أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الكعبي - حراسة الأثر














المزيد.....

حراسة الأثر


حيدر الكعبي

الحوار المتمدن-العدد: 4033 - 2013 / 3 / 16 - 21:48
المحور: الادب والفن
    


حراسة الأثر*



خمسة عشر شراعاً لزورقٍ واحد أعِدَّ على عجل للإبحار في الرمل، هذه اللانهاية من الغُبرة "حيث الجهات تحاصر الجهات." خمسَ عشرةَ مِزقة، هي كل ما تبقّى من قمصاننا العراقية "المنفية" في خِضَمٍّ من الكثبان العملاقة الهائجة والرياح الشعثاء المتوعدة. حيث – بعد كل انهيارٍ أو انجرافٍ، تحطمٍ أو تشظٍّ، انقلابٍ أو انطمارٍ، إعصارٍ أو قيامةٍ أو زلزال – نلتقط أنفاسنا، ونتلفتُ وجِلين، ثم نُحصي نكبتنا.
ولا نلبثُ حتى نعاود سيرتَنا الأولى، محاولتَنا المستميتة لـبَثْق "جرح في الخواء"، و"لإسناد قاماتِ أسئلتنا"، صوارينا المترنحة يتيمةِ الخُضْرةِ هذه، عبْرَ "محيطاتِ الجَدْب."
نخترق لجج الرمل، متقلِّبين بين جحيم نهاراته وصقيع لياليه، متفلِّتين من أحابيله، وهو لا يني يترصدنا بعيونٍ مُغْمَضة، ويُهَدْهِدُنا بشخيره، يمسح أقدامنا بِخَطْمِه، ويتلمَّظُ ويُهَمْهِم، مادّاً في حبل فريسته، يسبقنا ويتعقبُّنا— وحشٌ مداهن، ذو نَهَمٍ لا يؤتَمَن، وشهوةٍ للافتراس لا تَبْرأ، راسخة، كاسرة، محمومة، يُضْمِرها أبداً، ويتلوّى تحت ضغْطها، يروِّضها ويُمَنِّيها ويُربِّت عليها، يلطِّفُها أو يَكْبَحُها. ولكنه يضيقُ بها فجأةً، فيتفجًّر، يثور على أناتِه وحِلْمِهِ وشهامتِه، ويَكْفرُ بالحكمة التي كبَّلتْ شراهتَه وحَدَّتْ من جنونه، ويُجَدِّف على آلهتِه، وُيطيحُ بها، ويَلْعنُ ما سلفَ من حرمانه.
ومرة أخرى نتفقدُ بعضنا، ولكن أيُّنا هو الآخر؟! لقد غامتِ الملامح، وحالتِ الألوان.
أهدابنا ترشح رملاً،
أفواهنا تَمُجُّ رملاً،
رئاتُنا تنضحُ رملاً،
حتى السماء تَنْحَلُّ رملاً وتعجِّلُ في وَأْدِنا.
ولعلَّ أقدامَنا تعثَّرتْ بسرّ وقوف أسلافنا على الأطلال. هل يحدث هذا في بقعةٍ مأهولةٍ أخرى من بقاع الأرض: أن تستنفرَ الصحراءُ عساكرَها كلَّها لتنقضَّ على مُخَلَّفاتِ الإنسان الحميمةِ الضعيفةِ، أزاهيرِ عذابهِ المترمِّلاتِ، فتَمْحَقُهُنَّ في طرفة عين؟! كأنهنَّ ثُغراتٌ في هيمنتها، أو أرحامٌ في عُقْمها، أو شهودٌ على هزيمتها، فتسارعُ الى مَحْوِهِنَّ خشيةَ إيقاظِ أطماعٍ جديدة.
ثم، ما إِنْ تَتِمَّ لها الغَلَبَة، حتى تُسرّحَ جيوشَها، وتتمددَ بطولها الأسطوريِّ كي ترتاح، وكأنْ لا هَمَّ لها سوى إقامةِ الحدِّ على مقترفي الحياة.
نحن متقشفون في أحلامنا، إذن. وهل يُبْنى صَرْحٌ على الرمل؟! ولكننا نحرس آثارَ مسيرتِنا من الطَّمْسِ، ما وَسِعَنا ذلك.
يكفي ما سبق. على قبورنا أن تتشبَّثَ بشواهدها. فَلَئِنْ "لمْ يكتملْ موتُنا" بعدُ، فها نحن "نَتَهَجَّاهُ جُرْحاً جُرْحاً."



آذار 1993


• مقدمة (إبحار في الرمل)، أنثولوجيا الشعراء العراقيين في مخيمي الأرطاوية ورفحاء للاجئين في السعودية. من إصدارات دار الينابيع بدمشق، 1995.



#حيدر_الكعبي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشباح / براين ترنر
- قصيدة الجرّاح / براين ترنر
- أكياسُ الجُثَث / براين ترنر
- هنا، أيتها الرصاصة / براين ترنر
- موقع المراقبة رقم 71 / براين ترنر
- خِزانةُ الوَجَع / براين ترنر
- ما على كلِّ جنديٍّ أن يَعْرِفَه / براين ترنر
- القافلة / براين ترنر
- سوق الأسلحة / شعر: براين ترنر
- -مراقبة بالناظور- لبراين ترنر
- براين ترنر: شاعر أم جندي؟
- حكاية الإبحار: لمحة عن النشاط الثقافي في مخيمي الأرطاوية ورف ...
- البصرة تنشر ديواناً شعرياً لجندي أميركي خدم في العراق
- تفجير شارع المتنبي / شعر براين ترنر / ترجمة حيدر الكعبي
- صانعةُ السَّجَّاد / شعر / ستيفن بلوستون
- (الحاوية الزجاجيّة) لسِلفيا بلاث
- مهدي محمد علي : رحيل عام 2011
- من ديوان (هُنا، أَيَّتُها الرَّصَاصَة) لبرايَن ترنر
- ديوان مهدي طه
- ثُنائيِّةُ أَسَد بابل


المزيد.....




- فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون ...
- لولا يونغ تلغي حفلاتها بعد أيام من انهيارها على المسرح
- مستوحى من ثقافة الأنمي.. مساعد رقمي ثلاثي الأبعاد للمحادثة
- جمعية التشكيليين العراقيين تستعد لاقامة معرض للنحت العراقي ا ...
- من الدلتا إلى العالمية.. أحمد نوار يحكي بقلب فنان وروح مناضل ...
- الأدب، أداة سياسية وعنصرية في -اسرائيل-
- إصدار كتاب جديد – إيطاليا، أغسطس 2025
- قصة احتكارات وتسويق.. كيف ابتُكر خاتم الخطوبة الماسي وبِيع ح ...
- باريس تودّع كلوديا كاردينال... تكريم مهيب لنجمة السينما الإي ...
- آخر -ضارب للكتّان- يحافظ في أيرلندا على تقليد نسيجي يعود إلى ...


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الكعبي - حراسة الأثر