أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - الأقدام الصينية وحداثتنا المشوهة (1/2)















المزيد.....

الأقدام الصينية وحداثتنا المشوهة (1/2)


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 3869 - 2012 / 10 / 3 - 15:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حكاية كاشفة من الصين
لاأحد يدرى على وجه الدقة السبب وراء عشق الرجال الصينيين للمرأة ذات الأقدام الصغيرة. وهو العشق الذى دفعهم لتحديد مواصفات القدم الصغيرة بدقة مدهشة. فالقدم المثالية فى جمالها وذات الجاذبية الفائقة هى تلك لايزيد طولها عن الـ 7.6 سنتيمتر وتعرف بـ "اللوتس الذهبية". أما تلك التى تليها فى مستوى الجمال والجاذبية فيبلغ طولها 10 سنتيمترات وتعرف بـ "اللوتس الفضية". وهنا يبرز سؤال عما كانت تفعله النساء الصينيات لإيقاف النمو الطبيعى لأقدامهن. هذا النمو الذى كان يتوقف عندما تبلغ القدم طولها الطبيعى وهو حوالى 24 سنتيمتر. وتأتينا الإجابة فى كلمتين "ربط الأقدام" Foot Binding. وهى الممارسة التى كانت تقتضى لف أقدام الفتيات الصغيرات برباط وثيق لعدة سنوات. وتكون نتيجة هذا الرباط أقدام صغيرة تتمتع بالمواصفات التقليدية والشائعة للجمال ولكنها لاتمكن صاحبتها من الحركة الطبيعية. وقد دامت هذه الممارسة لما يزيد على 1200 سنة منذ عصر أسرة تى آنج (618-906) وحتى جرمها القانون سنة 1911 بعد ثورة الصينيين على حكم أسرة شنج تحت قيادة صَن يات صِن.

الحداثة ولزومها
"الحداثة" Modernity ظاهرة مركبة متعددة الأبعاد يصعب إيجاد تعريف شامل جامع لكافة جوانبها. ومما يزيد من صعوبة صياغة التعريف تمييز البعض لثلاثة مراحل للحداثة هى مرحلة "الحداثة المبكرة" (1453-1789) ومرحلة "الحداثة التقليدية" (1789-1900) ومرحلة "الحداثة اللاحقة" (1900-1998) (Osborne, 1992). ولمواجهة هذه الصعوبات سنتخذ من "المقاربة التطورية"Evolutionary Approach كأداة ذهنية حيث أنها تأخذ فى إعتبارها عنصر الزمن وأثره على تغير الأحوال. ومن هذا المنطلق يمكنا القول بأن "الحداثة"، فى أحدث صورها، هى "حالة" State مركبة تميز المجتمعات البشرية فى أحدث مراحل تطورها، أو مجتمعات عالمنا المعاصر المتقدمة. وصفة "المتقدمة" فى هذا السياق تعنى تلك المجتمعات التى توفر لأعضاءها مستوى مرتفع من "الرفاهية" Well-Being، بكل أبعادها المادية والمعنوية، هذا بالإضافة إلى إسهامها فى الإرتقاء بأحوال الإنسانية ككل بما تنتجه من معارف وتطوره من تكنولوجيات.

وتخبرنا "المقاربة التطورية" بأن المجتمعات البشرية، شأنها فى ذلك كشأن أى كائن حى، فى تطور مستمر وإنتقال دائم من حال لحال. فلقد شهد المجتمع البشرى أربعة مراحل تطور رئيسية هى مرحلة مجتمع "حضارة ما قبل الزراعة" (منذ حوالى 2 مليون سنة)، مرحلة مجتمع "حضارة الزراعة" (منذ حوالى 10000 سنة)، مرحلة مجتمع "حضارة الصناعة" (منذ سنة 1780) وأخيرا مرحلة مجتمع "حضارة ما بعد الصناعة" (منذ منتصف سبعينات القرن العشرين) التى نعيشها الآن. ويتأسس التمييز بين كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع إنطلاقا من طبيعة علاقة الإنسان بالبيئة الطبيعية والمنظومة التقنية والمنظومة الإجتماعية والثقافية (السيد, 2006). كما تخبرنا هذه المقاربة أيضا بأن قدر "تعقد" Complexity المجتمع يزداد مع تطوره وإنتقاله من مرحلة إلى المرحلة التى تليها (Laszlo, 2009). وتتميز المجتمعات الحديثة المعاصرة، مجتمعات "حضارة ما بعد الصناعة"، بتعقدها الشديد Hyper Complexity بالمقارنة مع تعقد مجتمعات المرحلة السابقة، مجتمعات "حضارة الصناعة". وهو التعقد الذى تشكله ثلاثة عوامل متداخلة هى "التنوع الفائق"، "التواقف المتزايد"، و"التغير المتسارع". ويتعلق "التنوع الفائق"، أول أبعاد التعقد، بتعدد وتنوع مكونات المجتمع المادية والمعنوية والبنيوية. فعلى سبيل المثال ينتج المجتمع الفرنسى حوالى 350 وأكثر من أنواع الجبن بينما لاينتج المجتمع المصرى إلا 4 أنواع فقط (الرومى، الدمياطى، القريش، المش). ولايقتصر تعدد وتنوع مكونات المجتمع الحديث على مكوناته المادية المتمثلة فيما ينتجه من سلع مصنعة بل يمتد أيضا ليشمل مكوناته غير المادية (المعنوية). وهى المكونات التى تشمل الرؤى والمعتقدات والأفكار المختلفة التى يعزز تواجدها مبدأ "حرية التفكير"، هذا بالإضافة إلى البنى الإجتماعية والسياسية التى تضمن وجودها وفعاليتها "مبادئ حقوق الإنسان". أما ثانى أبعاد التعقد، "التواقف" (أو "الإعتمادية المتبادلة") Interdependence، فيتعلق بطبيعة العلاقات بين مكونات المجتمع الحديث التى تتميز بتشابكها الشديد ومن ثم إعتماد وجود كل مكون من هذه المكونات وأفعاله على إمكانيات وأفعال بقية المكونات. ونصل أخيرا إلى ثالث أبعاد التعقد، "التغير المتسارع"، فلقد بلغت معدلات التغيير خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين تبلغ خمسة أضعاف متوسط معدلات التغيير فى القرن العشرين. فعلى سبيل المثال تطرح شركة سونى اليابانية منتجا جديدا كل 20 دقيقة بينما تقدم شركة ديزنى الأمريكية منتجا جديدا كل 3 دقائق ...!

وتقوم الحداثة، فى أبسط صورها، على عدة مبادئ من أهمها: "العقلانية" Rationalism، "الفردانية" Individualism و"التقدم" Progress. وأول هذه المبادئ، "العقلانية"، يعنى قدرة عقل الإنسان، وعقل
الإنسان فقط، على إنتاج المعرفة اللازمة لفهم الواقع الذى يعيش فيه ولتغييره. وثانى هذه المبادئ، "الفردانية"، يضع الفرد وما يتطلع لتحقيقه فى بؤرة الإهتمام فيؤكد على إستقلاليته، فكرا وفعلا، ويتيح له المزيد من الخيارات. أما آخر هذه المبادئ، "التقدم"، فيعنى القناعة بأن المستقبل أفضل من الماضى وأن هذا المستقبل قابل للتحقق بجهد الإنسان. وهى المبادئ التى يتم تجسيدها فى كلا من المجال الإجتماعى والسياسى والإقتصادى والثقافى. ففى المجال الإجتماعى تتعدد ملامحها والتى من أبرزها، على سبيل المثال، الزيادة الكبيرة فى عدد سكان المدن (التمدين) Urbanization، إنخفاض الأمية، زيادة متوسط عمر السكان. وفى المجال السياسى نراها فى تتجسد فى النظم الديموقراطية القائمة على تعدد الأحزاب السياسية. وهى فى المجال الإقتصادى تأخذ أشكالا متعددة مثل الإقتصاد القائم على آليات السوق وزيادة تقسيم العمل. ويؤدى تحقيق هذه التغيرات فى المجالات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية إلى إحداث تغيرات فى منظومة القيم السائدة فى المجتمع. إلا أن تحقيق هذه التغيرات على أرض الواقع يتطلب بدوره وجود ثقافة مواتية. ثقافة "منفتحة" على مكونات الثقافات الأخرى من قيم وسلوكيات دون نزعة إستعلاء متوهمة. ثقافة "متكيفة" ترحب بتغيير ما هو سائد بما هو أفضل حتى لو كان من خارجها.

وتهدف الحداثة فى نهاية المطاف إلى "تنظيم الحياة الإجتماعية اليومية بطريقة عقلانية" (Habermas, 1993). أو بعبارة أخرى رفع "كفاءة" Efficiency المجتمع أى تعظيم قدرته على تحقيق أفضل النتائج بإستخدام أقل قدر من الموارد (Charlton & Andras, 2003). وبهذا يصبح تحديث المجتمع، والوصول به إلى حالة الحداثة، "ضرورة" لا"خيار" فى زمن تقل فيه الموارد المتوفرة وتزداد فيه تطلعات أفراده.

المراجع

Charlton, B., & Andras, P. 2003. The Modernization Imperative. Exeter, UK: Imprint Academic.
Habermas, J. 1993. Modernity versus Postmodernity. In J. Natoli, & L. Hutcheon (Eds.), A Postmodern Reader: 91-105. Albany, N.Y.: State University of New York Press.
Laszlo, A. 2009. The Nature of Evolution. World Futures, 65(3): 204 - 221.
Osborne, P. 1992. Modernity is a Qualitative, Not a Chronological, Category. New Left Review, 192(Mar/Apr): 65-84.
السيد, ا. ن. 2006. التنوير الغائب القاهرة: دار العين للنشر.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر علوم التعقد ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر الفكر العلمى ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر الفكر العلمى ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: الفكر الأسطورى ( ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: الفاتحة (1/5)
- الخيار المر ومسئولية الإختيار
- بيت المرايا ودنيا المغالطات
- زمار هاملين وروعة التدليس
- العلمانية والسيبرنيطيقا
- العَلمانية كثقافة
- الحداثة المراوغة: تأملات فى مجريات الأمور
- كهنوت الإسلام
- ثقافة النص ومآساة دوماستان
- لماذا أنا عَلمانى؟


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - الأقدام الصينية وحداثتنا المشوهة (1/2)