أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يوسف رزين - أنثروبولوجيا الحرام














المزيد.....

أنثروبولوجيا الحرام


يوسف رزين

الحوار المتمدن-العدد: 4076 - 2013 / 4 / 28 - 22:35
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أحيانا أتساءل كباحث ، هل فكرت إحدى المؤسسات الدينية بإعداد دراسة حول الحرام ؟ هل حاولت و لو لمرة أن تفهم لماذا يلقى خطابها صدودا من طرف البعض من الناس ؟ علما أن هذا البعض قد يكون الجزء الغالب منهم . لماذا ينساق الناس زرافات و وحدانا وراء الحرام رغم جزرة الجنة و عصا النار ؟ ماذا لو حاولنا تفكيك هذا السلوك الإنساني من منظور انثروبولوجي ؟ علما أن الانثروبولوجيا هي العلم الذي يسعى إلى فهم الإنسان في شتى تمظهراته .فكيف يا ترى ستقارب لنا هذا الموضوع ؟
يمكن القول في هذا الصدد أن لجوء الإنسان إلى ارتكاب الحرام –رغم الوعيد الديني- يدخل في خانة "معارضة المقدس" كما ذكر الكاتب صادق جلال العظم في كتابه "ذهنية التحريم" . هذه المعارضة قد تصل إلى درجة الثورة على المقدس و الرغبة في الثأر منه ، و في حالات اخف تكون كتعبير عن عدم الاقتناع به . الإنسان هنا يدخل في علاقة جدلية مع المقدس ، يشعر بأنه يهدد وجوده أو يخنقه أو يضايقه ، لهذا حينما يعي ذاته يعلن عن تمرده و معارضته و عصيانه ، هذا العصيان يمنحه الشعور بالحرية و الاستقلالية و امتلاك المصير ، أحيانا يكون كتعبير عن الرغبة في الانتقام من المقدس لأنه خذله و لم يحقق له تطلعاته .
إذن من خلال ارتكاب الإنسان لمحرم ديني فانه يرغب في الإعلان عن ذاته و إن بطريقة مشوهة حسب المعايير الدينية لكن من خلالها يعلن انه قد خرج عن دائرة المقدس و أعلن عن كيانه الخاص و هذا الإعلان حسب تقديرنا يتخذ أربعة أشكال و هي :
1- التحرر و هدم الأسوار : ثنائية الحلال و الحرام تتطابق هنا تماما مع ثنائية الهو و الأنا و لأن الأنا الدينية لا تسمح بأي قدر من الحركة للهو فإن هذا الأخير يعبر عن نفسه من خلال ممارسات ممنوعة كشرب الخمر و الزنا و الشذوذ و الأدب الفاحش ( شعر أبي نواس ، رواية لوليتا ..)
2- الانتقام : يشعر الإنسان بان المقدس خصم له ، بأنه نقيض له ، يعجز عن التعايش معه ، فيعبر عن كراهيته له و ينتقم منه كأن يسب الرب أو الدين أو تمزيق المصحف ( حادثة الوليد بن اليزيد ) او سرقة الحجر الاسود كما فعل القرامطة سنة 317ه.
3- السخرية : على عكس المنطق التبجيلي يعمد الإنسان حينما يتموضع خارج دائرة المقدس إلى الاستهزاء به و أنسنته فيطلق النكات على الله أو الأنبياء أو الصحابة أو الجنة و النار ..الخ من الرموز الدينية ، أو يؤلف أعمالا أدبية ساخرة من المقدس كرواية " آيات شيطانية " لسلمان رشدي أو "بانتاغرويل" لفرانسوا رابيليه .
4- تغيير الولاء : و من خلاله يعلن الإنسان خيبة أمله في المقدس فيلجأ إلى خصمه المفترض و يمنحه ولاءه و هو ما يعبر عنه بعبادة الشيطان أو الجن فيقدم لهم القرابين لكسب رضاهم كما يحدث في احتفال الليلة الكناوية بالمغرب حيث يتم ذبح جدي اسود ثم شرب دمه و التغني طوال الليلة بالملوك السبعة للجن و مناجاتهم .
في النهاية يمكن القول أن ارتكاب الحرام بشكل سري أو علني داخل المجتمع هو دليل على انعدام التناغم مع المقدس الديني نتيجة علاقة متوترة مبنية على إحساس بعدم الإشباع المادي ، لهذا فهو يأخذ شكل الثورة على الروحانية المتكلسة التي تفرضها المؤسسة الدينية ، فيدين من خلالها المقدس و يعلن بأنه عاجز عن تلبية تطلعاته المادية خصوصا ، و في نفس الوقت يرسل رسالة مشفرة إلى المؤسسات الدينية مفادها أنها لن تستطيع كبح حريته ، لهذا لا يغدوا مثيرا أن تكون أعلى نسبة زنا محارم هي تلك التي توجد بالسعودية ، البلد السني المتشدد . لهذا في ختام هذه الدراسة الانثروبولوجية أود أن أتوجه بتوصية صغيرة إلى المؤسسة الدينية كيفما كانت ، و هي أن تعيد النظر في خطابها الديني و مدى ملاءمته لنفسية الإنسان و رغباته المادية و إلا فإنها ستصبح في واد و المجتمع في واد آخر .



#يوسف_رزين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاريخ المطبخ الفرنسي
- شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة
- الحرية الجنسية في الإسلام
- نشأة علم التاريخ عند العرب
- فلسفة التاريخ بين هيغل و ماركس
- تاجر البندقية .. إعادة تفكيك
- إشكالات بخصوص التاريخ الإسلامي
- أنثربولوجيا الأضحية ..محاولة للفهم
- الاحتلال الروماني للمغرب
- وليلي مدينة إقامة يوبا و الحكام الرومانيين
- لوح بابلي..حوار السيد و العبد
- لمحة عن الحياة العلمية في الأندلس في عهد الناصر و المستنصر و ...
- الحقيقة الغائبة
- عبد السلام ياسين من منظور حداثي - نظرات في الفقه و التاريخ -
- البغاء في الإسلام


المزيد.....




- نائبة رئيس الوزراء الأوكراني تكشف بنود اتفاق المعادن المبرم ...
- تونس.. إيداع -تيك توكر- معروف السجن بتهم -ذات صبغة إرهابية- ...
- الكتب أم الشاشات؟.. دراسة تكشف الفرق في نشاط دماغ الطفل بين ...
- خطر كامن في البلاستيك يفاقم أمراض القلب عالميا
- طبيب نفسي يحدد الأسباب الحقيقية للغيرة
- دراسة صادمة.. أطعمة شائعة الاستهلاك تهدد الحياة أكثر من أحد ...
- طبيب يكشف عن فوائد صحية غير متوقعة للنوم عاريا
- رغم فوائدها العديدة.. دراسة تكشف عن تأثير خطير للقرفة على ال ...
- غزة.. أعلى معدل لمبتوري الأطراف عالميا
- المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني: إيران لن تتنازل عن حقها ...


المزيد.....

- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يوسف رزين - أنثروبولوجيا الحرام