أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مصطفى الصوفي - مع مكاريد الاخرس (ذكرياتي عن المكاريد).















المزيد.....

مع مكاريد الاخرس (ذكرياتي عن المكاريد).


مصطفى الصوفي

الحوار المتمدن-العدد: 4039 - 2013 / 3 / 22 - 13:17
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


من طفولتي. اذكرهم وهم يتجولون في حينا ,يرفعون اصواتهم, و بِتَلحِينه مميزة ينادون(عتيك*١....عتيك للبيع ...عتيك...... عتيك للتبديل). بسحنات سمراء غامقة ,و لهجات لم تكن مألوفة في مدينتي يمتهنون مقايضة (العتيق ...بالجديد). يبادلون ما اهترى من ادوات المنزل وأجهزته ,وحتى قطع الملابس والاحذية, واي قطعة نحاس او المنيوم بقطع جديدة او مبلغ من المال*٢، لازلت اذكر ايضا تلك التحذيرات الكثيرة التي تصدر من الاهل والاقارب, بعدم الاقتراب من هؤلاء القوم او التحدث معهم (يزرعون الخوف في أنفسنا بحجة أنهم يخطفون الاولاد ويسرقون المنازل وكانت بعض الهمسات بين الكبار تقول انهم وكلاء تابعين لجهاز الامن أو الاستخبارات العراقية).اتذكر امي وهي تتعامل معهم بحذر و ارتياب . يجيء هؤلاء الجوالين من منطقة بغدادية تسمى (الثورة) , و يشاع جدا ان ابناء تلك المنطقة هم ماكرون جدا ، قساة القلب وعديمي الاخلاق ..

اذكر اني انبهرت احدى المرات بعددهم الكبير في الشورجة٣*، وهم يعملون كحمالين ينقلون البضائع على ظهورهم او على العربات، في وقتها كان ابي يعمل تاجر للسجائر والمواد الغذائية , واذكر مزاحه مع العجوز المكرودة(أم حسين) التي تفترش الشارع لبيع السجائر , حيث كان ابي يشتري منها نوعا من السجائر الممنوعة*٤ في ذلك الوقت وهي تقول
- بوية احنة اهل الثورة بالنهار نصلي ورة السيد وبالليل ناس تطفر على ناس..

لم تقتصر مهنة المكاريد في ذلك السوق التجاري على بيع الممنوعات و تحميل الصناديق بل كان البعض منهم يشكل عصابات منظمة للنشل والسرقة و حتى ان ابي تعرض للسرقة اكثر من مرة على ايدي بعضهم ..

بعيدا عن ذكرياتي اعود للكتاب لندخل في(سراديب المكاريد) فالاخرس يسرد قصة البيئة التي ينشأ بها المكرود الذي غالبا ما يسلك طريقا من نوع آخر, تفترضه عليه الحاجه والعوز وبعض الظروف القاسية الخارجة عن ارادته ، فالمكاريد غالبا ما يعيشون في معاناة وحاجة دائمة بسبب الفقر الشديد الذي هم فيه، لنجد ان اكبر احلام غالبيتهم هو ان يتذوق صنف من طعام ما او يرتدي ملبس معين حلم به من طفولته ...
ان اكبر ظلم تعرضت له تلك الفئة هو انعدام اي فرصة او مشروع لإنقاذها وانتشالها مما هي فيه, بل كانت الحكومة القومية قد سلكت سلوكا واضحا للقضاء عليهم ونبذهم لكونهم بنظرها السرطان الذي ظهر فجأة في خاصرة العاصمة (الثورة) ..

يقول الاخرس :-
(لا اكاد اكتب عن مكروديتي شيء حتى أكتشف انني لست اميرا في هذا الجانب , والسبب انني , وانا اكتب أي شيء , ربما أحرض الاصدقاء على التفكير ب(مكَروديتهم) والنتيجة هي سماعي ذكريات تبدو حكاية القاط ازائها مجرد مزحة .
حين حدثت أحدى صديقاتي بقصة القاط قالت انها لا تزال حتى اليوم تتحسر على تلك الدمية التي تمنت أن تقتنيها. اقصد (اللعابة ام الشعر) التي ظلت تنتظر مجيئها مع الوالدة دون جدوى. فمع كل ذهاب الى السوق تتعلق الطفلة بأذيال امها كي تشتري لها اللعابة فترفض الام وتعد بشرائها , تبقى البنت جالسة في عتبة الباب على أحر من الجمر , وبعد طول انتظار تهل الوالدة بعذرها الابدي: يييييييا نسيت !!.
في اليوم التالي تستعاد المأساة بالتفاصيل نفسها. تمسك الطفلة ذيل العباءة وتصرخ بلوعة: اريد لعابة أم الشعر . فتتهرب الام وتعد بأحضارها ثم تتي وهي تحسل العذر ذاته : يييا نسيت !.
عبارة(يا نسيت) لها مرادفات لا تحصى مثل : براس الشهر. فحين يطالب احدنا اهله بشراء شيء ,يسوف الاخرين الموضوع بالقول , ميخالف براس الشهر . بل هم احيانا يتندرون منك ويضحكون على عقلك اذا ما طلبت شيئا اكبر من امكانياتهم كأن ترغب بشراء (بايسكل) مثلا..
شخصيا كان لامي مرادف لعبارة (يا نسيت) لايفارق لسانها العذب. تراني اقول لها : يمه اشترولي طوبه كريكر .. كلهم عدهم طوبات كريكر!.
فتجيب بصوت كسير: ميخالف الله كريم!. وكان هذا الجواب ترجمة مهذبة للرفض!!.
الحق أن عبارت مثل هذه لم تكن سوى مسارب هروب أمنه تعرفها امهاتنا كمعرفتهن فن البكاء , ويجدن استعمالها كأجادتهن وضع الاكف على الخدود اثناء حدوث المصائب, ذات مره دخلت الى المطبخ ايها السادة فرأيت امي متربعة امام الثلاجة, كفها على خدها ودموعها تنزل بتؤدة . ارتعبت وسألتها: ها خير خو ماكو شيء ؟!. فقالت بصوت متهدج: الثلاجة خربت يمه !.
البكاء على الثلاجة التي تتعطل ومداراة التلفزيون الذي لايعمل الا بصفعة على جانبه ما كان ليكون لو لا قلة ذات اليد فهم كانوا يعيشون بالتقتير والتدبير ويحسبون مصروفاتهم حسابا دقيقا بحيث يكون مصداقا قل نظيره لمثل المكاريد الاثير : مدر رجلك على كد غطاك ..
حين قصصت على احدهم قصه حادثه بكاء امي بسبب كارثه الثلاجة العاطلة دهُش الاندهاش كله وحدثني كيف ان نساء الجنوب كن يلطمن الصدور ويخمشن الوجوه وينثرن الشعور حين تنفق جاموسة او عجل من القطيع , بل ان بعضهم يبالغون فيذكرون انهم يتلقون التعازي بسبب تلك الميتات ..
هكذا هم الفقراء والمساكين أذن. يبكون تارة ويسخرون من حياتهم تارة . يداعبون (لعبايات) صلعاءفي عبة الباب صباحا ويحتضنون دمى شقراء بخصلات ذهبية ليلا ...
هذكا هم كتلة من الجدل والخيبة والاحزان والاحلام , كتلة من كل هذا تذوب في بوتقة الغيب , ذلك الاتي غدا او بعد الف عام : الله كريم !!..)
ينتقل الاخرس ايضا من معاناة الفقر الى معاناة سراديب الحروب والموت التي سيق اليها المكاريد وكانوا حطبها الدائم حيث يقول:-
منذ عام 1985 وانا حبيس حفرة الخوب التي رأيت فيها موتي.
انا وقلبي اتعشنا معا, أمسكته لئلا يفر من الحفرة , حيث الايرانيون يحيطون بنا وخلفهم ابناء جلدتي من ذوي اليشامغ الحمر, المكلفون بأعدام المتخاذلين . كانوا ينتظروننا خلف خطوط التماس وأصابعهم على الزناد.
حينذاك ومن (حلاة رواحنا) فكرنا في الهرب الى الخلفيات. وما هي الا خطوات حتى صاح بنا ملازم صباح : قفو يا متخاذلين. كان بيده مسدس. اطلق علينا رصاصة لتخويفنا فأستسلمنا لاوامرة .
قال : اما اعدمكم بيدي او تصولو على الايرانيين!.
قلنا: سنقتل يا سيدي !!.
فأجاب : هذا اشرف لكم.
ونفذنا الصولة حينها , نفذناها يا قلبي صارخين : الله أكبر . وكان الله اكبر بالفعل حين انجانا من رصاص الايرانيين وهيأ لنا حفرة مليئة بالاسلاك الشائكة , قفزنا , أدميت اذرعنا وتخربشت سيقاننا , وكان ملازم الموت ينظر الينا بغضب .
كنا سنقتل لو لا ضابط الركن الذي صرخ به : أنهم صبيان !!.
أجل كنا صبايان نبت الزغب توا في اذقانهم وشرع التمر تلك الايام يحلو في نخيلهم. بيد ان الحرب. يا قلبي, رمت بنا الى الحفر حيث الموت كوابيس والكوابيس موت. ونحن بين هذا وهذا نتأرجح في ليال بهيمة ونتسمع الى الجسد قلقين : هل كل شيء على ما يرام ؟.
فيا قلبي , يا حصاني , للمرة الالف اتوسل اليك : لا تجمح , لاتكن مثل ذلك الملازم , لا تهددني بين لحظة واخرى وتطلع النار .
مازلت صبيا حتى وانا في الاربعين .)...

في فصل الدهاليز الكثير من القصص التي رواها الاخرس ,اخترت منها اثنين , وربما هما الاهم , لانهما تدوران حول الفقر والحرب , وهما حجرا الرحى الاشد طحنا للبشر في على هذا الكوكب ....
---------------
١*كلمة شعبية معناها عتيق وكانت تلحن بأسلوب وصوت قوي لجذب الناس.

*٢ كان الفرق بالكمية حيث تعطى مواد قديمة كثيرة مقابل قطعة او قطعتين جديدة ويتم ذلك بعد مفاوضات غالبا بين ربة المنزل وما يسمى بـ(أبو العتيك) وتستخدم المادة الخام الاولية لتلك الادوات بإعادة صناعتها الى ادوات اخرى اقل جودة. كانت تلك الظاهرة منتشرة كثيرا في العراق بسبب ظروف الحصار والفقر الذي يعم البلد.

*٣ سوق تجاري لبيع المواد بالجملة في العاصمة العراقية بغداد.

*٤ لفي تسعينات القرن الماضي قررت الحكومة منع بيع وشراء السجائر الاجنبية وكانت تعاقب من يفعل ذلك بالسجن لعدة سنوات ..



#مصطفى_الصوفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مع مكاريد الاخرس( المكَاريد في تكريت).
- مع مكاريد الاخرس( هل ليلى مكَرودة؟.)
- السيد المسئول جاسب المجيد حفظة الله ورعاة
- حَدَوث و عُربان
- الحريق العربي
- لصوص الانسانيه
- المُستلحد العربي
- اسطورة بغدادية. قصة قصيرة
- كفخة بلجن تصحون يا ال طوريج وال العوجة
- تقبل الاخر يا صاحب الدين
- دع الاخره لما تؤمن به
- دجلة دمنا وفرات دموعنا..(وطن)
- فلكلور المتثيقف
- دجلة دمنا وفرات دموعنا
- الأمن الجامعي ....حلاقين
- بحيرة الفكر
- رجال أصل الشرور
- للناقد أم للبسيط ؟
- فلتر للترشيح
- المتثيقف العربي


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مصطفى الصوفي - مع مكاريد الاخرس (ذكرياتي عن المكاريد).