في اليوم الأول لوصول ضيف كندا , السيد رياض الترك , الى مدينة مونتريال , عُقدت جلسة حوار حضرها جمع من المغتربين العرب و السوريين والأكراد , قدم خلالها السيد الترك , عرضاً , للوحة السياسية في العالم , وانعكاساته على الوضعين العربي والسوري . ومن أهم ما ذكر :
1 – المسعى الأمريكي للسيطرة على العالم بعد انهيار الأتحاد السوفييتي . غزو العراق وافغانستان واحتلالهما أتى في هذا السياق . حيث ان السيطرة على منابع النفط وطرقه , يتيح للولايات المتحدة التحكم بمفاتيح الأقتصاد العالمي , وبالتالي آفاق تطور أقطابه .
2 – العلاقة السورية – الأمريكية مضطربة بسبب الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على النظام بهدف دفعه للسير في المخطط الأمريكي القاضي باعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يخدم المصالح الأمريكية ومن خلالها المصالح الأسرائيلية . الممانعة التي يبديها النظام ليست متأتية عن مواقف رافضة للمخطط الأمريكي , وانما ينبع من كون المطالب تلك , التي تقدمها امريكا للنظام هي أكبر من امكانيته على تحمل نتائج تنفيذها . فالتنائية القائمة بين العداء الظاهر للسياسة الأمريكية في اعلام النظام السوري , والتعاون المطلق في السر , والذي يطالب الأمريكان بأنهائه والتعاون العلني في كل ما يُطلب منهم , سوف يُجرد النظام السوري من ورقة التوت الذي لايستطيع تبرير استمراره في حال سقوطها وظهور عورته .ولا أدل على ذلك أكثر من تصريح السيد وزير الخارجية عندما اشتكى من ان " المطالب الأمريكية ليست معقولة " .
3 – البنيان العربي متصدع وآيل للأنهيار , وهذا الوضع هو نتيجة لسياسات استبدادية دامت لعقود , كما ان المعارضة الديمقراطية ضعيفة , ومفككة , بسبب القمع الشديد الذي عانت منه لعقود ايضا , ً وبسبب قصورها وعدم امتلاكها لبرنامج الحد الأدنى الذي يجمع كل المتضررين من الأستبداد في سبيل الأنتقال الى الديمقراطية , وبالتالي فالعلاقة القائمة بين القوى السياسية السورية , كنظام , وكأحزاب معارضة , تحكمها توازن الضعف , فلا الأنظمة قادرة على ايجاد حلول لمشاكل نجمت عن نهجها السياسي وطريقتها في ادارة الحكم , ولا المعارضة قادرة على ان تشكل البديل .
4 – الضغط الأمريكي على النظام السوري بما فيه " قانون محاسبة سورية " يأتي بهدف اضعاف النظام تدريجياً ريثما يتسنى للولايات المتحدة ايجاد البديل . والأبواب مفتوحة على كل الأحتمالات , من ايجاد تسوية بين النظام والأمريكان , الى احتمال ان تجد امريكا هذا البديل من داخل النظام نفسه .
5 – شكك السيد الترك بنوايا الولايات المتحدة لبناء الديمقراطية في العالم العربي , وحّملها مسئولية المآسي التي حلّت بشعوب امريكا اللاتينية , وأفريقيا , وأسيا , بسبب دعمها لأنظمة الحكم الديكتاتورية هناك , وقال , بأن الأستبداد في منطقتنا العربية طال بسبب دعمهم له . كما طالب الولايات المتحدة ان كانت جادة في تقديم مساعدتها للشعوب العربية , ان تكف عن دعمها للأنظمة العربية , و بالعمل من خلال منظمات الأمم المتحدة لتطبيق معاهدات حقوق الأنسان التي أقرتها المنظمات الدولية , كما تفعل اوروبا . ورفض رفضاً قاطعاً مسألة اسقاط الأستبداد في سورية عن طريق الغزو الخارجي .
ويرى السيد الترك , ان من واجبنا حالياً العمل على تشكيل الخط الثالث , للقوة الثالثة في الملعب السياسي السوري , باعتبار ان الخط الأول يمثله الأستبداد , والثاني يمثله الأستعمار . وتتألف هذه القوة الثالثة برأيه , من كل المتضررين من نهج الأستبداد , ويجب ان تعبر هذه القوة عن نفسها سياسياً , بتحالف وطني ديمقراطي عريض , يضم كل القوى السياسية الديمقراطية , والقوى الأجتماعية الديمقراطية , والشخصيات الديمقراطية . يلتقي هذا التحالف على الحدود الدنيا , وهي الأنتقال بالبلاد من حالة الأستبداد الى الحالة الديمقراطية سلمياً . وبهذا المعنى فان هذا التحالف يتسع للمعارضة الأسلامية المهجّرة , التي نبذت العنف واختطت الطريق الديمقراطي السلمي في نشاطها , بعد ان يقدموا أعتذارهم لأهالي ضحاياهم الذين سقطوا في أحداث السبعينات و الثمانينات من القرن الماضي . وبهذا المعنى ايضاً فهناك مكان ايضاً ضمن هذا التحالف الوطني العريض لفصائل من داخل النظام نفسه , بشرط ان لا تكون اياديهم ملوثة بالدم , أو بالمال الحرام .
وبعد انتهائه من تقديم عرضه تقدم عدداً من الحضور وأدلوا بآرائهم وتسائلاتهم حول ماورد وما لم يرد بعرض الضيف . وقد عكست تلك التساؤلات والأراء قلق المهاجرين على وطنهم الأم , كما أظهرت تقارباً شديداً بين وجهات النظر المختلفة المطروحة . الا سؤالاً وجّه من أحد الأخوة الأكراد , أثارت الأجابة عنه تحسساً عند السائل وأصدقائه وقد كان السؤال على الشكل التالي : " ما هو موقفك من المسألة الكردية . ان موقفك مازال مبهماً و غامضاً ؟ ". وعلى أعتبار ان السيد الترك , لم يتعرض بكلامه الى التفصيل بأزمات الوطن , ومنها طبعاً المسألة الكردية , فقد كان واضحاً , بأن هذا السؤال مرتبط مع أحداث , أو نقاشات , أو مواقف مسبقة . وقد عبر السيد الترك ايضاً عن انفعالات , لا بد وانها مرتبطة بشيء سابق أيضاً , وتوحي بأن هذا السؤال قد طُرح عليه وبنفس الصيغة " موقف مبهم " مرات عديدة مما يوحي بأن مصدر السؤال لا يريد سماع رأي السيد الترك بالمسألة الكردية , لا بل يريد انتزاع اعتراف من السيد الترك بقرار قد تكون بعض الجهات الكردية اتخذته , حيث قال بالحرف الواحد ( لا أقبل أن يأتيني كردي حاملاً خارطة لكردستان , تصل حدودها الى الفرات , بالوقت الذي فتح أكراد العراق ( ويقصد الحزبين الكرديين الكبيرين ) أرضهم لقوات الغزو الأمريكية . هذه خيانة ) نعم انها خيانة , وهذه الخيانة ليست حصراً بالحزبين الكرديين وبأهل الخارطة , بل تشمل كل القوى السياسية العراقية التي تعاونت مع الغزو , وسّهلت له , وتعمل تحت أمرته . أما عن موقفه من المسألة الكردية فقد قال . بأن المشاكل التي يعاني منها الأكراد في سورية , لا يمكن ان تجد حلاً لها الا من خلال نظام وطني ديمقراطي , يعترف للمواطنين بحقوقهم القومية والوطنية والأنسانية . من هنا فانه يرى بأن واجب الحركة السياسية الكردية , ان تنخرط في النضال من أجل التحويل الديمقراطي في سورية , ان ارادت الوصول الى حلول عادلة للمسألة الكردية .كما أكد على أن الوضع الكردي ليس من صنع الشعب العربي , فاتفاقيات سايكس – بيكو , قد قسّمت المنطقة بالشكل الذي هي عليه اليوم , وأصاب الأكراد منها ما أصاب العرب .
لقد كان اللقاء مفيداً من نواحي عديدة , منها :
1 – بالنسبة للضيف , حيث كانت فرصة ثمينة له ليستمع الى آراء السوريين والعرب والأكراد - الذين يعيشون خارج الوطن - بما يجري . وحيث انه سيحمل تلك الأراء معه الى الوطن لتساهم في اغناء مسودة برنامج الحزب الشيوعي السوري الجاري العمل عليها , لتقدم الى المؤتمر السادس للحزب الذي سينعقد لاحقاً لآقرارها .
2 – كان فرصة لمن حضر اللقاء من ابناء الجالية العربية للتعرف على مناضل شجاع وبسيط , أفنى عمره في النضال من أجل حق الأنسان في الحرية والحياة الكريمة , و ما زال يسير في طريق ما آمن به .
3 – كان مفيداً على صعيد توضيح معالم الطريق الثالث الى القوة الثالثة , وخاصة بعد ما أصاب الساحة العراقية من ارتباك قبل الغزو الأمريكي , حيث فُرض على الناس الخيار بين امريكا , أو الأستبداد , فاختارت الحياد , بعد ان أخرجها الطرفان المتصارعان من ساحة الفعل السياسي . وكي لا تتكرر المأساة في سورية .
4 – كان مفيداً على صعيد توضيح موقف القوى الديمقراطية من عودة جميع ابناء الوطن الى حضنه , ورسم طريق العودة , وتحديداً ما يتعلق بالمعارضة الأسلامية المهجّرة . بعد ان أكدت قوى الأستبداد وبمواقف عديدة ومعلنة أصرارها على ان تبقى نشازاً , خارج الأجماع الوطني , وتأكيدها على أستمرار احتفاظها بالوطن كمزرعة لفاسديها ليمتصوا خيراته .
5 – بيّن هذا اللقاء , انه مازال للشخصيات الوطنية , الصادقة , والمنسجمة مع ذاتها طرحاً وممارسةً , امكانية لجمع الشعب حولها , والسير معه على طريق الخلاص , بالرغم من استمرار اجواء الخوف والرعب من بطش النظام .
وأخيراً نقول بأنه كان من الممكن ان تكون فائدة اللقاء أكبر وأعم فيما لو توفرت خبرة أفضل على صعيد تنظيم هكذا لقاءات , فما زلنا نفرك عيوننا لتتأقلم وتعتاد على نور العلنية , بعد خروجنا من ظلمات تحت الأرض التي دامت أكثر من ربع قرن ولم تنته بعد .
فريد حداد 25102003