أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف رزين - أنثربولوجيا الأضحية ..محاولة للفهم















المزيد.....

أنثربولوجيا الأضحية ..محاولة للفهم


يوسف رزين

الحوار المتمدن-العدد: 3939 - 2012 / 12 / 12 - 08:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في هذا المقال سأحاول أن اقترب من عالم غامض ، هذا العالم هو النص القرآني الذي دعا فيه الله نبيه إبراهيم إلى ذبح ابنه من خلال الآيات التالية : فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104)قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108)سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (109)كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110)إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) سورة الصافات
هذه الآيات تصيب قارئها بمشاعر متناقضة ، فالمؤمن يجد صعوبة في هضم هذه الآية عند تأمله لها و غير المؤمن يجدها دليلا على قسوة اله المسلمين بدعوته إبراهيم إلى ذبح ابنه و إن على سبيل الاختبار لا التنفيذ في حين ينسى الطرفان أنهما يتعاملان مع نص ديني ، و النص الديني هو قبل كل شيء نص كثيف الحمولة و الترميز ، و إذا كان الباحث يرهق نفسه لفهم نص شعري لادونيس أو بدر شاكر السياب فالأجدر به أن يفعل نفس الشيء أو أكثر مع النص القرآني ، لان هذا الأخير و كما يلمس العارفون به لا يقترف غباء الخطاب المباشر ، بل هو نص منطو على ذاته ، يطلب منك أن تسعى إليه لا العكس . " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " الآية 24 سورة محمد .
إذن كما قلنا من الخطأ إصدار حكم قيمة على الإسلام انطلاقا من نص قرآني شديد الاختزال و الترميز . بل يجدر بنا قبل ذلك بذل الكثير من الجهد لفهم هذا النص و تفكيكه لتبديد غموضه . و لهذا برزت محاولات للتعاطي الواعي مع النص القرآني من خلال علم تأويل النص " الهيرمانوطيقا" و هي محاولات مازالت في بداياتها و بحاجة إلى كثير من جهود الباحثين .
أما بالنسبة لنا فإننا نرى أن أفضل وسيلة لفهم النص الديني هي وضعه في مداره التاريخي . انه قبل الشروع في تفسير النص ينبغي دراسة الإشكاليات و الانشغالات الوجودية التي أرقت ذهن مجتمع ذلك النص . فهكذا و من خلال الإحاطة بالمشاكل الوجودية التي ربما عانى منها مجتمع النص نستطيع فك شيفرة هذا النص و الوصول إلى ما يريد قوله بالضبط ، إذن في هذه الحالة لن نحتاج فقط إلى الهيرمانوطيقا فحسب بل قبل ذلك للانثربولوجيا بل وسائر العلوم الانسانية لعل و عسى يتبدد لنا شيء من غموضه .
إذن مهمتنا هي أشبه بمحاولة فك شيفرة معقدة ، فماذا يمكن أن نقول بخصوص نص الأضحية ؟
إن أول شيء يمكن ذكره بخصوص هذا النص هو انه لدينا المعطيات التالية :
الأب ، الابن ، الحلم ، الذبح ، الأضحية ، الفداء ، الله .
هذه المعطيات لو وضعناها في مدارها التاريخي سنجد أن إبراهيم هو احد البدو الرحل الذي قضى حياته متنقلا بين العراق و مصر زمن الحضارت القديمة . و هذه الحضارت كانت أهم إشكالية اعترضنها هي الصراع القائم بين المجتمعات الزراعية كالعراق و مصر و المجتمعات البدوية ( الهكسوس ، الحيثيين ، اليهود ..) . في هذا الصراع كان القرآن قد عبر عن انحيازه للمجتمعات الزراعية كما يتضح في الآية التالية التي ينتقد فيها القرآن ثمود لأنها أهملت الزراعة و الاستقرار بالسهول و فضلت سكنى الجبال ، و الاعتداء على ساكنة السهول و تخريب مزروعاتها و هو ما عبر عنه القرآن بعبارة (يفسدون في الارض) " كذبت ثمود المرسلين . إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون . إني لكم رسول أمين . فاتقوا الله و أطيعون . و ما أسألكم عليه من اجر إن اجري إلا على رب العالمين . أتتركون في ما هاهنا آمنين . في جنات و عيون . و زروع و نخل طلعها هضيم . و تنحتون من الجبال بيوتا فارهين . فاتقوا الله و أطيعون . و لا تطيعوا أمر المسرفين . الذين يفسدون في الأرض و لا يصلحون " الآية 141-152 سورة الشعراء . ذلك لان نمط عيش المجتمعات الزراعية يقوم على الزراعة و الاستقرار و الإنتاج و بناء الحضارة و أما نمط عيش البدو الرعاة فيقوم على الرعي والتنقل و عدم الإنتاج و بالتالي نهب ما لدى المزارعين من موارد و الدخول معهم في الحروب و الصراعات . لهذا فالمجتمعات الرعوية هي مجتمعات أبوية ، الأب فيها يسخر أبناءه لمضاعفة ثروته عن طريق إرسالهم الى الحرب ليموتوا فيها من اجل مضاعفة ثروته المكونة أساسا من الماشية .
إن الأب في المجتمع البدوي يذبح ابنه لحماية ثروته من الانقراض بإرساله إلى الحرب . و هذه الفلسفة البدوية هي نقيض الطبيعة القائمة على استمرار النوع البشري عن طريق خلود الابن مكان الأب و ليس العكس . في حين أن الأب البدوي قلب هذه القاعدة الطبيعية و حولها إلى غير طبيعة بان جعل نفسه يخلد مكان ابنه .
إذن هذه حالة من الاختلال و التشوه يعيشها مجتمع بشري هو المجتمع البدوي . من هنا نفهم أن الله يرسل أنبياءه لإصلاح الأوضاع الفاسدة و المختلة في المجتمع و لهذا فإنه أرسل إلى البدو في ذلك الزمان أبا بدويا ليس ككل الآباء . هذا الأب هو نبي الله إبراهيم . و كلمة إبراهيم بالسريانية تعني : أب راحم . إذن فإبراهيم هو عكس الأب البدوي المعتاد . إنه أب حنون على أبناءه . آواه منيب كما ذكرت الآية القرآنية و التي فسرها عبد الله بن مسعود بأنه رحيم رقيق القلب .
هذا الأب الرحيم رقيق القلب سيحلم بأنه يذبح ابنه . إن عنصر الحلم في النص القرآني يحيلنا على اللاشعور أو كما ذكر فرويد بأن الحلم هو الطريق الملكي للاشعور . إن اللاشعور البدوي لإبراهيم يدفعه إلى مسايرة التيار و ذبح ابنه عن طريق إرساله في الحملات العسكرية لنهب المجتمعات الزراعية و جلب الغنائم منها . إنه لوهلة الأولى يمتثل لهذا اللاشعور الجمعي الجارف ، و لكن في النهاية تتدخل الإرادة الإلهية لتحرر إبراهيم من الأوامر التي تلقاها في حلمه ، أي بعبارة أخرى التمرد على شعوره و التحرر من روتينيته . إن إبراهيم في هاته الحالة بمساعدة الله يصبح واعيا بذاته ، متمردا على روتينية مجتمعه ، حداثيا و إثباتيا في سلوكه . فأفعاله تصدر من ذاته و عن وعي منه و ليس عن مصدر خارجي منه يخضع له دون تساؤل . انه هنا يعكس الآية و بدلا من ذبح ابنه فإنه يذبح الكبش ، و الكبش في المعتقدات الكنعانية هو ملك القطيع .إذن إبراهيم الأب الرحيم الحنون بدلا من أن يضحي بابنه فإنه يضحي بثروته الحيوانية ، يضحي بالكبش ، أعظم ما لديه من ثروة أو كما وصفه القرآن بالذبح العظيم فداء لابنه .
إذن في هذه الحالة يعود المجتمع إلى وضعه الطبيعي فيموت الأب ( ما دام سيخسر ثروته الحيوانية ) ليخلد الابن .
هنا ننتقل إلى عملية الذبح . إن هذه العملية ، أي الذبح هي في الواقع إحداث القطيعة مع نمط عيش معين و الانتقال إلى نمط عيش آخر . فالأب هنا يقوم بإعدام ثروته الحيوانية لإطعام أبناءه بعد أن كان يئد الابنة و يرسل الابن إلى الحرب . أما الآن فلا حرب بعد اليوم ونمط الاقتصاد سيتحول من الرعي و الغزو و سلب الغنائم إلى الزراعة و الإنتاج الدوري و المتجدد .
إذن من خلال التحليل الانثربولوجي لنص الأضحية يمكن أن نستخلص الآتي :
- المجتمع الإسلامي هو مجتمع غير أبوي
- الأب في خدمة الابن و ليس العكس
- المجتمع الإسلامي هو مجتمع زراعي ، اقتصاده قائم على الإنتاج و ليس على سلب ما لدى الآخرين
و في نهاية هذا البحث المتواضع لا يسعني إلا أن أتمنى أن أكون قد وفقت في تفكيك و تحليل هذا النص راجيا من الله التوفيق .

يوســـــف رزيـــــــــــــن



#يوسف_رزين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحتلال الروماني للمغرب
- وليلي مدينة إقامة يوبا و الحكام الرومانيين
- لوح بابلي..حوار السيد و العبد
- لمحة عن الحياة العلمية في الأندلس في عهد الناصر و المستنصر و ...
- الحقيقة الغائبة
- عبد السلام ياسين من منظور حداثي - نظرات في الفقه و التاريخ -
- البغاء في الإسلام


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف رزين - أنثربولوجيا الأضحية ..محاولة للفهم