فريد حداد
الحوار المتمدن-العدد: 1169 - 2005 / 4 / 16 - 09:30
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
دأبت المعارضة السورية بكل أطيافها , الداخلي والخارجي , العلماني والديني , الحزبي والحقوقي , الفردي والجماعي . و منذ وراثة بشار الأسد لمنصب رئاسة البلاد على أثر وفاة والده , على المطالبة باجراء تغييرات ديمقراطية جذرية في البناء السياسي والأجتماعي في البلاد . لقناعة الجميع بضرورة اجراء تلك التغييرات للحفاظ على وحدة البلاد واستقلالها , ولوضعها على سكة الأنفتاح والتطور , بعد أن شغلنا واحدة من المراكز الأخيرة في سلم التطورالدولي وبدون منازع , كنتيجة طبيعية لأتنان وأربعون عاماً من حكم الحزب الواحد , وسيادة قانون الطوارئ , وديماغوجية شعارات على شاكلة ( لا حياة في هذا البلد الا للتقدم والأشتراكية ) . وأي تقدم وأي أشتراكية ؟
لقد برهن الأنحطاط الأخلاقي للسلطة الحاكمة , الذي تجلى في طريقة قمع أعتصام 1032005 . كذلك سياسة أغلاق الآذان ( التطنيش) التي قابلت فيها دعوات المخلصين للوطن , التي تتلخص باجراء تحولات ديمقراطية جذرية بحياة البلاد . على أمرين أثنين , أولهما , أن كل النداءات المخلصة التي سبقت ذاك اليوم والمنادية بالتغيير السلمي الديمقراطي كانت صرخات في بئر عميق لم تريد ان تسمعه السلطة , ولن تسمعه . وثانيهما , هو أن هذه السلطة قد عّبرت عن استعدادها , لا بل مارست فعل المقامرة بالوحدة الوطنية مرة أخرى , كما فعلت في اوائل الثمانينات من القرن الماضي , في سبيل الحفاظ على امتيازاتها وتحكمها بمقدرات البلاد والعباد . بالأضافة لأنها مازالت تبحث في شرعية بقائها من خلال ارضاء القوى الخارجية السائدة عالمياً ,والأستمرار في سحق الداخل واخضاعه .
في ظل تلك المناخات السائدة , تكثر أقاويل وتصريحات رجال النظام حول ( الزير ) الذي ( سيشيله ) المؤتمر القادم لحزب البعث الحاكم من ( البير ) . فتارة يتم الحديث عن الأفراج عن جميع المعتقليين السياسيين بحلول شهر حزيران المقبل , وكأن مفاتيح الزنازين لن يتمكن الحّداد من اتمام تصنيعها قبل ذلك الوقت , وبنفس الوقت تتتابع أخبار الأعتقالات من كل حدب وصوب في محافظات القطر , بدون أية قيود أو ضوابط قانونية .
وتارة يتم الحديث عن قانون قادم للأحزاب , سيصيغه ويقّره من لم يحتمل رؤية بضع مئات من المواطنين بيض الرؤوس , يعّبرون وبشكل سلمي وحضاري عن جملة من المطالب الديمقراطية المشروعة , والتي مازالت هي نفسها المطروحة منذ البيان الأول للتجمع الوطني الديمقراطي بتاريخ 1831980 . كما انهم سيصيغوه بعيداً عن أصحاب الشأن في غرف مغلقة كما هي العادة . وفي هذا الحال فلن يكون قانون الأحزاب القادم الا عبارة عن فتات المائدة التي سيتكرم بها " السادة " على " العبيد " . الذين سينكرون نعمة " أسيادهم " بالتأكيد , وسيستحقون بعدها زنازين " العهد الديمقراطي الجديد " بعد ما نالهم من زنازين الأستبداد .
وتارة , أخبار عن تشريعات أصلاحية , وكأن هناك أحداً يخرق تلك التشريعات أو يجّمدها ويمتنع عن تنفيذها غير رجال ذاك الذي يُشّرعها . وتارة أخرى تسريبات عبر الأجهزة الأمنية , عن تحضير قوائم باسماء الأكراد الذين سيُمنحوا الجنسية , أي أن نعيم حقل المواطنة , لن يدخله الا من حاز على الرضى الأمني .
ان " حزب " البعث الحاكم , قد فقد صفاته كحزب منذ زمن طويل , ويعود هذا الزمن الى الأيام الأولى اللا حقة لأنقلاب 16 تشرين الثاني 1970 عندما تم ما سموه يومها, فتح ابواب الحزب لعودة الجماهير الى صفوفه . لقد فقد صفات الحزب , واكتسب صفات الحاوية . حيث احتوى في داخله على نوعين رئيسيين من الأعضاء .
النوع الأول , وهم المواطنون البسطاء الذين لا يريدون الا رد أذى المتسلطين عنهم والحفاظ على عملهم ولقمة أطفالهم . ويشكل هؤلاء في أعتقادي النسبة العظمى من أعضاء الحزب .
والنوع الثاني وهم المستزلمون الطامحون لتحقيق المكاسب المادية من خلال مواقع سلطوية تمن بها عليهم الفئة السائدة . ويحتل هذا الصنف من اعضاء الحزب, المواقع القيادية في الحزب , والدولة , والجيش , كما يشكلون كادرات الصف الثاني والثالث في تلك المؤسسات السلطوية .
ولهذا فان نوعية الناس المنضوية تحت جناح الحزب لا تصلح لأن تكون قائدة لا للدولة ولا للمجتمع باي شكل من الأشكال , اللهم الا قيادة الدولة والمجتمع الى الهلاك , كما فعل صدام حسين بالعراق , وكما كاد يفعل البعث السوري في لبنان لولا صحوة الشعب اللبناني ونزوله للشارع , وكما يصر أن يفعل بسورية حتى هذه اللحظة عن سابق اصرار وتصميم .
وهي غير قابلة لأن تُصلح ما أفسدته بنفسها , ولو كانت قادرة على الأصلاح لما كان لها القدرة على انتاج هذا الكم الهائل من الفساد والأفساد . وهي بذاتها غير قابلة لأن تُصلَح , لأنها تربّت في مدرسة القائد ( مدرسة قانون الطوارئ والأحكام العرفية , وغياب القانون , واحتقار الناس ) . هي بأحسن حال أشبه بورقة مسودة , عليها الكثير من التشحيط والتشطيب , والكتابة بالطول طوراً , وبالعرض أطواراً . تصليحها غير ممكن , ولاتنفع في أي تقدم بالعمل , فيبقى أفضل حل للتعامل معها هو تمزيقها ورميها بعيداً وفتح صفحة جديدة في حياتنا .
ان الرجال الذين سيذهبون الى المؤتمر القطري لحزب البعث , ليسوا من صنف الناس الذي يحل عليهم الوحي وقت الحاجة ( مؤتمرهم الموعود ) . بل أناس تتلمذوا في مدارس قانون الطوارئ , وتغييب الوعي , ومستنقعات الفساد المخابراتي والسلطوي .
وهم لا يجيدوا الا ابداء الأعجاب والتأييد للخطوات " التاريخية " التي يتخذها ولي نعمتهم , وشاري ضمائرهم . وبالتالي فهم غير مهيأيين لأن يتخذوا اي قرار قد ينفع حتى في تنظيف أحد شوارع العاصمة , فكم بالأحرى اتخاذ خطوات عملية تنقذ البلاد من الأخطار المحدقة فيها .
لقد اثبتت هذه السلطة في سورية , بانها غير قادرة بسبب سياساتها الرعناء على الحفاظ على الوضع السوري بسوئه الحالي دون ان يتردى أكثر , كما أثبتت أن خيارها السياسي الوحيد هو خيار القمع والأستبداد في الداخل , وتقديم التنازلات الى الخارج . لذلك فان أصرار بعض قوى المعارضة على المطالبة بعقد مؤتمر وطني يضم السلطة او تحت رعايتها , لم يعد يعني الا مساهمة من قِبلها ( أي المعارضة ) في الحفاظ على وجه وطني للنظام , هو ليس وجهه الحقيقي .
كما ان استمرار بعض أقطاب المعارضة أو ممثليها أو الناطقين باسمها , في اطلاق التصريحات الصحفية التي تهدف الى طمأنة النظام من ناحيتها ( المعارضة ) أكثر مما تهدف الى وضع النقاط على الحروف , وأكثر من ان يكون الهدف هو ممارسة حقها في المبادرة واعلان المواقف وابداء الرأي في كل ما يتعلق بالوطن أعتباراً من علاقاته الدولية وانتهاءً بتنظيم زهور حدائقه العامة . وقيادة شعبها وبناء تحالفاتها الدولية والعربية , وفتح اقنية الحوار مع كل القوى الدولية والعربية والداخلية . ان تلك الممارسات والتصريحات القائمة حالياً عند البعض , لن تفيد الا بشار الأسد الذي يتسلح بها ليقول للأمريكيين انظروا الى المعارضة عندنا فهم اعداؤكم وليس لكم الا التعاون معي .
ان الطريق الوحيد الذي على سورية ان تسيره من أجل خلاصها يمر عبر النقاط التي لا اصلاح او تغيير بدون المرور فيها اولاً وهي .
- ايقاف العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية فوراً , لعدم دستوريتهما . فذلك لا يحتاج لمؤتمر البعث لأنجازه .
-
- - فتح ابواب الزنازين فوراً واخراج كل السجناء السياسيين منها , فذلك لا يحتاج ولا يحتمل الأنتظار حتى انعقاد مؤتمر البعث . لأن أعتقالهم لم يتم بقرار من ذاك المؤتمر العتيد .
- عقد مؤتمر وطني يجمع كل الفعاليات السياسية والأجتماعية والأقتصادية والدينية ( أي ممثلين عن كل العاملين والمهتمين بالشأن العام ) مع استثناء رجال النظام لأنهم أثبتوا بالممارسة العملية بانهم لا يؤمنوا بالعمل الوطني العام كما انهم معيقيين له . ينجم عن هذا المؤتمر برنامج وطني لرد المظالم الى أهلها , وانتخاب حكومة مؤقتة تعمل على اجراء انتخابات تشريعية لأنتخاب جمعية تأسيسية تضع دستور ديمقراطي للبلاد وينبثق عنها سلطة تنفيذية تخضع لمراقبتها ومحاسبتها .
هذا هو طريق الخلاص الذي يجب ان يكون واضحاً للجميع . وكل مايقال بعيداً عن ذلك لايمكن ان يكون الا حقن تخدير جديدة تُحقن في جسد الوطن السوري الواهن بالأساس بسبب الأستبداد والفساد والخداع .
اننا كمواطنين عرب سوريون , لا نأبه الا لبناء دولتنا ومؤسساتها الدستورية ودستورها الديمقراطي . فمن ينسى ذلك ويُعطي الأولوية لمؤتمر البعث بديلاً , فانه يصر على ان تبقى البلاد في خطر محدق , لا يفيد بعدها التبرير بانها كانت خلافات في وجهات النظر مع المعارضين .
فريد حداد
1442005
#فريد_حداد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟