أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - العَلمانية كثقافة















المزيد.....

العَلمانية كثقافة


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 3673 - 2012 / 3 / 20 - 21:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يشبه البحث عن تعريف ملائم لـ "العَلمانية" محاولة اللحاق بعربة مسرعة تتحرك فى العديد من الإتجاهات. فلـ "العَلمانية" تعريفات متعددة تختلف بإختلاف السياق وتغير الزمان. فالبعض ينظر إليها بوصفها "فصل الدين عن السياسة" والبعض الآخر يعرفها بوصفها "حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الأرضية بدلاً من الاهتمام بالشؤون الآخروية" (دائرة المعارف البريطانية). ولايتخلف الفلاسفة عن الركب فيعرفونها بأنها "التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق. ومعنى ذلك تناول الظواهر الإنسانية والتى هى نسبية بالضرورة بمنظور نسبى وليس بمنظور مطلق" (مراد وهبة). ولايتسع المجال هنا لذكر المزيد من التعريفات التى يعكس تنوعها تعدد أبعاد هذا المفهوم. إلا أن تأمل هذه التعريفات يكشف عن تضمنها مجموعة من العناصر المشتركة. وهى العناصر التى تشكل مجتمعة ما يمكن أن نطلق عليه إسم "الثقافة العلمانية". وهى الثقافة التى تشكلها مجتمعة المكونات التالية: "تمكين الإنسان"، "أولوية المعرفة البشرية"، "إنسانية الأخلاق" و"سنة التطور". والنظر إلى العلمانية كـ "ثقافة" يساعدنا على تفهم الدور تلعبه العلمانية فى الإرتقاء بأحوال المجتمعات التى تتبناها كفلسفة حكم ومنهج حياة.
تمكين الإنسان
يعنى المكون الأول للثقافة العلمانية، "تمكين الإنسان"، رد الإعتبار للإنسان وتمكينه من لعب الدور الرئيسى والمحورى فى إدارة شئون دنياه وذلك بإستخدام ملكاته الفكرية وقدراته الذهنية فقط. فالإنسان طبقا لهذا المكون هو "سيد مصيره" و"مهندس واقعه" الأوحد والوحيد.

وتمكين المجتمع لأفراده يعنى سعيه الدؤوب، وبكافة الطرق، على تزويدهم بالمعرفة المتجددة سواء كانت معارف نظرية أو مهارات عملية وإتاحة الفرص أمامهم للعب أدوارا إيجابية فى تسيير شئونه. وتنمية الرصيد المعرفى لأفراد المجتمع يؤدى بالضرورة لزيادة "رأس المال الفكرى القومى"National Intellectual Capital للمجتمع ككل. وهو رأس المال الذى يعرفه أصحابه بأنه "مجموع الموارد غيرالمادية التى يمتلكها أفراد ومؤسسات دولة ما وتسهم إسهاما إيجابيا فى تقدمها على الصعيدين الإقتصادى والإجتماعى".

كما يؤدى وجود هذا المكون فى الثقافة السائدة لمجتمع ما إلى إعلاءه لقيم الإبداع والإبتكار فى كافة المجالات. لذا نرى هذه المجتمعات تنشئ علوما لـ "إدارة الإبتكار" Innovation Management وتؤسس منظوماتها القومية للإبتكار National Innovation System. فرفاهية مجتمعات ما بعد الحداثة تقوم على"الصناعات المرتكزة على تكثيف العقول" Brain-Intensive Industries، أو "الصناعات المرتكزة على التوظيف المكثف للإبداع". ولقد تجاوزت أهمية هذه الصناعات أهمية "الصناعات المرتكزة على تكثيف رأس المال"Capital-Intensive Industries وجاعلة "الصناعات المرتكزة على تكثيف العمل"، السائدة فى بلدان العالم النامى، من حفريات التاريخ. وما صناعة برمجيات الحاسب او تلك المعتمدة على الهندسة الوراثية ﺇلا أمثلة لهذه الصناعات.

أولوية المعرفة البشرية
يهتم هذا المكون بالدور المحورى والرئيسى الذى تلعبه المعرفة التى ينتجها الإنسان فى تقرير أحواله. و"المعرفة البشرية"، فى هذا السياق، هى مجموع ما يؤمن به الإنسان من "إعتقادات صادقة ومُبَررة". وتشمل الإعتقادات كل مانعتبره صحيحا من تفسيرات أو تقييمات أو إستنتاجات أو توقعات، وما يطرحه علينا الآخرين من معتقدات. ويتطلب إعتبار أى إعتقاد كمعرفة تمتعه بخاصيتين هما خاصية "الصدق" وخاصية "متانة التبرير". وخاصية "الصدق" هذه تعنى إمكانية التحقق من صحة أى إعتقاد بالرجوع إلى الواقع لملاحظة آثاره على أحوال هذا الواقع، وبعدم تناقضه مع ماهو مستقر من معارف. أما ثانى صفات "المعرفة البشرية"، "متانة التبرير"، فتتعلق بطبيعة "البينات (أو الآمارات)" Evidences التى تدعم الإعتقاد، وتعنى تجنب "البينات الحكائية (الحكايات)" التى يصعب التأكد منها و"البينات الشهادية (الشهادات)" التى تفتقد للإجماع.

واليوم لاتوجد أداة ذهنية أقدر على إنتاج المعرفة من "منظومة العلم الحديث" بمرتكزاتها الثلاثة: "الإمبريقية"، "العقلانية" و"الشك". فلقد أثبتت هذه المنظومة فعاليتها فى تغيير ظروف المجتمعات التى تبنتها نحو الأفضل على كافة الأصعدة والمستويات. فهى المنظومة التى لاتعوق حركتها فروض مسبقة أو أحكام مقَيِدة، وتستشعر الواقع المعاصر ومتغيراته وتسعى لإيجاد حلول لمشاكله مستمدة منه ومتوائمة مع ظروفه. أداة ذهنية تتوفر لديها آلية للتصحيح الذاتى تجعلها قادرة عل المراجعة المستمرة لما تنتجه من معرفة والتكيف الدائم مع أحوال الواقع المتغيرة. ولعل أهم ما يميز المعرفة التى تنتجها هذه المنظومة هو أنها ليست "مقدسة" فهى تخضع للمراجعة الدائمة والتدقيق المستمر. فالتحقق من صدق أى مقولة أو فكرة تتعلق بأى شأن من شؤون الواقع يتم عبر مقارنتها مع أحوال هذا الواقع الفعلية وتحديد مدى تطابقها وملاءمتها مع تلك الأحوال.

والمعرفة البشرية، أو المعرفة العلمية، تشكل الأساس الذى تقوم المجتمعات ما بعد الحديثة التى يطلق عليها "مجتمعات المعرفة" Knowledge Societies. فرفاهية هذه المجتمعات تقوم على أمرين. أولهما هو قدرة المجتمع على إنتاج معرفة علمية وثانيهما هو قدرته على توظيف وإستخدام هذه المعرفة فى تحسين أحوال أفراده. ولايقتصر إستخدام المعرفة العلمية على مجرد إنتاج سلع مصنعة تلبى حاجات أفراد المجتمع بل يتسع ليشمل الإستعانة بها فى رفع كفاءة الخدمات المقدمة لهم وفى دعم عمليات إتخاذ القرار على كافة المستويات. كما تقوم إقتصاديات تلك المجتمعات فى المقام الأول على "الصناعات المرتكزة على العلم" Science-Based Industries كمصدر للقيمة وكوسيلة لتحقيق مزايا تنافسية تنعكس آثارها على إقتصاد المجتمع ككل.


إنسانية الأخلاق
ترتبط الأخلاق فى الثقافات التقليدية إرتباطا وثيقا بالديانة السائدة فى المجتمع. فأوامر ونواهى هذه الديانة هى، بالنسبة لأتباعه، ثوابت واجبة الإتباع ولانقض فيها أو إبرام. وفى المقابل يقوم المكون الثالث من مكونات الثقافة العلمانية، "إنسانية الأخلاق"، على مبدأ مؤداه أن معرفتنا بالصواب والخطأ ترتكز، فى الأساس، على فهمنا لطبيعة الإنسان ولطبيعة المصالح المشتركة لأفراده. ويؤدى تبنى هذا المبدأ إلى ترسيخ قواعد سلوكية، فردية وإجتماعية وسياسية، يتم الحكم عليها بمدى إسهامها فى رفاه حياة الإنسان. ويتعزز هذا المبدأ بمبادئ أخرى من أهمها "القاعدة الذهبية" و"مسئولية الإنسان" و"عقلانية الأحكام". و"القاعدة الذهبية" هى تلك التى تنص على "أحب لأخيك ما تحبه لنفسك". أما "مسئولية الإنسان" فتعنى مسئولية الإنسان الكاملة الآنية وغير المؤجلة عن نتائج أفعاله أمام نفسه وأمام مجتمعه. ويؤكد مبدأ "عقلانية الأحكام" على قدرة الإنسان، عبر إستخدامه للعقل والمنطق، على التوصل مبادئ حاكمة لما يجب على الإنسان تبنيه من سلوكيات.

سنة التطور
يقوم هذا المكون على مبدأ مؤداه أن التغير والتبدل والإرتقاء هو القانون الحاكم لأى كيان. وهو المبدأ الذى تتعدد شواهده فى كلا من عالم المنظومات الطبيعية (المادية) وعالم المنظومات الإنسانية (الإجتماعية). فلقد علمتنا دراسة ظواهر الإنتظام الذاتى Self-Organization، التى تحدث فى المنظومات المادية غير الحية، أن للمادة الصماء تاريخا مبدعا وخلاقا إذ تفرز تلك المنظومات بمرور الزمن أشكالا وبنىStructures جديدة أكثر رقيا وحداثة من سابقتها وأن أحوالها ترتقى دوما من أوضاع بسيطة وساذجة إلى أوضاع أكثر تعقيدا وتطورا. وهكذا يصبح الزمن عنصرا فاعلا للتشييد والبناء وليس عنصرا للهدم والإنحلال. فإذا كان هذا هو حال تاريخ المادة غير الحية، ترى إذن ما يكون عليه حال تاريخ الإنسان !؟.

ومغزى هذا المبدأ هو أن "الغد هو الأفضل دائما"، وأن المستقبل هو الزمن الذى سيجسد فيه المجتمع أحلامه المتجددة وتطلعاته المشروعة ويقيم فيه عصره الذهبى بأيدى وأفكار أبنائه المعاصرين. أى أنه المستقبل القابل للتحقق على أرض الواقع عبر العمل الواعى والمنظم والمخطط لأفراد المجتمع. والماضى من منظور هذا المبدأ لايمثل عصرا ذهبيا ينبغى إعادة إنتاجه بل هو فقط مادة للنقد والتحليل لإستخلاص الدروس المستفادة.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة المراوغة: تأملات فى مجريات الأمور
- كهنوت الإسلام
- ثقافة النص ومآساة دوماستان
- لماذا أنا عَلمانى؟


المزيد.....




- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...
- إذا كان لطف الله يشمل جميع مخلوقاته.. فأين اللطف بأهل غزة؟ ش ...
- -بيحاولوا يزنقوك بأسئلة جانبية-.. باسم يوسف يتحدث عن تفاصيل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - العَلمانية كثقافة