قصصه ورواياته ومسرحياته. هناك أيضاً كاتب آخر اسمه ساسون سوميخ لا يكتب أدباً، بل أبحاثاً ودراسات نقدية وترجمة، وهو أيضاً من جيلي. ومن بين الكتاب اليهود العراقيين الأوائل الذين كتبوا الشعر الحر في فترة السياب والبياتي ونازك الملائكة هناك كاتب " . . لم يتذكر اسمه طوال مدة اللقاء " ولكنه كان صغيراً في ذلك الوقت. وهناك كتّاب أكبر مني سناً مثل أنور شاؤول، هذا الأديب الذي قضى كل حياته في العراق، لكنه هاجر في السبعينات من القرن الماضي. وقد اشترك في بعض المؤتمرات الثقافية العراقية كان آخرها مؤتمر للأدباء العرب في السبعينات على ما أتذكر. هناك إقبال ميخائيل وهو من أوائل الذين كتبوا الشعر الحر في الثلاثينات من القرن. وهناك أيضاً مير بصري الذي كتب القصة القصيرة. هذا الجيل هو فعلا متشبع بالثقافة العربية، وباللغة العربية تحديداً، لأنهم عندما انتقلوا إلى إسرائيل كان كل واحد منهم له لغته، وثقافته وكيانه الخاص. كتب أنور شاؤول فصولاً من ذكرياته في بغداد بالعربية. كان لشالوم درويش دوراً مهماً في بغداد في الأربعينات، وهو يُعد من بين كتاب القصة المبرزين في العراق. وهناك قاص آخر" نسى اسمه أيضاً " كيف نسيته؟ كان عنده مجموعتان قصصيتان، وكان من نشطاء الحزب الوطني الديمقراطي، وفي قيادة الحزب، وممثلاً للحزب في البرلمان. توقف عن الكتابة الأدبية مع الأسف، ثم بدأ يكتب مقالات عن شئون المحاكم، وقضاياها لأنه محام. على أية حال، في سنواته الأخيرة أصدر مجموعة قصصية سمّاها " بيضة الديك " قد تسأل لماذا هذه التسمية؟ لأنه عندما أصدر أول مجموعة قصصية كان أحد أصدقائه أيضاً " نسيت اسمه أيضاً " وكان سفيراً للعراق في تركيا، قال له هذه المجموعة ستكون " بيضة الديك " ويعني مجموعة واحدة سوف لا يأتي بعدها شيء يذكر. أو غالباً ما يقال هذا التوصيف عند التشكيك بقابلية الكاتب في المواصلة والإتيان بشيء جديد. لذلك سماها " بيضة الديك ".
* حينما انتقلت إلى إسرائيل كانت مرجعياتك السابقة أو لنقل ذاكرتك عراقية تستوحي من المدينة التي عشت فيها، ومن الكتب والمجلات والصحف التي قرأتها. متى بدأت تستفيد من المرجعيات الإسرائيلية، من ثقافة المجتمع، ومن المحيط، ومن العادات والتقاليد الجديدة؟ متى بدأ النص الأول يستوحي مادته الأساسية والأولية من طبيعة المجتمع الإسرائيلي ومن ثقافته ومرجعياته؟

-أقول لك بصراحة، نزوحي عن العراق كان اضطرارياً، وحق العيش في فلسطين أُجبرت عليه. أنا كنت شيوعياً آنذاك، وهذا يعني أن موقفي كان معادياً للصهيونية كحركة. وعندما جئت إلى إسرائيل كان موقفي معارضأ للسياسة الإسرائيلية. وعندي موقف واضح من القضية الفلسطينية، ولا بد أنك تعرفت عليه عندما شاهدت فيلم " إنسَ بغداد " الذي تحدثت فيه عن أشياء كثيرة عن تجربتي الحياتية والسياسية. في السنوات الأولى من شبابي انضممت إلى الحزب الشيوعي العراقي. ثم خدمت في الجيش لمدة سنتين. بعدها بدأت أشتغل في جريدة " صوت الشعب " وكنت مسؤولاً عن القضايا العربية، إذ كتبت مقالات كثيرة باللغة العبرية. طبعاً كانوا يصححون لي ما أكتب لغوياً أول الأمر إلى أن تحسنت لغتي العبرية، أو حسنتها على الأصح. بعد ذلك عندما قررت العودة إلى الكتابة الأدبية أردت أن أتوصل إلى نقطة مهمة وهي أن تظل مرجعيتي كما هي، وبالفعل بقيت هذه المرجعية كما هي، ولم تتغير لا مرجعيتي العربية، ولا مرجعيتي الأوروبية المتأتية من القراءة المتنوعة، فأنا كنت أقرأ بالفرنسية والإنكليزية، وخصوصاً فيما يتعلق بآداب هاتين اللغتين. وعندما بدأت الكتابة الأدبية، قررت أن أكتب بالعبرية، وهكذا بدأت أحقق تقدماً ملحوظاً فيما أكتب يوماً بعد يوم. أتذكر كان عندنا ندوة في تل أبيب وكان مشتركاً بها ساسون سوميخ، وقد أسميناها ندوة أنصار الأدب العربي، لأننا كنا نقيم العديد من محاضرات، والندوات، والنشاطات الثقافية ونكتب أشياء كثيرة عن الأدب العربي حتى نعرّف الإسرائيليين بالأدب العربي، وحقيقة هم لا يعرفون شيئاً عن الأدب العربي. وقد ذكرت ذلك في فيلم " إنسَ بغداد " أيضاً، وقلت إن أول مقال كتبته حينما كنت ما أزال جندياً في الجيش الإسرائيلي عن " جمال الدين الأفغاني". وعندما وصل المقال إلى الجريدة تساءلوا قائلين: ما هذا؟ وهل هناك شيئ بهذا الاسم أو من هذا القبيل؟ بعد ذلك ذهبوا إلى توفيق طوبي وأميل حبيبي، وقالوا له: هل هناك شخص بهذا الاسم؟ فقال لهم طبعاً، حتى هؤلاء الناس كانوا شيوعيين، والحزب الشيوعي هو حزب عربي يهودي. ليس لديهم معلومات تذكر في هذا الصدد، لذلك رأيت أن من واجبي هو تعريف الشعب الإسرائيلي بنتاجات العالم العربي الأدبية. فمرجعياتي هي مرجعيات عربية. وعندما بدأت الكتابة بالعبرية وحتى عندما اشتغلت بالجريدة حتى نهاية الخمسينات لم يتغير أي شيء في توجهاتي. وفي بداية الخمسينات عندما تركت العمل بالجريدة، واشتغلت عاملاً في مطبعة، قررت أن أنتقل إلى العبرية لأنه ليس هناك أية طريقة أخرى سوى الانتقال إلى العبرية. وهكذا بدأت أقرأ كتباً بالعبرية، ثم أصدرت روايتي الأولى بالعبرية عام 1964وكان اسمها " المعْبَرة " وتعني مخيّم القادمين أو المهاجرين من بلدان أخرى إلى إسرائيل. سألوني عدة مرات عن الكتب التي قرأتها بالعبرية، وحقيقة الأمر أنني كنت قرأت بعض الروايات المترجمة من الروسية إلى العبرية، وقد استغربوا لأنني لم أقرأ كتباً لكتاب إسرائيليين. وبالمناسبة كنت أقرأ هذه الروايات المترجمة لكي أعرف ما يدور حولي ثقافياً على الأقل. أما مرجعياتي فهي عربية وأوربية، كما قلت، أما سبب وجودي أو انتمائي إلى الأدب العبري فهو ناجم عن شيئين أساسيين وهما اللغة والبيئة التي أعيش فيها. لا أكثر ولا أقل، وليس لدي علاقة معهم خارج هذين الإطارين.
* لو نحلل بعضاً من شخصيات رواياتك وقصصك القصيرة ألا نجد أية مرجعية إلى تل أبيب، أو إلى الأساطير اليهودية القديمة، أو إلى القصص والحكايات اليهودية، أو إلى التراث اليهودي؟

- ستجد المرجعية اليهودية العراقية طبعاً التي وظفتها في قصصي ورواياتي مثل الأعياد، وبعض الطقوس الدينية. هذه الأشياء وغيرها موجودة في كتاباتي ويعرفها الناس والمثقفون اليهود الذين عاشوا في العراق تحديداً. أنا لدي مجموعة قصصية اسمها " أمام السور " فيها هذه الرموز والإشارات والمرجعيات التي تتحدث عنها. كما أصدرت روايتين للأطفال الأولى بعنوان " أشعب من بغداد " والثانية " طنبوري " بالإنكليزية، ثم أصدرت رواية تجري حوادثها أيام حرب الـ 1967، " نسي اسم الرواية. . " الثلاثية تذكرها، هذه الثلاثية من أول جزء كتبته كان بعنوان " المعبرة " أتابع فيه الخروج من العراق والثاني بعنوان " وراء الوادي " هناك وادي في تل أبيب يفيض والبلدة التي وراء الوادي يعيش فيها أناس فقراء يتضررون من هذا الوادي كثيراً. بالمناسبة عندما عرضت هذا العمل على كبار دور النشر رفضوا أن ينشروه! الرواية الثانية كان اسمها " انبلاج " صدرت عام 1967 وهي عن الحرب. ثم بدأت أكتب أشياء أخرى، وترجمت مجموعة قصص فلسطينية، وكتبت مقدمة أول مجموعة قصص فلسطينية ظهرت إلى الوجود آنذاك بالعبرية. لقد نشطت كثيراً في المجال الثقافي في تلك المدة تحديداً، ثم جئت إلى باريس، وكتبت فيها رواية " الشتاء الأخير " من بين أبطالها " كورييل " وهو يهودي مصري، تعرف اليهود المصريون كانوا يتكلمون الفرنسية أكثر من العربية، فقد طُرد من مصر لأسباب سياسية، وفي باريس كان عنده نشاطاً سياسياً أيضاً بين المهاجرين، فهو أحد الشخصيات المهمة في الرواية، وكذلك شخصية العفيف الأخضر موجودة في النص، وحتى عبد القادر الجنابي موجود في هذه الرواية. الأشخاص كلهم يعيشون في باريس، وقد أمدوني بطاقة هائلة لكتابة هذا النص. قبل بضعة سنين سألني أحد الأصدقاء، وهو كاتب أيضاً، وقد أسس داراً للنشر، وقال أريد منك عملاً أدبياً فيه شيء شرقي. أنا كتبت عدة روايات عن شخصيات مثل يعقوب صنوع مثلاً، وكان هذا " الصنوع " من أبرز كتاب المسرح في مصر أيام الخديوي إسماعيل في ستينات القرن الماضي، وقد كتبوا عدة أبحاث عنه، ويسمونه موليير مصر. وأنا مرة كتبت أيضاً عنه مسرحية وكتبت رواية عن حياته بعد ما طُرد وعنوانها " سولو " الذي هو طُرد من مصر، وعاش في باريس، وأصدر هنا مجلة سياسية بالعربية. طبعاً كان موقفه ضد الاجتياح البريطاني لمصر كان عنده نشاط سياسي أيضاً. أن الشخصيات ذات الهوية المزدوجة دائماً مغرية. الجنابي نفس الشيء قلت له عندي هذه الرواية قال أريدها. قلت له: ليس لدي شيئاً آخر. قال: لا، أكتب شيئاً جديداً، وهكذا ظل يلح مرة ثانية، وثالثة، ورابعة، فقلت له: اسمع عندي نص قديم دعني أراه وأتمثله جيداً، لم أغيّر به أي شيء، ولم أصحح به شيئاً، كان هذا النص هو رواية " ما وراء الوادي " ثم غيّرت العنوان إلى " تل أبيب شرق " هكذا صدرت الرواية بجزئها الثاني. وعندما صدر الجزء الثاني صار لزاماً عليَّ أن أكتب الجزء الثالث، وبالمناسبة كانت فكرة الرواية موجودة في ذهني، وهي كما نسميها بالعربي " أولاد برا " في الكيبوتسات، طبعاً هناك كلهم كانوا كأعضاء عائلة واحدة، كان بين وقت وآخر يأتي إليهم في هذه الكيبوتسات شباب، ويعيشون هناك فكانوا يسمونهم " أولاد برا " كل الغرباء عن الأشكيناز إن كانوا عرباً أو عراقيين أو غير ذلك. وعندما أنهيت كتابة الجزء الثالث أصدرت الروايات الثلاث في مجلد واحد أسميته " تل أبيب شرق ". نعود إلى موضوع الشخصية المزدوجة التي أحبها جداً، كل إنتاجي مبني على الشخصية المزدوجة تذكرت شخصية " وهو آخر " هذه رواية مبنية لو ترى في " موقع إيلاف " هناك موضوع " نحن والآخر " أو شيء من هذا القبيل، قبل بضعة أسابيع نشر " عبد القادر الجنابي " رسائل متبادلة بيني وبين العفيف الأخضر، وتكلمت من خلال هذه الرسائل عن هذه الرواية. هذه الرواية مبنية على شخصية معروفة في العراق، وهي شخصية أحمد سوسة وهو يهودي أسلم، وابنته قتلت. في الأمم المتحدة أول ما جاءوا كانت هي مُترجمة وقتلت فأخذت هذه الشخصية وكتبت عنها، وكأنما هو يقص قصتها. فسميتها " وهو آخر " وهي مأخوذة من التاريخ اليهودي أيام الحكم الروماني، حينما بدأ أحد رجال الدين اليهود يتعلم اللغة الرومانية والأدب اليوناني وأُعتبر من قبل المتزمتين كمن ترك اليهودية والثقافة اليهودية وراح إلى عالم آخر. فطرد من الدين اليهودي، لكن لكونه أحد الفقهاء الكبار فلم يكن بإمكانهم الاستغناء عنه. الغريب أنه في الكتب العبرية لا يذكرون اسمه، وإنما يقولون وقال الآخر. أنا أعطيته شخصية الآخر، أي بقي آخراً في نظر الآخرين. هذه الهوية المزدوجة أخذتها من عدة جوانب، أي الذي ينتقل من ثقافة إلى ثقافة، ومن بلد إلى بلد، ومن دين إلى آخر، وهكذا.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفنان سعد علي في معرضه الشخصي الجديد - الحب في مدينة الليمو ...
- التشكيلي زياد حيدر لـ ( الحوار المتمدّن ): اللوحة بالنسبة لي ...
- حفل لسيّدة المقام العراقي فريدة في دار الأوبرا في مدينة نايم ...
- أكرم سليمان في فيلمه الجديد - هلو هولندا -: دقّة المخرج في إ ...
- المخرج جمال أمين لـ - الحوار المتمدن -: شعوب الشرق الأوسط هم ...
- المخرج جمال أمين لـ - الحوار المتمدن -: الفيلم التسجيلي هو ع ...
- جمال أمين لـ - الحوار المتمدن -: لو لم اكن مخرجاً وممثلاً، ل ...
- مهرجان السينما العراقية الثاني في لاهاي: ملامح جديدة لأفلام ...
- حدوس ثاوية
- المخرج العراقي ماجد جابر: الحيادية والتلقائية هما من مقومات ...
- المخرج هادي ماهود: علينا أن نستثمر هذه الحقبة لصناعة أفلام و ...
- المخرج هادي ماهود: الإنسان البسيط يتحدث على سجيته، ولا يتصنّ ...
- المخرج هادي ماهود: لم أكن سعيداً بفيلم - جنون - الذي فاز بجا ...
- الفنان ستار كاووش لـ - الحوار المتمدن -: أحب الموضوعات التي ...
- الشاعرة التونسية زهرة العبيدي لـ - الحوار المتمدن -: القصيدة ...
- موفَّق السواد في (أسرَّة الفتنة): مُخيّلة مشتعلة تستقطر عسل ...
- هادي ماهود في فيلمه التسجيلي الجديد - العراق وطني -: كوميديا ...
- مدخل إلى نصب الحرية - لعدي رشيد: تفتيت الحبكة، وتشتيت الأحدا ...
- الفنان الهولندي خيرت يان يانسن: أكبر مزوِّر في القرن العشرين ...
- فيلم - فيزا - لإبراهيم اللطيف الحاصل على التانيت الذهبي لعام ...


المزيد.....




- -قناع بلون السماء- للروائي الفلسطيني السجين باسم خندقجي تفوز ...
- شاهد.. آلاف الطائرات المسيرة تضيء سماء سيول بعرض مذهل
- نائب وزير الدفاع البولندي سابقا يدعو إلى انشاء حقول ألغام عل ...
- قطر ترد على اتهامها بدعم المظاهرات المناهضة لإسرائيل في الجا ...
- الجيش الجزائري يعلن القضاء على -أبو ضحى- (صور)
- الولايات المتحدة.. مؤيدون لإسرائيل يحاولون الاشتباك مع الطلب ...
- زيلينسكي يكشف أسس اتفاقية أمنية ثنائية تتم صياغتها مع واشنطن ...
- فيديو جديد لاغتنام الجيش الروسي أسلحة غربية بينها كاسحة -أبر ...
- قلق غربي يتصاعد.. توسع رقعة الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين
- لقطات جوية لآثار أعاصير مدمرة سوت أحياء مدينة أمريكية بالأرض ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - الروائي اليهودي العراقي شمعون بلاص لـ - الحوار المتمدن -: نزوحي عن العراق كان اضطرارياً، وحق العيش في فلسطين أُجبرت عليه - الجزء الأول