أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - الثقافة العَلمانية: كلمنى عن بكره (4/4)















المزيد.....

الثقافة العَلمانية: كلمنى عن بكره (4/4)


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 4079 - 2013 / 5 / 1 - 22:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم أجد عنوانا لحديثى عن "سُنَّةُ التطور"، المكون الرابع من مكونات الثقافة العلمانية، أفضل من الشطر الأول لأغنية نجاة الصغيرة "كلمنى عن بكره ... وإبعد عن إمبارح" التى كتبها الشاعر مأمون الشناوى. لم أجد عنوانا أفضل منه لخطاب موجه لثقافة مصابة بمرض "التوهان الزمنى" Time Disorientation. فهى ثقافة توقفت عند فترة تاريخية بعينها، وعجزت عن إستيعاب ما جاء به الزمن من متغيرات، وفقدت القدرة على تحديد الوجهة والتعرف على الإتجاه. وهكذا إستوطن "الماضى"، بأحداثه وأبطاله وأفكاره، تلافيفها فأصابها بالتحجر والجمود وأفقدها الإحساس بصيرورة الأشياء. وكما تحكم الثقافة رؤى أصحابها وسلوكياتهم فإنهم بدورهم يؤثرون على هذه الثقافة ككل بكيفية تعاملهم مع معطياتها. فلقد رأينا أصحاب هذه الثقافة وهم يبالغون فى تعظيم أحداث هذا الماضى وفى تنقيتها من كل نقص وسوء، ورأيناهم يضفون صفة القداسة على أبطال هذا الماضى وعلى أفكارهم. وهكذا أصبحنا أمام ثقافة لاترى "المستقبل" إلا بوصفه إعادة إنتاج لهذا الماضى وتجسيدا لمقولات أبطاله من الأسلاف ... !

ولقد أصبحنا أسرى هذه الثقافة فتجذرت وشاعت بيننا حتى أصبحنا نطلق على كل ما مضى وكل ما كان إسم "الزمن الجميل" ...! ... وكأننا فقدنا القدرة على إنتاج ما يفوقه فى "الحاضر"، وكأن أبناءنا عاجزون على إنتاج ما هو أفضل فى "المستقبل". وهكذا صادرنا حقنا وحق أبناءنا فى التكيف مع مستجدات العصر وفى الإسهام فى صنعها لنصبح عالة على منتجيها. إنها بإختصار الثقافة التى أغفلت، أو تغافلت عن، القانون الذى تخضع له كل الكائنات الحية، بيولوجية كانت أو إجتماعية، قانون التطور أو "سُنَّةُ التطور".

سُنَّةُ التطور
تقول لنا مراجع اللغة العربية أن أول كلمة فى إسم المكون الرابع من مكونات الثقافة العلمانية "سُنَّةُ" تعنى، من ضمن معانيها، الطريقة أو النهج أو القانون. أما ثانى كلمات هذا الإسم، "التطور" Evolution، فتعدد تعريفاتها بقدر تعدد النظم العلمية المختلفة. وأبسط هذه التعريفات هو"التغير مع الزمن". وميزة هذا التعريف هى بساطته إلا أنه لايوضح لنا طبيعة التغير. لذا ينبغى تبنى تعريفا آخر للتطور يوضح لنا طبيعة التغير المقصود ويمكن إستخدامه فى نفس الوقت لدراسة تطور الكيانات الحية بيولوجية كانت أو إجتماعية. ويقودنا تأمل التعريفات المختلفة لمفهوم التطور إلى التعريف التالى: "التطور هو أى عملية نابعة من داخل الكيان تؤدى إلى زيادة تعقده المتمثل فى زيادة تنوع مكوناته وزيادة الترابطات بينها، وفى تحسين قدراته على التعامل مع متغيرات البيئة التى يعيش فيها".

ولعل متابعة ما حدث للتليفون المحمول من تطوير عبر الأربعة عقود الأخيرة يقرب لنا مفهوم زيادة التعقد. فلقد إنخفض وزن المحمول من حوالى 1 كجم فى بداياته الأولى سنة 1973 إلى حوالى 130 جم الآن، وفى نفس الوقت شهدنا تعاظم قدراته من مجرد أداة لتبادل المكالمات التليفونية إلى أداة ذكية تمكنك من تسجيل بالصوت والصورة ما يحدث، وإستخدام خدمات الإنترنت بشتى صورها، ومن تحديد موقعك و من ... إلا أننا لايمكن أن نطلق على زيادة تعقد المحمول وصف التطور لأن مصدر مايحدث له من تحسينات أو تغيرات من خارجه وهو الإنسان. إلا أن الأمر يختلف فى حالة الكائنات الحية، البيولوجية والإجتماعية، إذ تنبع قوى التغيير من داخلها. وقوى التغيير هذه قد تكون عشوائية (غير مٌخَطط لها) كتلك التى تحكم تطور الكائنات البيولوجية. فالتطور فى الكائنات البيولوجية يحدث بفعل التغيّرات التى تحدثها القوى العشوائية على "الصفات الوراثية"، وهى الصفات المختزنة فى جزئ الـ "دنا" DNA. أما فى حالة الكائنات الإجتماعية، مثل المجتمعات البشرية، فبلإضافة إلى القوى العشوائية التى تحدث تغيرات فى "الصفات الثقافية" للمجتمع، نجد هناك أيضا القوى غير العشوائية والواعية التى يحدثها الإنسان عن قصد.

الثقافة وتطور المجتمعات
لايمكن تتبع وفهم مراحل تطور المجتمعات دون التعرف على "الصفات الثقافية" لكل مرحلة فالثقافة، بوصفها "البرمجة الجمعية للعقل التى تميز مجموعة من البشر عن غيرها من المجموعات" (Hofstede, 1984)، هى التى تشكل رؤى أصحابها لما يدور من حولهم وتؤسس منظومة قيمهم. واليوم يتفق أغلب العلماء على أن المجتمع البشرى قد تطور عبر أربعة مراحل هى: مرحلة "مجتمع حضارة ما قبل الزراعة" ومرحلة "مجتمع حضارة الزراعة" ومرحلة "مجتمع حضارة الصناعة" ومرحلة "مجتمع حضارة ما بعد الصناعة" (السيد, 2006). وبالطبع لكل مرحلة صفاتها الثقافية التى تميزها عن المراحل الأخرى. وبما أن حديثنا يتعلق بتطور المجتمعات سيكون من المفيد التعرف على نظرة المجتمع لطبيعة الزمن وأقسامه الثلاثة (الماضى والحاضر والمستقبل) فى كل مرحلة من مراحل تطورها الأربعة.

لم يكن لدى إنسان أولى المراحل، "مجتمع حضارة ما قبل الزراعة"، صورة واضحة عن الزمن سوى ما يتركه من تغيرات على جسده (الزمن البيولوجى)، ولم يكن إهتمامه ينصب إلا على اللحظة الراهنة ... يعنى كان بيعيش اليوم بيومه. وفى المرحلة الثانية، "مجتمع حضارة الزراعة"، أدت ملاحظة الإنسان لدورات الطبيعة كتكرار شروق الشمس وغروبها إلى تبنيه لمفهوم "الزمن الدائرى" الذى تتكرر فيه الأحداث على فترات منتظمة، وظهرت مقولات مثل "لاجديد تحت الشمس" و"التاريخ يعيد نفسه". لذا كان تطلع هذا الإنسان الدائم للماضى وتخوفه مما ستأتى به أيام المستقبل. لذا لايكون من المستغرب أن تنكر المجتمعات التى تسودها هذه الثقافة مفهوم التطور وتعتبره من الهرطقات. ومع دخول المجتمع البشرى فى مرحلة تطوره الثالثة، "مجتمع حضارة الصناعة"، ظهر مفهوم "الزمن الخطى". وهو المفهوم االذى ينظر للزمن كسهم ينطلق من الماضى نحو المستقبل مرورا بالحاضر ومن ثم تقسيمه إلى فترات يمكن قياسها بدقة (زمن الساعة). ولقد نظرت ثقافة هذه المرحلة للماضى كفترة تستخلص منها العبر، وللحاضر كنقطة إنطلاق نحو مستقبل مأمول. لذا لم يكن غريبا أن يظهر مفهوم التطور فى سياق ثقافة هذه المرحلة.

وأخيرا جاءت مرحلة "مجتمع حضارة ما بعد الصناعة" وجاءت معها بـ "تكنولوجيا المعلومات والإتصالات" بقدراتها الفائقة على تشبيك الكمبيوترات أيا كان موقعها عبر شبكة الإنترنت. ولقد أدت هذه التكنولوجيا إلى تغيرات جوهرية فى طبيعة إحساس الإنسان بالزمن. وأول هذه التغيرات هو الإحساس بـ "إنضغاط الزمن"، إذ أن عدد الأفعال التى يمكن أن يقوم بها الإنسان فى وحدة زمنية واحدة (ساعة على سبيل المثال) بالإستعانة بهذه التكنولوجيا يزيد بقدر هائل عن تلك التى يقوم بها الإنسان فى غيبتها. كما أدت معدلات التغير الفائقة فى مكونات هذه التكنولوجيا وتطبيقاتها العملية إلى إصابة إنسان الثقافات غير المتواكبة بما يعرف بـ "صدمة المستقبل". فلم يعد المستقبل ينتظر هناك قدومنا بل أصبحت موجاته تغمرنا بلا إنقطاع.

التطور الخلاق
يتميز المجتمع البشرى عن غيره من الكائنات بأن عملية تطوره يمكن أن تنشئها وتوجهها أفعال وقرارات الإنسان. إنه إذن التطور الواعى، غير العشوائى، الذى يهدف إلى علاج الثقافة السائدة من "توهانها الزمنى". وهو العلاج الذى يقوم على إشاعة ثقافة تعلى من شأن المبادئ التالية. وأولى هذه المبادئ هو مبدأ "الخلف" أفضل من "السلف" بالضرورة ... ضرورة تراكم المعرفة والخبرة الإنسانيتين على مستوى أفراد المجتمع. أما ثانى هذه المبادئ فهو أن "المستقبل" أفضل من "الماضى" بالضرورة ... ضرورة تراكم المعرفة والخبرة الإنسانيتين على مستوى المجتمع ككل. وآخر هذه المبادئ هو أن "الإبداع هو شرط التطور الخلاق". والإبداع هو ببساطة هو عملية إنتاج أفكار غير مسبوقة لحل مشاكل المجتمع أو للتعامل مع ما يواجهه من تحديات. وهى العملية التى يتطلب إنجازها توفر شرطين هما "رفض الوضع الراهن" و"الخروج عن المألوف"، وتعززها مجموعة من القيم. وأول هذه القيم قيمة "التسامح مع الأخطاء" بوصفها مصدرا للدروس المستفادة التى تنشأ عنها الأفكار الجديدة. وتعزز هذه القيمة قيمة "التعلم المستمر" بما تنشئه من "نزعة فضولية" تدفع الإنسان للبحث عن كل جديد. كما تؤدى قيمة "التقييم الموضوعى (العادل) للأفكار" إلى تشجيع أعضاء المجتمع على إنتاج الأفكار الجديدة ومناقشتها. كما تعزز قيمتى "تقبل المخاطرة" و"تشجيع التجريب" القدرة على "الخروج عن المألوف". يؤدى البحث عن حلول غير مسبوقة للمشاكل، التى يواجهها الكيان، إلى إنتاج العديد من الأفكار التى قد يناقض بعضها البعض، وتتباين حولها الآراء. وهنا تبرز أهمية قيمة "تقبل الخلافات" التى لاتقتصر على مجرد التقبل بل تعنى أيضا العمل على تجاوزها بطريقة بناءة. وآخر القيم الداعمة لعملية الإبداع هى قيمة "الإحتفاء بالتغيير" التى تعزز أحد شرطى عملية الإبداع وهو "رفض الوضع الراهن".

المراجع
Hofstede, G. 1984. National Cultures and Corporate Cultures. In L. A. Samovar, & R. E. Porter (Eds.), Communication Between Cultures: 51. Belmont, CA: Wadsworth.
السيد, ا. ن. 2006. التنوير الغائب القاهرة: دار العين للنشر.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة العَلمانية: وإنك لعلى خلق عظيم (3/4)
- الثقافة العَلمانية: المعرفة هى الحل (2/4)
- الثقافة العَلمانية: هكذا تحدث أمارتيا سن (1/4)
- وقُضِيَ الأمر ... فماذا أنتم فاعلون؟
- الرفاه المُنتظَر والمرجعية المنشودة
- مجتمع المعرفة ودستورنا المرتقب
- الأقدام الصينية وحداثتنا المشوهة (2/2)
- الأقدام الصينية وحداثتنا المشوهة (1/2)
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر علوم التعقد ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر الفكر العلمى ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر الفكر العلمى ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: الفكر الأسطورى ( ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: الفاتحة (1/5)
- الخيار المر ومسئولية الإختيار
- بيت المرايا ودنيا المغالطات
- زمار هاملين وروعة التدليس
- العلمانية والسيبرنيطيقا
- العَلمانية كثقافة
- الحداثة المراوغة: تأملات فى مجريات الأمور
- كهنوت الإسلام


المزيد.....




- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة 2024 بأعلى ...
- قائد الثورة الاسلامية يستقبل المنتخب الوطني لكرة قدم الصالات ...
- “نزلها لطفلك” تردد قناة طيور بيبي الجديد Toyor Baby بأعلى جو ...
- تقرير فلسطيني: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- مصر.. هيئة البث الإسرائيلية تكشف اسم رجل الأعمال اليهودي الم ...
- كهنة مؤيدون لحق اللجوء يصفون حزب الاتحاد المسيحي بأنه -غير م ...
- حجة الاسلام شهرياري: -طوفان الاقصى- فرصة لترسيخ الوحدة داخل ...
- القناة 12 الإسرائيلية: مقتل رجل أعمال يهودي في مصر على خلفية ...
- وزيرة الداخلية الألمانية تعتزم التصدي للتصريحات الإسلاموية
- مراجعات الخطاب الإسلامي حول اليهود والصهاينة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - الثقافة العَلمانية: كلمنى عن بكره (4/4)