أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - الثقافة العَلمانية: وإنك لعلى خلق عظيم (3/4)















المزيد.....

الثقافة العَلمانية: وإنك لعلى خلق عظيم (3/4)


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 4049 - 2013 / 4 / 1 - 20:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"الأخلاق" هى مجموعة من "القيم الأخلاقية" والقواعد المنظمة للسلوك التى يتبناها مجتمع ما لضمان بقاءه ولتوفير مستوى حياة مقبول لأفراده. و"القيم الأخلاقية" هى تلك التى يستخدمها المجتمع فى تحديد "صواب" أو "خطأ" أى أمر من الأمور، فكرة أو فعل أو تصرف أو سلوك. وهى بذلك تعتبر أحد المكونات الأصيلة لثقافة المجتمع الذى يتبناها. لذا لايكتمل الحديث عن الثقافة العلمانية إلا بالتعرض لمكونها الثالث الذى أطلقنا عليه إسم "إنسانية (أو بشرية) الأخلاق"، فى مقابل "قدسية الأخلاق"، هذا يالإضافة إلى مكونها الأول "تمكين الإنسان" (السيد, 2013b) ومكونها الثانى "أولوية المعرفة البشرية" (السيد, 2013a). ولعله من المفيد قبل الحديث التفصيلى عن هذا المكون نتأمل سويا ما قاله الشيخ وما كتبه المؤرخ ...!

مقولة الشيخ وشهادة المؤرخ
والشيخ هو محمد عبده (1849-1905) الذى يعتبر واحدًا من أبرز المجددين في الفقه الإسلامي في العصر الحديث، والذى شارك في ثورة أحمد عرابي ضد الإنجليز، وإختتم حياته وهو مفتياً للديار المصرية. أما المقولة فهى مقولته الشهيرة "فى الغرب رأيت إسلام بلا مسلمين و فى الشرق رأيت المسلمين بلا إسلام" التى قالها بعد عودته من باريس التى أقام فيها لمدة سنة من 1884 إلى 1885.

أما المؤرخ فهو عبد الرحمن الجبرتى (1756-1825) الذى عاصر الحملة الفرنسية على مصر (1798-1801) ووصف وقائعها بالتفصيل فى كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار". ومن هذه الوقائع واقعة إغتيال سليمان الحلبى للجنرال كليبر فى ١٤ يونيو ١٨٠٠ وواقعة محاكمته. يقول الجبرتى عن وثائق تلك المحاكمة "وقد كنت أعرضت عن ذكرها لطولها وركاكة تركيبها لقصورهم فى اللغة، ثم رأيت كثيرا من الناس تتشوق نفسه إلى الإطلاع عليها لتضمنها خبر الواقعة وكيفية الحكومة، ولما فيها من الإعتبار وضبط الأحكام من هؤلاء الطائفة الذين يحكمون العقل ولايتدينون بدين. وكيف تجارى على كبيرهم ويعسوبهم رجل أفاقى أهوج، وغدره وقبضوا عليه ووقرروه، ولم يعجلوا بقتله وقتل من أخبر عنهم بمجرد الإقرار بعد أن عثروا عليه ووجدوا معه آلة القتل مضمخة بدم صارى عسكرهم وأميرهم، بل رتبوا حكومة ومحاكمة، وأحضروا القاتل، وكرروا عليه السؤال والإستفهام: مرة بالقول ومرة بالعقوبة. ثم أحضروا من أخبر عنهم وسألوهم على إنفرادهم ومجتمعين، ثم نفذوا الحكومة فيهم بما إقتضى التحكيم. وأطلقوا مصطفى البرصلى الخطاط، حيث لم يلزمه حكم، ولم يتوجه عليه قصاص ... كما يفهم جميع ذلك من فحوى المسطور، بخلاف ما رأيناه بعد ذلك من أفعال أوباش العساكر الذين يدعون الإسلام، ويزعمون أنهم يجاهدون، وقتلهم الأنفس، وتجاريهم على هدم البنية الإنسانية بمجرد شهواتهم الحيوانية" (الجبرتى, 1998) ص 374 – 375.

قراءة المقولة وتحليل الشهادة
يمتزج "الإعجاب" و"الإندهاش" فى مقولة الشيخ وشهادة المؤرخ. فمن ناحية تحمل كلا من المقولة والشهادة تقديرا وإعجابا من الشيخ والمؤرخ بما شهدوه من سلوكيات "الفرانساوية" سواء كانوا فى بلدهم أو خارجه. ومن ناحية أخرى تنطوى كلا من المقولة والشهادة على إندهاشا يمكن صياغته على هيئة سؤال: كيف يسلك من لادين لهم مثل هذا السلوك المقبول؟ وهذا الإندهاش ليس بمستغرب إذا أخذنا فى الإعتبار الذهنية التى تحكم تفكير كلا من الشيخ والمؤرخ. فهى ذهنية دينية تقليدية لاتفصل بين الدين والأخلاق وتنظر للآخرين بوصفهم من "الكفار". وطبقا لهذه الذهنية تعتبر النصوص المقدسة وتفسيراتها المختلفة هى المصدرالأوحد للقيم الأخلاقية والمرجع الوحيد لإصدار الأحكام على "صواب" أو "خطأ" تصرفات الإنسان. أو بعبارة أخرى تبنى هذه الذهنية لمبدأ "قدسية الأخلاق". وكنتيجة لمبدأ "قدسية الأخلاق" نظرت هذه الذهنية لمنظومة القيم الأخلاقية المستمدة من الدين كمنظومة مستقرة لاتقبل التغيير وصالحة للتطبيق فى كل زمان ومكان. هذا بالإضافة إلى الطبيعة "الوجوبية/ اللزومية"Deontological لمكونات هذه المنظومة من القيم الأخلاقية. فالإنصياع التام لأوامر ونواهى هذه المنظومة دون نقاش هو من شروط تمام الإيمان. ومن الجدير ذكره أن أصحاب هذه الذهنية يفصلون بين الفكرة وبين ما ينشأ عن تبنيها من أثار ونتائج. فمن منظورهم "إنما الأعمال بالنيات" وأن " الأعمال ليست بالخواتيم".

أسس الأخلاق العلمانية
لم يتخيل كلا من الشيخ والمؤرخ وجود مستقل للأخلاق عن الدين فكانت دهشتهما. كما لم يتخيل كليهما، ومعهم الغالبية من سكان منطقة الشرق الأوسط، وجود مقاربة أخرى، "المقاربة النتائجية" Consequentialism، لتأسيس منظومة القيم الأخلاقية. وتقوم هذه المقاربة على عدة مبادئ من أهمها "إنما الأعمال بالخواتيم"، "القاعدة الذهبية"، "مسئولية الإنسان" و"عقلانية الأحكام". المبدأ الأول، "إنما الأعمال بالخواتيم"، يؤكد على أن معرفتنا بالصواب والخطأ ترتكز، فى الأساس، على فهمنا لطبيعة الإنسان ولطبيعة المصالح المشتركة لأفراده. لذا فإن الحكم على "صواب" أو "خطأ" فكرة ما أو فعل ما يرتبط بالنتائج المترتبة على تبنى هذه الفكرة أو القيام بهذا الفعل. فالأفكار والأفعال "الصائبة" هى تلك تؤدى إلى نتائج جيدة من منظور من تؤثر فيهم هذه الأفكار والأفعال. ويؤدى تبنى هذا المبدأ إلى ترسيخ قواعد سلوكية، فردية وإجتماعية وسياسية، يتم الحكم عليها بمدى إسهامها فى رفاه حياة الإنسان. والمبدأ الثانى، مبدأ "القاعدة الذهبية"، فينص على "أحب لأخيك ما تحبه لنفسك". أما المبدأ الثالث، "مسئولية الإنسان"، فيعنى مسئولية الإنسان الكاملة الآنية وغير المؤجلة عن نتائج أفعاله أمام نفسه وأمام مجتمعه. ويؤكد المبدأ الرابع، "عقلانية الأحكام"، على قدرة الإنسان، عبر إستخدامه للعقل والمنطق، على التوصل مبادئ حاكمة لما يجب على الإنسان تبنيه من سلوكيات.

ومنظومة الأخلاق الناتجة من هذه المقاربة هى بالضرورة منظومة قابلة للتغير طبقا لدرجة تطور المجتمع الذى يتبناها وطبقا لإحتياجات أفراده المتجددة. وتبنى أفراد المجتمع لقيم هذه المنظومة وإلتزامهم بها ينبع من قناعتهم بآثارها الإيجابية على حياتهم.

المراجع
الجبرتى, ع. ا. 1998. المختار من تاريخ الجبرتى. القاهرة: كتاب الشعب.
السيد, ا. ن. ا. 2013a. الثقافة العَلمانية: المعرفة هى الحل (2/4). الحوار المتمدن, العدد 4027 (10 مارس): http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=349226.
السيد, ا. ن. ا. 2013b. الثقافة العَلمانية: هكذا تحدث أمارتيا سن (1/4). الحوار المتمدن, العدد 4015(2 فبراير ): http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=347388



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة العَلمانية: المعرفة هى الحل (2/4)
- الثقافة العَلمانية: هكذا تحدث أمارتيا سن (1/4)
- وقُضِيَ الأمر ... فماذا أنتم فاعلون؟
- الرفاه المُنتظَر والمرجعية المنشودة
- مجتمع المعرفة ودستورنا المرتقب
- الأقدام الصينية وحداثتنا المشوهة (2/2)
- الأقدام الصينية وحداثتنا المشوهة (1/2)
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر علوم التعقد ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر الفكر العلمى ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر الفكر العلمى ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: الفكر الأسطورى ( ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: الفاتحة (1/5)
- الخيار المر ومسئولية الإختيار
- بيت المرايا ودنيا المغالطات
- زمار هاملين وروعة التدليس
- العلمانية والسيبرنيطيقا
- العَلمانية كثقافة
- الحداثة المراوغة: تأملات فى مجريات الأمور
- كهنوت الإسلام
- ثقافة النص ومآساة دوماستان


المزيد.....




- “يا بااابااا تليفون” .. تردد قناة طيور الجنة 2024 لمتابعة أج ...
- فوق السلطة – حاخام أميركي: لا يحتاج اليهود إلى وطن يهودي
- المسيح -يسوع- يسهر مع نجوى كرم وفرقة صوفية تستنجد بعلي جمعة ...
- عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي
- عصام العطار.. أحد أبرز قادة الحركة الإسلامية في سوريا
- “يابابا سناني واوا” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي ال ...
- قائد الثورة الاسلامية: العمل القرآني من أكثر الأعمال الإسلام ...
- “ماما جابت بيبي” التردد الجديد لقناة طيور الجنة 2024 على الن ...
- شاهد.. يهود الحريديم يحرقون علم -إسرائيل- أمام مقر التجنيد ف ...
- لماذا يعارض -الإخوان- جهود وقف الحرب السودانية؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - الثقافة العَلمانية: وإنك لعلى خلق عظيم (3/4)