أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - العلمانية والسيبرنيطيقا















المزيد.....

العلمانية والسيبرنيطيقا


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 3687 - 2012 / 4 / 3 - 21:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


فى ظل تنامى الدور الذى تلعبه التيارات الدينية وفى ظل سيطرتها الكاملة على اللجنة التأسيسية لدستور الأمة المصرية يصبح الرد على السؤال التالى فرض عين حتى وإن بدت إجابته من البديهيات. والسؤال هو "لماذا تعتبر العَلمانية ضرورة من ضرورات إقامة الدولة المدنية الحديثة؟". وهى الدولة التى تضمن لمواطنيها مستوى من الرفاهية، المادية والمعنوية، يتفق مع المعايير العالمية المتفق عليها. وهو سؤال سنحاول الإجابة عليه بتبنى منهج "الإستعارة" وبتطبيق قوانين علم "السيبرنيطيقا". ومنهج "الإستعارة" هو منهج يلجأ إليه العلماء لدراسة الظواهر الإجتماعية المعقدة وذلك بتشبيه عناصر الظاهرة محل الدراسة بعناصر ظاهرة أخرى تمت دراستها وفهم أبعادها ويطلق عليها إسم "الظاهرة المرجعية". أما "السيبرنيطيقا" فهو العلم الذى نشأ فى النصف الثانى من القرن العشرين بهدف دراسة التحكم والإتصال فى الكائنات الحية والكيانات الإجتماعية والآلات. و"التحكم" (أو "الإدارة")، من منظور السيبرنيطيقا، هو "عملية التنظيم الأمثل والفعال لما تقوم به أى منظومة من أفعال مقصودة (غائية) Purposeful وذلك بغرض توجيهها نحو تحقيق الهدف المنشود منها".

تأملات فى تطور المواصلات والمجتمعات
التطور، بما يعنيه من تبدل وتحور وإنتقاء وإرتقاء، هو القانون الذى تخضع لأحكامه كافة الموجودات مخلوقة كانت أو مصنوعة. و"وسائل المواصلات وفن قيادتها" ، ظاهرتنا المرجعية التى سنستخدمها فى دراسة ظاهرة "السياسة (أو علم وفن إدارة المجتمعات)"، ليست بإستثناء من هذا القانون. فلقد شهدت هذه الوسائل، هى ومن يقودها، تطورا هائلا سنكتفى منه بثلاثة أمثلة فقط هى "المعَدية" و"السيارة" و"الطائرة". وأبسط هذه الأمثلة هى "المعَدية" التى لاتخرج عن كونها جسم قابل للطفو على سطح الماء ويستخدم لنقل الأفراد والأشياء بين ضفتى النهر. ولاتتطلب قيادة هذا النوع البدائى من وسائل المواصلات من قائدها معرفة ذات بال. فبنيتها بسيطة، وحركتها البطيئة محصورة فى خط مستقيم بين الضفتين، وأحوال النهر الذى تعبره شبه مستقرة وتكاد تخلو من المفاجئات. أما ثانى الأمثلة، "السيارة"، فهى كيان أكثر تعقيدا يتكون من مجموعة من المنظومات الميكانيكية والكهربائية التى تعمل سويا فى تناغم. وتتيح هذه الوسيلة لقائدها الحركة السريعة فى إتجاهين، على عكس المعدية، فهى قادرة على الحركة للأمام والخلف، ويمينا ويسار. وتختلف البيئة التى تتحرك فيها السيارة عن تلك البيئة البسيطة التى تتحرك فيها المعدية والتى يسهل التنبؤ بأحوالها. إذ تتميز البيئة التى تتحرك فيها السيارة بتنوعها مابين شوارع مرصوفة وطرق غير ممهدة وبسلوكيات قادة السيارات غير المتوقعة. وبالطبع تتطلب قيادة هذا الكيان المعقد فى مثل هذه البيئة، المليئة بالمتغيرات والمفاجآت، قدرا لايستهان به من المعرفة. ونصل إلى آخر الأمثلة، "الطائرة"، هذا الكيان بالغ التعقيد بمنظوماته الميكانيكية والكهربائية والإلكترونية المتشابكة. وتمنح هذه الوسيلة لقائدها بعدا ثالثا لمجال حركته فهى تمكنه من الحركة إلى أعلى وأسفل بالإضافة إلى البعدين السابقين. أما البيئة التى تتحرك فيها الطائرة بسرعات كبيرة فهى بيئة عاصفة مضطربة بمطباتها الهوائية التى لايمكن تجنبها وعواصفها الرعدية التى يصعب التنبؤ بها. وهكذا تتطلب قيادة هذا الكيان بالغ التعقيد فى مثل هذه البيئة العاصفة المضطربة معرفة متعمقة مستمدة من إنجازات التكنولوجيا وإكتشافات العلوم.

ويخرج من يتأمل هذه الأمثلة الثلاثة بعدة ملاحظات. وأول هذه الملاحظات هو أن تطور أى كيان يعنى بالضرورة زيادة فى درجة تعقده. وهو التعقد الذى يتبدى فى زيادة عدد مكوناته وتنوعها وتشابكها. وثانى الملاحظات هو إتساع مجال الحركة أمام الكيانات الأكثر تطورا بالمقارنة مع تلك الأقل تطورا. أما ثالث الملاحظات فهى قدرة الكيان الأكثر تطورا على التواجد فى بيئة دائمة التغير وعلى التعايش مع متغيراتها غير المحسوبة وغير المتوقعة. وآخر هذه الملاحظات يتعلق بقدر وطبيعة ونوعية المعرفة اللازمة لقيادة وسيلة المواصلات والتى تزداد بإزدياد درجة تطورها. كانت هذه هى الملاحظات التى زودتنا بها ظاهرتنا المرجعية، "وسائل المواصلات وفن قيادتها"، وهى تنطبق أيضا على المجتمعات البشرية وعلى من يتولى مسئولية قيادتها وتسيير أمورها. فلقد شهدت هذه المجتمعات تطورا هائلا يمكن إيجازه فى أربع مراحل رئيسية هى: "مجتمع حضارة ما قبل الزراعة"، "مجتمع حضارة الزراعة"، "مجتمع حضارة الصناعة"، "مجتمع حضارة ما بعد الصناعة". وهى المراحل التى تتميز كل منها بـ "بناها الإجتماعية والثقافية والسياسية" وبـ "التكنولوجيا السائدة" وبـ "المنظومة الذهنية" التى تحكم أفكار وأفعال أفراد المجتمع.

قانون آشبى وفن إدارة المجتمعات
والآن، وبعد أن عرضنا لظاهرتنا المرجعية "وسائل المواصلات وفن قيادتها" وللظاهرة موضوع دارستنا "السياسة (أو علم وفن إدارة المجتمعات)"، يحين وقت طرح بعض التساؤلات. وهى تساؤلات من قبيل "هل يمكن لقائد المعدية، بمعرفته المحدودة، قيادة السيارة فى بيئة تتميز بالتنوع وتزدحم بالمفاجآت ؟" ... "هل يمكن إستخدام المنظومة الذهنية التى سادت فى مرحلة سابقة من مراحل تطور المجتمع فى إدارة شئون مجتمع فى مرحلة تطور لاحقة ؟". وعلى الرغم من أن "لا القاطعة" هى الإجابة المتوقعة فإننا فى حاجة لفهم ما وراءها من أسباب. وهنا يأتى دور علم السيبرنبطيقا بقوانينها العديدة التى ساعدت الإنسان على التحكم فى أحوال واقعه والسيطرة عليها. ويأتى على رأس هذه القوانين "قانون آشبى للتنوع اللازم" Ashby’s Law of Requisite Variety. وينص هذا القنون فى أبسط صوره على "أن إدارة أي كيان والقدرة على توجيه سلوكه تتطلب من (الكيان الحاكم) إمتلاك القدرة على إنتاج أفكار وإبتداع أوضاع تفوق فى تعددها وتنوعها تلك التى يقدر على إنتاجها وإبداعها (الكيان المحكوم)". أى أنه بقدر تنوع وتجدد الأفكار التى ينتجها الإنسان وبقدر أصالتها وجدتها بقدر ما يتمكن هذا الإنسان من السيطرة على مقدرات واقعه ومن تطويع هذا الواقع لصالحه. ولقد مكن قانون آشبى اﻹنسان من إدارة الكيانات المعقدة بدءا من الآلات وإنتهاء بالمجتمعات الإنسانية ومرورا بالتنظيمات التى يقيمها الإنسان.

المأزق: المجتمع الحديث والفكر الدينى
طبقا لقانون آشبى تتطلب الإدارة الفعالة والناجحة لأى مجتمع قدرة الكيان المسئول عن إدارته، وهو الدولة ومؤسساتها، على إنتاج "تنوع" فى الأفكار والأفعال يماثل، مالم يزيد، عن تنوع الأفكار والأفعال الموجودة فى المجتمع وفى بيئته. ويقودنا هذا إلى سؤالنا المحورى "هل يصلح الفكر الدينى لإدارة "مجتمعات حضارة ما بعد الصناعة" (أو مجتمعات ما بعد الحداثة) ؟". لقد نجحت "منظومة الفكر الدينى "، بما تضمه من نصوص المقدسة وتفسيرات "السلف" لدلالات هذد النصوص، فى إقامة وإدارة المجتمعات البشرية فى مراحل تطورها الأولى فهل تصلح هذه المنظومة لإدارة هذه المجتمعات فى مراحل تطورها اللاحقة؟.

إن "منظومة الفكر الدينى"، بحكم تكوينها، غير قادرة على إنتاج التنوع اللازم لإدارة المجتمع الحديث بتعقده الفائق، سواء كان هذا التعقد داخليا، يتعلق ببنيته المركبة، أو خارجيا، يتعلق ببيئته دائمة التغير والمليئة بالمتغيرات والمفاجآت. فهذه المنظومة، من منظور نظرية المنظومات Systems Theory، هى بالضرورة منظومة "منغلقة" Closed على نفسها، ومكتفية بذاتها، وذلك بتمركزها حول النص المقدس وتفسيراته. والنص المقدس، بكلماته المحدودة قطعية الثبوت التى لاتخضع لزيادة أو نقصان، لايسرى عليه ما يسرى على كيانات الواقع من قوانين "التطور" و"التكيف". ومجال عمل هذه المنظومة، فى المقام الأول، هو تقديم إجابات على الأسئلة الوجودية الكبرى التى مازلت تحير الإنسان حول الحياة والبعث والحساب والثواب والعقاب وغاية وجود الإنسان. وهى فى مجملها أسئلة تتعلق بـ "عالم الغيب" الذى لاسبيل للتعرف على طبيعته إلا بالقبول المطلق بما جاء فى النصوص المقدسة غير القابلة للنقاش. أما التحقق من صدق أجوبة هذه الأسئلة فهو أمر مؤجل مكانه هو "عالم الآخرة" لا "عالم الدنيا".



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العَلمانية كثقافة
- الحداثة المراوغة: تأملات فى مجريات الأمور
- كهنوت الإسلام
- ثقافة النص ومآساة دوماستان
- لماذا أنا عَلمانى؟


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - العلمانية والسيبرنيطيقا