أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مختار سعد شحاته - بين الامتنان والانبساط.















المزيد.....

بين الامتنان والانبساط.


مختار سعد شحاته

الحوار المتمدن-العدد: 4084 - 2013 / 5 / 6 - 09:01
المحور: المجتمع المدني
    


جملة حوارية سينمائية:
أتندر مع الخاصة من أصحابي حول لغة الحوار القديمة في السينما المصرية، ودومًا نتذكر بعض الجمل من حوارات أفلام مشهورة، مثل "نشنت يا فالح"، و"اللي ملوش أهل الحكومة أهله"، وغيرهما من الجمل التي دومًا نسخر منها، باعتقادنا أننا لنا الحق أن نملك ناصية اللغة ونطورها، وهو ما يجعلنا نعود سريعًا إلى ملاحظة دقيقة بين تلك اللغة التى –صار بعضنا يراها- تُعد لغة حجرية في عصرنا المعلوماتي، وما تسببه حالة "كسر التابوهات" –التي تفقد جمالها كثيرًا فتتشوه- تلك الحالات التي نحاول دومًا الثورة ضدها، معتقدين بأننا بصدد صراع أجيال، وذلك حين نعرض تفاصيل هذه الحوارات ونضعها أمام الجمل الحوارية في أفلامنا ومسلسلاتنا في أيامنا الفضائية المنفتحة.
كعادتنا نبدأ بهذا الفعل والذي تخيرنا له من لغتنا الجديدة تلك مصطلح "التهييس"، ونبدأ بالضحك والانفلات الذي يصل إلى حد السخرية المحضة من ذلك، لكن العجيب في حوارنا الــ"تهيسي" ذلك أنه دومًا يُفضي إلى أفكار جادة للغاية، نأخذ في قراءتها وتداولها والنقاش الحار الحاد حولها، ولعل مشروعي الأخير "العاصمة السرية"، هو دليل دامغ على نمط تفكيرنا هذا وكيف يمكن لهذا الـ"تهييس" أن يتحول إلى أفكار ومشاريع نحبها ونخلص لها ولأجل نجاحاتها.

في صحبة جزيرة الدهب:
الليلة في صحبة نيل "جزيرة الدهب" بالجيزة، جمعتني الجلسة مع ثلاثة من الصحفيين، وأظنهم موهوبين بفعل القراءة والحوار، نعم فالقراءة والحوار موهبة وفن راق. جلسنا في البداية جلسة اعتيادية نتعرف فيها على الضيف الزائر "مي"، والتى دفعتنا بتساؤلاتها إلى قضايا عديدة، ترقي فيها الحوار حين تدخل "د.محمد"، وطرح المزيد من الرؤى والقراءات، وكلما يمر الوقت يزداد الحديث في جوار النيل ألقًا وامتاعًا لا نظير له، حيث سكون النيل الذي يعزلك عن ضوضاء القاهرة وزخمها في الليل، ولا ينسى ان يخلع عليك من السحر ما يشاء كيف يشاء، فتتجلى ساحريته في هكذا جلسات راقية ومثمرة. كانت الجلسة كطوف تركناه في النيل يداعبه كيفما اتفق لنسيمه الهوى، هنا تكلمنا عن تاويل النص القرآني والحاجة إلى إعادة التأويل والنظر في النصوص لتحقيق فهم أوعى لا أعقل، وهنا قضية المرأة والظلم المجتمعي في مجتمعاتنا الشرقية الذكورية ومواقفنا منها، ويقذف بنا النيل إلى اليسار ومشاكله، ومنه إلى التصوف وحالاته، ولا ينسى النيل أن يعيدنا إلى حوارات السينما وجملها الحوارية، فيطيب الحديث ضحكًا ورقيًا، وتنتهي الجلسة بصديقة جديدة، أحترم إيمانها وبحثها الدؤوب عن ذاتها فقط، دون انشغال بهويتها الجنسية والحيرة المربكة للبعض ما بين "رجل"، و"امرأة"، لينتهي بنا الحال إلى جندل الشطط والشطحات الفكرية التي يكفرنا بها البعض، وتترى التساؤلات حول وجود الله، وحكمة الخلق، وكلها ترمي بنا إلى جادة المحبة الألهية التي حملناها بين جنباتنا في نفخته الأولى فينا، وهو ما انتهينا إليه حين تحدثنا حول فهم الإلحاح الديني على عموم الحضارة البشرية وفيها، وكيف يدفع نحو فكرة الخلود بشكل رفيع. هكذا كانت الجلسة في صُحبة النيل الرائع، نالنا من روعته نسيمًا وغذاء روحيًا دسمًا للغاية، فهنأ الجميع حين هممنا بالتصرف والنتباه للأطفال من حولنا وأننا يتحتم علينا الانصراف.


بين الامتنان والانبساط:
في نهاية الجلسة، قالت "مي" جملة ربما هي سبب هذا المقال، فحين امتدت يدها نحو أحدنا "أنا ممتنة يا دكتور بالجلسة دي"، وأكدت على أنها " مش مبسوطة أنا ممتنة"، كأنها أعادتنا إلى نقطة حوارنا الأولى، ولغة السينما المصرية قديما التى نتندر ونسخر عليها ومنها على الترتيب، تأملت اللفظتين، وبدات تتمحور فكرة في رأسي عن مجتمعنا المصري –بل العربي والعالمي- وكيف يمكن أن تختصر اللغة في مفردة واحدة حالا مجتمعيا بأكمله، وتعكس من الدلالات الكثيرة ما يترك الأسى إذا قرأنا لفظة أخرى عاكسة هي الأخرى لحال آخر. فالأولى التي أصرت عليها "مي" وأنها "ممتنة"، كأنها أرادت أن تُعبر لنا عن سعادتها بالجلسة وكيف أفادت منها وكيف تشكرنا على كل هذا الوقت، وهو ما يعكس أمرًا في غاية الخطورة يعانيه مجتمعنا هذا اليوم، لم يعرفه مجتمع مصر الذي استخدم هذا اللفظ في حواراته السينمائية، ليعكس حالة القبول والتضافر، والشعور بما يمكن تسميته مجازا "إيد واحدة"، وكيف لم يرى المصرى غضاضة في وجود الآخر، ومدي "الكوزموبولوتانية" في شخصية المصري عبر التاريخ كله، تلك التى صهرت وانصرت وشخصيات أخرى وثقافات عديدة على مر تاريخها الإنساني، وحتى قبيل هجمة من يكفرنا ويمنع الاختلاط خوفا على جنس المرأة من مغبته، ومن يكيل الأوزار لكل من هنا المسيحي جاره في العمل بعيده، وهو ما لم يعرفه المصري أبد تاريخه الممتد، ولخصها في كلمة من عاميته وقتها، نلحظها في جملة "أنا ممتن يا أفندم". ما أجمل تلك اللغة وكيف تعكس حالا كاملا وثقافة مجتمع بأثره.
في الناحية الأخرى تأمل لفظ "أنا مبسوط يا برنجي، أنا تمام يا برنس"، وغيرهما، حاول أن تتأمل الحال وراء الجمل من تلك النوعية، وبعيدًا عن مستواها اللغوي والتنظير اللغوياتي لمستويات اللغة، لكن تأملها حين تعكس لفظًا يصدر رسالة "ألأحادية" والفردية المطلقة، ثم ما بها من دلالات الطبقية والتبعية، من خلال "برنس، وبرنجي"، بينما "أفندم" ترتبط ذهنيا بمفهوم الانضباط. أي أننا في جملة السينما اليوم "أنا مبسوط يا برنس" وحين نضعها أما جملة السنما "أنا ممتن يا أفندم"، فكلاهما يعكس بوجه ما حال المصري وكيف أفلح فكرًا دخيلا في تغيير دفته المجتمعية، فهمش الآخر، وصدر رسالة شديدة العدائية للآخر، وكون القبول والامتنان يمكن أن يحل محله الفردية والانبساط، ربما نختصر الفكرة في كلمتين، الامتنان شعور مجتمعي بالتواصل الآدمي مع المجتمع، بينما الانبساط شعور أنوي أناني مُتسلط ومنعزل.

أيها الإنسان ما أعظمك:
لعل أكثر ما يُثير الحزن في داخلي حين تنتهي تلك الجلسات التي تعوضنا الطعام والماء بالفكر والأفكار، هو كوننا لن نعترف للجميع بأن "التهييس" قد يكون معبرًا فائق الروعة حين ينتهي إلى ملاحظات جادة وواعية، وتترك فقط مبهورًا أما عظمة هذا المخلوق "الإنسان" المُدهش بكل ما فيه حين يتعرف أن يقرأ ويأول ويُعيد كل التنظير بفهم ووعي وإدراك جديد. ما أروعك أيها الإنسان حين تتعلم اختصار كل هذه المشاعر في لفظة رائعة يفهما المستمع ويعيها ويقدرها على الفور، فيبادلك بمثل ما قلت ويزيد احتراما ومحبة، وما أقسانا حين تجردنا قسوة ماديتنا من علاقاتنا وترابطنا، وتُفسخ فينا أكثر وأكثر، ولا تجد من يدق ناقوسًا للخطر، بقدر ما تجد ما يبرر لها ويدفع نحوها، ويلبسها ثوب الدين أو الخصوصية او الحريات الفردية. ما أعظمك وما أقساك أيها الإنسان الذي حوى خالقه في قلبه حين عجز عن احتوائه ملكوته، وعجز قلبك عن احتواء أخيك في إنسانيتك التي تتآكل بشراهة، دونما ترميم يحفظ ماء وجه إنسانية هذا الجنس الخليفة.
يبقى أن أشكر "مي"، و"د.محمد"، والرائع "زواوي"، وأن أشكر النيل الذي منحنا كل الجمال في أمسيتنا تلك.

مختار سعد شحاته.
روائي.
مصر- الإسكندرية.
جزيرة الدهب/ كورنيش الجيزة



#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابنة الربيع
- رسالة خاصة إلى النيل.. نص أدبي.
- محطة سيدي جابر بعد التطوير.
- أنا نبيُ.
- أنا قابل .. عامية مصرية.
- ال Nickname : هوجة ولا ثورة؟
- محطات للوجع.. قصة قصيرة.. إلى شاعر العامية الرائع/ محمد بهاء ...
- ريبورتاج المدينة.. موهبة ووعي مبدع.
- بائعة الطماطم.. قصة قصيرة.
- ويل الوطن.. ويل ليه -أغنية-.
- كيف نرى؟
- شارع سيرلانكا.. نص أدبي.
- مزاد علني
- رحلة صعود إلى أعلى الدرج.
- راجع م السفر
- أحفاد القردة والخنازير.. حقيقة أم وافتراء؟
- حكاية النملة.. إلى النملة التي تحركت من فروة رأس الجد نحو وج ...
- امرأة كانت ذات يوم مراهقة محبب لها الفرح .. -قصة قصيرة.-.. ن ...
- مزج مقدس.. حالة من حالات الرجل. -نص أدبي-.
- جبريل لم يعد ملاكًا!! ولا أي إندهاشة.


المزيد.....




- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...
- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بشبهة -رشوة-
- قناة -12-: الجنائية ما كانت لتصدر أوامر اعتقال ضد مسؤولين إس ...
- الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية بمستشفيا ...
- مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: أعداد الشهداء بين الأبرياء ...
- لازاريني: 160 من مقار الأونروا في غزة دمرت بشكل كامل


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مختار سعد شحاته - بين الامتنان والانبساط.