فريد حداد
الحوار المتمدن-العدد: 1133 - 2005 / 3 / 10 - 10:31
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
زمن الأستحقاقات
تمر على سورية اليوم , ظروف بالغة الخصوصية والدقة . ولا تتأتى خصوصية الظروف تلك , ودقتها , من ما يسميه الصاخبون الببغائيون بالهجمة الأمبريالية – الصهيونية التي تستهدف النظام سورية وتواجده في لبنان . بل تتأتى , عن استحقاق تصفية حسابات نجاح الهجمة الأمبريالية – الصهيونية – الأستبدادية على الشعب العربي , و منه الشعب السوري , والتي كانت من أهم نجاحاتها , تثبيت وتمكين النظام الأستبدادي في الحكم بسورية عام 1970 . وامثاله في البلدان العربية الأخرى .
انها مرحلة تصفية الحسابات , بين النظام الأستبدادي الذي ارتضى لنفسه ان يهمش شعبه لمدة 35 سنة , باحثاً في الخارج عن مصادر دعمه وحمايته وشرعيته , وبين تلك القوى التي أمّنت له ذاك الدعم والحماية في مواجهة شعبه .
انها مرحلة تصفية حسابات بين النظام الأستبدادي الذي نزع السياسة من مجتمعه ودفع شعبه للأنكفاء والأبتعاد عن الشأن العام , وبين المستفيد من هذا الأنكفاء الشعبي - الغير مباشر - الذي اسقط عراق ال.27 مليون مواطن بثلاثة اسابيع .
تصفية حساب بين من انهك مجتمعه قمعاً وافقاراً واذلالاً , وبين من أمّن لهم الغطاء لذلك خلال عقود طويلة , والقادم اليوم عبر المحيطات ليقطف ثمار دعمه السابق للديكتاتوريين , الذين نفّذوا مهامهم بنجاح .من خلال تدمير مجتمعاتهم , وارهاق شعوبهم , وتحويلها للقمة سائغة , سهّل على الأستعمار ابتلاعها في العراق , كما سيقدمها اليوم في سورية وباقي البلدان العربية الأخرى . .
ولكن لماذا يتم الحساب ؟
لقد أوكلت الولايات المتحدة , الى النظام السوري , منذ مطلع السبعينات , مهمتين اقليميتن كبيرتين ومتداخلتين - ناهيك عن ترتيب وضع البيت السوري - وهما . ترتيب شأن البيتين الفلسطيني واللبناني . ولقد تداخلت هاتين المهمتين , بسبب التداخل القائم بينهما بفعل التواجد الفلسطيني المقاوم والمسلح على أرض لبنان , بعد الضربة الأليمة التي ألمت بالمقاومة الفلسطينية في الأردن على يد النظام الأردني , وانتقالها للعمل من خلال الأرض اللبنانية . وقد تلخصت الواجبات المعطاة للنظام السوري بما يلي :
1 – تدمير العمل العسكري الفلسطيني , أو تحجيمه للحدود الدنيا , وابعاده عن الحدود مع فلسطين المحتلة قدر المستطاع . وقد تم فعلاً تنفيذ هذا العمل بنجاح كبير , حيث تم اخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان بشكل نهائي بعد قتل أكبر عدد ممكن من رجالها .
2 – تأمين الهدوء على الجبهة السورية الأسرائيلية مع ما يستدعي ذلك من انهاء التواجد العسكري الفلسطيني في الأراضي السورية , واقفال معسكرات تدريبهم . ما عدا تلك التي تنشط تحت أمرة المخابرات السورية , لغايات , ليس الكفاح الشعبي في سبيل تحرير الأرض أحدها . ولا يُخفى على أحد بأن جبهة الجولان مغلقة باحكام منذ عام 1973 امام اي عمل مقاوم سوري اوفلسطيني , رسمي او شعبي .
3 – ضبط المجتمع اللبناني وقواه السياسية , بهدف منع قيام اي نظام وطني ديمقراطي , متجاوزاً الأنقسام الطائفي الذي كان وما يزال المجتمع اللبناني يعيشه .
وبمقابل تنفيذ تلك المهام , تُطلق يدي النظام , في سورية ولبنان , نهباً , واستعبادا , ً واستغلالاً, كما يدخل النظام بحد ذاته تحت مظلة الحماية الأمريكية . على ان يبقى الأمريكي ماسكاً بمفاتيح الملاعب , يفتحها لمن يشاء ويرسم على أرضها حدود الحركة للاعبين والتي لا يجوز عبورها . في زمن كان للأتحاد السوفيتي دوراً في دعم من يريد الخروج قليلاً عن الحدود المرسومة , حيث كان يهدف الخروج عن ما هو مرسوم الى الحصول على بعض المكاسب ومن ثم العودة الى داخل الدائرة . ولم يكن هناك ضيراً من تغليف ذاك الخروج عن المرسوم , بغلاف النضال , والتصدي للأستعمار , وما شابه
لقد أستمرأ النظام الحاكم في سورية لعبة القفز فوق الحبال بين الكبار, عندما كان كلٍ منهم بحاجته لأهدافه الخاصة , و قد ادمن النظام هذه القفزات معتقداً بذلك انها ادخلته نادي الكبار , هذا الأعتقاد الذي دفعه لتصدير نفسه بان دوره في المنطقة هو اكبر من حجم سورية البلد وامكانياتها , وان له دوراً محورياً لايمكن لأحد ان يتجاوزه . هذا التبجح الذي ظهر مجدداً على لسان بشار الأسد عندما قال ان " امريكا ستكتشف سريعاً ان لسورية دور هام في احلال السلام في العراق ولبنان وفلسطين " . متناسياً بذلك انه بعد انهيار المنظومة الشرقية , تقطعت كل الحبال , وان لاخيار لديه الا بالسير على الطريق الوحيد , الذي يرسمه الكبير الوحيد في عالم اليوم , الذي سئم لعب الصغار , ولم يعد بحاجة لخدماتهم . ان القواعد الجديدة للسياسة الأمريكية في منطقتنا تنطلق من تحجيم كل انظمة الحكم فيها وسجنها داخل حدودها القطرية , مع احتمال التضحية مستقبلا بها , تقرباً من شعوب المنطقة , ولتظهر نفسها بانها " محررة الشعوب من الطغيان . وحاملة مشعل الحرية والديمقراطية " .
لماذا الحساب الآن ؟
لقد انجزت الديكتاتوريات العربية , ومنها السورية , ما تم التعاقد عليه منذ مجيئها الى سدة الحكم . و منها تدمير البنى الأساسية للمجتمع , واضعاف الوحدة الوطنية , وخلق هوة كبيرة بين الفقراء ولصوص المال العام , وارهاق الناس في عيشها , وترويعها , واذلالها . مما أدى بدوره الى وضع الديكتاتورية لنفسها في خانة الأنظمة الكريهة التي لم يعد يحتاجها أحد , فاصبحت عالة حتى على من تبناها من البداية , فتنكر لها , وسحب غطاءه لها خارج حدودها .
وفي ظل تلك المناخات , فقد اثار النظام السوري العالم عليه , عندما نسي او تناسى , بانه يعمل بلبنان بموجب عقد عمل , وتصرف وكأنه يعمل لحسابه الخاص , فكان التمديد للحود . كما كانت مساعيه لتعميم تجربته اللبنانية ( في دعم أطراف ضد أخرى اليوم والعودة الى النقيض غداً في مسعى لتدمير الجميع وفرض سلطته عليهم ) الى العراق وما ينجم عن ذلك من ازعاجات للمحتل ( رب العمل أو الطرف الآخر في العقد ) . فكان انهاء عقده في لبنان من خلال القرار 1559 . وتركه بدون غطاء حماية امام غضبة الشعب اللبناني في الأيام اللاحقة .
لقد اتى اغتيال الشهيد رفيق الحريري وبغض النظر عن القاتل الفعلي . عملاً منسجماً مع اعمال كثيرة ومتشابهة قامت فيها المخابرات السورية في لبنان على مدار ال. 29 سنة الماضية , والتي لا بد انها كانت تتم تحت انظار الكبار وبعلمهم ورضاهم . فكان ذاك الأغتيال , العامل الذي وحد اللبنانيين بغالبية طوائفهم واحزابهم في معارضتهم للوجود العسكري – الأمني على ارضهم , وكان هذا نجاحاً كبيراً حققه النظام السوري في لبنان ولمصلحة اللبنانيين من دون ان يقصد او يريد ذلك . كما كان المحرك القوي لكل مشاعر القهر والأستياء المكبوتة في الصدور عبر السنوات الطويلة الماضية من ممارسات الأستخبارات السورية في لبنان , التي لا يمكن وصفها الا بممارسات اجهزة مستعمِرة بكل ما للكلمة من معنى . ولم يفت الشعب اللبناني وقواه السياسية والأجتماعية , فرصة سحب الغطاء الدولي في لبنان , عن نظام كريه ومكروه , ليتحركوا مطالبين بحريتهم , وسيادتهم , واستقلالهم , بعد ان أخذوا قسطاً عن اشقائهم السوريين في تحمّل استبداد بغيض طيلة هذه السنوات , فكانت انتفاضتهم الحالية للأستقلال التي سيكون فيها للبنانين شرف البداية , لأنتفاضة اوسع , تكنس كل انظمة الطغيان , وتفتح طريق الحرية للشعب العربي في كل اقطاره .
. لقد طفح الكيل مع الشعبين العربيين في سورية ولبنان , من طروحات مستبديها المدعيّة الوقوف بوجه العدوان الخارجي , وتحرير الأراضي المحتلة , والحفاظ على الوحدة الوطنية , والتقدم والأشتراكية وغيرها وغيرها . بعد ان تبين لهما , ان الطغاة انفسهم , هم من اداموا العدوان الخارجي على الأمة , وتسلحوا به لقمع الداخل العربي , بعد ان حولوا مجابهة العدو الخارجي , من عمل شعبي وطني بهدف تحرير الأرض , الى عمليات مخابراتية , غالباً ماتتم عبر وكلاء , وتهدف الى ابتزاز الكبار, والأغنياء , بهدف تحسين المواقع السلطوية وامكانياتها في القمع والسيطرة , والحصول على الرشاوي والمغانم . وانهم من دمر الوحدة الوطنية , عن طريق سياسة خلق الأزلام , وشراء الذمم , وتعميم الفساد , وتدمير مؤسسات المجتمع المدني .
لقد دأب نظام التضليل في سورية على الربط دائماً بين كل مطلب جماهيري بالحرية , بالتحركات الخارجية التي تستهدف " صموده " وها هو اليوم يعود لهذا الربط بين انتفاضة الشعب اللبناني في سبيل استقلاله وسيادته وحريته والقرار 1559 الذي هو بالفعل قرار انهاء تفويضه في لبنان , وسحب الغطاء الدولي عنه في لبنان . وغداً وفي العاشر من آذار , ومع اعتصام الشعب السوري امام القصر العدلي بدمشق للمطالبة بانهاء الأستبداد وغيره من المطالب الديمقراطية , والتي ستكون امتداداً وتكملة للآنتفاضة اللبنانية . سيعود النظام لهذه الأسطوانة المشروخة لهذا الربط متناسياً ان القوى الديمقراطية السورية مازالت منذ 25 سنة تدفع من حياة مناضليها وحياة اسرهم ثمناً للأنتقال من الأستبداد الى الديمقراطية .
فريد حداد 732005
#فريد_حداد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟