أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - بيت المرايا ودنيا المغالطات















المزيد.....

بيت المرايا ودنيا المغالطات


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 3733 - 2012 / 5 / 20 - 16:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لاتخلو أى مدينة من مدن الملاهى من "بيت للمرايا" يحظى بإقبال ملحوظ من جمهور الزائرين. ففى هذا البيت يستمتع زائره برؤية نفسه وقد تبدلت ملامحها وتبدت فى أشكال متنوعة تعكسها مراياه المقعرة والمحدبة. هذه المرايا التى تغير صورة من يقف أمامها وتخفى عنه حقيقته، فالقصير يبدوا طويلا والسمين يبدوا نحيفا والضئيل يبدوا ضخما. وكما لاتخلو أى مدينة ملاهى من بيت للمرايا لاتخلو مدينة "السياسة" هى الأخرى من بيت للمرايا يعكس صورا غير حقيقية لأبطالها ورؤى مشوهة لما يدور فيها من أحداث. ومرايا "بيت مرايا" مدينة السياسة المصرية المعاصرة هم بعض أفراد النخب السياسية والفكرية والإعلامية اللذين لاتستغنى برامج "التوك شو" عن حواراتهم الساخنة، ولاتخلوا صفحات الجرائد من مقالاتهم الملتهبة. فكلماتهم، المسموعة والمقروءة، ترسم صورة مشوشة للمجتمع تغيب عنها قضاياه الملحة وأسبابها الرئيسية. صورة يغيب عنها "وضوح الرؤية" و"عقلانية الأحكام".

وتعود خطورة هذا الوضع إلى أهمية الدور الذى تلعبه هذه النخب فى إحداث تغيرات جوهرية فى أحوال مجتمعاتها. ويخبرنا التاريخ أن أفراد هذه النخب، بما يمتلكونه من قوة تأثير معنوى، قادرون على توجيه مسار تطور مجتمعاتهم بما يصوغوه من أفكار ورؤى وبما يروجون له من قيم. فعلى سبيل المثال شكلت أفكار مونتسكيو ((1689-1755 عن الفصل بين السلطات، ونقد فولتير (1694-1778) للتفاوت الطبقى، ومفهوم العقد الإجتماعى لـ جان جاك روسو (1712-1778) الأساس الفكرى للثورة الفرنسية (1789– 1799). إلا أن فعالية هذا الدور مرهونة بتحقق شرطين هما "صدق الوصف" و"معقولية المأمول". الشرط الأول، "صدق الوصف"، هو قدرة أفراد هذه النخب على التعرف على ما يواجهه مجتمعهم من مشاكل حقيقية وتقديم وصف صادق لها (البعد الوصفى Descriptive). وهو الوصف الذى يأخذ فى إعتباره كافة أبعاد المشكلة والأسباب الحقيقية لها. أما الشرط الثانى، "معقولية المأمول"، فهو قدرتهم على تقديم رؤى مستقبلية، قابلة للتحقق على أرض الواقع، لما يجب أن يكون (البعد المعيارى Normative).

وتبين النظرة الفاحصة لما يقوله أو ما يكتبه البعض من نجوم هذه النخب إنتفاء هذين الشرطين: "صدق الوصف" و"معقولية المأمول". فخطاب هذه النجوم الساطعة فى سماء الإعلام، المرئى والمقروء، تشوبه كمية لابأس بها من "المغالطات المنطقية" Logical Fallacies. وهى المغالطات التى تعمل على تقديم صورة غير حقيقة للواقع "كما هو"، وعلى صرف الإنتباه عن "ما ينبغى أن يكون".

فن المغالطة
"المغالطة المنطقية" هى تركيبة لغوية مخادعة فهى تبدو للوهلة الأولى مقنعة تؤدى ما تحتويه من "مقدمات" إلى ما تذكره من "نتائج". ولكن ببعض التأمل يكتشف العقل المدرب أنها ليست كذلك بل يشوبها خطأ فى الإستدلال وفيها الكثير من خلط الحق بالباطل على نحو يؤدى إلى تشويه ما يحدث فى الواقع ودفع المتلقى لتبنى وجهة نظر بعينها. وتأمل الجانب "الوصفى" من خطاب هذه النخب، المعنى بالتعرف على المشاكل الملحة وتحديد أسبابها الحقيقية، يكتشف العديد من المغالطات المنطقية التى من أبرزها: "الإحراج الزائف" Black and White Fallacy، "الإحتكام إلى العامة" Appeal to People، "الإحتكام للعاطفة" Appeal to Emotion، "السبب الزائف" False Cause.

وأول هذه المغالطات هى مغالطة "الإحراج الزائف" تقوم على "تفكير الأبيض والأسود" الذى يتبنى فى حكمه على الأمور منطق "إما ... أو"، فإما أنت معى على طول الخط أو أنت ضدى على طول الخط. فكونك ليبراليا أو علمانيا، على سبيل المثال، يخرجك بالضرورة من ملة الإسلام، فـ "من ينتخب مرشحًا ليبراليًا فهو كافر" كما أفتى أحدهم. وهى المغالطة التى تنطوى على تبسيط مغالى فيه، إلى حد السذاجة، لواقع بالغ التعقيد.

وثانى هذه المغالطات هى مغالطة "الإحتكام إلى العامة" التى تربط بين صحة أمر من الأمور، فعل كان أو فكرة، وبين شيوعه بين الناس. وتتجلى هذه المغالطة فى الشعار الشهير "الشعب يريد كذا وكذا" الذى يردده كل من يسعى لترويج رأيه وتعوزه الحجج المنطقية أو الشواهد الواقعية. ويتناسى من يستخدمون هذه المغالطة أن موافقة الجماهير على أمر لاتعنى بالضرورة صوابه، فلقد أنتخب الشعب الألمانى يوما ما هتلر كقائد لمسيرته فكانت النتيجة المعروفة للجميع.

وثالث هذه المغالطات هى مغالطة "الإحتكام للعاطفة" حيث يتم تهديد المتلقى بنتائج وعواقب وخيمة وبئس المصير ما لم يتفق رأى أو فعل المتلقى مع ما يقوله الكاتب او المتكلم. فإنتخاب المرشح الرئاسى فلان سيؤدى إلى قيام ثورة ثانية، وعدم إنتخاب المرشح الرئاسى علان هو إثم ستحاسب عليه حسابا عسيرا يوم الحساب. فكما أفتى أحدهم بخصوص مرشحين من معسكر لاينتميان لمعسكره أن "إعطاء الأصوات لهما تعاون على الإثم والعدوان وركون للظالمين وخذلان للصادقين وتضييع فى الأمانة وخداع فى الشهادة".

وآخر هذه المغالطات هى مغالطة "السبب الزائف" ومؤداها هو محاولة المتحدث أو الكاتب إقناعنا بأن التزامن بين ظاهرتين يعنى وجود علاقة سببية بينهما كأن يكون الأول هو سبب الثانى. ومن أشهر أمثلة هذه المغالطة هى مقولتهم الشائعة "الفتنة الطائفية من صناعة أمن الدولة". ويتناسى أصحاب هذه المقولة الأسباب الحقيقية، ثقافية كانت أو إجتماعية، للتوترات الطائفية. كما يتجاهل هؤلاء ما جاء فى كتابات مؤرخوا مصر الإسلامية الكبار، من أمثال المقريزى وإبن أياس، من أخبار متكررة عن تلك التوترات.

والآن وبعد أن عرضنا لبعض المغالطات فى الجانب الوصفى من خطاب النخب يحين وقت التعرض لجانبه "المعيارى". وتأمل الجانب المعيارى لخطابهم، المعنى بتقديم رؤى مستقبلية قابلة للتحقيق، يكتشف تسيد أحد المغالطات المنطقية المعروفة، "التفكير بالتمنى" Wishful Thinking، على هذا الخطاب. وفحوى هذه المغالطة هى أن تقتنع أن ما تتمناه أو ما تتمنى حدوثه سوف يحدث بالفعل وأن تتصرف بناءا على هذه القناعة فقط. فعلى سبيل المثال أدى هذا النمط من التفكير إلى سوء تقدير هائل فى توقع قوة التيار الإسلامى الانتخابية، بحيث وجدنا العديد من أفراد هذه النخب من يتوقع حصول هذا التيار على ما لايزيد عن عشرين بالمائة من أصوات الناخبين فى مصر.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمار هاملين وروعة التدليس
- العلمانية والسيبرنيطيقا
- العَلمانية كثقافة
- الحداثة المراوغة: تأملات فى مجريات الأمور
- كهنوت الإسلام
- ثقافة النص ومآساة دوماستان
- لماذا أنا عَلمانى؟


المزيد.....




- اسلامي: نواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة وفق 3 أطر
- اسلامي: قمنا بتسوية بعض القضايا مع الوكالة وبقيت قضايا أخرى ...
- اسلامي: سيتم كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العلقة بين اير ...
- اسلامي: نعمل على كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العالقة بي ...
- اللواء سلامي: اذا تخلى المسلمون عن الجهاد فإنهم سيعيشون أذلا ...
- تقرير فلسطيني: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- اللواء سلامي: نحن المسلمون في سفينة واحدة ويرتبط بعضنا بالآخ ...
- اللواء سلامي: إذا سيطر العدو على بقعة إسلامية فإنه سيتمدد إل ...
- اللواء سلامي: اذا تخلى المسلمون عن الجهاد فإنهم سيعيشون إذلا ...
- اللواء سلامي: الأمة الإسلامية تتحرك بفخر نحو قمم الفتوحات


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - بيت المرايا ودنيا المغالطات