أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف رزين - وداعا نابليون














المزيد.....

وداعا نابليون


يوسف رزين

الحوار المتمدن-العدد: 4080 - 2013 / 5 / 2 - 06:49
المحور: الادب والفن
    


في فيلمه " وداعا نابليون " ، حاول المخرج يوسف شاهين معالجة موضوع صدمة الحداثة التي تعرض لها المجتمع المصري اثر الحملة الفرنسية على مصر .
تبدأ أحداث الفيلم بمشهد لشاطئ مدينة الإسكندرية المطلة على البحر الأبيض المتوسط في إشارة إلى انفتاحها على العالم الخارجي و جنسياتها المتعددة و قدرتها على استيعاب صدمة الحداثة أكثر من أي مدينة أخرى في مصر. في هذا المشهد لا بد أن تصدمك هيئة المصريين الرثة في استخدام ذكي من المخرج لتقنية الصورة للإشارة إلى الوضع المزري و المتخلف الذي كان عليه الشعب المصري في عهد المماليك. اختار المخرج عائلة الخباز سليم و أبناءه الثلاثة بكر و علي و يحيى للتعبير عن الشعب المصري و تناقضاته . أفراد هذه العائلة سيختلفون في تفاعلهم مع حدث قدوم الأسطول الفرنسي . الابن الأكبر بكر يرغب في الهجرة إلى القاهرة لمقاومة الفرنسيين ، بينما الابن الأوسط علي لا يهتم بفكرة المقاومة ، مادام الصراع هو في الواقع بين المماليك و الفرنسيين ، أما الشعب فهو معتاد على تغير المحتلين . علي هذا يختلف عن أخيه بكر المدرس للعلم التقليدي. علي منفتح على الفرنسيين و يتكلم لغتهم و له صديقة من الجالية الفرنسية بالإسكندرية، المدينة التي لا يرغب في مغادرتها. في مشهد له دلالته ، تدعو الفتاة الفرنسية علي لمضاجعتها ، ينام علي على الأرض بينما هي تقف و تضع قدمها على صدره ، في إشارة إلى أن العلاقة بين مصر المتخلفة و فرنسا المتقدمة لا يمكن أن تطبعها المساواة حتى و إن كانت علاقة حب.
تنزل القوات الفرنسية بر مصر بينما ترحل عائلة سليم تحت ضغط الابن الأكبر . في أول التقاء بين الجيشين ، تتبدد هجمات الفرسان المماليك تحت ضربات المدافع الفرنسية . تصل العائلة إلى مصر عند إحدى قريباتهم التي يصادر المماليك مؤونتها بدعوى دعم المجهود الحربي. الابن الأكبر كعادته متحمس لهذا المجهود و يساهم بنشاط في أعمال المقاومة. من بين هذه الأعمال، شد سلسلة حديدية على ضفتي نهر النيل في محاولة من المصرين لإعاقة تقدم الأسطول الفرنسي. في نفس الوقت يستغرق مجموعة من الدراويش الصوفية في التمايل يمينا و يسارا على أنغام ضرب الدفوف. يصرخ فيهم بكر و يذكرهم أن المسلمين حاربوا المشركين بالسيف و الحربة و ليس بالغناء. يبدو المجتمع المصري منفصلا عن الواقع و غير مدرك لما ينتظره، لكن واقعية بكر لم تكن كافية، لأن السلسلة لم تصمد أمام قوة السفن الفرنسية. " حتى السلسلة طلعت لعب عيال " هذه العبارة كانت اعترافا صريحا من بكر بأن مقاومة الحداثة تتم بعقل طفولي غير واع بجبروتها .
يستمر اقتحام الفرنسيين للتراب المصري. يصلون هذه المرة إلى الأزهر. هجومهم عليه و تدنيسه بخيولهم إشارة إلى أن الحداثة لا تعير وزنا للمقدس و تجرف في طريقها كل ما هو حميمي. عند هذا الحد يصرخ علي " مصر حتفضل غالية عليا" و يصرخ معه جميع المقاومين في إشارة من المخرج إلى أن الوطن هو ما يوحد الشعب و ليس الدين .
تستمر أحداث الفيلم و يظهر من خلالها اختلاف الأخوين بكر و علي حول طريقة المقاومة. بكر يقاوم بطريقة تقليدية عشوائية، تغلب عليه الحماسة، يفتقر إلى التخطيط، لا يعي تماما إمكانيات الخصم. في المقابل علي يبدو أكثر عقلانية . يرى أن مقاومة الفرنسيين لا يمكن أن تتم بالوسائل التقليدية. يتجادل مع أخيه . المنطق الواقعي لعلي يزعج بكر فيصفع هذا الأخير أخاه في إشارة إلى القمع الذي تلقاه الأفكار الجديدة و أصحابها من طرف التيار المحافظ. في مرة ثانية يتجادل الأخوان . يحاول بكر أن يصفع علي لكن هذا الأخير يمنعه و يتحداه في إشارة إلى أن تيار الحداثيين في المجتمع عليه أن يواجه التيار المحافظ قبل مواجهة الامبريالية الغربية . تبقى ملاحظة صغيرة لا بأس من ذكرها و هي اعتماد المخرج لثنائية علي / بكر. هل كان يوسف شاهين ذو ميول شيعية ؟ هل أراد أن يشير من طرف خفي إلى أن المذهب الشيعي هو الأقدر على فهم الحداثة على عكس المذهب السني الأرثوذوكسي المتكلس ؟
شيئا فشيئا تتضح شخصية علي المختلفة عن أخيه بكر. واقعي، عقلاني، منفتح، هكذا هو. رغم معارضته للمحتل الفرنسي ، إلا انه يتواصل مع الجانب المستنير منه الذي يمثله هنا الجنرال كفاريلي . اسم كفاريلي يحيل إلى كلمة كفار. هذا الجنرال يشرف على الأبحاث العلمية و يحاول تعليمها لبكر و أخيه يحيى. ينخرط علي في عملية التعلم في إشارة من المخرج إلى ضرورة طلب العلم و لو من الكفار. غرف علي من معين الحضارة الغربية (فلك ، كيمياء ، طباعة ) لا يمنعه من الاعتراض على ممارساتها الامبريالية . يدخل في جدال مع كفاريلي . ينتقد ممارسات الجيش الفرنسي . يتعلم فن الطباعة و يستعمله في طبع منشورات معادية للفرنسيين و يوزعها على المصريين في إشارة من المخرج إلى أن علوم الغرب يمكن استعمالها لمقاومة امبرياليته . يبدو هنا علي أكثر إبداعا من أخيه بكر ذو الأسلوب التقليدي المبني على الممارسة الجوفاء. علي عكس أخيه لا يرفض الحضارة الغربية بالمطلق. في المقابل يمثل كفاريلي الوجه الإنساني لفرنسا . يعارض نابليون أكثر من مرة . في النهاية يتوفى .
يظهر علي في مشهد ختامي يسير وحيدا دلالة على اغترابه بعد وفاة كفاريلي . لقد مات صديقه . مات أستاذه . ماتت اليد الرحيمة . لكنه الآن يبدو عليه انه قد وعى الدرس. درس ضرورة الاعتماد على العلم إذا أراد أن يثبت وجوده في العصر الحديث. تتردد قبل نهاية الفيلم عبارة " أنا المصري كريم العنصرين "
في الختام نفهم أن عبارة " وداعا نابليون" تعني في الحقيقة وداعا كفاريلي ، الشخص الذي أراد إنقاذ المصريين من التخلف و الفقر و استبداد المماليك عن طريق اعتماد العلم كمنهج حياة . لهذا يقول مخرج الفيلم لكفاريلي وداعا و بأن الإنسان المصري قد وعى رسالته و انه من خلالها سيدافع عن أناه المصرية و يبرهن للعالم انه كريم العنصرين و ليس ذلك المصري رث الثياب كما أراد له المماليك و دعاة التقليد و المحافظة أن يكون .



#يوسف_رزين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنثروبولوجيا الحرام
- تاريخ المطبخ الفرنسي
- شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة
- الحرية الجنسية في الإسلام
- نشأة علم التاريخ عند العرب
- فلسفة التاريخ بين هيغل و ماركس
- تاجر البندقية .. إعادة تفكيك
- إشكالات بخصوص التاريخ الإسلامي
- أنثربولوجيا الأضحية ..محاولة للفهم
- الاحتلال الروماني للمغرب
- وليلي مدينة إقامة يوبا و الحكام الرومانيين
- لوح بابلي..حوار السيد و العبد
- لمحة عن الحياة العلمية في الأندلس في عهد الناصر و المستنصر و ...
- الحقيقة الغائبة
- عبد السلام ياسين من منظور حداثي - نظرات في الفقه و التاريخ -
- البغاء في الإسلام


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف رزين - وداعا نابليون